المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > في أوَّلِ زيارةٍ منذ تولِّيه منصبه: ماذا تحمل زيارة رئيس الوزراء السوداني إلى مصر؟
في أوَّلِ زيارةٍ منذ تولِّيه منصبه: ماذا تحمل زيارة رئيس الوزراء السوداني إلى مصر؟
- أغسطس 9, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: شيماء ماهر
باحثة بوحدة الشؤون الأفريقية
في إطار تعزيز العلاقات التاريخية بين جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان والحِرْص المتبادل على إكسابها مزيدًا من الخصوصية وفتْح آفاق جديدة للتعاون السياسي والاقتصادي التنموي والاجتماعي؛ تحقيقًا للمصالح المشتركة وتطلُّعات شعبيْ البلديْن، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم الخميس 7 أغسطس الجاري ، رئيس مجلس الوزراء السوداني الدكتور كامل إدريس، في أول زيارةٍ خارجيةٍ رسميةٍ له منذ تولِّيه منصبه، في مايو 2025م، ويرافقه فيها وفدٌ رفيعُ المستوى، ضمَّ السَّادة وزراء الخارجية والثقافة والإعلام والسياحة، وتعكس هذه الزيارة عُمْق العلاقات التاريخية والأخوية بين البلديْن، وتؤكد على الثقة السودانية الكبيرة في الدور المحوري لمصر كشريكٍ أساسيٍّ في دعْم استقرار السودان وتعزيز التنمية فيه، وتجسد الطموح المشترك لتعزيز التحالف الاستراتيجي بين القاهرة والخرطوم في وجْه التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية.
دلالات زيارة رئيس مجلس الوزراء السوداني لمصر
تأتي هذه الزيارة في التوقيت الذي تستمر فيه الحرب في السودان لأكثرَ من عاميْن، وما تبعها من تداعيات اقتصادية وأمنية واستراتيجية وسياسية وصحية وإنسانية، أثَّرَتْ بشكلٍ كبيرٍ على السودان والمنطقة، وتُعبِّرُ هذه الزيارة عن العلاقة الثنائية بين مصر والسودان، خاصَّةً أن مصر تستضيف ملايين السودانيين، كما تأتي في ظلِّ تطوُّرات إقليمية مهمة، أبرزها إعلان قوات الدعم السريع وحلفائها السياسيين، تشكيلَ حكومةٍ تأسيسيةٍ في السودان؛ مما يزيد المخاوف من احتمال تقسيم البلاد وتأثير ذلك على الاستقرار الإقليمي.
وتُمثِّلُ الزيارة اعترافًا مصريًّا واضحًا بحكومة كامل إدريس، باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة في السودان، ورسالة قوية للعالم تدعم وحدة السودان وسيادته ومؤسساته الوطنية، خصوصًا القوات المسلحة السودانية التي تعتبر العمود الفقري لوحدة البلاد، وتأتي الزيارة أيضًا في توقيتٍ حاسمٍ مع بداية مرحلة إعادة الإعمار في السودان؛ حيث تتزامن مع عودة اللاجئين والنازحين إلى مدنهم؛ مما يتطلب تعاوُنًا وثيقًا بين البلديْن لتنفيذ مشاريع مشتركة، مثل “تطوير ميناء وادي حلفا والربط الكهربائي”، إلى جانب إعادة بناء بُنَى تحتية حيوية تضررت، مثل “كوبري شنباط في الخرطوم”.[1].
وفي السياق ذاته، تهدف هذه الزيارة إلى تنسيق المواقف للحفاظ على ثوابت الأمن المائي لمصر والسودان، خاصَّةً مع قُرْب التدشين الرسمي لسدِّ النهضة الإثيوبي، الشهر المقبل، وحديث القيادة الإثيوبية، وبعض القوى الدولية الولايات المتحدة عن العودة لطاولة المفاوضات، بالإضافة إلى رغبة الخرطوم في استقطاب دعْم القاهرة لحكومة مدنية؛ لضمان العودة إلى الاتحاد الأفريقي، ورفْع تعليق العضوية، وضمان التنسيق بين الجانبين في المحافل الإقليمية والدولية، خاصَّةً بعد فشل اجتماعات رباعية واشنطن.
كما تناقش الزيارة قضايا إقليمية أمنية مهمة، تشمل “أمن البحر الأحمر، مكافحة الإرهاب، ضبط الحدود، الهجرة غير الشرعية، وتعزيز الاستقرار في المنطقة:، وبذلك تُجسِّدُ الزيارة تحالُفًا استراتيجيًّا متينًا وتعزيزًا للتعاون السياسي والاقتصادي والإنساني، وتفتح آفاقًا جديدةً للشراكة بين البلدين، في ظلِّ تحديات سياسية وأمنية وإنسانية داخل السودان والمنطقة، مع تأكيد مصر دورها الرئيسي كمحور استقرار إقليمي وداعم للسودان في مرحلة دقيقة تعيشها البلاد
أهداف زيارة رئيس وزراء السودان لمصر
تحمل زيارة رئيس وزراء السودان لمصر أهدافًا استراتيجيةً كبيرة تعكس عُمْق العلاقات الأخوية والتاريخية بين البلدين، وتركز على عدة محاور رئيسية، في إطار تعزيز التعاون المشترك ودعم استقرار السودان، في ظل التحديات الراهنة، ومن بين هذه الأهداف، تعزيز أواصر التعاون في مجالات إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، وزيادة مُعدَّلات التبادل التجاري، وتعزيز الشراكات وتبادل الخبرات في مختلف القطاعات، مع التركيز على تأهيل الكوادر وبناء القدرات السودانية.
كما تهدف الزيارة إلى دعْم أمن السودان واستقراره؛ حيث تؤكد مصر دعمها الكامل لوحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه، وتسعى لتقديم العوْن في مواجهة الأزمات الأمنية والإنسانية، لا سيما من خلال التنسيق في مجالات مكافحة الإرهاب وضبط الحدود والهجرة غير الشرعية وحماية منابع نهر النيل، وتدور أيضا مباحثات الزيارة، حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، ورغبة البلديْن في تنسيق الجهود لحلِّ الملفات الخلافية، مثل “أزمة سد النهضة” بما يحفظ الأمن المائي المشترك، وتتضمن الزيارة فتْح آفاق جديدة للتعاون السياسي والاقتصادي بما يخدم مصالح الشعبين، ويُعزِّزُ استقرار السودان والمنطقة عمومًا، إلى جانب تطوير وتفعيل اللجان والاتفاقيات المشتركة لتوسيع مظلَّة التعاون بشكلٍ متكاملٍ ومُسْتَدَامٍ.
أبرز الملفات والقضايا التى تناولتها الزيارة
عقد رئيسا وزراء البلديْن جلسة مباحثات رسمية، تناولت أُطُر ومشاريع التعاون بين البلديْن الشقيقيْن في المرحلة المقبلة، كما عقد السَّادة الوزراء من الجانبين اجتماعات ثنائية لبحْث المقترحات والبرامج التفصيلية للتعاون بين الوزارات النظيرة، وجدَّدَ الجانب المصري دعْمه الكامل لحكومة السودان، وكافَّة المساعي الرامية للحفاظ على مؤسساته الوطنية ورفْض أيِّ تهديد لوحدة السودان وسلامة أراضيه، والوقوف إلى جانب تطلُّعات الشعب السوداني في التقدُّم والازدهار وتحقيق أهدافه في إعادة الإعمار والتنمية.
وأثْمَنَ الجانب السوداني على تقديره للروابط والقواسم المشتركة التي تجمع بين الشعبين الشقيقين، وتطلُّعه واستعداد الدولة السودانية بمؤسساتها الوطنية المختلفة للعمل المشترك بما يخدم أهداف تعزيز تلك العلاقة والوصول بها إلى آفاق أرحب، وأكد الجانبان، خلال المباحثات الثنائية، على أهمية النظر في عقْد اللجان المشتركة، على أن تقوم الجهات المعنِيَّة في البلدين بتحديد التوقيتات المناسبة في هذا الشأن[2].
وعلى الجانب الآخر، ناقش الجانبان تطوير التعاون في مجال الاستثمار والفُرَص المتاحة للشركات المصرية للاستثمار في عددٍ من المجالات ذات الأهمية الاستراتيجية للسودان، لا سيما مع استشرافه مرحلة إعادة الإعمار، كما تطرَّقَتْ المباحثات إلى التعاون في قطاع الصحة بين البلدين، وأعرب الجانب السوداني عن تطلُّعه لترقية التعاون في مجال مكافحة الأمراض وزيادة عدد القوافل الطبية المصرية المتخصصة، وتقديم برامج لدعم قدرات الكوادر الصحية السودانية بما يُعزِّزُ عملية إعمار القطاع الصحي في السودان، واتفق الجانبان على قيام الجهات المعنِيَّة في البلدين بالتشاور؛ من أجل بلورة مذكرة تفاهم حول تسجيل الدواء المصري في السودان.
واتفق الجانبان على دعم وتعزيز التعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي والتقني بين البلدين؛ حيث تمَّ الاتفاق على تنشيط التعاون على المستوى الجامعي والدراسات العليا، وفيما يتعلق بمجال تأهيل الكوادر السودانية تمهيدًا لمرحلة إعادة الاعمار، اتفق الجانبان على تدشين برامج تدريبية متخصصة للتأهيل المهني والفني للجانب السوداني بالتعاون مع الوكالات المصرية ذات الصلة، وبالإضافة إلى تنشيط أُطُر التعاون بين الأمانة العامة لمجلس الوزراء السوداني والأمانة العامة لمجلس الوزراء المصري في مجال التنمية البشرية والتطوير الإداري[3].
كما بحث الجانبان قضايا الأمن الإقليمي وسُبُل تعزيزه واستدامته؛ حيث أَمَّنَ الجانبان على ضرورة استدامة التنسيق والتشاور حول مختلف القضايا المرتبطة بالأمن الإقليمي، لا سيما في منطقة البحر الأحمر، وعاود الجانبان رفضهما للنَّهْج الأُحَادي الإثيوبي على النيل الأزرق، الذي لا يتسق مع مبادئ القانون الدولي ذات الصِّلَة، ومع روح التعاون التي يجب أن تسود اتصالًا باستخدام نهر النيل، شريان الحياة لجميع دول الحوض، كما أكَّدا على تنسيقهما المشترك، من خلال الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل وهي الجهة المنوطة بدراسة وصياغة الرأْي الموحد للبلدين في الشؤون المتعلقة بمياه النيل، بموجب اتفاقية عام ١٩٥٩، وقد اتفق البلدان على ضرورة منْح الفرصة الكافية للآلية التشاورية لمبادرة حوض النيل؛ لتسوية الخلافات وتعزيز التعاون بين دول الحوض، بما يحافظ على استدامة نهر النيل العظيم، وعلى المصالح المائية لدولتيْ المصبِّ.
وفي ختام زيارة رئيس مجلس الوزراء الانتقالي، وجَّهَ كامل الطيب إدريس، الدعوة إلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء بجمهورية مصر العربية، لزيارة السودان ومناقشة المزيد من أُطُرِ التعاون الثنائي والقضايا الاستراتيجية بين البلدين، وجدَّدَ الجانبان عزْم البلدين الشقيقين على الارتقاء بالتعاون الثنائي بينهما في مختلف المجالات لمستوى التكامل الشامل بما يُلَبِّي تطلُّعات الشعبيْن الشقيقيْن في الازدهار والتنمية.
مستقبل التعاون “المصري – السوداني” في إعادة إعمار السودان
يبدو أن مستقبل التعاون “المصري – السوداني” في إعادة إعمار السودان واعدًا ومتكاملًا، ويحمل أهميةً كبيرةً في دعم استقرار السودان وتنميته في ظلِّ التحديات الراهنة، وتؤكد مصر في هذا السياق، دعمها الكامل لوحدة السودان وسيادته، وتسعى إلى تعزيز التعاون في مجالات إعادة الإعمار عبْر تنشيط الاتفاقيات المشتركة وتفعيل اللجان بين البلدين؛ لتوحيد الجهود وتعزيز التنسيق في كافَّة المستويات، ويشمل التعاون مشاريع استراتيجية مهمة في البِنْيَة التحتِيَّة، مثل “الرَّبْط الكهربائي وربْط السكك الحديدية”، إلى جانب دعْم قطاعات الصحة والتعليم، من خلال إرسال قوافل طبية، تدريب الكوادر، وتسجيل الأدوية المصرية في السودان. كما تحرص القاهرة على استثمار الشركات المصرية في المشاريع السودانية الحيوية لتقليل آثار النزاع وتحقيق التنمية الاقتصادية.
كما تركز الشراكة الاقتصادية على تشجيع استثمارات الشركات المصرية في المشروعات السودانية لتعزيز النمو الاقتصادي وتقليل آثار النزاعات السابقة، ويظلُّ التنسيق في الجانب الأمني، مستمرًا حول قضايا، مثل “أمن البحر الأحمر وحماية منابع نهر النيل”؛ مما يُسْهِمُ في تعزيز الاستقرار الإقليمي المشترك.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب مصر دورًا دبلوماسيًّا رئيسيًّا في تسوية الأزمة السودانية؛ مما يوفر بيئةً مناسبةً لتعزيز جهود إعادة الإعمار والتنمية المستدامة، ونظرًا لحجم الاحتياجات الهائل التي تُقدَّرُ بمئات المليارات من الدولارات، فإن التعاون “المصري – السوداني” يرتكز على شراكة طويلة المدى تجمع بين “الدعم السياسي، والاقتصادي، والإنساني”؛ بهدف بناء مستقبلٍ مستقرٍّ ومزدهرٍ للسودان، يعكس مصالح الشعبين الشقيقين، ويُعزِّزُ الأمن والتنمية في المنطقة ككُلٍّ.
وبالتالي؛ يحمل التعاونُ “المصري – السوداني” في إعادة الإعمار آفاقًا كبيرةً لتطوير السودان وتنميته، مع ترجمة ذلك إلى شراكة استراتيجية تخدم مصالح الشعبين وتدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.
إجمالًا:
في ختام زيارة رئيس الوزراء السوداني إلى مصر، يتجلَّى بوضوح عُمْق الروابط التاريخية والمصيرية التي تجمع بين البلدين، والتي لا تقتصر على الجغرافيا والمصالح المشتركة فحسب، بل تمتدُّ لتشمل وحْدة الشعوب والتحديات والمصير، فقد عكست اللقاءات الرسمية، حِرْص القيادتين على التنسيق المشترك تِجَاه الملفات الحسَّاسة، وفي مقدمتها “أمن البحر الأحمر، واستقرار الحدود، والتحديات التي تواجه السودان داخليًّا”، والتي لها انعكاساتٌ مباشرةٌ على الأمن القومي المصري، ولعل الرسالة الأهمّ التي حملتها الزيارة، هي أن القاهرة والخرطوم يدركان أن وحْدة المواقف وتكامل الأدوار، هما السبيل الوحيد للحفاظ على استقرار المنطقة، في ظِلِّ محاولات بعض الأطراف الإقليمية والدولية لإعادة رسْم خريطة النفوذ بما يتعارض مع مصالح الشعوب.
المصادر:
[1] كريم عزيز، دلالات زيارة رئيس مجلس الوزراء الانتقالي بجمهورية السودان للقاهرة، النهار مصر، 2025م، متاح على: https://www.alnaharegypt.com/1133319
[2] شيماء بهجت، رسائل دعم مصرية فى أول زيارة لرئيس وزراء السودان عقب تولى منصبه، اليوم السابع، 2025م، متاح على: https://www.youm7.com/story/2025/8/7/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%
[3] هند مختار، رئيس الوزراء فى مؤتمر صحفى مع نظيره السودانى: نأمل فى استعادة البلد الشقيق أمنه واستقراره وخروجه من محنته، اليوم السابع، 2025م، متاح على: https://www.youm7.com/story/2025/8/7