المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > ما انعكاسات حل حزب العمال الكردستاني على المشهد السياسي والأمني في تركيا؟
ما انعكاسات حل حزب العمال الكردستاني على المشهد السياسي والأمني في تركيا؟
- مايو 14, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: أحمد فهمي
منسق برنامج دراسات الدول التركية
أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) في بيان صادر عن مخرجات مؤتمره الثاني عشر الذي عُقد بين 5 و7 مايو 2025، عن قرار تاريخي يقضي بحل هيكله التنظيمي وإنهاء مرحلة العمل المسلح، معلنًا عن بدء مرحلة جديدة من العمل الديمقراطي السلمي، ويعد هذا التحول غير مسبوق في تاريخ الحزب الذي خاض صراعًا مسلحًا دام لأكثر من أربعة عقود ضد الدولة التركية، ويحمل هذا القرار انعكاسات متعددة بالنسبة لتركيا، ليس فقط على المستوى الأمني والداخلي، بل أيضًا على الصعيدين السياسي والاجتماعي، إذ يمثل تحولًا جوهريًا في طبيعة الصراع الكردي التركي.
ظروف انعقاد المؤتمر:
عُقد المؤتمر الثاني عشر للحزب في أعقاب دعوة عبد الله أوجلان، مؤسس وزعيم الحزب، عبر رسالة من سجنه في جزيرة “إمرالي” بتركيا في شهر فبراير الماضي، لحل الحزب وإلقاء السلاح والانتقال إلى العمل السياسي السلمي، وقد نُشرت الرسالة من قِبل الحزب الكردي في البرلمان التركي “المساواة والديمقراطية للشعوب” (DEM) خلال مؤتمر صحفي عُقد في إسطنبول.
جاء هذا الإعلان متزامنًا مع تحقيق الجيش التركي عددًا من النجاحات الميدانية في عملياته العسكرية ضد الحزب، رغم أنه لم يتمكن من إنهاء وجوده بشكل كامل، وهذا الوضع زاد من الضغوط على قيادة الحزب، ما دفعها إلى مراجعة خياراتها الاستراتيجية، ومع تصاعد التحديات الأمنية والسياسية وجد الحزب نفسه أمام نقطة تحول دفعته إلى عقد المؤتمر في ظل وضع معقد يمكن تلخيصه في النقاط التالية:
-
التحديات الأمنية:
أبرز ما يلفت الانتباه في ظروف انعقاد المؤتمر هو الإطار الأمني بالغ التوتر الذي انعقد فيه، حيث ذكر بيان الحزب أن المؤتمر انعقد “رغم استمرار الحرب والهجمات الجوية والبرية والحصار”، ما يكشف عن طبيعة البيئة الأمنية المضطربة التي لا تزال تحيط بالحزب ومقاتليه، لا سيما من جهة الدولة التركية والحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان العراق، الذي يتهمه حزب العمال بالتعاون مع أنقرة وفرض الحصار على مناطقه. واضطر الحزب، بسبب هذه التهديدات، إلى عقد مؤتمره في موقعين مختلفين في وقت متزامن، وهو إجراء يعكس الوضع الأمني المتأزم ومحاولة تقليل المخاطر على القيادة والمندوبين. وبهذا المعنى، لم يكن المؤتمر مجرد اجتماع تنظيمي دوري، بل جاء كتحرك سياسي يحمل دلالات واضحة على عزم القيادة على المضي قدمًا في خيار معقد، رغم التحديات والظروف غير المواتية التي تحيط به.
كما تزامن توقيت الانعقاد مع انحصار نشاط الحزب في ظل تصاعد العمليات العسكرية التركية ضد معاقله في جبال قنديل شمال العراق، التي تعد المركز القيادي الأبرز للحزب ومقر قيادته العليا. فخلال السنوات الأخيرة، كثفت تركيا هجماتها الجوية والبرية على هذه المناطق، ما أدى إلى تقليص قدرة الحزب على التحرك بحرية في مناطقه التقليدية، وقد استهدفت العمليات العسكرية التركية البنية التحتية العسكرية للحزب، مما أسفر عن تدمير مخازن الأسلحة والأنفاق، وهو ما فرض على الحزب تحديات كبيرة في الحفاظ على استقراره التنظيمي وضمان التواصل بين عناصره في مناطق متعددة، وأسهمت تلك الضغوط الأمنية في تقليص المساحات التي يمكن للحزب العمل فيها.
-
المناخ السياسي:
انعقد المؤتمر في أعقاب متغيرين مهمين: الأول، هو مبادرة رئيس حزب الحركة القومية التركي، دولت بهتشلي، التي أُطلقت في أكتوبر 2024، والتي دعا فيها إلى “فتح باب الحوار” مع عبد الله أوجلان لإنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني عبر حله طوعًا، وهي دعوة لاقت دعمًا واضحًا من الرئيس رجب طيب أردوغان. والثاني، هو استجابة أوجلان نفسه لهذه الدعوة من داخل سجنه في جزيرة “إمرالي”، حيث وجه نداءً صريحًا إلى حزبه لإلقاء السلاح وحل نفسه. ويشير بيان حزب العمال إلى أن “العملية التي بدأت بنداء أوجلان اكتملت بقرارات المؤتمر”، ما يعكس الدور الحاسم الذي ما زال يلعبه أوجلان كزعيم روحي وتنظيمي حتى في ظل عزلة مشددة امتدت لـ27 عامًا.
-
الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة:
استمرار تصنيف الحزب كتنظيم إرهابي من قِبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتعاظم التعاون الأمني والاستخباراتي الإقليمي ضد مواقعه، وضع الحزب في حالة عزلة استراتيجية، دفعته إلى إعادة صياغة صورته وخطابه السياسي، أو على الأقل إرسال إشارات تفيد باستعداده للانفتاح على سيناريوهات جديدة، تشمل تحولات تنظيمية أو سياسية جذرية. وفي هذا السياق، تبرز الاتفاقية الأمنية التي وقعتها تركيا مع العراق في أغسطس 2024، التي هدفت إلى مكافحة الجماعات المسلحة المتمركزة في شمال العراق، بما في ذلك حزب العمال الكردستاني، باعتبارها جزءًا من جهود أوسع لاحتواء نفوذ الحزب في المنطقة.
انعكاسات متعددة:
عقب إعلان قرار حل حزب العمال الكردستاني، يُتوقع أن تترتب على ذلك انعكاسات متعددة على المشهدين السياسي والأمني في تركيا، مع احتمالات بحدوث تحول مستقبلي في مسار النزاع الكردي-التركي، ويمكن إجمال أبرز هذه الانعكاسات في النقاط التالية:
-
شعبية أردوغان بين الأكراد والقوميين:
يؤثر قرار الحل بشكل مزدوج على شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية؛ فمن جهة يعزز القرار من شعبيته لدى الأكراد المعتدلين الذين يرونه خطوة نحو السلام والاستقرار، مما قد يسهم في زيادة دعمهم السياسي للنظام الحاكم، فقد ساهم انفتاح حزب العدالة والتنمية على الأكراد خلال حملته الانتخابية عام 2007 في فوزه بأكثر من 60% من الأصوات في جنوب شرق الأناضول، خصوصًا في مدن مثل فان وديار بكر. في المقابل، قد يواجه أردوغان تحفظًا من بعض قواعده القومية، التي تبدي رفضًا لأي حوار سياسي مع المكون الكردي، وقد سبق أن عارضت عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني التي توقفت في مارس 2015. وبالتالي، فإن التوازن بين كسب التأييد الكردي واحتواء التحفظات القومية قد يؤدي إلى تباين في تأثير القرار على شعبيته، خاصة على المدى القصير.
-
تفكيك التهديد المسلح:
يمثل الإعلان نهاية محتملة لتهديد طال أمده لعقود، إذ أن الحزب الذي بدأ كحركة تحرر كردية تحول مع مرور الوقت إلى منظمة مسلحة نفذت العديد من الهجمات التي أسفرت عن مقتل الآلاف من المدنيين والعسكريين الأتراك. وبالتالي، فإن حل الحزب من شأنه أن يؤدي إلى تقليص أو إنهاء الهجمات المسلحة خصوصًا في جنوب شرق تركيا، التي طالما شهدت صراعات متواصلة بين الجيش التركي ومقاتلي الحزب.
ومع ذلك، لا يمكن الجزم بزوال الخطر الأمني كليًا، في ظل استمرار وجود فصائل مسلحة مرتبطة بالحزب في مناطق جبلية وعرة داخل سوريا والعراق، كما أن إنهاء الكفاح المسلح يفتح الباب أمام تحديات أخرى تتعلق بكيفية دمج أفراد الحزب ومؤيديه في الحياة السياسية السلمية، دون أن يتحول ذلك إلى عبء أمني جديد.
-
إعادة رسم العلاقة مع الأكراد:
يعكس حل الحزب تحولًا محتملًا في مقاربة الدولة التركية للمسألة الكردية، بعد أن ظلت أنقرة تصنف الحزب كمنظمة إرهابية وتعتمد أسلوب المواجهة العسكرية والأمنية معه. أما الآن، ومع تبني مسار الحل السلمي، يُتوقع أن يُضطر النظام السياسي التركي إلى التعامل مع المطالب الكردية من منظور جديد يتجاوز المقاربة الأمنية التقليدية، ويُمهد هذا التحول الطريق لحوار أوسع مع القوى الكردية سواء في الداخل أو الخارج، وفي مقدمتها حزب “المساواة والديمقراطية للشعوب” (DEM)، الذي طالما وُضع تحت مجهر الرقابة بسبب ارتباطات مزعومة بحزب العمال الكردستاني.
-
دعم الاستقرار المجتمعي:
يُسهم القرار في تعزيز التعايش السلمي بين الأتراك والأكراد، من خلال فتح المجال أمام إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع التركي. ومع ذلك، فإن نجاح هذا التحول الاجتماعي يظل مرهونًا بقدرة الدولة على معالجة التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المناطق ذات الغالبية الكردية، والتي لطالما كانت مصدرًا للتوتر والانقسام.
-
مراجعة السياسة الإقليمية:
يدفع حل الحزب أنقرة إلى إعادة تقييم سياساتها الإقليمية تجاه أكراد العراق وسوريا، لا سيما أن الوجود العسكري والسياسي للحزب في شمال البلدين كان يُعد مصدر تهديد استراتيجي لتركيا، وإذا ثبت تفكيك الحزب فعليًا داخل تركيا، ستواجه أنقرة تساؤلات متزايدة بشأن كيفية التعامل مع القوى الكردية الخارجية، وعلى رأسها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، المرتبطين بالحزب تاريخيًا.
-
إعادة تموضع تركيا خارجيًا: