المكاسب الديموغرافية المستقبلية لأفريقيا تَهُمُّ أوروبا اليوم
يشهدُ العالمُ تباينًا ديموغرافيًّا واضحًا بين أوروبا وأفريقيا؛ حيث تتراجع مُعدَّلات الخصوبة في أوروبا وتقلُّ أعداد القوى العاملة، في حين تشهدُ أفريقيا نموًّا سكانيًّا متسارعًا وارتفاعًا في نسبة الشباب؛ إذ يتوقع أن يكون أكثر من 60% من سكان القارة في سنِّ العمل بحلول 2050، ويُقدِّمُ هذا التحوُّل فرصةً استراتيجيةً لأوروبا؛ لإعادة التفكير في سياسات العمل والهجرة وبناء شراكات عالمية طويلة الأمد، قائمة على المصالح المتبادلة لا التضامن فقط.
لكن الاستفادةَ من هذه الطَّفْرة السكانية في أفريقيا مشروطةٌ بتسريع الانتقال الديموغرافي، من خلال تحسين الصحة والتعليم وتمكين النساء وتوسيع فُرَص العمل، وقد يؤدي غياب هذه الجهود إلى تفاقُم الفقْر والبطالة والهجرة غير النظامية؛ لذلك يتوجبُّ على أوروبا – خاصَّةً في ظل عجْزها الهيكلي في سوق العمل – أن تدعم أفريقيا في بناء قدراتها الاقتصادية والبشرية، من خلال سياسات تنموية بعيدة المدى، وتعاون مشترك يقوم على فهْمٍ دقيقٍ للتحوُّلات السكانية، بما يخدم الاستقرار والنموّ لدى الطرفيْن[1].
زيارة “مودي” إلى غانا تُشير إلى استراتيجية الهند الأوسع تِجَاه أفريقيا
شكَّلَتْ غانا تاريخيًّا نقطة ارتكاز للدبلوماسية والمصالح الهندية في أفريقيا؛ حيث تعود جذور العلاقات الثنائية إلى عام 1957، حين قامت على مبادئ مناهضة الاستعمار والتعاون التنموي، وقد مثَّلَتْ زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى أكرا، في يوليو 2025، دفْعةً قويةً؛ لإحياء هذه الشراكة في ظلِّ تحوُّلات النظام الدولي وتراجُع الدعم الغربي؛ ما فتح المجال لتعاون أكثر براغماتية مع الهند، خاصَّةً في مجالات الأدوية والبنية التحتية والتعدين والدفاع.
ورغم محدودية النتائج الفورية للزيارة، إلا أنها أرْسَتْ أُسُسًا لشراكة استراتيجية شاملة، تشمل مشاريع تنموية وتعاونًا في استغلال المعادن الأساسية، تماشيًا مع احتياجات الهند في التحوُّل الأخضر، ويعكس تطوُّر العلاقات نموذجًا هنديًّا قائمًا على الطَّلَب المحلي والتنمية المشتركة، مدفوعًا بإصلاحات اقتصادية في غانا ومشاركة نشطة للجالية الهندية، مما يُعزِّزُ فرص بناء تحالف طويل الأمد بين الطرفين[2].
التجارة الإقليمية قد تكون وسيلة لتركيز السياسة الخارجية المتخبطة لجنوب أفريقيا
تعكس السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا في ظلِّ حكومة الوحدة الوطنية حالة من التشتُّت وعدم التركيز على أولويات التنمية الاقتصادية، وسط خلافات داخلية بين الأحزاب الكبرى، مثل “المؤتمر الوطني الأفريقي والتحالف الديمقراطي”، وبينما تُظهر السياسة الخارجية ولاءً تقليديًّا لشركاء كـ”الصين وروسيا وفلسطين”، فإنها تفتقر إلى رُؤْيَةٍ واضحةٍ تِجَاه القضايا الإقليمية المُلِحَّة، مع تراجع القدرة العسكرية عن مواكبة الطموحات الدبلوماسية.
ورغم توسُّع علاقات جنوب أفريقيا مع مجموعة “بريكس”، تظلُّ الاستفادة التجارية الفِعْلِيَّة محدودة بعكس العلاقات المتوازنة والمثمرة مع الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك لا يكْمُنُ مستقبل النمو الصناعي والتجاري لجنوب أفريقيا في أوروبا أو الصين أو الولايات المتحدة، بل في تعميق التجارة الإقليمية داخل أفريقيا، لا سيما من خلال الاستفادة من منطقة التجارة الحرة القارِّية الأفريقية وزيادة الصادرات ذات القيمة المضافة؛ لذلك ينبغي للأحزاب المتحالفة تجاوز الخلافات والتركيز على توجيه السياسة الخارجية نحْو دعْم النمو الاقتصادي عبر أفريقيا[3].
حكم تاريخي من محكمة العدل الدولية بشأن تغيُّر المناخ: ماذا يعني ذلك لأفريقيا؟
أصدرت محكمةُ العدل الدولية، في يوليو 2025، رأيًا استشاريًّا تاريخيًّا، يؤكد أن تغيُّر المناخ يُشكِّلُ تهديدًا وجوديًّا للحياة، وأن على الدول التزامات قانونية ملزمة بموجب القانون الدولي للحدِّ من الانبعاثات والتكيُّف مع آثاره؛ استنادًا إلى معاهدات بيئية وحقوق الإنسان، ويُعَدُّ هذا القرار انتصارًا للدول النامية، ومنها دول أفريقية أثبتت تأثُّرها غير المتكافئ بأضرار المناخ، رغم مسؤوليتها المحدودة عن الانبعاثات.
كما يُمهِّدُ القرار الطريق لمطالبات قانونية بالتعويض، لكنه يضع أيضًا ضغوطًا على الدول الأفريقية التي لا تزال تعتمد على الوقود الأحفوري؛ إذ قد يُعَدُّ الاستمرار فيه دون إجراءات مناخية مخالفة للقانون الدولي، ويُمثِّلُ الرأْي خطوةً مِفْصَلِيَّةً نحو العدالة المناخية العالمية، ويعزز فرص التقاضي ضد الدول أو الشركات الملوثة، سواء على الصعيد الدولي أو المحلي[4].
هل تستطيع التحالفات القديمة سدّ فجوات التعاون الأمني في غرب أفريقيا؟
تواجه منطقة غرب أفريقيا تدهورًا أمنيًّا متصاعدًا؛ بفِعْل الانقلابات وتفشِّي الإرهاب والجريمة المنظمة، خاصَّةً بعد انسحاب “مالي وبوركينا فاسو والنيجر” من “إيكواس” وتشكيلها لتحالف دول الساحل، وفي ظلِّ تعثُّر مبادرة أكرا، وضعْف “إيكواس” يبرز مجلس الوفاق كبديلٍ واعدٍ لإحياء التعاون الأمني الإقليمي، ويتميز المجلس بحياده السياسي وامتلاكه لبنية مؤسسية وخبرة في تنظيم حوارات أمنية إقليمية رفيعة المستوى، وقد حافظ على علاقاته مع دول الساحل رغْم الأزمات، ويتيح هذا الحياد إمكانية لعب دور الوسيط الفعَّال لإعادة بناء الشراكات الأمنية، مع ضرورة تقييم قدراته المؤسسية وتوسيع عضويته المحتملة لتشمل دُولًا مِثْل غانا[5].
مالي وموريتانيا والسنغال يجب أن تتحد ضد الإرهاب العابر للحدود
تواجه منطقةُ غرب مالي – لا سيما بلدتيْ كاي ونيوورو – تهديدًا متصاعدًا من قِبَلِ جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بالقاعدة، التي هاجمت في يوليو 2025، سبع مواقع عسكرية، وهدَّدَتْ بفرْض حصار على البلدتين؛ عقابًا لسكانهما، ويُعَدُّ هذا التصعيد خطرًا جسيمًا لا على مالي فحسب بل على “موريتانيا والسنغال” أيضًا؛ نظرًا لأهمية المنطقة اقتصاديًّا وأمنيًّا؛ حيث تمُرُّ عبرها طُرُقٌ تجاريةٌ حيويةٌ، مِثْل ممر “داكار-باماكو”، وتنتج كميات كبيرة من الذهب وتُسهم في توليد الكهرباء، عبْر ثلاثة سدود كهرومائية تخدم دول المنطقة.
وتفاقم الوضع الأمني يهدد التجارة والاستثمار وسُبُل العيش ويزيد فرص استقطاب الإرهابيين للسكان المهمشين؛ لذا يستدعي الأمر تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدول الثلاث، مع ضرورة ضمِّ غينيا إلى الآلية الحدودية القائمة وتكثيف جهود التنمية المحلية لمعالجة الفقر والنزاعات المجتمعية، وذلك ضمن مقاربة إقليمية تشمل أيضًا إحياء “عملية نواكشوط” لدعْم أمن الساحل[6].
الانقسام في الصومال هو أعظم سلاح تمتلكه حركة الشباب
رغم التقدُّم الذي أحرزته الصومال في محاربة حركة الشباب، فإن الصراعات السياسية بين الحكومة الفيدرالية والولايات والمعارضة تُقوِّضُ فعالية استراتيجية مكافحة الإرهاب، خصوصًا مع اقتراب كل دورة انتخابية، فبينما تتراجع العمليات العسكرية وتتزايد الخلافات حول تعديل الدستور ونظام الانتخابات، تستغلُّ حركة الشباب هذا الانقسام لإعادة بسْط نفوذها كما حدث باستعادتها مناطق استراتيجية، مِثْل “موكوري”، وتُسهم التوتُّرات السياسية في تعطيل التنسيق الأمني وإضعاف الحوْكمة في المناطق المحررة؛ مما يمنح الجماعة فرصةً لتقديم نفسها كسلطةٍ بديلةٍ تُقدِّمُ الأمن والخدمات[7].
يتعين على أفريقيا أن تستغلَّ موجة معاهدة أعالي البحار
تُشكِّلُ معاهدة التنوُّع البيولوجي في أعالي البحار (BBNJ) نقطة تحوُّل في حوْكمة المحيطات؛ حيث تسعى لسدِّ الثغرات في التنظيم الدولي للمناطق البحرية خارج نطاق السيادة الوطنية، والتي تُمثِّلُ 64% من مساحة المحيطات، ورغم مشاركة أفريقيا في صياغة المعاهدة لم تصادق سوى سبع دول أفريقية عليها؛ مما يهدد باستبعاد القارة من مزاياها كالوصول للموارد الجينية البحرية والتمويل والتمثيل في مؤتمر الأطراف.
ومع اقتراب دخول المعاهدة حيِّزَ النفاذ، في يناير 2026، يتوقع أن تبدأ أفريقيا في الاستعداد، عبْر تنسيق مؤسساتها البحرية وتحديث سياساتها الوطنية وتعزيز قدراتها في الحوْكمة والمراقبة، مع الاعتماد على تقنيات مبتكرة وتعاون إقليمي، وتُمثِّلُ هذه اللحظة فرصةً استراتيجيةً للقارة لتأمين مصالحها في إدارة وحماية النظم البيئية البحرية وضمان استفادة مجتمعاتها الساحلية من ثروات أعالي البحار، بما يُعزِّزُ الاستدامة والعدالة البيئية والاقتصادية[8].
إن نضال تشاد من أجل الديمقراطية لم ينتهِ بعْدُ
بعد عامٍ فقط من استعادة النظام الدستوري في تشاد، يتضح أن البلاد تسير نحْو تكريس السلطوية وتقييد الحريات، بدلًا من تحقيق وعود الانتقال الديمقراطي، فقد أسفرت الانتخابات عن سيطرة الحزب الحاكم “الحركة الوطنية للإنقاذ” والرئيس محمد ديبي على المشهد السياسي وسط مقاطعة واسعة من المعارضة، ومنذ ذلك الحين، تصاعدت حملات القمْع ضد وسائل الإعلام والمجتمع المدني والمعارضة السياسية، مع استخدام القضاء كأداةٍ لإسكات الأصوات المعارضة، على غرار ما كان سائدًا في عهْد الرئيس الراحل إدريس ديبي.
كما تمَّ اعتقال صحفيين بارزين وقادة معارضين وتقييد نشاط منظمات المجتمع المدني، مع غياب بدائل سياسية حقيقية داخل البرلمان المهيمن عليه من الحزب الحاكم وحلفائه، وتبدو تشاد الآن أمام خطرٍ حقيقيٍّ بالانزلاق نحْو حكم الحزب الواحد؛ مما يستدعي تدخُّلًا إقليميًّا ودوليًّا أكثر فاعليةً، خاصَّةً من الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا والاتحاد الأفريقي لدعم مسار الحوار وضمان احترام الحريات والحقوق السياسية[9].
كيف تمركز فصيل من جماعة “بوكو حرام” بالقُرْب من العاصمة النيجيرية
تشير الأدلة إلى أن خلية شيرورو التابعة لبوكو حرام تتبنَّى نهْجًا مَرِنًا يسمح لها بالتحالف مع قُطَّاع الطُّرُق المحليِّين؛ مما يُوسِّعُ نفوذها في وسط نيجيريا، بعيدًا عن معقلها التقليدي في بحيرة تشاد، ويقود الخلية صادقو الذي استغلَّ ضعْف الحُكْم المحلي، وتَحَالَفَ مع مجرمين من الفولاني لترسيخ الوجود الجهادي في غابات ولاية النيجر، وتكشف المعلومات عن اندماجٍ بين الجهاديين وقُطَّاع الطُّرُق مدعومًا بتهريب السلاح وتدفُّق الأموال؛ ما يُعقِّدُ جهود مكافحة الإرهاب، وتبرز الحالة ضرورة توسيع استراتيجية نيجيريا لتشمل المناطق الوسطى[10].
تحتاج جنوب أفريقيا ونيجيريا إلى اتباع نهْجيْن متعاكسيْن في التعامل مع قطاعاتهما غير الرسمية
يُعَدُّ القطاع غير الرسمي عنصرًا حيويًّا في الاقتصاد النيجيري؛ إذ يُوفِّرُ فرص عمل واسعة لفئات كبيرة من السكان، في ظلِّ ضعْف الهياكل الاقتصادية الرسمية، ويُسهم في امتصاص البطالة وتحقيق نوْع من الاستقرار الاجتماعي، رغم التحديات المتعلقة بتنظيمه ودمْجه في الاقتصاد الرسمي، وفي المقابل، يعاني الاقتصاد الجنوب أفريقي من محدودية هذا القطاع؛ ما ينعكس سلبًا على سوق العمل، خاصَّةً مع ارتفاع مُعدَّلات البطالة وتراجُع قدرة الدولة على خلْق وظائف في القطاع الرسمي، ولذلك فإن تفعيل وتنظيم القطاع غير الرسمي في جنوب أفريقيا قد يُمثِّلُ أداةً استراتيجيةً لتعزيز النمو الشامل وتوسيع قاعدة التوظيف كما هو الحال في نيجيريا[11].
