المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > القمة “الأمريكية – الأفريقية”: مقاربةٌ جديدةٌ للنُّفُوذ والاستثمار في القارة
القمة “الأمريكية – الأفريقية”: مقاربةٌ جديدةٌ للنُّفُوذ والاستثمار في القارة
- يوليو 13, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد/ منة صلاح
باحثة في وحدة الشؤون الأفريقية
شَهِدَ البيتُ الأبيضُ، في 9 يوليو، انطلاَق قِمَّةٍ “أمريكية – أفريقية” جمعت الرئيس دونالد ترامب بقادة خمْس دول من غرب أفريقيا، في إطار توجُّهٍ جديدٍ يعيد تشكيل حضور الولايات المتحدة في القارة، وتُعَدُّ هذه القمة مؤشرًا واضحًا على تحوُّلٍ في المقاربة الأمريكية، من الاعتماد على المساعدات إلى التركيز على الشراكات الاقتصادية والاستثمارات الاستراتيجية، خاصَّةً في القطاعات المرتبطة بالمعادن الحيوية والطاقة، ويأتي هذا التحرُّك بعد أيامٍ من رعاية واشنطن لاتفاق سلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، وهو ما يفتح المجال أمام توسيع النفوذ الأمريكي في أفريقيا عبْر أدوات أكثر براغماتية واستباقية.
السياق الراهن للقمة ودلالاته
تأتي هذه القمة في لحظةٍ حاسمةٍ تشهد فيها السياسة الخارجية الأمريكية إعادة ترتيب ملحوظ للأولويات، لا سيما في القارة الأفريقية، ففي 27 يونيو، استضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزيريْ خارجية كُلٍّ من “جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا”؛ لتوقيع اتفاق سلام تمَّ برعاية أمريكية، يُتوقَّعُ أن يُنهي نزاعًا دمويًّا راح ضحيته الآلاف، ويُمهِّدُ في الوقت ذاته لتأسيس إطار للتكامل الاقتصادي الإقليمي، بما يُعزِّزُ فُرَص جذْب استثمارات غربية تُقدَّر بمليارات الدولارات.
وفي تطوُّرٍ متصلٍ، أعلنت قمة الأعمال “الأمريكية – الأفريقية” المنعقدة في أنغولا، عن إبرام صفقات وتعهُّدات استثمارية تجاوزت قيمتها 2.5 مليار دولار أمريكي؛ ما يعكس بوضوح تحوُّلًا في نهْج الإدارة الأمريكية نحْو تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية، كما أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو، عن إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، مشيرًا إلى فشل نموذجها القائم على تقديم المساعدات في خدمة المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
وأوضح “روبيو”، أن دول أفريقيا جنوب الصحراء رغم استفادتها الكبيرة من المساعدات الأمريكية، لم تُصوِّتْ لصالح الولايات المتحدة إلا بنسبة 29% فقط في القضايا الأساسية المطروحة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبناءً على ذلك، أعلن عن توجُّهٍ جديدٍ في السياسة الخارجية الأمريكية يُركِّزُ على “التجارة بَدَلًا من المساعدات، والفُرَص بَدَلًا من التبعِيَّة، والاستثمار كبديلٍ للمساعدة”[1].
أبعاد اختيار الولايات المتحدة للدول الخمْس في غرب أفريقيا
جاء اختيار الولايات المتحدة لخمس دول أفريقية “الجابون، غينيا بيساو، موريتانيا، السنغال، وليبيريا”؛ نتيجةً لمزيجٍ من العوامل الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية، فعلى الرَّغْم من صِغَرِ حجم اقتصاداتها، إلَّا أن هذه الدول تزْخَرُ بثروات طبيعية هائلة، تشمل “النفط والغاز والذهب وخام الحديد والعناصر الأرضية النادرة”، وإلى جانب العامل الاقتصادي يُعَدُّ البُعْد الأمني والهجري عُنْصرًا محوريًّا في هذا التوجُّه الأمريكي، فقد أشار خبراء إلى أن هذه الدول تُشكِّلُ ممرًّا أساسيًّا للهجرة غير النظامية نحْو الولايات المتحدة، سواءً عبْر المحيط الأطلسي أو من خلال مسار “غرب أفريقيا -نيكاراغوا”.
وتشير البيانات إلى ارتفاعٍ ملحوظٍ في أعداد المهاجرين القادمين من هذه الدول؛ إذ تصدَّرت موريتانيا والسنغال قائمة المهاجرين الأفارقة إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، خلال عام 2023، كما أن وجود سواحل واسعة على المحيط يجعل من هذه الدول شريكًا مهمًا في الجهود الإقليمية لمكافحة القرْصنة وضبْط الأمن البحري؛ ما يُعزِّزُ من أهمية التعاون معها، في إطار رؤية استراتيجية شاملة.
الدوافع الأمريكية الاستراتيجية وراء القمة مع شركاء أفارقة
يسعى ترامب إلى تعزيز حضوره في أفريقيا، عبْر مقاربةٍ جديدةٍ تُركِّزُ على الاستثمار الاستراتيجي بَدَلًا من المساعدات التقليدية، في ظلِّ سعْيِهِ لمواجهة تصاعُد النفوذيْن “الصيني والروسي” في القارة، فقد اختار ترامب بعناية خمس دول أفريقية لحضور قِمَّتِهِ، وُصِفَتْ بأنها “ثمار منخفضة التكلفة”؛ كوْنها خارج تكتُّلات، مِثْل مجموعة البريكس، ولا تتمتع بثقل إقليمي كبير؛ ما يجعلها أكثر قابلية للانخراط السريع في شراكات أمريكية جديدة، ويرى مراقبون، أن هذا التحرُّك يخدم أهدافًا انتخابيةً داخليةً لـ”ترامب”، إلى جانب أهداف جيوسياسية، أبرزها تضييق الخناق على تمدُّد الصين وروسيا في أسواق المعادن الحيوية والبِنْيَة التحتِيَّة الدفاعية.
كما يعكس النَّهْجُ الأمريكيُّ الجديدُ تحوُّلًا حادًّا عن سياسات الإدارات السابقة، من خلال تقليص برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وتفضيل اتفاقات تجارية تُعزِّزُ سلاسل التوريد المعدنية الحيوية للولايات المتحدة، لا سيما بعْد توقيع اتفاق السلام بين “الكونغو ورواندا” بوساطة أمريكية، وبالتوازي تعتمد إدارة ترامب إجراءات متشددة تِجَاه الهجرة من دول أفريقية وتفرض تعريفات جمركية على بعض شركائها في القارة؛ مما يظهر اتجاهًا واضحًا نحو ربْط الدعم الاقتصادي بتحقيق مكاسب استراتيجية مباشرة لأمريكا، في وقتٍ تسعى فيه بكين إلى توسيع امتيازاتها التجارية في أفريقيا، عبْر إلغاء الرسوم على وارداتها من معظم الدول الأفريقية[2].
أبرز مُخْرَجَات القمة
التحوُّل من المساعدات إلى الشراكات التجارية: أكَّد ترامب للزعماء الأفارقة، أن الولايات المتحدة بصَدَدِ تغيير منهجها في التعامل مع القارة، من نموذج “المساعدات الإنسانية” إلى نموذج “التجارة والاستثمار”؛ ما يعكس توجُّهًا نحْو دبلوماسية تبادلية تُشجِّعُ على الصفقات والمصالح المتبادلة، خاصَّةً في مجالات المعادن والصناعات الدفاعية.
التركيز الأمريكي على المعادن الحيوية: تظهر القمة اهتمامًا متزايدًا من الإدارة الأمريكية بالحصول على حِصَّةٍ في قطاع المعادن الحيوية في أفريقيا، مِثْل “المنجنيز والحديد والأتربة النادرة المستخدمة في الإلكترونيات والطاقة النظيفة”، ومع أن ترامب أشار إلى رغبته في أن تقوم الشركات الأمريكية بتعدين هذه المعادن ونقْلها للولايات المتحدة، شدَّدَ القادة الأفارقة على أهمية استخدامها لتطوير الصناعات المحلية وليس مُجرَّد تصديرها.
دعْم اتفاقيات البِنْيَة التحتِيَّة: تمَّ خلال القمة تأكيد دعْم الولايات المتحدة لمشروعات بِنْيَة تحتِيَّة كُبْرَى في أفريقيا، من بينها توقيع ليبيريا اتفاقًا بقيمة 1.8 مليار دولار مع شركة أمريكية لإعادة تأهيل السكك الحديدية لنقل الحديد من غينيا، وتُعَدُّ هذه الصفقة نموذجًا للنَّهْج الاستثماري الجديد الذي ترغب واشنطن في ترسيخه.
طرْح صفقات دفاعية أمريكية: حثَّ ترامب القادة الأفارقة على زيادة الإنفاق الدفاعي، مع اقتراح شراء الأسلحة والمُعدَّات الأمريكية كجزء من الشراكة الجديدة، ويعكس ذلك رغبة واشنطن في تعزيز تعاونها الأمني مع الدول الواقعة على هامش منطقة الساحل.
احتمال إعفاء جمركي مقابل الولاء السياسي: أَلْمَحَ ترامب إلى إمكانية استثناء الدول الحاضرة من خطته المقبلة لفرْض تعريفات جمركية “متبادلة” على بعض السِّلَع، واصفًا القادة الأفارقة، بأنهم “أصدقاء الآن”، ويأتي هذا الطَّرْح في سياق الضغط لتأمين ولاءات سياسية وتجارية أوْثَق مع الدول الأفريقية[3].
ختامًا:
تُمثِّلُ القمة “الأمريكية – الأفريقية” تحوُّلًا لافتًا في نهْج واشنطن تجاه القارة؛ حيث اتجهت الإدارة الأمريكية إلى تعزيز حضورها عبْر أدوات استثمارية وتجارية، بَدَلًا من الاعتماد التقليدي على المساعدات، وجاءت هذه القمة وهي أول مبادرة دبلوماسية متعددة الأطراف يقودها الرئيس ترامب في أفريقيا؛ لتُعبِّرَ عن طموح استراتيجي أوسع لإعادة ترسيخ النفوذ الأمريكي في منطقة يتسارع فيها تمدُّد النفوذيْن “الصيني والروسي”، ويُظهر اختيار دول غنية بالموارد الأساسية إدراكًا أمريكيًّا متزايدًا لأهمية إعادة التموْضع في أفريقيا، من خلال شراكات تقوم على المصالح المتبادلة والانخراط العملي في القضايا الاقتصادية والأمنية ذات الأولوية.
المصادر:
[1] Landry Signé, Prosperity and power: Trump’s selective US-Africa summit and the race with China, brookings, July 8, 2025. https://www.brookings.edu/articles/prosperity-and-power-trumps-selective-us-africa-summit-and-the-race-with-china/