المقالات
تركيا في قلب التصعيد الإيراني–الإسرائيلي: قراءة في المواقف والانعكاسات المحتملة
- يونيو 20, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد/ أماني السروجي
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
دخلت منطقة الشرق الأوسط في الثالث عشر من يونيو مرحلة غير مسبوقة من التصعيد العسكري بعد أن أطلقت إسرائيل عملية هجومية موسعة ضد أهداف إيرانية داخل العمق الإيراني، تحت مسمى “عملية الأسد الصاعد”، مستهدفة منشآت نووية ومراكز قيادية للحرس الثوري، وردّت طهران بسلسلة ضربات صاروخية تحت اسم “الوعد الصادق”، وسرعان ما تحول الأمر إلى سلسلة ضربات متبادلة بين الطرفين، ما دفع المنطقة إلى حافة مواجهة إقليمية مفتوحة، وسط قلق دولي من اتساع رقعة الصراع وتهديد استقرار الإقليم.
وسط هذا التصعيد، برزت تركيا كفاعل إقليمي محوري يقع على تماس مباشر مع خطوط التوتر، ومحصلة طبيعية لمعادلات توازن القوى المتحركة، فعلى الرغم من موقف أنقرة الرسمي الداعي إلى التهدئة، إلا أن موقعها الجغرافي، وتشابك مصالحها مع طرفي النزاع، وتركيبتها الأمنية والاقتصادية، يجعلها عرضة لتأثيرات مركبة قد تتجاوز حدود الاستجابة الدبلوماسية إلى إعادة ضبط بوصلتها الاستراتيجية.
لذا يناقش هذا التقرير كيف تتعامل تركيا مع التصعيد الإيراني–الإسرائيلي المتسارع، واستشراف أبرز الانعكاسات المحتملة على تركيا في ضوء المستجدات الأمنية والإقليمية الراهنة.
تحليل الموقف التركي من التصعيد الإيراني- الإسرائيلي
تفاعلت تركيا مع التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، والذي اندلع في 13 يونيو 2025، انطلاقًا من رؤيتها الثابتة الرافضة لانزلاق الإقليم نحو مواجهة مفتوحة، وسعيها للحفاظ على موقعها كوسيط إقليمي قادر على احتواء الأزمات، وقد ظهر الموقف التركي متعدد الأبعاد، مشتملًا على تحركات سياسية، وخطاب تصعيدي حذر، وتدابير أمنية واقتصادية احترازية، فضلًا عن استعداد صريح للعب دور الوساطة، ويعكس هذا النهج تصوّر أنقرة لذاتها كفاعل يحاول موازنة التناقضات، دون الإخلال بعلاقاتها مع الأطراف الدولية الفاعلة.
تصريحات الرئيس أردوغان: ظهر موقف أردوغان مع بداية التصعيد في بيان عبر حسابه على منصة أكس، وصف فيه الهجمات الإسرائيلية على إيران بأنها “استفزاز واضح يتجاهل القانون الدولي”، مؤكدًا أن إسرائيل “رفعت استراتيجيتها في إغراق منطقتنا، لاسيما غزة، بالدماء والدموع إلى مستوى خطير للغاية”. واعتبر أن توقيت هذه الهجمات – الذي يتزامن مع تكثف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني والضغط الدولي على الجرائم في غزة – يكشف عن “عقلية إسرائيلية لا تحترم القانون وتسعى لجرّ العالم إلى كارثة”، ودعا صراحة إلى وقف ما أسماه بـ”سياسة قطّاع الطرق الإسرائيلية”، مطالبًا المجتمع الدولي بالتدخل لكبح جماح حكومة نتنياهو التي “تشعل منطقتنا بأكملها”، ومعلنًا تضامن بلاده مع إيران حكومةً وشعبًا.
وفي خطاب له عقب اجتماع الحكومة الأسبوعي في العاصمة أنقرة، تبنى لهجة تصعيدية، معتبرًا أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران “له أهداف خبيثة وشاملة للغاية”، ويشكل خطرًا مباشرًا على أمن الإقليم بأسره، وذهب إلى حد التحذير من أن “إسرائيل تخاطر شيئًا فشيئًا بوجودها ومستقبل مجتمعها مع كل ظلم وجريمة ضد الإنسانية ترتكبها”. ولفت إلى أن أي عدوان على إيران لا يخص طهران وحدها، بل يمتد تأثيره على المنطقة برمتها، في إشارة إلى شبكة التفاعلات التاريخية والاجتماعية بين شعوب الإقليم.[1]
عرض الوساطة كمدخل استراتيجي للتحرك التركي: أعلن اردوغان خلال خطابه عن مبادرة دبلوماسية شاملة لاحتواء التصعيد بين إيران وإسرائيل، مؤكدًا أن تركيا مستعدة للقيام بدور الوسيط لحل الأزمة عبر الحوار، هذه الرسالة كانت مركزية في الخطاب، إذ لم تقتصر على إعلان نوايا، بل جاءت مدعومة بتحرك فعلي عبر اتصالات مباشرة أجراها أردوغان مع قادة من الولايات المتحدة، وروسيا، وإيران، ودول الخليج، ومصر، وسوريا، وباكستان، والعراق، ويعكس هذا العرض رغبة تركية في تعزيز مكانتها كوسيط دبلوماسي في أزمات الشرق الأوسط، وإبراز نفسها كقوة استقرار إقليمي في لحظة توتر متصاعد.[2]
تعزيز القدرات الدفاعية: سعى الرئيس التركي إلى إرسال رسائل ردع استراتيجية تفيد بأن بلاده لن تكون مجرد وسيط دبلوماسي فحسب، بل أيضًا قوة يصعب تجاوزها عسكريًا، إذ أكد أن تركيا باتت قريبة من بلوغ مستوى من القدرات الدفاعية “بحيث لا يجرؤ أحد على التطاول عليها”، في خطاب مفعم بالثقة الذاتية، هذا التصريح لا ينفصل عن استراتيجية أوسع تسعى من خلالها أنقرة إلى ترسيخ حضورها الإقليمي من موقع القوة الصلبة، لا سيّما في ظل عالم يتزايد فيه منسوب التحولات العسكرية والتكنولوجية.
وما يميز هذا التوجه هو الدمج بين الصناعات الدفاعية المحلية والتموضع الإقليمي الفاعل؛ فقد شدد أردوغان على أن تركيا أصبحت رائدة عالميًا في مجال الطائرات المسيّرة، وباتت علامة تجارية مرموقة في الصناعات المدرعة والأنظمة البحرية والرادارية. هذه الإنجازات التكنولوجية لم تعد تُطرح كنجاح اقتصادي أو صناعي فقط، بل كجزء من “الردع السيادي”، وهو ما يتجلى في إعلان خطط فورية لزيادة إنتاج وتخزين الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى. [3]
وزارة الخارجية التركية: لم تكتف أنقرة بالتصريحات السياسية، بل أظهرت تحركًا مؤسساتيًا منسقًا، حيث استضافت وزارة الخارجية في أنقرة اجتماعًا أمنيًا رباعيًا ضم وزيري الخارجية، هاكان فيدان، والدفاع يشار غولر، إضافة إلى رئيس الأركان، متين غوراك، ورئيس جهاز الاستخبارات، إبراهيم كالن، لبحث تطورات الأزمة، وهو ما ينطوي على رسالة مزدوجة موجهة إلى الداخل التركي؛ فمن جهة تسعى الحكومة إلى طمأنة الرأي العام بجهوزية مؤسسات الدولة واستعدادها الكامل للتعامل مع مختلف سيناريوهات الأزمة، ومن جهة أخرى تذكير ضمني بأن تركيا ليست بمنأى عن تداعيات هذا التصعيد، مما يستدعي التأهب الوطني والانخراط الواعي في تطوراته.”
وعقب الاجتماع، نشر فيدان بيانًا عبر منصة “إكس” عبّر فيه عن موقف واضح وحاد تجاه إسرائيل، معتبرًا أن هجماتها ضد إيران تُشكّل امتدادًا لسلوك مزعزع للاستقرار بدأ في غزة، وامتد إلى لبنان وسوريا، وصولًا إلى استهداف طهران، وشدد على أن “الدبلوماسية هي البديل الوحيد للحرب”، وأشار إلى أهمية إحياء مسار المفاوضات النووية الذي أطلقه ترامب، باعتباره السبيل الوحيد لحل النزاع حول برنامج إيران النووي. في هذا السياق، يعكس الموقف التركي توافقًا ضمنيًا مع واشنطن حول ضرورة منع امتلاك إيران لسلاح نووي، ولكن دون الانزلاق إلى المواجهة المسلحة، بما يحافظ على التوازنات الإقليمية ويمنح أنقرة هامشًا دبلوماسيًا للمناورة والوساطة.[4]
وزارة الطاقة: أبدت تركيا اهتمامًا واضحًا بإدارة التداعيات الاقتصادية واللوجستية للأزمة، في ظل إدراكها لحساسية السوق الداخلية تجاه التوترات الإقليمية، فقد وزير الطاقة صرّح ألب أرسلان بيرقدار بأن بلاده لا تتوقع اضطرابات كبيرة في إمدادات الطاقة، رغم توقع ارتفاع الأسعار، مشددًا على أن تركيا قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية، ويعكس هذا الموقف توجهًا تركيًا نحو طمأنة الرأي العام داخليًا، ومنع انتقال القلق السياسي إلى الأسواق.[5]
وزارة النقل: اتخذ الوزير عبد القادر أورال أوغلو خطوات احترازية، من خلال تعليق الرحلات الجوية إلى كل من إيران وسوريا والعراق والأردن، وإغلاق المجال الجوي التركي أمام التحليق فوق تلك المناطق. ويبدو أن هذا القرار جاء بناءً على تقييم أمني داخلي بأن المجال الجوي الإقليمي قد يشهد اضطرابات مفاجئة، ما استدعى تدابير مؤقتة للحد من المخاطر، دون الدخول في دائرة التصعيد أو توجيه رسائل مباشرة لأي طرف.[6]
مركز مكافحة المعلومات المضللة: برز البُعد الإعلامي والتوعوي في الموقف التركي، من خلال تفنيد الادعاءات التي تحدثت عن دور تركي في تمرير بيانات من قاعدة “كوريجيك” الرادارية إلى إسرائيل، حيث أكدت الرئاسة أن هذه المعلومات جزء من “حملة تضليل متعمدة” تستهدف زعزعة الرأي العام، ما يُشير إلى حرص تركي على النأي بالنفس عن أي تصور بالانحياز لطرف ضد آخر، لا سيما في ظل الاتهامات التي قد تضر بصورة تركيا كعضو في الناتو يسعى إلى التوازن.[7]
حزب الحركة القومية: عبّر زعيم الحزب دولت بهتشلي، عن موقف صارم تجاه العملية الإسرائيلية ضد إيران، واصفًا إياها بأنها “رسالة خبيثة موجهة إلى تركيا”، ما يعكس قراءة أمنية ترى أن تداعيات التصعيد تتجاوز حدود إيران، وذهب بهتشلي إلى اعتبار أن تل أبيب تمثّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي التركي، محذرًا من نتائج كارثية إذا جرى تجاهل هذه التهديدات، ويأتي هذا الموقف امتدادًا لتحذيرات سابقة أطلقها، يرى فيها أن المخطط الإقليمي لا يستهدف العواصم المجاورة فحسب، بل يتجه في جوهره نحو ضرب الاستقرار التركي ذاته.[8]
أبرز الانعكاسات المحتملة للتصعيد الإيراني- الإسرائيلي على تركيا
في ضوء التصعيد العسكري غير المسبوق بين إيران وإسرائيل، تبرز تركيا كأحد أكثر الأطراف الإقليمية تأثرًا بالتطورات الجارية، إذ إن موقعها الجغرافي وارتباطها الوثيق بمعادلات الطاقة والأمن في المنطقة يضعانها في دائرة التأثر المباشر، وتُعد طبيعة الانعكاسات المحتملة على تركيا رهينة بتطور مسار التصعيد ذاته، وبمدى اتساعه أو احتوائه، فضلًا عن الأهداف الحقيقية التي تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى تحقيقها من خلال هذا التصعيد، سواء كانت تلك الأهداف إسقاط النظام الإيراني أو دفع إيران إلى طاولة المفاوضات بشروط أمريكية، وفي هذا السياق، تتراوح تأثيرات الأزمة على أنقرة بين فرص قد تعزز من مكانتها الإقليمية، وتحديات قد تهدد أمنها واستقرارها الداخلي.
تعزيز الدور التركي كوسيط إقليمي محتمل
في حال كان التصعيد الحالي بين إيران وإسرائيل يهدف ضمنيًا إلى دفع طهران نحو طاولة المفاوضات وفق شروط أميركية، فإن تركيا قد تمتلك هامشًا دبلوماسيًا مهمًا للعب دور الوسيط، حيث تحتفظ بعلاقات استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة، وتحاول الحفاظ على توازن دقيق بين انتقادها المعلن للسياسات الإسرائيلية، والإبقاء على قنوات تواصل نشطة وعلاقات متوازنة مع طهران، رغم ما بينهما من خلافات إقليمية، كما أنها لا تنطلق من مواقف اصطفافية، بل من حرص واضح على حماية استقرار إقليمي بات أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
وفي حال نجحت تركيا في تسويق نفسها كقناة موثوقة بين واشنطن وطهران، فإن ذلك سيعزز صورتها كفاعل مسؤول في إدارة التوازنات الإقليمية، ويمنحها نفوذًا سياسيًا يعزز من أولوياتها في ملفات أخرى أكثر تعقيدًا، ولا تقتصر أهمية هذا الدور على احتواء المخاطر المباشرة التي يفرضها التصعيد، بل تتجاوزها إلى بناء موقع تفاوضي يمكن لأنقرة أن تستثمره لاحقًا في ترتيبات ما بعد الأزمة، بما يعزز من وزنها في معادلات الأمن الإقليمي.
تعزيز دور تركيا في معادلات الطاقة والتجارة
يشكّل تصاعد التهديدات ضد الداخل الإيراني عامل اضطراب كبير في سلاسل الإمداد العابرة للمنطقة، لا سيما المرتبطة بمبادرة “الحزام والطريق”، ومع اتساع المخاوف من غلق مضيق هرمز أو تعطّل مسارات الطاقة التقليدية، تبرز تركيا بوصفها البديل الأكثر أمانًا، بفضل موقعها الجغرافي المحوري وثقلها السياسي والاقتصادي، سواء كممر لنقل الطاقة من آسيا الوسطى والشرق الأوسط نحو أوروبا، أو كمحور تجاري في ظل الأزمات الجيوسياسية، ومن ثمّ، قد تُسهم هذه الأزمة على المدى المتوسط والبعيد في تعزيز موقع تركيا الجيو–اقتصادي ودورها في هندسة الترتيبات الإقليمية الجديدة.[9]
تهديدات مباشرة من إسرائيل في حال تحقيق نصر حاسم
إذا نجحت إسرائيل في تحقيق نصر عسكري واضح ضد إيران، فإن أطماع نتنياهو قد تتسع لتشمل خطوات توسعية جديدة ضد خصوم إقليميين آخرين، وعلى رأسهم تركيا. إذ سبق وألمح نتنياهو إلى رفضه لصعود تركيا الإقليمي المتسارع، ملوّحًا برسائل عدائية ضمنية قائلاً ” الإمبراطورية العثمانية لن تعود” ويُحتمل أن يشمل هذا التصعيد الإسرائيلي تكثيف الهجمات على سوريا، أو حتى السعي للوصول إلى العاصمة دمشق، ما قد يُدخل أنقرة في معادلة الاشتباك المباشر أو غير المباشر، بحكم تقاطع المصالح والنفوذ التركي في سوريا.
تمدد الجماعات المتطرفة في حال انهيار النظام
يُعد احتمال سقوط النظام الإيراني من بين أكثر السيناريوهات التي تشكل خطراً لصانع القرار في أنقرة، لما قد يترتب عليه من فراغ أمني شبيه بما حدث عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، إذ يمكن لهذا الفراغ أن يُهيّئ بيئة خصبة لعودة وتمدد الجماعات المسلحة والمتطرفة في عمق الإقليم، وهو ما يُهدد أمن تركيا القومي، ويُربك توازناتها في المناطق الحدودية، خاصة مع احتمالية تسرب التهديدات إلى الداخل التركي.
مخاطر النزوح وأعباء اللجوء
يثير سيناريو استمرار التصعيد مخاوف جدية لدى أنقرة من موجات نزوح واسعة، لا سيما من المدن القريبة مثل تبريز التي تبعد نحو 400 كيلومتر فقط عن ولاية فان التركية، وتضم غالبية من الأتراك الإيرانيين (الأذريين)، الذين قد يرون في تركيا ملاذًا آمنًا، خاصة مع إغلاق المطارات وصعوبة الوصول إلى مناطق شمال إيران شبه المستقرة. وفي ظل ما يحمله الشارع التركي من حساسية متزايدة تجاه ملف اللاجئين، قد تُفاقم موجات اللجوء الجديدة التوترات الاجتماعية، وتُضاعف الضغوط الاقتصادية والسياسية القائمة أصلًا.[10]
ومع ذلك، من غير المؤكد أن تكون تركيا الوجهة المفضلة للاجئين الإيرانيين؛ إذ قد تُفضّل شرائح واسعة منهم التوجّه نحو دول مجاورة أخرى مثل أذربيجان، جورجيا، أرمينيا، أو حتى باكستان وأفغانستان، عبر المعابر البرية في الشمال الغربي، باعتبارها أقرب جغرافيًا أو أقل حساسية من الناحية السياسية والاجتماعية.[11]
احتمال انخراط الميليشيات الموالية لإيران في التصعيد
رغم أن الميليشيات الشيعية الموالية لطهران لم تنخرط بشكل مباشر وواضح في التصعيد الحالي، إلا أن احتمالات توسّع دورها تبقى مطروحة بقوة، لا سيما من جانب الحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق، فبينما يواصل الحوثيون إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل قبل الحرب ومنذ الأيام الأولى للحرب، تتريث الفصائل العراقية في انتظار ضوء أخضر من طهران، ويبدو أن مستوى تدخل هذه الميليشيات سيتفاوت حسب ظروف كل ساحة ميدانية، لكن تصعيدًا واسع النطاق في انخراطها قد يُعيد خلط التوازنات في الجوار الإقليمي لتركيا، ويزيد من تعقيد بيئتها الأمنية، خاصة على حدودها الجنوبية والشرقية.
فدخول الميليشيات الشيعية العراقية على خط المواجهة، يعني رفع مستوى التوتر في العراق، وهو ساحة حيوية للأمن القومي التركي، نظرًا للوجود العسكري والاستخباراتي التركي شمال البلاد، ولارتباط ملف الميليشيات بملف حزب العمال الكردستاني، وأي انفلات أمني في العراق قد يضع أنقرة في موقع معقد، ويقوّض محاولاتها لضبط الحدود ومصالحها الجيوسياسية.
أي هجمات ضد القواعد الأمريكية في المنطقة قد تدفع الولايات المتحدة إلى توسيع نطاق الرد، وربما من خلال قواعدها المنتشرة في الشرق الأوسط، بما فيها قاعدة إنجرليك في تركيا، ورغم أن أنقرة لا تشارك في العمليات، فإن وجود قوات أمريكية على أراضيها يضعها في موقف حساس أمام محور الممانعة، ويزيد من الضغوط الشعبية والسياسية الداخلية.
الخاتمة
تمثل اللحظة الراهنة واحدة من أكثر الفترات حساسية في معادلة الأمن الإقليمي، حيث يتقاطع التصعيد الإيراني–الإسرائيلي مع لحظة فارقة في إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وفي هذا السياق، لا تبدو تركيا في موقع المراقب، بل في قلب المشهد، مدفوعة بجغرافيتها السياسية، وأدوارها الإقليمية المتشابكة، وطموحاتها في ترسيخ موقعها كقوة وسيطة ومؤثرة.
ورغم محاولاتها تبني موقف متوازن يجمع بين الدعوة إلى التهدئة وتعزيز أدوات الردع، إلا أن السيناريوهات القادمة قد تفرض على أنقرة إعادة تقييم أولوياتها وتحركاتها، خاصة إذا ما اتجه التصعيد إلى مستويات غير قابلة للاحتواء، أو شهد تحولات مفاجئة في هيكل القوى الفاعلة في الإقليم، فبينما توفر الأزمة فرصًا محتملة لتعزيز الدور التركي في ملفات الوساطة والطاقة والأمن، فإنها في الوقت ذاته تُنتج تحديات مركبة بما يضع صانع القرار التركي أمام اختبار صعب: كيف يمكن موازنة الطموح بالدور مع ضبط المخاطر ومنع ارتداد التصعيد على الداخل؟
وفي هذا السياق، تجد تركيا نفسها معنية بعدد من المهام الدقيقة، في مقدمتها العمل على منع انهيار الداخل الإيراني لما يحمله ذلك من انعكاسات أمنية عميقة على جوارها الشرقي، وتفادي الانجرار إلى اصطفافات قد تضر بعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، والعمل على توظيف هذه العلاقة في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران، كما تدرك أنقرة أن حدوث اختلال حاد في ميزان القوة لصالح إسرائيل قد يعيد ترتيب المشهد الإقليمي على نحو يضر بمصالحها الحيوية، وهو ما يدفعها للبحث عن سبل لاحتواء الأزمة دون السماح لطرف بتحقيق نصر حاسم.
المصادر:
[1] أردوغان: نعمل لحماية تركيا من تداعيات أزمات المنطقة ونكثّف جهود التهدئة بين إسرائيل وإيران، تي أر تي جلوبل، 16 يونيو 2025. https://trt.global/arabi
[2] المرجع السابق
[3] فاطمة شيتين، علاء الدين أوغلو، أردوغان: نخطط لرفع مخزون الصواريخ إلى مستوى الردع، وكالة الأناضول، 16 يونيو 2025. https://www.aa.com.tr
[5] وزير تركي: لا نتوقع مشكلات في إمدادات النفط والغاز إثر صراع إسرائيل وإيران، الجزيرة نت، 17 يونيو 2025. https://www.ajnet.me
[6] تركيا تعلن إلغاء الرحلات إلى 4 دول بسبب التصعيد في الشرق الأوسط، تركيا الآن، 13 يونيو 2025. https://www.turkeyalaan.net
[7] تركيا ترد على تقارير عن تورطها في نقل بيانات حساسة عن إيران من رادار “الناتو” إلى إسرائيل، موقع أر تي عربية، 16 يونيو 2025. https://arabic.rt.com
[8] سمير العركي، رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا، الجزيرة نت، 15 يونيو 2025. https://www.aljazeera.net
[9] زيد أسليم، كيف تقرأ أنقرة التصعيد بين إسرائيل وإيران؟، الجزيرة نت، 13 يونيو 2025. https://www.ajnet.me
[10] عدنان عبد اارازق، نزوح محدود للإيرانيين إلى تركيا هرباً من الحرب، موقع العربي الجديد، 17 يونيو 2025. https://www.alaraby.co.uk
[11] المرجع السابق