المقالات
الدولةُ في مواجهة اللا دولة: قراءة في هجوم الجماعات المُسلحة على الشمال البوركيني
- مايو 17, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات

إعداد : إلهام النجار
باحث مساعد في برنامج الإرهاب والتطرف
فجر الأحد 11 مايو 2025، شهدت مدينة “جيبو” الواقعة في شمال بوركينا فاسو واحدة من أعنف الهجمات المُسلحة التي نفذتها جماعات جهادية مُنذ تصاعد العنف في منطقة الساحل الإفريقي، أسفر الهجوم عن مقتل أكثر من 100 مدني، وتدمير منشآت حيوية، وتأكيد انهيار شبه كامل لسُلطة الدولة في مناطق واسعة من البلاد، لم يكن هذا الهجوم مجرد حدث أمني معزول، بل جاء ليجسّد عمق الأزمة المتعددة الأبعاد التي تعيشها بوركينا فاسو، في ظل تفكك الدولة، وتصاعد العنف المُسلح، وتراجع قدرة المؤسسات الوطنية والدولية على الاستجابة، وتكتسب هذه الواقعة أهمية خاصة بالنظر إلى موقعها الزمني والسياقي، إذ تأتي في أعقاب سلسلة من الانقلابات العسكرية، وتحت حصار خانق تفرضه الجماعات المسلحة على مدن الشمال، وسط إخفاق واضح لجهود مكافحة الإرهاب الإقليمية والدولية، كما تعكس الأزمة تدهورًا في الأوضاع الإنسانية والمعيشية، وفشلًا متفاقمًا في حماية المدنيين، إلى جانب تصاعد التنافس الجيوسياسي حول النفوذ في منطقة الساحل.
في هذا السياق، يهدف هذا التقرير إلى تحليل دلالات الهجوم بمستوياتها المختلفة (الأمنية، السياسية، الإنسانية، الاستراتيجية، الإقليمية، الرمزية)، وبيان تداعياته الداخلية والدولية، واستكشاف التحديات الهيكلية التي تواجه بوركينا فاسو في ضوء هذا التصعيد،
أولًا: تفاصيل الهجوم
نفذت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، في مدينة جيبو شمال البلاد، الواقعة في إقليم الساحل هجومًا استهدف معسكرات الجيش ونقاط التفتيش والمرافق العسكرية الرئيسية، وقد سبق الهجوم قطع للاتصالات، في خطوة تعكس درجة عالية من التخطيط والتنسيق، كما أسفر الهجوم إلى أكثر من 100 شخص قُتلوا في هجوم شنه مسلحون متشددون في شمال بوركينا فاسو، وتدمير معسكرات ومخازن أسلحة، السيطرة المؤقتة على نقاط أمنية، ونهب معدات.[1]
ثانيًا: دلالات الهجوم
يُمثل الهجوم الذي شنته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على مدينة جيبو شمال بوركينا فاسو في مايو 2025 نقطة تحول خطيرة في مسار الصراع المُسلح في البلاد، ويتجاوز هذا الهجوم البُعد العملياتي إلى ما هو أعمق من الناحية الأمنية، السياسية، الإقليمية والرمزية، ويمكن توضيح ذلك من خلال الآتي:
دلالة أمنية – انهيار قدرة الدولة على الردع:
يكشف الهجوم عن فشل الجيش البوركيني في حماية حتى المدن الاستراتيجية رغم الحصار الطويل، مما يدل على هشاشة البنية الأمنية وغياب التنسيق بين القيادة الميدانية والسلطة المركزية، وغياب الدعم الجوي أثناء الهجوم، واحتلال المهاجمين لمداخل المدينة والمعسكرات لساعات، يعكس تفكك جهاز الدولة العسكري.[2]
دلالة سياسية – غياب القيادة وتعميق أزمة الشرعية:
تزامن الهجوم مع زيارة الرئيس الانتقالي” إبراهيم تراوري “إلى موسكو، ما فُسر على أنه غياب فادح للقيادة في لحظة أزمة، وعدم صدور بيان رسمي خلال أول 48 ساعة أثار موجة انتقادات محلية ودولية، وأعاد طرح سؤال شرعية السُلطة العسكرية الانتقالية، التي تولت الحكم بانقلاب في أكتوبر 2022 بدعوى استعادة الأمن، ومن جانبه، مُنذ انقلاب 2022 بقيادة إبراهيم تراوري، تواجه بوركينا فاسو أزمة شرعية داخلية وإقليمية، حيث تم تعليق عضويتها في المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (ECOWAS)، وتدهورت علاقتها بالشركاء الغربيين بعد طرد القوات الفرنسية، والاتجاه نحو التعاون العسكري مع روسيا ومجموعة فاغنر سابقًا.[3]
دلالة إنسانية – فشل في حماية المدنيين واستمرار الحصار:
مدينة جيبو محاصرة منذ عامين، ويعيش سكانها في ظروف إنسانية كارثية، الهجوم جاء ليزيد من معاناتهم دون أي تدخل حكومي أو إنساني عاجل، واستمرار استهداف المدنيين يثبت عجز الدولة عن ضمان الحد الأدنى من الحماية الإنسانية.[4]
دلالة استراتيجية – تطور تكتيكات الجماعات الجهادية:
نفذ التنظيم هجومًا متزامنًا على ثماني مناطق لتشتيت الطيران، وسيطر على مداخل المدينة، مما يدل على ارتفاع قدرة الجماعة على التخطيط والتنفيذ المعقد، ويُعد ذلك مؤشرًا على تحول الجماعات المُسلحة إلى نمط الجيوش الصغيرة، وليس فقط خلايا إرهابية تقليدية.[5]
دلالة إقليمية – فشل استراتيجية مكافحة الإرهاب في الساحل:
تشهد منطقة الساحل الإفريقي (تشاد، النيجر، مالي، بوركينا فاسو) منذ أكثر من عٍقد تصاعدًا متسارعًا في نشاط الجماعات المسلحة، رغم إنفاق مليارات الدولارات على استراتيجيات مكافحة الإرهاب من قِبل:فرنسا ،الولايات المتحدة
التحالف الأوروبي، القوة الإفريقية المشتركة (G5 Sahel) لكن هجوم جيبو في مايو 2025 أظهر انهيارًا كبيرًا في كل هذه المنظومات الأمنية، خاصة بعد انسحاب فرنسا وتقويض التعاون الإقليمي، وهو ما ملأه الفراغ الأمني لصالح الجماعات المتطرفة، أيضًا فشل جهود الساحل الخمس (G5 Sahel) وتنامي الدور الروسي لا يشكلان بديلًا فعالًا حتى الآن.[6]
دلالة رمزية – انهيار المشروع الوطني واستمرار التمرد:
استهداف جيبو، إحدى المدن التاريخية والمهمة، ليس صدفة، بل يحمل الهجوم رسالة رمزية بأن الدولة البوركينية فقدت السيطرة حتى على الرموز الجغرافية الأساسية، وتزايد خطاب الجماعات المسلحة حول “التحرير” يعكس محاولة خلق سردية مضادة للدولة، ما يهدد بتفكيك الدولة من الداخل ، كما أن مدينة جيبو لم تكن فقط هدفًا عسكريًا، بل كانت تمثل رمزًا للمقاومة المدنية والدولة المركزية في شمال بوركينا فاسو، صمودها لسنوات رغم الحصار، جعل منها “معقلًا رمزيًا” يُجسّد ما تبقى من فكرة “الدولة الوطنية”، لكن الهجوم الدموي الأخير، واختراق المدينة بالكامل، هزّ هذا الرمز بشدة، وكشف عن انهيار فكرة “بوركينا فاسو الموحدة”، لحساب تمدد منطق “المناطق الخارجة عن السيطرة”.[7]
ثالثًا: تداعيات الهجوم
ويمكن إبرازها من خلال الآتي:
التداعيات الأمنية:
انهيار ما تبقى من سيطرة الدولة في الشمال، كما أن الهجوم أثبت أن الدولة البوركينية فقدت السيطرة فعليًا على مدينة جيبو، حتى مع وجود قواعد عسكرية، كما أن الجماعات الجهادية أثبتت امتلاكها القدرة على تنفيذ عمليات منسقة واسعة النطاق داخل المناطق المحصنة، وكذلك انهيار المعنويات داخل الجيش، وأن الخسائر الكبيرة في الأرواح والعتاد دون تدخل جوي أو تعزيزات سريعة أدت إلى تراجع معنويات القوات المسلحة، وازدياد حالات الفرار والانشقاق من الجيش، خصوصًا في المناطق الريفية.[8]
التداعيات السياسية:
هناك أزمة شرعية للحكم العسكري، حيث غياب الرئيس إبراهيم تراوري عن البلاد خلال وقوع الهجوم، وعدم إصدار أي بيان رسمي فوري، أضعف مصداقية الحكومة الانتقالية، وتصاعد انتقادات من المعارضة المدنية ومنظمات المجتمع المدني بشأن فشل المجلس العسكري في تحقيق الأمن الذي وعد به بعد الانقلاب في أكتوبر 2022، أيضًا تصاعد خطر الانقلاب المضاد أو الثورة الشعبية، من خلال التدهور الأمني والإنساني غير المسبوق قد يدفع إلى انقلاب داخلي جديد من داخل المؤسسة العسكرية، أو احتجاجات شعبية واسعة، خاصة في العاصمة واغادوغو.[9]
التداعيات الإنسانية:
تعميق الأزمة في جيبو والمدن المحاصرة، الهجوم زاد من عزلة المدينة، التي تعاني من حصار منذ أكثر من عامين، وأدى إلى تعطيل الإمدادات الشحيحة أصلاً، كذلك تصاعد موجات النزوح، ومن المتوقع أن يفر آلاف المدنيين من شمال بوركينا فاسو نحو الجنوب أو الحدود مع النيجر ومالي، مما يزيد الضغط على مناطق الاستقبال.
التداعيات الإقليمية:
انتقال محتمل للفوضى إلى دول الجوار، واتساع نطاق الهجمات في بوركينا فاسو يثير مخاوف من امتداد النزاع إلى النيجر وغانا وتوغو، خاصة مع نشاط خلايا عابرة للحدود، كذلك تقويض مبادرات الساحل الخمس (G5 Sahel)، والفشل في صد هذا الهجوم سيضعف من مصداقية التحالف الأمني الإقليمي، ويعزز الدعوات لحلول بديلة مثل الاستعانة بالمرتزقة أو روسيا.[10]
التداعيات الدولية:
إحراج للجهات الداعمة (روسيا – تركيا(، كما اعتمدت بوركينا فاسو مؤخرًا على دعم عسكري غير غربي، خاصة من روسيا ومجموعات شبه عسكرية مثل “فاغنر”. فشل الحماية يضع هذه الجهات في موضع مساءلة دولية، وهناك دعوات لتدخل دولي إنساني وأمني ، حيث تصاعدت الدعوات من منظمات كـ “هيومن رايتس ووتش” و”أطباء بلا حدود” و”الصليب الأحمر” إلى فتح ممرات إنسانية عاجلة، احتمال طرح قضية بوركينا فاسو مجددًا في مجلس الأمن الدولي، وسط تحذيرات من تحولها إلى “صومال جديدة” في غرب إفريقيا.[11]
رابعًا: تحديات قائمة
هناك عدة تحديات ، يمكن توضيحها كالتالي:
1- التحديات الأمنية:
تفاقم ضعف قدرة الدولة على التحكم في مناطقها، حيث أنه بعد الهجوم، بات واضحًا أن الحكومة العسكرية فشلت في فرض سيطرتها على الشمال، حيث توسع نطاق نفوذ الجماعات المسلحة بشكل ملحوظ، قلة الموارد والإمكانات التقنية في الجيش الوطني تُضعف رد الفعل السريع والفعال، استخدام الهجمات المركبة والمباغتة مع استهداف المدنيين وقطع طرق الإمداد يزيد من تعقيد الاستجابة الأمنية، أيضًا اعتماد التنظيمات على استخدام العبوات الناسفة والطائرات المسيرة الصغيرة، مما يجعل الدفاع التقليدي أقل فاعلية، بالاضافة الي نقص في المعلومات الدقيقة حول تحركات الجماعات المسلحة وصعوبة الوصول إلى مصادر موثوقة داخل المناطق الساخنة، وتداخل المصالح المحلية والعشائرية يعقد عمليات الكشف والمتابعة، وهناك ضعف الرقابة على الحدود مع مالي والنيجر يسمح بعبور المقاتلين والأسلحة بحرية نسبية، والطرق التي تعتمد عليها الإمدادات الحيوية والجيوش المحلية معرضة لهجمات مستمرة، وعدم استقرار السلطة العسكرية وانتقادات المعارضة تعيق القدرة على اتخاذ قرارات أمنية حاسمة وتنسيق جهود مواجهة التهديدات، وانتشار حالة عدم الثقة بين الأجهزة الأمنية والأهالي المحليين يحد من فعالية العمليات الأمنية، وعدم توفر ميزانيات كافية لتحديث الجيش، شراء أسلحة متطورة، تدريب القوات، أو دعم المخابرات، وتأخر الدعم الدولي بسبب الشكوك حول الشرعية السياسية للحكومة العسكرية.[12]
2- التحديات السياسية:
أزمة شرعية السُلطة العسكرية الانتقالية، حيث أن السلطة الحالية برئاسة إبراهيم تراوري جاءت بانقلاب عسكري ولم تحقق وعودها بإعادة الأمن، وضعف الثقة الشعبية واتساع الفجوة بين النظام والمجتمع المدني.
كذلك غياب خارطة طريق واضحة للانتقال السياسي، ولا يوجد جدول زمني ملزم للانتخابات، كما أن مؤسسات الدولة في حالة شلل إداري، وسط تهميش دور الأحزاب والنقابات.[13]
3- التحديات الاجتماعية والإنسانية:
كارثة إنسانية وشيكة، حيث هناك أكثر من 2 مليون نازح داخلي، وانهيار شبه كامل للبنية التحتية في المناطق الشمالية.
ارتفاع حالات الجوع الحاد، خصوصًا في المدن المحاصرة مثل جيبو ودوري وأربيندا، وانقسام اجتماعي وخطاب كراهية
تصاعد الخطاب العِرقي والمناطقي، خصوصًا ضد جماعات الفولاني، الذين يُشتبه في تورط بعضهم مع المسلحين، ومخاوف من اندلاع نزاعات أهلية على أساس عِرقي أو قبلي.[14]
4- التحديات الاقتصادية:
انهيار النشاط الاقتصادي في المناطق الريفية، كما أن المزارعون عاجزون عن الوصول إلى أراضيهم بسبب تهديد الجماعات المسلحة، وغياب التجارة الداخلية وارتفاع أسعار الغذاء والوقود بنسبة تتجاوز 200% في المناطق المتضررة.
بالإضافة إلى تدهور موارد الدولة، وانخفاض شديد في العوائد الضريبية، والاعتماد المتزايد على المساعدات الإنسانية والعسكرية، وسط تراجع الدعم الغربي.[15]
5- التحديات الإقليمية والدولية:
– التحديات الإقليمية:
فشل التعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب، فعلى الرغم من وجود كيانات إقليمية مثل مجموعة دول الساحل الخمس (G5 Sahel)، إلا أن التنسيق الأمني بين الدول (خصوصًا بعد انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر) أصبح ضعيفًا ومجزأً، وغياب الثقة السياسية بين الدول العسكرية المجاورة ساهم في فشل جهود الردع الجماعي، و تمدد الجماعات الجهادية عبر الحدود: الجماعات مثل “نصرة الإسلام والمسلمين” و”داعش ولاية الصحراء” وتتحرك بحرية بين مالي، النيجر، وبوركينا فاسو، مما يصعب احتوائها داخل حدود دولة واحدة، هذه الجماعات تستفيد من الطبيعة الصحراوية الشاسعة وضعف الرقابة الحدودية، وهناك تفاقم النزاعات الحدودية والمجتمعية: الهجوم على جيبو وتوسع العنف أظهر هشاشة الحدود الشمالية، وخلق نزوح قسري نحو الدول المجاورة مثل بنين وتوغو، ما يهدد بامتداد الصراع إلى غرب إفريقيا الساحلية، بعض المجتمعات على الحدود بدأت في تشكيل ميليشيات محلية، ما يهدد بتدويل النزاع، وضعف الدور الإقليمي للاتحاد الإفريقي والإيكواس: الاتحاد الإفريقي والإيكواس لم يتمكنا من فرض حلول فعالة للأزمة، خصوصًا بعد سلسلة الانقلابات في الساحل، والتردد في التدخل أو فرض عقوبات حازمة جعل هذه المؤسسات تفقد هيبتها الإقليمية.[16]
– التحديات الدولية:
تراجع الاهتمام الدولي بالساحل الإفريقي، وانشغال القوى الكبرى (مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) بأزمات أخرى مثل أوكرانيا، تايوان، وغزة، أدى إلى تراجع الدعم والتمويل والتدخل المباشر في الساحل، كما أن القوى الغربية خفّضت وجودها العسكري واللوجستي، ما أفسح المجال لقوى جديدة كروسيا وتركيا، بالاضافة إلى انقسام في الرؤى الدولية حول دعم الأنظمة العسكرية، حيث أن فرنسا وأوروبا قلّصت علاقاتها ببوركينا فاسو بعد الانقلابات، بينما روسيا تدعم الأنظمة العسكرية عبر “مجموعة فاغنر” أو شركات أمنية خاصة، هذا الانقسام يهدد بتدويل الصراع وتحويله إلى ساحة تنافس جيوسياسي بين الغرب وروسيا، أزمة ثقة مع المؤسسات الدولية، الحكومة البوركينابية تتهم الأمم المتحدة والمنظمات الغربية بـ”التحيز” أو “التقصير”، ما أدى إلى تراجع التعاون مع الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، هذا أضعف التنسيق في الاستجابة الإنسانية وفي مشاريع إعادة الإعمار، تهديد للأمن الأوروبي والدولي عبر موجات النزوح والهجرة، وتصاعد الأزمة يولّد موجات نزوح محتملة نحو أوروبا عبر دول المغرب والساحل، مما يشكل تحديًا لأمن الحدود الأوروبية، وكذلك التخوف من تسلل عناصر متطرفة ضمن موجات المهاجرين يجعل من الأزمة تهديدًا غير مباشر للأمن الدولي.[17]
ختامًا:
تكشف أحداث هجوم جيبو في مايو 2025 عن عمق التدهور الأمني والسياسي الذي تعاني منه بوركينا فاسو، وتُعد بمثابة مؤشر صريح على تفكك الدولة وتآكل قدرتها على فرض سيادتها وضمان الحد الأدنى من الحماية لمواطنيها، لقد تحوّل الشمال البوركيني إلى ساحة مفتوحة لتكتيكات الجماعات الجهادية، في ظل تراجع الردع العسكري، وغياب التنسيق الإقليمي الفعال، وانسحاب القوى الدولية الفاعلة من مشهد الصراع، كما تتعدى دلالات هذا الهجوم حدود الداخل البوركيني، لتطال مجمل الاستراتيجية الإقليمية في الساحل، حيث تتقاطع الهشاشة الأمنية مع أزمات الشرعية، وتتعاظم الكلفة الإنسانية في ظل غياب حلول سياسية شاملة، كما تؤكد هذه الواقعة استمرار فشل النماذج التنموية والأمنية التي اعتمدها الفاعلون الدوليون لعقود، وتزايد الحاجة إلى مقاربات بديلة تنطلق من جذور الأزمة السياسية والاجتماعية، ومن ثَّم، فإن مواجهة هذه التحديات لا تتطلب فقط تدخلاً عسكريًا، بل رؤية متكاملة تُعيد الاعتبار لمفهوم الدولة، وتُعزز المساءلة والحُكم الرشيد، وتدفع باتجاه شراكة حقيقية بين القوى الإقليمية والدولية، تُعيد للساحل الإفريقي توازنه واستقراره، وحتى يتحقق ذلك، ستبقى الهجمات على غرار ما جرى في جيبو، مرآة قاتمة لمستقبل مضطرب، ما لم يُتخذ تحرك عاجل وشامل.
المصادر:
[1] أكثر من 100 قتيل في «هجوم إرهابي» شمال بوركينا فاسو، صحيفة الشرق الأوسط، تم النشر بتاريخ: 13 مايو 2025 ، متاح على الرابط التالي: https://aawsat.com//5142478-
[2] Major Jihadist Attack Exposes Military Failings in Burkina Faso, crisisgroup, available on: https://www.crisisgroup.org/africa/sahel/burkina-faso/major-jihadist-attack-exposes-military-failings-burkina-faso
[3] Au Burkina Faso, l’armée en échec face à l’offensive jihadiste sur Djibo, Le Monde Afrique,12 may 2025,available on: https://www.lemonde.fr/afrique/
[4] Burkina Faso: Civilians Trapped, Starving in Blockaded Town, Human Rights Watch, available on: https://www.hrw.org/news/2023/03/22/burkina-faso-civilians-trapped-starving-blockaded-town
[5] The Sahel’s Shifting Jihad: From Hit-and-Run to Territorial Control, International Crisis Group (ICG), available on: https://www.crisisgroup.org/africa/sahel/shifting-jihad-sahel?utm_
[6] Rebooting the Sahel’s Anti-Jihadist Strategy, International Crisis Group (ICG), available on: https://www.crisisgroup.org/africa/sahel/rebooting-sahel-strategy?utm_medium
[7] Djibo massacre deepens mistrust in Burkina Faso’s army, BBC Africa, available on: https://www.bbc.com/africa/djibo-massacre-army-mistrust
[8] Tensions dans l’armée burkinabè après Djibo, Jeune Afrique , available on: https://www.jeuneafrique.com/regions/afrique-de-louest/
[9] Africa Report – Burkina’s junta under fire after Djibo attack, available on:https://www.theafricareport.com/2025/05/13/burkina-junta
[10] Burkina Faso’s humanitarian collapse deepens after Djibo attack, The New Humanitarian, available on: https://www.thenewhumanitarian.org/news/2025/05/13/burkina-djibo-humanitarian-crisis
[11] UN News – Guterres condemns Djibo massacre, available on: https://news.un.org/en/story/2025/05/1140527
[12] International Crisis Group – Sahel security challenges 2025, available on: https://www.crisisgroup.org/africa/sahel/security-challenges-2025?utm
[13] African Center for Strategic Studies – Governance issues in Sahel, available on: https://africacenter.org/spotlight/governance-sahel-2025
[14] مرجع سابق.
[15] IMF – Country Report on Burkina Faso (2025), https://www.imf.org/en/Countries/BFA
[16] Africa Center for Strategic Studies – Sahel security vacuum , available on:
https://africacenter.org/spotlight/sahel-security-coordination-collapse
[17] Crisis Group – International disengagement from Sahel, available on:
https://www.crisisgroup.org/africa/sahel/international-response-decline