المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > احتجاجاتُ لوس أنجلوس: بين أزمةِ الهجرةِ والصدام الفيدرالي – المحلي
احتجاجاتُ لوس أنجلوس: بين أزمةِ الهجرةِ والصدام الفيدرالي – المحلي
- يونيو 13, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات

إعداد: إسراء عادل
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
تشهدُ مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا موجةَ احتجاجاتٍ جماهيريةٍ واسعةٍ منذ السادس من يونيو 2025؛ رداً على حملة المداهمات القسرية التي نفذتها إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية ضد المهاجرين، في إطار السياسات المتشددة التي تتبناها إدارة الرئيس دونالد ترامب حِيال ملف الهجرة. ولم تقتصرْ الاحتجاجاتُ على مدينة لوس أنجلوس فحسب، بل سرعان ما امتدت إلى مدنٍ رئيسيةٍ أخرى مثل فيلادلفيا وسانتا آنا وسان فرانسيسكو، وصولاً إلى أوستن وتكساس في نيويورك.
وتكشفُ هذه الاحتجاجات عن عُمقِ الانقسام المجتمعي والاشتباكِ السياسي بين الحكومة الفيدرالية وسلطاتِ الولاية خصوصاً في ظل التصعيد غير المسبوق بين الرئيس ترامب وحاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم، بعد إرسال عناصر من الحرس الوطني إلى المدينة دون تنسيق مسبق.
وفي هذا السياق المتوتر، تُثارُ عدةُ تساؤلات حول أسباب تلك الاحتجاجات وتداعياتها، ولكن يظل السؤال المحوري، إلى أي مدى تستطيع إدارة ترامب احتواء هذا الغضب المتصاعد، أم أنها تواجهُ تحدياً متصاعداً يهددُ الاستقرارَ السياسيَ والاجتماعي في البلاد؟
أولًا: خلفيةُ الاحتجاجاتِ في لوس أنجلوس
لم تأتِ الاحتجاجاتُ الواسعةُ التي شهدتها مدينة لوس أنجلوس بمعزلٍ عن تراكماتٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ عميقةٍ تتعلق بملف الهجرة، والذي ظلّ نقطةَ خلافٍ مركزيةٍ بين إدارة الرئيس ترامب الثانية وولاية كاليفورنيا ذات الأغلبية الليبرالية. فمنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، كثّفت إدارته حملاتها ضد المهاجرين غير النظاميين، عبر قرارات تنفيذية صارمة شملتْ توسيعَ سلطات الترحيل، وزيادةَ الرقابةِ على المجتمعات ذات الأصول اللاتينية، بالإضافة إلى تقليص برامج الحماية القانونية لبعض الفئات، وإغلاق الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وتحديد هدفٍ يوميٍ لهيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE) يتمثل في اعتقال ما لا يقل عن 3 آلاف مهاجر، وهو ما أعاد أجواء الخوف والتهميش التي عرفتها البلاد خلال ولايته الأولى إلى الواجهة.[1]
وقد شكلت هذه السياسات شرارة الاشتعال في ولاية كاليفورنيا، التي تضم3.47 مليون مهاجر، أي بنسبة تبلغ 26.7% من إجمالي عدد المهاجرين غير الموثقين في الولايات المتحدة، وتُعد من أكثر الولايات تنوعاً ديموغرافياً ودفاعاً عن حقوق المهاجرين، مما أسهمَ في تغذيةِ مشاعرِ الغضب والرفْضِ الشعبي، خاصةً في مدينة لوس أنجلوس، والتي تضمُ واحدةً من أكبر الجاليات اللاتينية في الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق المتوتر، جاءت حملة المداهمات التي نفذتها وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية منذ السادس من يونيو 2025 في أماكن عمل وسط مدينة لوس أنجلوس بهدف اعتقال المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم، لتكونَ بمثابةِ الشرارة التي أطلقت موجةَ الغضب الشعبي، ولكن سرعان ما تحولتْ إلى حركةٍ احتجاجيةٍ عارمةٍ ترفعُ شعاراتٍ ضد العنصرية وتطالب بوقف السياسات القمعية التي تستهدفُ فئاتٍ بعينها على أساس الهوية أو الوضع القانوني.
ثانيًا: تصدي إدارة ترامب للاحتجاجات
ومع توسّع رُقعةِ المظاهرات في 8 يونيو، وامتدادها إلى أماكن أخرى مثل فيلادلفيا وسانتا آنا وسان فرانسيسكو وكنتاكي ودالاس ولويزفيل، بالإضافة إلى الاحتجاجات في أوستن وتكساس بولاية نيويورك، جاء ردُّ إدارة الرئيس دونالد ترامب على تلك الاحتجاجات، حيث أمر بنشر ألفي عنصر من قوات الحرس الوطني في المدينة دون موافقة حاكم ولاية كاليفورنيا غافن نيوسوم، في خطوةٍ هي الأولى من نوعها منذ عام 1965 حين نشر الرئيس الأمريكي ليندون جونسون الحرس الوطني من دون طلب حاكم الولاية حينها على إثْرِ اضطراباتٍ عِرقيةٍ في حي واتس اندلعت بعد توقيف الشرطة شاباً من أصول أفريقية.[2]
وفي 9 يونيو، بدأت قوات الحرس الوطني الانتشار في لوس أنجلوس، ورافقتها قوات المارينز بتوجيهات من وزارة الدفاع الأمريكية، رغم اعتراضات حاكم كاليفورنيا. وتجددتْ الاشتباكاتُ أمام مركز الاحتجاز الفيدرالي بين المتظاهرين وقواتِ الأمنِ التي استخدمتْ الرصاصاتِ المطاطيةَ والغازَ المدمعَ ضد المحتجين. وهو ما دفع شرطة لوس أنجلوس إلى إعلان حظْر التجمع وسط المدينة، مؤكدة أن عناصرَ إنفاذ القانون أوقفوا 56 شخص على الأقل في يومين، في حين أصيب 3 من رجال الأمن بجروح طفيفة.[3]
ثالثًا: ردودُ الفعلِ السياسية على قرار ترامب
أثار قرارُ ترامب بنشر قوات الحرس الوطني ردودَ فعلٍ سياسيةٍ حادةٍ، خاصةً من قادة الولايات ذات التوجهات الديمقراطية، والذين اعتبروا هذه الخطوة إساءةَ استخدامٍ للسلطة وتجاوزاً للصلاحيات الدستورية، مؤكدين أن صلاحية نشر القوات تعودُ إلى حاكم الولاية وليس الرئيس. ورغم أن وزارة الأمن الداخلي أكدت أن هدفَ نشرِ قوات الحرس الوطني هو حمايةُ الممتلكاتِ العامةِ وضمانُ استمراريةِ عمل المؤسسات، إلا أن هذه الخطوة قوبلت برفضٍ واسعٍ من المسؤولين المحليين، وفي مقدمتهم حاكم كاليفورنيا “غافين نيوسوم”، الذي اعتبر نشر القوات الفيدرالية دون تنسيق مع سلطات الولاية “انتهاكاً صارخاً للصلاحيات وتأجيجاً للأزمة”. كما أعلن المدعي العام لولاية كاليفورنيا “روب بونتا” رفع دعوى قضائية للطعن في قرار ترامب.
وفي المقابل، بررت إدارة ترامب تحركاتها عبر “قانون التمرد” الذي يعود لعام 1807، ويمنح الرئيسَ صلاحيةَ نشْرِ القوات المسلحة بما في ذلك الحرس الوطني، في حالات وجود تمرد داخلي يهدد النظام العام ويعيق تنفيذ القوانين الفدرالية التي تعجز سلطات الولاية على فرضها.[4]
واتهم الرئيس ترامب المتظاهرين في مدينة لوس أنجلوس بأنهم “عصاباتٌ متمردةٌ وعنيفةٌ تسعى إلى نشر الفوضى وتعرقل قوات الأمن عن أداء مهامها لترحيل المهاجرين غير النظاميين وإنفاذ القانون”، كما وصف “جيه دي فانس” نائب الرئيس، المحتجين بالمتمردين الأجانب، متهماً إياهم بالاعتداء على سلطات تنفيذ القانون.[5]
وفي خُطوةٍ تصعيديةٍ لافتةٍ، هدد نيوسوم مؤخراً باستخدام الضرائب المحصلة من سكان كاليفورنيا كورقةِ ضغطٍ سياسيٍ ضد الإدارة الفيدرالية، وذلك عبر حجْب مدفوعات ضرائب الولاية التي تتجاوز 80 مليار دولار سنوياً عن الحكومة الفدرالية في حال استمرار تلك الأوضاع، وهو ما اعتبره وزير الخزانة الأمريكية بمثابة جريمةِ تَهربٍ ضريبيٍ، محذراً من العواقب القانونية والمالية الجسيمة في حال تنفيذها.[6]
وقد تسلطُ هذه التفاعلات الضوء على عمق الانقسامات السياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن ملف الهجرة وسياسات ترامب المتشددة ضد المهاجرين، إذ يرى الديمقراطيون أن سياساتِِ الترحيل القسري تمثّلُ انتهاكاً لكرامة الإنسان، بينما يراها الجمهوريون ضرورةً أمنيةً لضبط الحدود وإنفاذِ القانون وحمايةِ الأمن القومي الأمريكي. وبناءً عليه، فإن مشهد الاحتجاجات في لوس أنجلوس يعبّر عن أزمةٍ متعددةِ الأبعاد، تتجاوز بُعدَها الميدانيَ لتتحولَ إلى تصعيدٍ سياسيٍ أوسع بين السلطات الفيدرالية وحكومة ولاية كاليفورنيا، وهو ما ينذر بتحول الأوضاع إلى تصعيد مؤسسي مفتوح خلال الأسابيع المقبلة، خاصةً إذا فشلت إدارة ترامب في احتواء الموقف.
رابعًا: مآلاتُ المشهد الاحتجاجي
يُعد مستقبلُ الاحتجاجاتِ في مدينة لوس أنجلوس وامتدادها لمدنٍ أخرى، مرهوناً بجملةٍ من العوامل الداخلية والسياسية والأمنية التي تحدد ما إذا كانت إدارةُ الرئيس ترامب قادرةً على احتواء الموقف، أم أن البلادَ تتجهُ نحو موجةٍ جديدةٍ من التصعيد والانقسام. وذلك على النحو التالي:
– من الناحية الأمنية: لم تؤدي خُطوةُ نشْر قوات الحرس الوطني إلى تهدئة الأوضاع، بل ساهمت في تأجيج الاحتجاجات وتوسيع رقعتها. ومع إعلان الشرطة اعتبار وسط المدينة منطقة تجمعٍ غير قانوني، وإصرار المتظاهرين على البقاء في الشارع، أصبح من الواضح أن الردعَ الأمني وحده لم يكنْ كافياً لفرض السيطرة أو استعادة الهدوء.
– على المستوى السياسي: فإن التصعيدَ السياسيَ والقانونيَ بين إدارة ترامب وحكومة ولاية كاليفورنيا، أضفى على الأزمة طابعاً دستورياً معقداً، وهو ما يكشف مدى هشاشة التنسيق بين المستويين الفيدرالي والمحلي، ويُضعفُ فرصَ التوصّل إلى تسويةٍ سريعةٍ بين الطرفين، ويجعل عملية احتواء الاحتجاجات مرهونة بوساطات محلية أو فدرالية أكثر توازناً، وهو ما يَصعبُ تحقيقهُ في ظل المناخ السياسي الحالي المضطرب.
– على صعيد الرأي العام: فإن استمرارَ الاحتجاجاتِ دون تحقيق تراجعٍ ملموسٍ يعكسُ حجم الاحتقان المتراكم داخل فئات المهاجرين والمجتمعات المهمشة، والتي تنظر إلى سياسات إدارة ترامب باعتبارها تهديداً مباشراً لحقوقها وكرامتها الإنسانية، مما يزيدُ من حدّة الاستقطاب الذي يغذي الموجات الاحتجاجية وتمددها في مدن أخرى، خصوصاً إذا استمرت السلطة الفيدرالية في اتباع السياسات الأمنية دون تقديم ضمانات قانونية تراعي المطالب الحقوقية للمحتجين.
وفي هذا السياقِ المتوتر، تظلُ السيناريوهاتُ التي تحددُ مصير تلك الاحتجاجاتِ محكومة بعدة مسارات محتملة:
سيناريو التصعيد الميداني والسياسي وتحول الاحتجاجات إلى أزمة وطنية: ويُعد هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً في ظل تزايد التوترات بين السلطات الفيدرالية والمحلية، واستمرار تجاهل إدارة ترامب للمطالب الحقوقية للمحتجين. وبالتالي يُحتمل أن تتسعَ رُقعةُ الاحتجاجات لتشملَ ولاياتٍ أخرى، مما يحولُ الأزمةَ من حالةِ احتجاجٍ محليةٍ إلى أزمةٍ سياسيةٍ وطنيةٍ، تُهدد بتقويض شرعية الخطاب الفيدرالي حول الهجرة وحقوق الإنسان.
سيناريو التهدئة المشروطة: ويتطلب هذا السيناريو انخراطَ وسطاء من داخل الكونغرس أو مؤسسات المجتمع المدني بهدف التوصّل إلى حلولٍ توافقيةٍ تسهمُ في تحقيقِ تهدئةٍ تدريجيةٍ مقابل تنازلات محدودة في السياسات المُعلنةِ تجاه المهاجرين مثل تعليقِ بعضِ إجراءات الترحيل أو مراجعةِ آلياتِ إنفاذِ قانون الهجرة. ولكن هذا السيناريو رغم كونه الأكثرَ استقراراً إلا أنه يظلُ مستبعداً على المدى القريب؛ نظراً لحالة الاستقطاب العميقة وتَصلّبِ مواقفِ إدارة ترامب فيما يتعلق بملف الهجرة.
سيناريو الحسم الأمني الكامل وفرض الاستقرار بالقوة: ويفترضُ هذا السيناريو مُضيَ إدارة ترامب نحو تصعيدٍ أمنيٍ شاملٍ لفرض السيطرة الميدانية بالقوة، وهو سيناريو يمكنُ تحقيقه، ولكنه ينطوي على مخاطرَ عاليةٍ من بينها سقوطُ ضحايا واحتدامُ العنف، وتَفاقمُ صورة الانقسام الداخلي الأمريكي في الإعلام الدولي، مما ينعكسُ سلباً على شرعية الإدارة الفيدرالية داخلياً وخارجياً.