المقالات
اتفاق أمني يمهد لسلام دائم: قراءة في مقدمات التطبيع السوري الإسرائيلي المرتقب
- يوليو 13, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
أقر الرئيس السوري أحمد الشرع، وكذلك مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون، بأن هناك محادثات غير مباشرة تقودها الولايات المتحدة، من شأنها أن تحدث تقارب محتمل بين سوريا وإسرائيل بعد سنوات طويلة من العداء والحروب بينهما، مما أثار تساؤلات كثيرة حول ماهية الاتفاق المزعم عقده، وكيف سيؤثر على وضع الجولان السوري المحتل، فضلًا عن التساؤل حول مصير الأراضي السورية التي احتلتها القوات الإسرائيلية في أعقاب سقوط النظام السوري السابق برئاسة بشار الأسد:
أولًا؛ ترتيبات أمنية وليس معاهدة سلام:
إدراكًا لصعوبة الوصول إلى معاهدة سلام كامل بين دمشق وتل أبيب في الوضع الراهن، أفادت تقارير أمريكية بأن المحادثات الحالية تهدف إلى وضع خارطة طريق تدريجية، تبدأ بالاتفاق على ضمانات أمنية لتخفيف التوترات وتحديث الترتيبات الأمنية على طول الحدود الإسرائيلية السورية المضطربة، وصولًا إلى اتفاق سلام شامل وتطبيع للعلاقات بين الدولتين.[1]
وأوضحت تلك التقارير أن الاتصالات بين تل أبيب ودمشق تجري عبر أربع قنوات؛ وهي: رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، رئيس الموساد ديفيد برنياع، وزير الخارجية جدعون ساعر، وضباط في الجيش الإسرائيلي وذلك إلى جانب جهات أمنية سورية.[2]
ووفقًا لمصادر مطلعة على المحادثات السورية الإسرائيلية؛ فإن الاتفاق الأمني المزعم عقده ينص على البنود التالية:[3]
الاعتراف الإسرائيلي الرسمي بحكومة الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع.
الإيقاف الشامل للغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا، مع الانسحاب التدريجي الكامل لإسرائيل من جميع الأراضي السورية التي سيطرت عليها بعد دخولها المنطقة العازلة في8 ديسمبر 2024، بما في ذلك قمة جبل الشيخ.
تحديث اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974، واستبدالها باتفاق شبه تطبيع، يتناول الوضع الجديد على الأرض، وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي السورية.
استبدال الوجود الإسرائيلي على جبل الشيخ بقوات أمريكية، بينما تنتشر قوات الحكومة السورية في المنطقة العازلة منزوعة السلاح لمنع الفصائل المعادية لإسرائيل من التمركز هناك.
احتمالية تقديم عرض إسرائيلي لسوريا ينص على تأجير مناطق حدودية معينة في الجنوب السوري وخاصةً بالجولان لمدة99 عامًا، مع بقائها قانونيًا أرضًا سورية، مثل قمة جبل الشيخ.
احتمالية إنشاء منطقة خاضعة لإشراف دولي في الجولان تشبه “حديقة سلام”، أي نشر قوات حفظ سلام دولية لتطبيق ترتيبات ما بعد الاتفاق، دون إعادة السيادة الكاملة لدمشق.
التنسيق الاستخباراتي والأمني في إطار مجابهة البلدين المشتركة لحزب الله وإيران.
التطرق إلى التعاون الاقتصادي بين سوريا وإسرائيل؛ من خلال الاتفاق المحتمل على تصدير الغاز الإسرائيلي إلى سوريا، إلى جانب العمل والتنسيق حول نظام المياه في حوض اليرموك والذي سيشمل الأردن أيضًا، فضلًا عن وجود مقترح لتحويل جبل الشيخ بجزئيه إلى منتجع تزلج كبير.
وجدير بالذكر أن؛ إسرائيل الأن تسيطر على المنطقة العازلة، وقمة جبل الشيخ، ومنابع المياه العذبة، بالإضافة إلى إقامة قواعد عسكرية تعمل على جعلها دائمة في المنطقة التي احتلتها، عبر عمليات تهجير للسكان من محيط القواعد، وتجريف للأراضي والأحراش، وتوغل وتفتيش دوريين للقرى والمدن التي تحتلها، في محاولة لفرض سلطة أمر واقع عليها، هذا إلى جانب المناطق التي تحتلها منذ العام 1967.[4]
ثانيًا؛ مقدمات تمهد للتقارب المحتمل:
أبدت الأطراف الثلاثة؛ سوريا وإسرائيل والولايات المتحدة، مجموعة من المؤشرات التي تبدو كمقدمة تمهيدية للاتفاق الأمني المرتقب بين دمشق وتل أبيب، ومن أهمها:
رفع جبهة النصرة من قوائم الإرهاب؛ أظهرت مذكرة صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية، نُشرت يوم 7 يوليو الجاري، أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألغت تصنيف جبهة النصرة، والمعروفة أيضًا باسم هيئة تحرير الشام، كمنظمة إرهابية أجنبية.[5]
وفي السياق ذاته؛ أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، أن الولايات المتحدة سوف تعيد النظر قريبًا في تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب.[6]
توقيع أمرًا تنفيذيًا أمريكيًا برفع العقوبات عن سوريا؛ وقع الرئيس دونالد ترامب، يوم 30 يونيو 2025، أمرًا تنفيذيًا يقضي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وذلك في خطوة تهدف إلى إعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي، وهو ما يندرج ضمن جهود الإدارة لتعزيز الاستقرار والسلام والانفتاح في سوريا.[7]
وقد أنهى القرار الجديد حالة الطوارئ الوطنية التي فُرضت عام 2004، والتي أدت إلى عقوبات شاملة طالت مؤسسات حكومية حيوية، أبرزها البنك المركزي السوري.
من جانبها؛ أبدت الحكومة السورية ترحيبًا كبيرًا بالخطوة الأمريكية، حيث صرح وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، قائلًا “ترحب سوريا بإلغاء الجزء الأكبر من العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، إذ يمثل هذا القرار نقطة تحول مهمة، ستسهم في دفع البلاد نحو الازدهار والانفتاح على العالم”.
الحديث عن لقاء جمع بين الرئيس السوري ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي؛ ترددت أنباء كثيرة مؤخرًا حول حدوث لقاء جمع بين الرئيس الشرع ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي في أبوظبي، وذلك خلال زيارة الرئيس السوري إلى الإمارات يوم 7 يوليو الجاري.[8]
ورغم أن صحيفة “يسرائيل هيوم” نفت صحة انعقاد مثل هذا اللقاء، مؤكدة أن هنغبي كان ضمن الوفد الإسرائيلي الذي رافق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في زيارته إلى الولايات المتحدة، إلا أن موقع “والاه” العبري، أفاد بأن إسرائيل لم تؤكد ولم تنفي التقارير الصادرة عن هذا اللقاء المفترض.[9]
وكذلك رأى بعض المحللين أن إجراء مثل هذا اللقاء منطقي للغاية، خاصةً في ضوء العلاقات الوثيقة التي تربط بين الإمارات وإسرائيل منذ توقيع اتفاقات إبراهام للسلام بينهما في العام 2020، إلى جانب دور الوساطة التي تلعبه أبوظبي بين دمشق وتل أبيب، والذي كشفت عنه صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في تقرير نشرته يوم 25 مايو 2025، يزعم أن الإمارات رعت ورتبت ثلاثة لقاءات جمعت شخصيات سورية مقربة من الرئيس أحمد الشرع بشخصيات إسرائيلية.
اتخاذ الحكومة السورية خطوات فعلية لتقييد النفوذ الإيراني في البلاد؛ منذ تولي أحمد الشرع رئاسة سوريا، وهو يبدي لغة هادئة تجاه إسرائيل، في مقابل تحركات متسارعة تهدف إلى تحجيم النفوذ الإيراني، مما يظهرها بمظهر بادرة حسن النية التي تتودد بها دمشق إلى تل أبيب، حيث[10]:
أوقفت الحكومة السورية الكثير من شحنات الأسلحة إلى حزب الله، كما أغلقت عدة مواقع عسكرية إيرانية داخل أراضيها.
سمحت الإدارة السورية الجديدة، لإسرائيل بملاحقة عناصر تابعة لحركة المقاومة الفلسطينية حماس المتواجدين في دمشق، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي يوم 7 يوليو الجاري، أنه ألقى القبض على عناصر خلية مدعومة من فيلق القدس الإيراني في منطقة تل كودنة بجنوب سوريا.
كما سبق وأن أعلن الجيش الإسرائيلي يوم 2 يوليو، القبض على عناصر خلية مرتبطة بإيران عبر عملية خاصة في جنوب سوريا، مما أسفر عن اعتقال ثلاثة أشخاص في ريف القنيطرة.
في الـ12 من يونيو 2025، أفادت وزارة الداخلية السورية بمقتل مدني واختطاف سبعة أشخاص خلال عملية توغل إسرائيلية في قرية بيت جن بريف دمشق الجنوبي الغربي، فيما زعمت إسرائيل أن الأشخاص التي ألقت عليهم القبض، هم على علاقة بحركة حماس، وكانوا يعتزموا تنفيذ مخططات “إرهابية” متعددة ضد مدنيين وجنود إسرائيليين في سوريا.
فتح المجال الجوي السوري أمام الطيران الإسرائيلي؛ أشارت قناة “كان” الإسرائيلية، بأن دمشق لم تعترض على استخدام إسرائيل مجالها الجوي للهجمات على إيران، ولم تدن الهجوم الإسرائيلي على إيران إطلاقًا، بينما دانت بشدة الهجوم الإيراني على قاعدة العديد الأمريكية في قطر، مما يدل على التغيير الكبير في الموقف السوري تجاه تل أبيب، وهو ما يرجح كفة أن يكون ذلك ضمن الثمن السوري الذي لا بد أن تتحمله دمشق من أجل التطبيع مع إسرائيل.[11]
وجدير بالذكر أن؛ في حال استمرت التنازلات المتبادلة التي تقدمها كلًا من سوريا وإسرائيل بنفس النهج السابق ذكره، وفي حال أحرزت المحادثات التي تقودها الولايات المتحدة بين دمشق وتل أبيب، تفاهمات أمنية مقبولة من كلاهما، فإنه من المرجح أن يجمع لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس السوري أحمد الشرع، وذلك في العاصمة الأمريكية واشنطن، قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.[12]
ونقلًا عن موقع “آي 24 نيوز” الإسرائيلي؛ فإن هذا اللقاء سيشهد توقيع اتفاقية أمنية بين نتنياهو والشرع برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على تكون هذه الخطوة هي الأولى نحو اتفاقية سلام بين البلدين.
ثالثًا؛ أبناء الجولان السوري المحتل والتمسك بالأرض مقابل السلام:
1- الجولان نقطة خلاف رئيسية:
لا شك أن قضية هضبة الجولان السوري المحتل، من أهم القضايا الخلافية التي تعوق أي تقارب محتمل بين سوريا وإسرائيل، خاصةً وأن كلا الدولتين يتمسكان بالسيادة عليها؛ حيث[13]:
تصر إسرائيل أن يشمل أي اتفاق سلام اعتراف سوريا بالسيادة الإسرائيلية على هذه المنطقة، والتي تصفها تل أبيب بـ”الكنز الاستراتيجي”.
أكد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، على هذا الموقف قائلًا “ترحب تل أبيب بإقامة علاقات دبلوماسية مع سوريا، لكنها لن تدخل في مفاوضات حول وضع مرتفعات الجولان، والتي ستبقى جزءاً من دولة إسرائيل في أي اتفاق محتمل مع سوريا، بل أن اعتراف سوريا بسيادة إسرائيل على الجولان شرط لأي اتفاق مستقبلي مع الرئيس السوري أحمد الشرع”.
وبالتالي؛ انسحاب إسرائيل من الجولان غير مطروح على الإطلاق، فالجولان خط أحمر بالنسبة للإسرائيليين، والحكومة الإسرائيلية لن تقبل حتى مناقشة الأمر.
في المقابل؛ ترفض سوريا أي اتفاق من دون انسحاب من الجولان، وتصر على أنها أرض محتلة لا يمكن التنازل عنها، مستندة في ذلك إلى قرارات الأمم المتحدة، والتي تؤكد جميعها على أن الجولان جزء من الأراضي السورية، وأبرزها قرار الجمعية العمومية رقم 497.
ومن ثم؛ من المستبعد أن يقبل الرئيس السوري أحمد الشرع، بالتوقيع على أي اتفاق مع إسرائيل من دون الانسحاب من الجولان، وهو جانب ترفضه إسرائيل بالمطلق.
وفي ضوء هذا الخلاف؛ يبدو أن إسرائيل ترغب في إتباع مبدأ “السلام مقابل السلام”، بينما تتمسك سوريا بمبدأ “السلام مقابل الأرض”، وانطلاقًا من ذلك؛ ليس من المتوقع أن يشمل أي اتفاق محتمل بين سوريا وإسرائيل، تغييرًا في الوضع القانوني للجولان السوري المحتل، بل سيقتصر الاتفاق على ترتيبات أمنية تتعلق بالمناطق العازلة التي سيطرت عليها إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024.
2- وثيقة العهد لأبناء الجولان:
في ضوء الحديث المتنامي عن اتفاق وشيك بين سوريا وإسرائيل، تشكلت عدة تجمعات وملتقيات تضم الآلاف من أبناء الجولان المحتل، ومنها “التجمع المدني لأبناء الجولان”، ذلك التشكيل الذي أُعلن عنه في أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد.
وقد أصدر التجمع وثيقة تسمى “وثيقة عهد لأبناء الجولان”، تشدد على استعادة الجولان وفق قرارات الشرعية الأممية، وفيما يلي أبرز بنود الوثيقة في هذا الشأن[14]:
يرفض أهل الجولان رفضًا قاطعًا الأعمال العدائية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي على أرض محافظة القنيطرة، كما يرفضون أن تستكمل إسرائيل احتلال ما تبقى من أرض الجولان.
يتمسك أهل الجولان بحقهم الأصيل في أرض الجولان المحتلة عام 1967، كون هذا الحق مكفول ومسجل في هيئة الأمم المتحدة بقرار مجلس الأمن رقم (242)، والجمعية العمومية (497).
أهل الجولان لا يقبلون أي مفاوضات أو تفاهمات أو اتفاقات قد تفضي إلى التهاون أو التساهل في هذا الحق المكفول والمُصان.
لا يرضى أهل الجولان تحت أي ظرف من الظروف، المساس بهويتهم الجولانية، ولن يتنازلون عن تبعيتهم لمحافظتهم؛ محافظة القنيطرة.
التمسك بمبدأ السلام مقابل الأرض في أي تسويات خاصة بوضع أرض الجولان المحتل.
3- نبذة عن الجولان المحتل[15]:
– تقع هضبة الجولان جنوب غربي سوريا، وتقدر مساحتها بـ1860 كيلومترًا مربعًا.
– تضم هضبة الجولان المحتلة، ست نواحي؛ ألا وهي: القنيطرة، خان أرنبة، الخشنية، مسعدة، البطيحة، فيق، الزوية، وكل ناحية تتبع لها عشرات القرى.
– لا توجد إحصاءات رسمية لعدد أبناء الجولان حاليًا، ولكن إحصاءات غير رسمية تُقدر عددهم بمليون و600 ألف نسمة.
– توجد أقلية من طائفة المسلمين الموحدين الدروز تقطن في القسم الشمالي من الجولان، إضافة إلى أقلية علوية كانت تقطن في القسم الشمالي، وأقلية مسيحية كانت تقطن في مدينة القنيطرة، كما توجد أقلية من القومية الشركسية، كانت تقطن في مدينة القنيطرة، إضافة إلى أقلية تركمانية كانت تقطن في الجزء الأوسط من الجولان.
– احتلت إسرائيل ثلثي هضبة الجولان بعد حرب الأيام الستة عام 1967، وضمتها بقانون عام 1981، وبينما لا يعترف المجتمع الدولي بالضم، اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان، خلال ولايته الأولى عام 2019.
– أنشأت إسرائيل أكثر من30 مستوطنة في الجولان يعيش فيها نحو20 ألف مستوطن إسرائيلي.
– بعد الإطاحة بحكم الأسد، دخلت القوات الإسرائيلية الثلث المتبقي من المنطقة، وتسيطر إسرائيل الآن على الجانب السوري من الجولان، وقمة جبل الشيخ، والمنطقة العازلة.
رابعًا؛ نقاط خلاف في الترتيبات الأمنية المرتقبة:
إلى جانب التحديات القائمة والتي قد تعوق إبرام معاهدة سلام شاملة في الوقت الراهن بين سوريا وإسرائيل، وعلى رأسها وضع الجولان السوري المحتل وانعدام الثقة الإسرائيلية في الخلفية الجهادية للرئيس السوري الحالي وكذلك الضغط الشعبي الذي يواجه الحكومة السورية فيما يخص هذا الملف، هناك نقاط خلافية بين الجانبين حول الاتفاق الأمني المزعم عقده بين دمشق وتل أبيب، وأهمها:
المنطقة العازلة واتفاق فض الاشتباك لعام 1974؛ تطالب سوريا بوقف الاعتداءات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، والانسحاب كاملًا من جميع الأراضي التي احتلتها تل أبيب منذ 8 ديسمبر 2024، والعودة إلى اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، بينما تطالب إسرائيل بتعديل اتفاق فض الاشتباك أو تبديله باتفاق أمني جديد يتناول الوضع الميداني الجديد وسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي السورية، كما تطالب تل أبيب بتوسيع المنطقة العازلة بين الدولتين، لتشمل أجزاء من العمق السوري، بحجة حماية أمنها القومي.[16]
الوجود السوري على طول الجولان المحتل؛ إلى جانب الخلاف القائم بين الجانبين حول السيادة على مرتفعات الجولان، والذي يُعد نقطة خلاف رئيسية في هذا الملف، يختلف البلدين أيضًا بشأن الوجود السوري على طول الجولان المحتل؛ حيث تصر إسرائيل على أن يقتصر الوجود السوري فقط على قوة صغيرة من الجنود السوريين، تمتلك أسلحة خفيفة، وذلك نظرًا لإنعدام الثقة التي يشعر بها بعض المسؤولين الإسرائيليين تجاه إدارة الرئيس أحمد الشرع، وهذا ينعكس في تصريح وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، بأن “إسرائيل مقبلة على اتفاق خطر جداً مع سوريا، إذ ستحول عدواً إلى جهة حليفة، وهذا لن يضمن أمن إسرائيل ولا سكان الجولان ومستوطناتها”.[17]
الجدول الزمني للاتفاق؛ تسعى إسرائيل إلى تأخير انسحابها من المواقع الاستراتيجية التي سيطرت عليها في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، حتى تتأكد من قدرة القوات الحكومية السورية على السيطرة على تلك المناطق، وكذلك قدرتها على إبعاد أي قوات قد تكون مصدر تهديد لإسرائيل، بينما تطالب سوريا بانسحاب فوري وتام من الأراضي السورية المحتلة منذ الـ8 من ديسمبر الماضي، كمقدمة لأي ترتيبات أو اتفاقات بينها وبين تل أبيب.[18]
الضمانات الأمنية التي تطالب بها إسرائيل؛ في حين تتمسك سوريا بشرط إيقاف أي ضربات أو عمليات عسكرية إسرائيلية داخل الأراضي السورية، تصر تل أبيب على الاحتفاظ بحقها في الحصول على ضمانات أمنية، تتمثل في إمكانية التحرك لمواجهة التهديدات الأمنية التي قد تنشأ من ناحية الجنوب السوري، وخاصةً إذا انسحبت إسرائيل من المنطقة العازلة كما تطالب دمشق.[19]
اشتراط الحصول على اتفاق سلام كامل؛ في حين تفضل سوريا والولايات المتحدة عملية تدريجية من شأنها بناء الثقة تدريجيًا وتحسن العلاقات بين إسرائيل وسوريا، إدراكًا منهما أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لتحقيق تقدم ملموس، تشترط إسرائيل الحصول على ضمانات وتأكيدات أن أي محادثات بين سوريا وإسرائيل، ستؤدي في نهاية المطاف إلى اتفاق سلام كامل وتطبيع للعلاقات.[20]
وإجمالًا؛ تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مواصلة ما حققته من إنجاز فيما يخص تطبيع العلاقات بين إسرائيل وجوارها العربي، وذلك بغرض الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، وتمهيد الطريق لخروج واشنطن من المنطقة، فضلًا عن الرغبة الأمريكية والإسرائيلية في تفويت الفرصة على إيران في أن تستغل حالة الرفض العربي وخاصةً الشعبي الموجود حاليًا تجاه تل أبيب، وذلك على خلفية جرائمها في قطاع غزة، في تقوية وتعزيز علاقاتها مع جوارها الإقليمي.
ولكن؛ هذا ليس بالأمر اليسير، وخاصةً في الحالة السورية، وذلك نظرًا لأن سوريا، وعلى خلاف الدول التي انضمت إلى اتفاقات إبراهام للسلام مع تل أبيب، هي دولة مواجهة مع إسرائيل، وخاضت حروبًا ضدها، كما أن هناك جزء هام واستراتيجي من الأراضي السورية لا زال تحت الاحتلال الإسرائيلي؛ ألا وهو مرتفعات الجولان السوري المحتل، وهنا تأتي صعوبة تطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب.
وفي ضوء حساسية هذا الملف، وخصوصًا موقف الداخل السوري الشعبي تجاه الجولان السوري المحتل، والمطالبة بمبدأ “الأرض مقابل السلام”؛ فإن الوساطات الإقليمية والدولية القائمة حاليًا بين سوريا وإسرائيل، وخاصةً وساطة الولايات المتحدة وأذربيجان والإمارات، تهدف بالأساس إلى تجزئة الملفات، بحيث يتم الآن التوصل إلى اتفاق أمني موسع، يشمل قواعد اشتباك جديدة ووقف القصف ووتفعيل آليات مراقبة دولية، يمهد بدوره إلى التوصل لاتفاق سلام شامل خلال المديين المتوسط أو البعيد.
المصادر:
[1] الجولان والتطبيع.. هل تفتح سوريا باب التفاوض مع إسرائيل؟، سكاي نيوز عربية، 1/7/2025، متاح على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1806058-%D8%A7%D9
[2] أمال شحادة، لا سلام ولا تطبيع… إسرائيل وسوريا في الطريق إلى اتفاق أمني، اندبندنت عربية، 2/7/2025، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/627024/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%
[3] تقرير يكشف عن سيناريو يعطي دفعا لحكومة الشرع ويحقق أحلام ترامب في الجولان ولا يحرج نتنياهو وإسرائيل، المونيتور، روسيا اليوم، 1/7/2025، متاح على الرابط: https://arabic.rt.com/world/1688713-%D8%AA%D9%
[4] عامر علي، «اتفاقات آبراهام» تقرع أبواب دمشق: التطبيع يقترب؟، جريدة الأخبار اللبنانية، 28/6/2025، متاح على الرابط: https://www.al-akhbar.com/syria/847991/-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8
[5] أميركا تلغي تصنيف «جبهة النصرة» منظمة إرهابية أجنبية، صحيفة الشرق الأوسط، 7/7/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-
[6] ترامب يرفع العقوبات عن سوريا مع استشراف إسرائيل تطبيع العلاقات، العرب اللندنية، 1/7/2025، متاح على الرابط: https://www.alarab.co.uk/%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%
[7] ترامب ينهي العقوبات على سوريا وإسرائيل تعلن اهتمامها بتطبيع العلاقات مع دمشق، موقع فرانس24، 1/7/2025، متاح على الرابط: https://www.france24.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%
[8] مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يلتقي الرئيس السوري في أبو ظبي، موقع i24NEWS الإسرائيلي، 8/7/2025، متاح على الرابط: https://www.i24news.tv/ar/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/middl
[9] هل التقى الرئيس السوري بمستشار الأمن القومي الإسرائيلي في الإمارات؟، موقع تلفزيون سوريا، 8/7/2025، متاح على الرابط: https://www.syria.tv/%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%
[10] إسرائيل تعلن القبض على خلية “مدعومة من إيران” في جنوب سوريا، اندبندنت عربية، 7/7/2025، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/627381/%D8%A7%D9%84%D8%A3%
[11] عامر علي، «اتفاقات آبراهام» تقرع أبواب دمشق: التطبيع يقترب؟، جريدة الأخبار، 28/6/2025، مرجع سابق.
[12] إعلام إسرائيلي: لقاء مرتقب بين الشرع ونتنياهو في واشنطن، سكاي نيوز عربية، 8/7/2025، متاح على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1807637-%D8%A7%
[13] السلام بين سوريا وإسرائيل.. عقبات تقف أمام التسوية النهائية، سكاي نيوز عربية، 2/7/2025، متاح على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1806174-%D8%A7%D9%84
[14] «وثيقة عهد» لأبناء الجولان المحتل تشدد على «السلام مقابل الأرض»، صحيفة الشرق الأوسط، 8/7/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%
[15] هل يوقع أحمد الشرع على اتفاق تطبيع مع إسرائيل؟، بي بي سي، 28/5/2025، متاح على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/articles/c70nxkvz97wo
[16] المونيتور: سوريا وإسرائيل تدرسان نشر قوات أمريكية في الجولان، المونيتور، إرم نيوز، 2/7/2025، متاح على الرابط: https://www.eremnews.com/news/arab-world/tmx6zyd
[17] أمال شحادة، لا سلام ولا تطبيع… إسرائيل وسوريا في الطريق إلى اتفاق أمني، اندبندنت عربية، 2/7/2025، مرجع سابق.
[18] تقرير يكشف عن سيناريو يعطي دفعا لحكومة الشرع ويحقق أحلام ترامب في الجولان ولا يحرج نتنياهو وإسرائيل، المونيتور، روسيا اليوم، 1/7/2025، مرجع سابق.
[19] المحادثات السورية – الإسرائيلية: هل سيتذوق الإسرائيليون الحمّص في دمشق قريبا؟، مونت كارلو الدولية، 1/7/2025، متاح على الرابط: https://www.mc-doualiya.com/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%
[20] اتفاق أمني «محتمل» بين إسرائيل وسوريا.. هل يقود لـ«التطبيع»؟، صحيفة العين الإخبارية، 30/6/2025، متاح على الرابط: https://al-ain.com/article/israel-syria-normalization-trump-america