المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > رفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب الأمريكية: السياق والدلالات
رفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب الأمريكية: السياق والدلالات
- يوليو 12, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات

إعداد/ آية أشرف
باحث في برنامج الأمن والإرهاب
في خطوةٍ تاريخيةٍ تعكسُ التحول الجذريَ في السياسية الأمريكية تجاه سوريا ،أعلنت إدارة الرئيس “دونالد ترامب” عن رفع “جبهة النصرة” المعروفة باسم “هيئة تحرير الشام” (HTS)من قوائم المنظماتِ الإرهابيةِ الأجنبيةِ (FTO) ، يأتي هذا القرار في توقيتٍ حَرجٍ سواء فيما يتعلق بالداخل السوري بعد الإطاحة بنظام “الأسد” وتولي “هيئة تحرير الشام” زمام الحكم تحت مظلة المعارضة السورية أو على مستوى المنطقة التي تشهدُ تغيراتٍ هي الأكثر حدةً منذ عقود على كافة المستويات، وعليه يحملُ هذا القرار دلالاتٍ عميقةً على المشهد السوري الداخلي والمشهد الإقليمي ويمتدُ ليشملَ الإطارَ الدولي خاصةً أن هذا القرار قد يعيد تشكيل موازين القوى ويثيرُ اعتباراتٍ أمنيةً جديدةً لدول الجوار، مثل تركيا والأردن ولبنان والعراق وإسرائيل، وعلى الصعيد العالمي يعدُّ هذا التحركُ سابقةً مثيرةً للجدل؛ قد تؤثر على استراتيجياتِ تنظيماتٍ مسلحةٍ أخرى تسعى للحصول على الشرعية أو رفع تصنيفها الإرهابي ،لا سيَّما بعد رفْعِ روسيا “لحركة طالبان” أيضاً من قوائم الإرهاب الروسية، الأمرُ الذي يسلط الضوء على الطبيعة المعقدة والبراغماتية في كثيرٍ من الأحيان لسياسات مكافحة الإرهاب الدولية، ومنه يسلط هذا التقرير الضوء على حيثيات ودوافع هذا القرار وتحليل الدلالات التي يحملها في ظل سياق زمني معقد على المستوى الإقليمي والدولي.
السياق الزمني
في السابع من يوليو 2025م أعلنت الولايات المتحدة رسمياً عزمها إلغاءَ تصنيف “جبهة النصرة” كمنظمةٍ إرهابيةٍ أجنبيةٍ على أن يدخلَ القرار حيّذ النفاذ بشكلٍ فوريٍ اعتباراً من الثامن من يوليو 2025م([1])، يأتي هذا القرار تماشياً مع وعد ورؤيه الرئيس “ترامب” في الثالثَ عشرَ من مايو 2025م بتخفيف العقوبات على سوريا للوصول لسوريا موحدةٍ ومستقرةٍ وسلميةٍ ، تكمن أهمية وحساسية هذا القرار في كونه يأتي في ظلِ توقيتٍ بالغ الأهمية بعد الإطاحة بنظام ” الأسد” ثم قيادة “الشرع” المرحلة الانتقالية للبلاد، وفي ظل حالةٍ من الترقّب وعدم الاستقرار الإقليمي على هامش المواجهات بين إيران وإسرائيل والحرب المستمرة في غزة ، علاوة على ذلك الأزمات الممتدة في اليمن والسودان وليبيا بالإضافة للعديد من الملفات والقضايا الأخرى التي تهدد أمن وسيادة دول المنطقة، وعلى الصعيد الدولي الذي يشهدُ ديناميكياتٍ مغايرةً للتفاعل فيما بين أعضاء النسق الدولي، وعليه يعكس هذا التحرك بوضوح توجهاً أمريكياً جديداً وأكثر مرونةً تجاه سوريا ما بعد الحرب ورغبة في إعادة الانخراط مع الواقع السياسي المستجد([2]).
ومن جانبها رحبت دمشق بالقرار الأمريكي واصفةً إياه بأنه “خطوةٌ إيجابيةٌ نحو تصحيح مسار كان يعيق سابقاً الانخراط البناء” وأعربت عن أملها في إزالة القيود المتبقية التي لا تزال تؤثر على المؤسسات والمسؤولين السوريين . في إشارةٍ غير مباشرةٍ على التصنيف الأممي للهيئة كونها منظمةً إرهابيةً، فضلًا عن العقوبات الغربية المفروضة على الهيئة وأعضائها، هذا الترحيبُ جاء ليؤكدَ على رغبة الحكومة السورية الجديدة في تطبيع علاقاتها الدولية وفتْح آفاقٍ للتعاون مستفيدةً من الواقع الدولي والإقليمي الحالي([3]).
جبهة النصرة: مسار من التكيف
والجدير بالذكر قبل الانخراط في تحليل دلالات هذا القرار، لابد من التطرق بشكلٍ سريعٍ لعرضِ الخلفية التاريخية “لهيئة تحرير الشام” والتي نشأت في البداية تحت مسمي “جبهة النصرة لأهل الشام” كتنظيمٍ سلفيٍ جهاديٍ متأثرٍ بالتيار الجهادي العالمي لكنها ركزت على العدو القريب “النظام السوري” بدلاً من الجهاد العالمي، منذ ذلك الحين شهد التنظيمُ تحولاتٍ استراتيجيةً مهمةً، ففي أبريل 2013م تأكد علناً أن “جبهة النصرة ” هي الفرعُ الرسميُ لتنظيم القاعدة في سوريا، و في يوليو 2016 أعاد التنظيم تسمية نفسه “بجبهة فتح الشام” وأعلنت انفصالها عن تنظيم القاعدة بهدفِ دمْجِ الحركة بشكلٍ أفضل ضمن الثورة السورية والتنسيق مع الفصائل الإسلامية الأخرى على الأرض ، وفي الثامن والعشرين من يناير 2017م اندمجت مع أربعِ جماعاتٍ أخرى لتشكيل “هيئة تحرير الشام” باعتبارها جماعةً سنيةً إسلاميةً مسلحةً جديدةً يقودها “أبي محمد الجولاني” أو “أحمد الشرع” حالياً منذ ذلك الحين حاولت الهيئة النأي بنفسها علناً عن الأيديولوجية الجهادية العالمية لتنظيم القاعدة، والتركيزَ على توطيد السيطرة العسكريةِ والسياسيةِ على منطقة “إدلب الكبرى”، ارتكبت الهيئةُ مجموعةً من الممارسات والانتهاكات التي دفعت الإدارةَ الأمريكيةَ ومجلس الأمن الدولي لتصنيفها كمنظمةٍ إرهابيةٍ أجنبيةْ في ديسمبر 2012م ([4]).
الدوافع والمبررات
تُصنف الولاياتُ المتحدة المنظمات الأجنبية كمنظماتٍ إرهابيةٍ أجنبيةٍ (FTO) إذا ثبت أن هذه المنظمات تشارك في أنشطةٍ إرهابيةٍ أو تحتفظ بالقدرة والنية للقيام بذلك وعليه وتهدد الأمن القومي الأمريكي أو مواطنيها أو المصالح الأمريكية على مستوى العالم، ويتطلبُ رفعُ التصنيف تقديمَ أدلةٍ على أن الظروف التي استند إليها التصنيف قد تغيرت بشكلٍ كافٍ، أو أن الأمنَ القوميَ يبرر إلغاء التصنيف، و ذلك بعد التشاور مع وزارة الخارجية والمدعي العام ووزارة الخزانة وإخطار الكونغرس([5])، ومن خلال استقراء السياق الزمني والإقليمي والدولي يظهرُ عدد من المبررات الاستراتيجية لهذا القرار، يمكن تحليلها في الآتي:
الانخراط مع الحكومة السورية الجديدة التي تقودها “هيئة تحرير الشام” بعد سقوط نظام “الأسد”.
حل هيئة تحرير الشام والتزام الحكومة بمكافحة الإرهاب لا سيما وقد أفيد بأن قوات “هيئة تحرير الشام “دمجت في القوات العسكرية والأمنية السورية الرسمية في أواخر يناير 2025م فضلاً عن أن الحكومة الجديدة أعلنت عن حل الهيئة وتعهد بمكافحة كافة أشكال الإرهاب.
التحول البراغماتي لهيئة تحرير الشام الذي ظهر في الملامح الجديدة للسياسة الخارجية السورية وكان أبرزها لقاءاته مع عدد من قادة الغرب كالرئيس الفرنسي “ماكرون” والرئيس الأمريكي “ترامب” والتفاهمات الوضاحة مع المحيط الإقليمي لا سيما الخليجي، علاوة على ذلك محاولات الحكومة تركيزاً على الحكم المحلي، وتقديم الخدمات، ومحاربة الجماعات المتطرفة الأخرى مثل “داعش” و”حراس الدين”.
تسهيل إعادة الإعمار وتخفيف العقوبات فهذا القرار بعد جزءاً من استراتيجية أوسع لرفع العقوبات عن سوريا وهو ما يعتبر ضرورياً لإعادة الإعمار ومعالجة التحديات الاقتصادية والإنسانية الملحة، فضلاً عن إزالة العوائق القانونية أمام الانخراط والاستثمار الدوليين في سوريا.
مواجهة المنافسين (إيران، روسيا، الصين) والحد من فرصة استغلال الفراغ وعقد شركات قد مع الحكومة السورية الجديدة قد تضر بالمصالح الأمريكية بالإضافة إلى فتح فرصاً اقتصادية للشركات الأمريكية في جهود إعادة إعمار سوريا.
الانعكاسات والدلالات
يعزز رفع التصنيف بشكل كبير شرعية الحكومة السورية الجديدة التي تقودها “هيئة تحرير الشام” يتيح قدر أكبر من حرية الحركة للمسؤولين السوريين بمن فيهم الرئيس “أحمد الشرع” ويسهل دمجهم في النظام السياسي الدولي، وعلى صعيد الاستقرار الداخلي والحوكمة فقد أعلنت الحكومة الجديدة عن خطط لدمج مختلف الجماعات المسلحة في جيش سوري جديد بهدف توطيد السيطرة ومنع الفوضى، وعلى الصعيد الإقتصادي فمن المتوقع أن يسهل رفع العقوبات الأمريكية وتصنيف المنظمة الإرهابية الأجنبية تدفق المساعدات الإنسانية وتشجيع الاستثمار الأجنبي لإعادة الإعمار بعد سنوات من الصراع، إلا أنه لا تزال هناك تخوفات حول عملية إعادة الإعمار في ظل تصريح الولايات المتحدة بأنها لن تمول إعادة الإعمار بشكل مباشر لكنها قد تشجع المؤسسات المالية الدولية على تقديم القروض والمنح.
وفيما يتعلق بتداعيات القرار على فصائل المعارضة السورية الأخرى والمجتمعات المحلية، فقد عززت “هيئة تحرير الشام” سلطتها من خلال إخضاع أو استيعاب معظم فصائل المعارضة الرئيسية بما في ذلك “أحرار الشام” و”حراس الدين”، أما بالنسبة للقوات الكردية “قوات سوريا الديمقراطية” فلا تزال التوترات قائمة بالرغم من توقيع اتفاقية دمج في مارس 2025م مع التزامات بتمثيل كردي، وبذلك من الممكن أن يزيد القرار من هيمنة “هيئة تحرير الشام” الممثلة في الحكومة الجديدة بالمقارنة مع الفصائل الأخر الأمر الذي قد يتحول لمواجهات مباشرة أو غير مباشرة لا سيما في حال عدم التوصل لحل جذري مع ملف التفاهمات مع “قسد”، وعليه يمثل قرار رفع التصنيف خطوة مهمة نحو تطبيع وضع كيان له جذور جهادية عميقة ضمن النظام الدولي، فعلى الرغم من تغيير “هيئة تحرير الشام” اسمها وإعلانها فك الارتباط بالقاعدة، إلا أنه لا يمكن فصل تاريخها الجهادي المظلم عن مستقبلها السياسي الضبابي.
الأمر الذي يؤكد على قبول أمريكي براغماتي لكيان كان إرهابياً سابقاً كفاعل حكومي شرعي، هذا التحول يعكس تغيراً ودلالات عميقاً في سياسة مكافحة الإرهاب التقليدية، التي عادة ما تتطلب أن تكون الجماعات غير فاعلة أو منزوعة السلاح بالكامل قبل رفع تصنيفها هذا التوجه يشير إلى أن الحقائق الجيوسياسية أهمها أن سقوط نظام “الأسد” والحاجة إلى الاستقرار تتغلب على النقاء الأيديولوجي في السياسة الخارجية الأمريكي، كما يعزز رفع التصنيف من قبضة الحكومة الجديدة في توطيد السلطة مما قد يؤدي إلى شكل جديد من الحكم المركزي وربما الاستبدادي بدلاً من انتقال ديمقراطي شامل حقاً.
لقد عملت هيئة تحرير الشام تاريخياً على إخضاع معظم فصائل المعارضة الرئيسية لتثبيت نفسها بمثابة السلطة السياسية الشرعية الوحيدة في مناطق سيطرتها ورغم تعهدات الحكومة الجديدة بالشمولية فإن رفع التصنيف يضفي الشرعية على القوة المهيمنة مما قد يؤدي إلى تهميش الأصوات الأخرى ومنع تقاسم السلطة الحقيقي، هذا السياق يمكن أن يؤسس لسوريا مستقرة ولكن ليست بالضرورة ديمقراطية أي مبادلة شكل من أشكال الاستبداد بآخر.
وعلى صعيد أخر يخلق قرار رفع التصنيف الأمريكي “لهيئة تحرير الشام” في حين يحافظ مجلس الأمن الدولي على تصنيفها مفارقة قانونية ودبلوماسية معقدة قد تعرقل الجهود الدولية الشاملة لمستقبل سوريا، فبينما رفعت الولايات المتحدة تصنيف “هيئة تحرير الشام” لا تزال الهيئة وزعيمها “أحمد الشرع” يخضعان لعقوبات مجلس الأمن الدولي بما يعني أنه بينما تستطيع الولايات المتحدة الانخراط لا تزال الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة ملزمة بتطبيق العقوبات (تجميد الأصول، حظر السفر، حظر الأسلحة) هذا الوضع المزدوج يخلق غموضاً قانونياً للمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والشركات مما يعقد جهود إعادة الإعمار والانخراط الدبلوماسي الكامل بل ويسلط الضوء على التوتر بين المصالح الوطنية الأحادية والأطر القانونية الدولية المتعددة الأطراف مما قد يؤدي إلى تفتيت الاستجابة الدولية للانتقال السوري.
” هيئة تحرير الشام” نموذجاً
سعت الهيئة بنشاط إلى تغيير صورتها من جماعة جهادية عالمية إلى هيئة حاكمة تركز على الشأن المحلي تضمن ذلك قطع العلاقات مع تنظيم القاعدة والتركيز على قتال نظام “الأسد” وتقديم الخدمات والانخراط مع المجتمعات المحلية وبالتالي فإن رفع التصنيف الأمريكي يضفي شرعية على هذه الاستراتيجية إلى حد م، وعليه يمكن أن يشجع نجاح هيئة تحرير الشام في تحقيق رفع التصنيف والانخراط الدولي منظمات إرهابية أخرى مصنفة على تبني استراتيجيات مماثلة من خلال:
إعادة التسمية: قطع العلاقات علناً مع المنظمات الجهادية العالمية واعتماد أسماء جديدة.
الحكم المحلي: التركيز على تقديم الخدمات وإنشاء هياكل إدارية وكسب الدعم الشعبي المحلي في الأراضي الخاضعة للسيطرة.
التركيز على “العدو القريب”: تحويل التركيز من الهجمات الدولية إلى الصراعات المحلية.
التواصل الدبلوماسي: الانخراط مع الجهات الفاعلة الدولية وتقديم وجه أكثر “اعتدالاً”.
براغماتية التصنيف: حدود الإرهاب والشرعية الدولية
يشير هذا القرار إلى مسار براغماتي جديد للجماعات المسلحة للتخلص من وصمة الإرهاب من خلال إظهار الحكم الفعال والسيطرة على الأراضي حتى وإن ظلت أسسها الأيديولوجية إشكالية وبناء هياكل إدارية وتقديم الخدمات وتوطيد السيطرة والتركيز على “بناء الدولة” والشرعية المحلية ليكون حافظ لإعادة تصنيفها وتقيمها دولياً وإقليماً؛ فقرار الولايات المتحدة برفع تصنيف هيئة تحرير الشام بعد أن أصبحت الحكومة الفعلية يعني أن القدرة على الحكم والحفاظ على الاستقرار يمكن أن يكون معياراً فعلياً للاعتراف الدولي ورفع التصنيف، الأمر الذي يخلق مفارقة حيث يمكن أن يؤدي مجرد الاستيلاء على الأراضي والحكم، والذي قد ينطوي على العنف، إلى اعتبار الجماعة أقل إرهابية وأكثر سياسية.
وعلى صعيد أخر يمكن أن يؤدي هذا القرار إلى إنشاء مخطط للجماعات الإرهابية الأخرى “لغسل” صورتها واكتساب القبول الدولي دون التخلي الكامل عن أيديولوجياتها المتطرفة أو جرائمها السابقة، فإذا تم رفع تصنيف “هيئة تحرير الشام” على الرغم من تاريخها في انتهاكات حقوق الإنسان واستمرار وجود عناصر متطرفة داخل صفوفها فإن ذلك يرسل إشارة بأن إعادة التسمية والتحول إلى الحكم المحلي قد يكونان كافيين مما يشجع جماعات “كداعش” “القاعدة” على تبني تغييرات سطحية مماثلة دون تحول أيديولوجي جوهري وبالتالي الحصول على الموارد والانخراط الدبلوماسي والشرعية التي كانت ستحرم منها، وعليه فإن هذا المسار البراجماتي يشكل خطراً كبيراً على المدى الطويل على جهود مكافحة الإرهاب العالمية من خلال طمس الخطوط الفاصلة بين الجهات الفاعلة السياسية الشرعية والجماعات الإرهابية السابقة الانتهازية.
كما يؤكد القرار أن تعريف “الإرهاب” وتطبيقه في العلاقات الدولية مرنان للغاية وغالباً ما تمليهما المصالح الجيوسياسية بدلاً من الالتزام الصارم بالمعايير العالمية، فقد أصبح مفهوم الإرهاب مفهوم دال فارغ يملأ بالهيمنة بمعنى أنه مصطلح ذاتي غير موضوعي وبالتالي تستخدمه القوى السيادية بناء على توجهاتها السياسية ومصالحها الاستراتيجية المتطورة (كمواجهة إيران، استقرار سوريا) بدلاً من طبيعة الجماعة المتأصلة أو أفعالها السابقة فقط، فحقيقة أن الولايات المتحدة، وهي قوة عظمى، رفعت تصنيف “هيئة تحرير الشام” بناءً على دورها الجديد كحكومة فعلية بينما لا تزال الأمم المتحدة وكيانات أخرى تعتبرها منظمة إرهابية بموجب القرار (2254) الصادر عن مجلس الأمن يسلط الضوء على هذه الذاتية من جهة، ومن جهة أخر يسلط الضور على تباين كبير في كيفية تعريف الجهات الفاعلة العالمية الرئيسية للإرهاب والاستجابة له مما قد يضعف الإطار الدولي لمكافحة الإرهاب.
وعليه فنحن أمام تطبيق انتقائي لمفهوم الإرهاب بناءً على مصالحها الجيوسياسية الخاصة بدلاً من فهم مشترك طبيعة هذه الظاهرة المعقدة.
تُظهر ردود الفعل الدولية المتنوعة لا سيما من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي في إعطاء الأولوية للاستقرار الجيوسياسي الفوري والمصالح الاستراتيجية (مثل مواجهة المنافسين، والوصول إلى الموارد، وإدارة تدفقات اللاجئين) على المبادئ المعيارية طويلة الأمد مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والالتزام الصارم بتصنيفات مكافحة الإرهاب، فالولايات المتحدة تربط صراحة رفع التصنيف بـ “رؤية الرئيس ترامب لسوريا مستقرة وموحدة وسلمية” والتزام الحكومة السورية الجديدة بمكافحة الإرهاب، روسيا من جانبها مستعدة للانخراط مع الحكومة الجديدة التي تقودها “هيئة تحرير الشام” على الرغم من قصفها لسنوات لتأمين قواعدها العسكرية ومواجهة النفوذ الأمريكي، كما خفف الاتحاد الأوروبي العقوبات مدفوعاً بالمخاوف الإنسانية والرغبة في الانتعاش الاقتصادي، وعلى الرغم من هذه الإجراءات قد تجلب استقراراً على المدى القصير فإنها تنطوي على مخاطر إضفاء الشرعية على نظام غير منتخب وتغض الطرف ضمنياً عن أفعاله الماضية وبالتالي تقوض المبادئ ذاتها (الديمقراطية، حقوق الإنسان، سيادة القانون) التي تدعي العديد من هذه القوى دعمها مما يؤكد على وجود توجه دولي قائم على المعاملات حيث تتفوق المكاسب الاستراتيجية على الاتساق المعياري القانوني والأخلاقي.
ختاماً، يمثل القرار الأمريكي برفع تصنيف “هيئة تحرير الشام” “جبهة النصرة” سابقاً من قوائم المنظمات الإرهابية الأجنبية تحولاً استراتيجياً عميقاً في السياسة الخارجية الأمريكية مدفوعاً بالواقع الجيوسياسي الجديد في سوريا بعد سقوط “الأسد” يهدف إلى تسهيل الاستقرار وإعادة الإعمار والانخراط مع الحكومة السورية الجديدة ومع ذلك فإنه يحمل دلالات معقدة وتداعيات بعيدة المدى على المشهد السوري والإقليمي والدولي، فقد ينطوي هذا المسار على مخاطر التحول نحو شكل جديد من الحكم الاستبدادي مما قد يقوض آمال الانتقال الديمقراطي الشامل، كما أن التباين بين رفع التصنيف الأمريكي واستمرار عقوبات الأمم المتحدة يخلق تحديات قانونية ودبلوماسية تعيق جهود إعادة الإعمار الشاملة، إقليمياً، يؤثر القرار بشكل مباشر على موازين القوى، فبينما قد يعزز نفوذ تركيا ويضعف محور المقاومة الإيراني فإنه يفرض على دول الجوار إعادة تقييم ترتيباتها الأمنية في ظل وجود العديد من الملفات العالقة على طاولة الحكومة السورية الجديدة، دولياً فإن “نموذج هيئة تحرير الشام” قد يشجع جماعات أخرى على تبني استراتيجيات مماثلة لغسل صورتها وكسب الشرعية مما يثير مخاوف جدية بشأن تقويض معايير مكافحة الإرهاب الدولية وتآكل الإجماع حول تعريف الإرهاب الأمر الذي هذا يثير تساؤلات حول الآثار طويلة الأجل على العدالة والمساءلة في سياقات ما بعد الصراع، وعليه فإن هذا الوضع يتطلب نهجاً دولياً دقيقاً يوازن بين الضرورة البراجماتي للانخراط مع الحكومة الفعلية في سوريا وبين الالتزام الصارم بحقوق الإنسان والشمولية ومكافحة جميع أشكال التطرف بالإضافة إلى ضرورة وجود ضمانات تؤكد على أن أي اعتراف مستقبلي مشروط بتغييرات سلوكية قابلة للتحقق والتزام حقيقي بمستقبل سياسي شامل ومستقر لسوريا.
المصادر:
[1] (روبيو يكشف تفاصيل رفع “جبهة النصرة” من قوائم الإرهاب، سكاي نيوز عربية، 7 يوليو 2025، متوفر على: https://www.skynewsarabia.com
[2]) واشنطن تشطب جبهة النصرة من قائمة الإرهاب، لماذا الآن، DW، 7 يوليو 2025، متوفر على: https://www.dw.com
[3]) أميركا تلغي تصنيف “هيئة تحرير الشام” منظمة إرهابية أجنبية، الشرق، 7 يوليو 2025، متوفر على: https://asharq.com
[4]) Hay’at Tahrir al-Sham Terrorism Backgrounder, Center for Strategic and International Studies, 2018, available on: https://www.csis.org
[5]) كيف أُدرِجت هيئة تحرير الشام على قوائم الإرهاب الأمريكية – ولماذا يجب أن تبقى هناك في الوقت الحالي، معهد واشنطن للسياسات، 17 ديسمبر 2024، متوفر على: https://www.washingtoninstitute.org