المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تطورُ الدورِ العسكريِ التركيِ في الصومال
تطورُ الدورِ العسكريِ التركيِ في الصومال
- مايو 17, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد/ أماني السروجي
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
تعيشُ الصومالُ مرحلةً أمنيةً حرجةً تتكثف فيها التحديات الداخلية، وعلى رأسهِا تصاعدُ هجماتِ حركةِ “الشباب” الإرهابية في محيط العاصمة مقديشو، ما أعاد ترتيب أولويات الحكومة الصومالية وحلفائها الدوليين، وفي هذا السياق برزت تركيا كأحد أبرز الشركاء الأمنيين، خاصةً بعد توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي في يوليو 2024، والتي وضعتْ الإطارَ القانونيَ والعمليَ لتعزيز القدرات الصومالية، وتُعد بمثابة حجر الزاوية لاستراتيجية تركيا في الصومال، إذ أكدت على أهمية دعم الحكومة الصومالية في مواجهة التحديات الأمنية وتعزيز الاستقرار في ظل بيئة متقلبة.
ومع تزايد وتيرة الهجمات خلال الأشهر الأخيرة، سارعت أنقرة إلى تعزيز وجودها العسكري خلال إبريل الماضي عبر مضاعفة أعداد القوات، وتحديث القدرات الجوية، وتوسيع مهام التدريب والدعم، وهو ما يعكسُ مقاربةً تركيةً أكثر انخراطًا في الملف الأمني الصومالي، ويطرحُ تساؤلاتٍ حول أبعاد هذا التوسّع وحدوده، في ظل بيئة داخلية مضطربة وتوازنات إقليمية متغيرة.
أولًا: السياقُ الأمنيُ – تصاعدُ هجمات حركة الشباب:
منذ مارس 2025، شهدت الساحة الصومالية تصعيدًا غير مسبوق لهجمات حركة “الشباب المجاهدين”، خاصةً في إقليم شبيلي الوسطى المحيط بالعاصمة مقديشو، حيث نفذتْ الحركةُ سلسلةً من الهجماتِ المنسقة باستخدامِ سياراتٍ مفخخةٍ وقذائف هاون، استهدفت مواقع عسكرية وقرى متفرقة، وكان أبرز هذه الهجمات اجتياح بلدة “بيوعدي”، والتي سقطت مؤقتًا في يد المسلحين قبل أن تستعيدها القوات الحكومية لاحقًا، في تطور عكس مرونة الحركة وقدرتها على اختراق الأطواق الأمنية وإعادة التموضع رغم الضغوط العسكرية المفروضة عليها.
وتزامنَ هذا التصعيدُ مع لحظةٍ سياسيةٍ دقيقةٍ، حيث تصاعدت الخلافات بين الرئيس حسن شيخ محمود وبعض القوى المعارضة، هذا التوتر الداخلي ألقى بظلال من الشك على درجة التنسيق داخل المؤسسات الأمنية، وفتح الباب أمام تكهنات بشأن تواطؤ بعض الأطراف أو تغاضيها عن تحركات الحركة، وبلغ التوتر ذروته في 18 مارس عندما تعرّضَ موكبُ الرئيسِ لمحاولةِ اغتيالٍ عبر عبوةٍ ناسفةٍ، بالقرب من القصر الرئاسي، وهو ما يعدُ مؤشراً قوياً على مدى ضعف الأجهزة الأمنية في صدِّ هجماتِ الحركة، ويعكسُ حجمَ التحدياتِ الأمنيةِ التي تواجه الحكومة لا سيَّما في ظل استعداد البلاد لانتخابات مرتقبة.
لم يعدْ التحدي الأمنيُ مقتصرًا على الجانب العسكري فقط، بل أصبح جزءًا من معادلةٍ سياسيةٍ مركّبةٍ، مما منح حركة الشباب هامش مناورة أوسع ومساحة انتشار أكبر، لا سيَّما في المناطق الريفية التي تعاني من ضعف السيطرة الحكومية، وفي هذا السياق، كثفت الحركة من نشاطها في المناطق الداخلية لشبيلي الوسطى، ومع امتداد نفوذها في شبيلي السفلى وبنادر الساحلي، تمكنت من استعادة معظم المناطق التي خسرتها خلال العامين الماضيين، وعلى رأسها مدينة “آدن يبال” الاستراتيجية التي سيطرت عليها في 16 أبريل، والتي تُعدُ المعقلَ الرئيسيَ السابقَ للحركة في الإقليم، واستعادتها تمثل نقطة تحول ميداني للحركة، نظرًا لموقعها الحيوي وارتباطها بشبكة الجسور الممتدة على طول نهر شبيلي، وأبرزها جسور “سابيد ديبيري” التي ظلت لسنوات تحت سيطرة الحكومة.
كما أن هذا التمددَ الجغرافيَ لم يكنْ هدفًا ميدانيًا بحتًا، بل ارتبط بسعي الحركة إلى إعادة السيطرة على طرق الإمداد الاستراتيجية المؤدية إلى العاصمة مقديشو، ضمن خطة أكبر تهدف إلى تضييق الخناق على الحكومة الفيدرالية من خلال خنق خطوط الإمداد والعزل الجغرافي، ويُنظر إلى هذا التوسّعِ ضمن محاولة الحركة لتحقيق هدفها الأبعد بإسقاط النظام الفيدرالي وإعادة فرض سيطرتها على البلاد، مستفيدة من هشاشة التحالفات السياسية الداخلية وتعثر التنسيق بين القوات الحكومية والإقليمية.
ثانيًا: التعزيزاتُ العسكريةُ التركيةُ الأخيرةُ
وفي ظلِّ تَصاعدِ التهديداتِ الأمنيةِ ضد مؤسسات الدولة الصومالية، قام الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بزيارة رسمية إلى أنقرة في 6 أبريل 2025، حيث عقد اجتماعًا مغلقًا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحضور وزير الدفاع الصومالي فقط، وقد شكّلت هذه الزيارة نقطةَ تحولٍ محوريةٍ في مسار العلاقات الأمنية بين البلدين، إذ أعقبتها خطواتٌ تركيةٌ متسارعةٌ لتوسيع نطاق وجودها العسكري في مقديشو، وذلك في إطار اتفاقية التعاون الدفاعي بين الموقعة بين البلدين في فبراير 2024، والتي تمتد إلى 10 سنوات.
ففي أبريل الماضي، قامت بنشْرِ قواتٍ إضافيةٍ قوامها 500 جندي، ما يُعد تضاعفًا تقريبًا للقوة التركية المنتشرة سابقًا، وقد تم توزيع هذه القوة الجديدة وفق خطة متعددة المحاور شملت تأمين القاعدة العسكرية “توركسوم”، التي تُعد مركزًا حيويًا لتدريب القوات الصومالية، وتأمين المنشآت التركية والموانئ الحيوية في مقديشو، في ظل ازدياد التهديدات المباشرة من حركة الشباب، بالإضافة إلى تشغيل الطائرات المسلحة بدون طيار، ضمن استراتيجية الردع والرقابة الجوية المتقدمة.
فقد تمَّ نشْرُ نحو 300 عنصر من القوات الخاصة لتقديم الدعم المباشر في حماية الأصول التركية، إلى جانب إرسال 200 فرد إضافي لتوسيع القدرات التشغيلية للطائرات المسيرة، وهذا التوسّعُ الميدانيُ يعكسُ تحولًا تركيًا في نمط التواجد العسكري، من دور تدريبي واستشاري إلى حضور أكثر فاعلية ميدانيًا، بما يتماشى مع التهديدات المتصاعدة على الأرض.
ولم تقتصرْ التحركاتُ التركيةُ على تعزيز القوات البرية، بل شملت أيضًا تحديثًا نوعيًا في قدراتها الجوية، تمثّل في نقْلِ طائرتين بدون طيار من طراز “Akinci” إلى الصومال في أبريل 2025، لتنضما إلى أسطول طائرات Bayraktar TB2 الموجود بالفعل، ويُعد هذا التطور مؤشرًا على انتقال أنقرة إلى مستوى أعلى من الردع، إذ توفر طائرات “أقنجي” قدرات متقدمة على مستوى:
التحليقِ لفتراتٍ طويلةٍ وعلى ارتفاعاتٍ عاليةٍ، ما يتيحُ تغطيةً جغرافيةً أوسع في جنوب ووسط الصومال.
الرؤيةِ الليليةِ والتشغيل على مدار الساعة، وهي ميْزةٌ حاسمةٌ في مواجهة حركة الشباب التي تعتمد تكتيك الهجمات الليلية.
الاستهداف عالي الدقة باستخدام ذخائر موجهة، بما يضمن تقليل الأضرار الجانبية وتحقيق فعالية أكبر ضد الأهداف المتنقلة.
ثالثًا: المحدداتُ السياسيةُ والقانونيةُ للانتشار التركي
رغم الزخم العسكري المتزايد، تحافظُ تركيا على توازنٍ دقيقٍ في مقاربتها للملف الأمني الصومالي، إذ تواصلُ توسيعَ حضورها الأمني والعسكري دون الانخراط في مواجهاتٍ مباشرةٍ مع حركة “الشباب”، ويعود ذلك إلى التزام أنقرة بالإطارين القانوني والسياسي لوجودها في البلاد، حيث أن الاتفاقية الدفاعية الموقعة بين الجانبين منحت تركيا شرعية واضحة لتعزيز وجودها، وتقديم الدعم اللوجستي والتدريبي، دون منح تفويض صريح للقيام بعمليات هجومية، وقد أقر البرلمان التركي، في يوليو 2024 مذكرةً رئاسيةً تسمحُ بنشْرِ قواتٍ تركيةٍ في الصومال، بما يشمل المياه الإقليمية، لمدة عامين، وذلك بهدف دعم أنشطة مكافحة الإرهاب وضمان الأمن في مواجهة التهديدات المختلفة.
وترتكز مهام القوات التركية المنتشرة في الصومال على المحاور التالية:
إعادةُ هيكلةِ قواتِ الدفاعِ والأمن الصومالية: عبر برامج تدريب وتأهيل تهدف إلى تمكينها من مكافحة الإرهاب والقرصنة والتهريب، وتعزيز قدرتها على فرض الأمن في عموم البلاد.
تأمينُ الأصولِ والمنشآتِ التركيةِ، لا سيما القاعدة العسكرية “توركسوم” والموانئ والبنية التحتية المرتبطة بالاستثمارات التركية.
تقديمُ التدريبِ والمشورةِ للوحدات الأمنية الصومالية، بما يتوافق مع الاستراتيجية التركية لبناء شريكٍ محليٍ قوي.
التدخلُ الدفاعيُ عند الضرورة القصوى، في حال تعرّض القوات أو المنشآت لهجمات مباشرة.
كما أن أي انخراطٍ عسكريٍ هجوميٍ واسعٍ يتطلب تفويضًا من البرلمان التركي، وهو ما لم يُطرحْ حتى الآن، ما يعكسُ حذرًا سياسيًا في اتخاذ خطوةٍ قد تُفسَّر كتصعيدٍ ميدانيٍ يتجاوز النطاق الدفاعي والتدريبي، وهذا الإطار المحدد يُبقي الدور التركي عند مستوى “المساهمة الأمنية النشطة دون الانخراط القتالي”، لكنه لا يُلغي احتمال التعديل لاحقًا إذا ما تطور الوضع الميداني بشكل يفرض تدخلًا أكثر مباشرة.
رابعًا: دلالاتٌ سياسيةٌ وجيوسياسيةٌ
لا يمكن قراءة الحضور العسكري التركي المتنامي في الصومال باعتبارهِ مجردَ مساهمةٍ في جهود مكافحة الإرهاب، بل يتجاوز ذلك ليعبّرَ عن أهدافٍ استراتيجيةٍ أوسع تسعى أنقرة لتحقيقها، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، حيث يهدفُ هذا التحركُ بشكلٍ أساسيٍ إلى الحفاظ على الاستقرار في الصومال، لا سيما في ضوء احتمالات توسع نفوذ الحركة المتطرفة، حيث إن سيطرة “الشباب” على مقاليد الحكم قد تؤدي إلى زعزعةٍ أكبر للاستقرار الوطني والإقليمي، فضلًا عن تهديدٍ مباشرٍ للمصالح التركية، لا سيما أنشطتها المتنامية في مجالات التعدين واستكشاف البترول على السواحل الصومالية، لذلك سارعت أنقرة بمضاعفة عدد جنودها والتي من المحتمل أن تصل إلى نحو مايقرب من 2500 جندي، رغم عدم وجود تصريح رسمي بالأعداد المقرر إرسالها.
كما أن تعزيزَ التواجدِ التركيِ في الصومال يخدمُ جملةً من الأهداف المرتبطة بحماية المصالح الاقتصادية والاستراتيجية، إذ تمتلك تركيا استثماراتٍ متزايدةً في البلاد، تشملُ مشاريعَ بنى تحتية حيوية وقطاعات طاقة واعدة، ومن هذا المنطلق، يُعد تأمينُ بيئةٍ آمنةٍ لهذه الاستثمارات شرطًا ضروريًا لاستدامتها وتوسيعها، ما يجعل من الوجود العسكري أداة داعمة للمصالح الاقتصادية، وليس مجرد استجابة ظرفية للتهديدات الأمنية.
وتهدفُ أنقرة أيضًا من خلال هذا الانخراط العسكري المتصاعد إلى تأكيدِ مكانتهِا كحليفٍ أمنيٍ موثوقٍ في بيئةٍ إقليميةٍ تتسم بعدم الاستقرار، فبإظهار التزامها بمحاربة الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها “الشباب”، تسعى أنقرة إلى تعزيز صورتها كفاعل قادر على المساهمة في الأمن والاستقرار في مناطق النزاع، ويُعزز ذلك من وزنها السياسي والدبلوماسي في الساحة الدولية، خصوصًا في سياقات تتداخل فيها ملفات مكافحة الإرهاب مع التنافس على النفوذ.
وعلى الرغم من أن الوجود العسكري التركي في الصومال يتركز رسميًا على مهام مكافحة الإرهاب وتأمين المصالح التركية، فإن أبعادَه تتجاوزُ الجانبَ الأمنيَ التقليديَ لتعكسَ حساباتٍ جيوسياسيةً أوسع، إذ يشكّل هذا الانتشارُ عنصرًا رادعًا أمام محاولات بعض القوى الإقليمية، مثل اثيوبيا وكينيا لفرْضِ واقعٍ جديدٍ في السواحل الصومالية، ومن هذا المنطلق، تسعى أنقرة من خلال وجودها العسكري إلى تأكيد دعمها لوحدة الأراضي الصومالية ورفضها لأي تغيير أحادي في توازنات المنطقة، إلى جانب تأمين التطبيق الفعلي لاتفاق أنقرة بين الصومال وأثيوبيا، والذي يمنح أديس أبابا حق الانتفاع بالخدمات المينائية تحت مظلة السيادة الصومالية الكاملة.
كما أن هذا التمركزَ يتيحُ لأنقرة فرصًا مهمة لتعزيز التنسيق الأمني مع القوى الإقليمية والدولية الموجودة في منطقة البحر الأحمر، لا سيما القواعد الأجنبية في جيبوتي، وتأتي أهمية هذا التنسيق في ظل الأهمية الاستراتيجية المتزايدة للبحر الأحمر، باعتباره شريانًا تجاريًا حيويًا تمر من خلاله نسبة كبيرة من حركة التجارة العالمية، ويُعد ركيزةً أساسيةً في الربط بين الأسواق الآسيوية والأوروبية، ومن هنا، فإن التمددَ العسكريَ التركيَ في هذه النقطة الحيوية لا يُعد فقط تعبيرًا عن نفوذ إقليمي متصاعد، بل أيضًا محاولة لترسيخ موقع تركيا كفاعل دولي مشارك في صياغة معادلات أمن الملاحة الدولية.
ختامًا
يعكسُ الدورُ العسكريُ التركيُ المتزايدُ في الصومال تحوّلاً استراتيجيًا في مقاربة أنقرة تجاه الأمن في شرق إفريقيا، حيث تمزج بين أدوات التدريب والدعم الفني وبين حضور ميداني متقدم، ومع بقاء حركة الشباب لاعبًا ميدانيًا فاعلًا، فإن ملامحَ المرحلةِ المقبلةِ قد تتحدد بمدى قدرة تركيا على تعزيز الاستقرار دون الانزلاق إلى مواجهات مباشرة، وبما يتماشى مع أهدافها الاقتصادية والجيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي.
المراجع
- Ragip Soylu, Turkey doubles troops in Somalia amid Al-Shabab offensive, Middle East Eye, 25 April 2025.https://www.middleeasteye.net
- وصول قوات تركية إلى مقديشو، الصومال الجديد، 21 إبريل 2025. https://alsomal.net
- وسط مخاوف غربية.. تركيا تزود الصومال بطائرات مسيرة متطورة، ترك برس، 22 مارس 2025. https://www.turkpress.
- يتضاعف Turkiye عدد القوات في الصومال للمساعدة في مواجهة الهجوم على الشباب، عاصمة العرب، 27 إبريل 2025. https://thearabcapital.com
- محمود أبو بكر، نشر قوات تركية في الصومال… دلالات عسكرية وسياسية، أندبندنت عربية، 25 إبريل 2025. https://www.independentarabia.com
- رويترز: حركة الشباب تسيطر على بلدة إستراتيجية في الصومال، الجزيرة نت، 16 إبريل 2025. https://www.ajnet.me