المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > السجناء السوريون في لبنان: اشتباكٌ سياسيٌّ جديدٌ بين بيروت ودمشق
السجناء السوريون في لبنان: اشتباكٌ سياسيٌّ جديدٌ بين بيروت ودمشق
- يوليو 20, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: ريهام محمد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
عاد ملفُ السجناء السوريِّين المحتجزين في السجون اللبنانية ليحتلَّ واجهة النِّقَاش السياسي والإعلامي، إثْرَ تسريباتٍ تشير إلى “استياء رسمي سوري” من تعامُل السلطات اللبنانية مع هذا الملف الحسَّاس، واتهام بيروت بـ”المماطلة” في تسليم مئات السجناء السوريين، رغم المطالب المتكررة لاستعادتهم، ومن ثمَّ؛ فإن تجدُّد هذا التوتُّر بين الدولتين ربما يعكس هشاشة العلاقات الثنائية ويبرز الإشكاليات العميقة داخل النظاميْن “القضائي والأمني” في التعامُل مع قضايا بالغة التعقيد؛ حيث تتداخل الحسابات الأمنية مع التوازنات السياسية والتدخُّلات الخارجية، إلى جانب الاعتبارات الإنسانية.
إعادة تسليط الضوء على هذا الملف يفتح الباب مُجدَّدًا أمام أسئلة عالقة منذ سنوات: لماذا لم تُضَعْ آلية شفَّافة ومنظمة لتسليم السجناء السوريِّين؟ ما الأسباب التي تحُول دون قيام السلطات اللبنانية بنقْل هؤلاء السجناء إلى بلدهم رغم انتهاء مدة عقوبات بعضهم؟
جذور الملف وأبعاده القانونية والسياسية:
يتصدَّر ملفُ السجناء السوريِّين في لبنان مشهدًا شديد التعقيد تتداخل فيه قضايا الأمن والشرعية والحقوق.
لفهم التعقيدات الراهنة لهذا الملف، لا بُدَّ من استعراض خلفياته الأساسية وكيف برز تدريجيًّا كقضية أمنية وقانونية تحمل أبعادًا سياسية متشابكة.
النشأة والتعقيدات التراكمية: مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، لجأ عشرات آلاف السوريين إلى لبنان، سواء عبْر الحدود الرسمية أو الطُّرُق غير الشرعية، بمرور الوقت، تورَّطَ عدد منهم في قضايا أمنية وجنائية، مثل القتال ضمن جماعات مسلحة أو الانتماء لتنظيمات إرهابية أو مخالفة قوانين الإقامة والارتكاب لجرائم جنائية، ونتيجة لذلك، ازدادت أعداد السجناء السوريين في لبنان تدريجيًّا، مع تقديرات تشير إلى وجود أكثر من 2000 موقوفٍ سوريٍّ في السجون اللبنانية، بينهم نحو 800 يواجهون تُهَمًا أمنية، مثل “ارتكاب جرائم إرهابية” وفْق القضاء العسكري اللبناني؛ من ضمنهم من أنْهَى محكوميته دون أن يُرَحَّل؛ مما دفعهم إلى مناشدة الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع للعمل على نقْلهم وإكمال محاكمتهم هناك.[1]
كما شَهِدَ سجنُ رومية المركزي في الأشهر الماضية حالات شَغَبٍ وفوضى، خاصَّةً في المبْنَى “ب”، الذي يضُمُّ الموقوفين الإسلاميِّين وبينهم سوريون متهمون بجرائم أمنية، وطالب المحتجون بإصدار قانون العفو العام وتحسين ظروف السجن، كما أعلن أكثر من 100 موقوف سوري إضرابًا عن الطعام، خلال فبراير الماضي، لمدة أسبوعين، قبْل أن يتمَّ تعليق الإضراب عقب زيارة وفدٍ من السفارة السورية الذين وعدوا الموقوفين بالاهتمام بهذا الملف.[2]
غياب اتفاقية قضائية نافذة مقابل تحرُّكات ميدانية جديدة: إن عدم وجود اتفاق قضائي رسمي بين لبنان وسوريا لتنظيم تسليم السجناء يُعَدُّ أحد أبرز أسباب استمرار الأزمة؛ فالبرغم من وجود تنسيق أمني محدود بين البلديْن في بعض القضايا الثنائية، فإن غياب اتفاقية تسليم مطلوبين أو محكومين يترك المجال للارتباك السياسي والاجتهادات المختلفة، كما أن جزءًا من تحفُّظِ لبنان يعود لضغوط غربية تمنعه من تسليم أيِّ سوريٍّ؛ خوْفًا من تعرُّضِهِ للتعذيب أو سوء المعاملة في سوريا، وهو مبرر بدأ يفقد قوته مع التغيير السياسي في دمشق وتولِّي أحمد الشرع للرئاسة.
وفي تطوُّرٍ ميدانيٍّ مهمٍ، تشير الأنباء إلى زيارة مرتقبة لوزير العدل السوري “مظهر الويس” إلى بيروت قريبًا وفْقًا لصحيفة الشرق الأوسط، قد تُشكِّلُ فرصةً لتفعيل المسار القانوني الرسمي، لا سيما أن الأجواء الحالية تُوحي برغبة متبادلة في التوصُّل إلى حلٍّ واقعيٍّ للملف، ولا يُستبعدُ، بحسب مصدر لبناني، “إمكانية توقيع اتفاقية تتعلق بنقل المحكومين”، معتبرًا أن لبنان “صاحب مصلحة في نقْل مئات السجناء السوريين إلى بلادهم؛ شرْطَ أن تتوفر الشروط القانونية لذلك”، وأن الأمر “لا يُعالج بطريقة عشوائية أو بإرسال حافلات إلى السجون وترحيل السجناء عبْرها”، كما أن مصدر في وزارة العدل اللبنانية، أكَّدَ وجود اتصالات حالية مع الجانب السوري، مشيرًا إلى استعداد الوزارة الكامل للتعاون فيما يخُصُّ تسليم المحكومين السوريين عندما تستكمل الإجراءات القانونية اللازمة، وعليه؛ فإن هذا التطوُّر قد يدفع نحْو مسارٍ قانونيٍّ مؤسساتيٍّ متوازنٍ بعيدًا عن الضغوط السياسية والإعلامية. [3]
البُعْد الإنساني والقانوني: قانونيًّا؛ يُفترض إطلاق سراح أيِّ سجين أنْهَى محكوميته، لكن ملف السوريين يصطدم بعقبات قانونية وأمنية؛ فعدم وجود اتفاقية واضحة مع الحكومة السورية الجديدة يجعل ترحيل المحكومين مسألة إشكالية، كما أن هناك هواجس أمنية مرتبطة بنقْل المئات من السجناء السوريين المتهمين بجرائم إرهابية لمحاكمتهم في سوريا؛ حيث يخشى مسؤولون قضائيون وأمنيون، أن يؤثر ذلك على مسار العدالة أو يؤدي إلى إفلات بعضهم من العقاب.