المقالات
العلاقات “المصرية – الألمانية”: الأبعاد والآفاق
- أغسطس 14, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد: ريهام محمد
باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
تُشكِّلُ العلاقاتُ “المصرية – الألمانية” أحدَ النماذج المميزة للتعاون الثنائي الذي يجمع بين عُمْق التاريخ وتجدُّد المصالح المشتركة، فمنذ عقود، نسجت القاهرة وبرلين شبكةً قويةً ومتنوعةً من الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت طفرةً نوعيةً في مستوى هذا التعاون، مدفوعةً بمتغيرات إقليمية ودولية، أسهمت في إعادة ترتيب أولويات البلدين، فقد التقت الرُّؤَى في قضايا جوهرية، مثل “أمن الطاقة، مكافحة الإرهاب، والهجرة غير النظامية”، بالتوازي مع إطلاق شراكات استراتيجية في مجالات “التحوُّل الأخضر، التعليم الفني، وتطوير البنية التحتية”.
وتكتسب هذه العلاقاتُ أهميةً مضاعفةً، في ظِلِّ بيئةٍ دوليةٍ مضطربةٍ؛ حيث تسعى القوى الإقليمية والعالمية إلى بناء شراكات موثوقة وقنوات تعاون مستدامة، فبينما تُمثِّلُ ألمانيا شريكًا صناعيًّا وتمويليًّا رئيسيًّا لمصر داخل الاتحاد الأوروبي، ترى برلين في القاهرة بوَّابةً استراتيجيةً نحْو أفريقيا والشرق الأوسط، فضْلًا عن كوْنها لاعبًا إقليميًّا مُؤَثِّرًا في ملفات الأمن والطاقة.
وعليه؛ يتناول هذا التقرير قراءةً شاملةً لأبعاد هذه الشراكة، واستعراض مساراتها السياسية والاقتصادية والأمنية، مع استشراف آفاقها المستقبلية في ضوْء التطوُّرات الجارية.
أبعاد العلاقات “المصرية – الألمانية”:
تشهدُ العلاقاتُ “المصرية – الألمانية” تطوُّرًا متسارعًا يعكس تلاقِي الرُّؤَى والمصالح بين القاهرة وبرلين في ميادين متعددة؛ فقد امتدت الشراكة بينهما من الأُطُر السياسية والدبلوماسية إلى مجالات الاقتصاد والطاقة والأمن؛ بما يجعلها نموذجًا للتعاون المتوازن في محيط إقليمي ودولي مضطرب. ويمكن إبراز تلك الأبعاد على النحو الآتي:
أولًا: البُعْدُ السياسي والدبلوماسي
تبادُل الزيارات الرسمية: حافظت القاهرة وبرلين على قنوات تواصُل نشطة ومنتظمة، تجسَّدَتْ في تبادُل الزيارات رفيعة المستوى وتوقيع اتفاقات ومذكرات تفاهُم تعكس حيوية العلاقات الثنائية وأهميتها الاستراتيجية، ففي سبتمبر 2024، قام الرئيس الألماني “فرانك-فالتر شتاينماير” بزيارةٍ رسميةٍ إلى مصر، التي شهدت أيضًا استقبال عددٍ من كبار المسؤولين الألمان؛ بما في ذلك وزيرة الخارجية “أنالينا بيربوك”؛ ما يعكس اهتمام ألمانيا المتزايد بتطوير شراكتها مع مصر، في السياق نفسه، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع المستشار الألماني “أولاف شولتس” خلال قمة العشرين عام 2023؛ حيث بحثا سُبُلَ توسيع التعاون في مجالات عدة، مثل “النقل، التصنيع، والطاقة”، بالإضافة إلى ملف زيادة الاستثمارات الألمانية، كما تناولت المباحثات قضايا إقليمية، أبرزها مكافحة الهجرة غير الشرعية والتنسيق بشأن الأزمات في السودان وأوكرانيا.
هذا النشاط لم يقتصر على السنوات الأخيرة، بل امتدَّ إلى محطَّات بارزة في مسار العلاقات؛ فقد استقبل الرئيس السيسي في يوليو 2021، رئيسة الشركات البحرية الألمانية لبحْث التعاون الصناعي والتكنولوجي في قطاع النقل البحري، كما شهدت الفترة 2016 و2019، زيارات رسمية لوزراء الداخلية والخارجية الألمان تضمنت اجتماعات أمنية رفيعة المستوى، وفي خطوةٍ تُعزِّزُ التعاون الاقتصادي المؤسسي، افتتحت ألمانيا، في يونيو 2022، مكتبًا إقليميًّا لغرفة التجارة والصناعة الألمانية بالقاهرة؛ بهدف دعْم الروابط بين مجتمع الأعمال في البلدين.[1]
من خلال هذه الجهود، تسعى ألمانيا لإثبات دورها كشريكٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ رئيسيٍّ لمصر، ضمن إطار سياسة “فريق أوروبا”، مُرَكِّزةً على قضايا محورية، مثل “الهجرة، أمن الطاقة، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر”، مع الحرص على الحفاظ على موقفها الداعم لحقوق الإنسان والمجتمع المدني، هذه المقاربة تُظهر توازُنًا بين المصالح الاقتصادية والقِيَم المبدئية التي تُروِّجُ لها ألمانيا في علاقاتها الخارجية.
الموقف من قضايا الشرق الأوسط: في الملفات الإقليمية المُعقَّدة، مثل “الحرب في غزة والأزمات الليبية والسودانية”، عملت القاهرة وبرلين (أحيانًا) كطرفيْن يعملان على مسارات متوازية، مع أدوار تكشف عن تداخُل المصالح واختلاف أدوات التنفيذ، ويمكن إبراز دورهما على النحو الآتي:
غزة: فيما تمسَّكَتْ مصر منذ بداية الحرب على غزة بدورها كوسيطٍ إقليميٍّ محوريٍّ يسعى لوقْف إطلاق النار وضمان تدفُّق المساعدات الإنسانية، شَهِدَ الموقف الألماني تحوُّلًا لافتًا بعد 19 شهرًا من الدعم التقليدي لإسرائيل، ففي مايو 2025، أطلق المستشار الألماني فريدريش ميرتس انتقادات علنية للحرب الإسرائيلية، مُعبِّرًا عن استيائه من التدهور الإنساني في القطاع؛ لتعلن برلين – لاحقًا – في أغسطس الجاري، تعليق صادرات الأسلحة التي قد تُستخدم في العمليات بغزة؛ ما يشير إلى إعادة نظرٍ جادَّة في سياستها حِيَالَ الحرب، هذا التحوُّل الألماني يُمْكِنُه خلْق مساحة أوسع للتنسيق بين القاهرة وبرلين.[2]
ليبيا: سعى البلدان لتحقيق تسويةٍ شاملةٍ للأزمة الليبية في إطار الالتزامات الأممية، فركَّزَتْ ألمانيا على الإسهام في عملية برلين السياسية لدعم الحلِّ السياسيِّ متعدد الأطراف، بينما أوْلَتْ القاهرة اهتمامها لمنْع تداعيات الفوضى على أمنها الإقليمي، عبْر حلول أمنية مباشرة، ومن ثَمَّ اتسم التعاون بين الطرفين في هذا الملف بتكامل: برلين تراهن على دعْم المؤسسات الدولية سياسيًّا، فيما تتحرك مصر بفاعلية إقليمية ميدانية، لكنه يكشف أيضًا عن اختلافٍ نغميٍّ في أدوات الحلِّ؛ بين سياسي متعدد الأطراف مقابل حلولٍ إقليميةٍ أكثر مباشرة، بعبارةٍ أُخرى، يتوافق الطرفين على عدم وجود حلٍّ عسكريٍّ في ليبيا، لكن لكل منهما منطلقاته ووسائله: مصر تركز على البُعْد الأمني والإقليمي، وألمانيا على البُعْد السياسي والدبلوماسي.
السودان: مصر تؤدي دورًا محوريًّا كوسيطٍ إقليميٍّ لتخفيف تداعيات الأزمة السودانية وتأثيرها على الأمن الإقليمي، بينما تركز ألمانيا عبْر الاتحاد الأوروبي والشراكات التنموية على تمويل برامج الإغاثة وإعادة الاستقرار، وكلا الطرفين يتفق على ضرورة حثِّ المجتمع الدولي للإيفاء بتعهُّداته الإنسانية تِجَاه السودان، لكن تفاصيل النَّهْج تختلف، فبينما تعتمد مصر على القيادة الإقليمية المباشرة لتولِّي زمام الوساطة، تُفضِّلُ ألمانيا والقوى الأوروبية التعاون مع الهيئات الدولية الكُبْرَى لدفْع الحلول التنموية والإنسانية إلى الأمام.
ثانيًا: البُعْدُ الاقتصادي والاستثماري
الاستثمارات والتمويل التنموي: تُمثِّلُ الشراكةُ الاقتصاديةُ بين مصر وألمانيا واحدةً من أهمِّ دعائم العلاقات الثنائية بين البلدين؛ حيث تجلَّت خلال السنوات الأخيرة في استثمارات كبيرة واتفاقيات تمويل ومبادلة ديون تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة، بلغ إجمالي الاستثمارات اللألمانية في مصر 2.9 مليار دولار حتى يونيو 2024، فيما بلغ حجم التبادُل التجارى بينهما نحو 6.8 مليار يورو خلال عام 2023، بزيادةٍ قدْرُها 24% مقارنة بـ 2022، بالإضافة لذلك، فقد تجاوز إجمالي برنامج المبادلة الديونية بين البلدين نحو 16.8 مليار جنيه مصري (حوالي 297 مليون يورو) لتمويل مشاريع تنموية حتى العام الجاري، شملت قطاعات التعليم الفني، والطاقة النظيفة، والمبادرات البيئية، وفي مقدمتها المبادرة الوطنية “العنقود المتكامل للمياه والغذاء والطاقة” التي أطلقتها مصر في مؤتمر COP27، وتعهَّدَتْ ألمانيا بدعمها بنحو 250 مليون يورو (منها 104 ملايين بتسهيلات ميسّرة).[3]
الاتفاقيات التنموية والتنسيق المؤسسي: في مايو 2025، وقَّعَ البلدان اتفاقية تمويلٍ بقيمة 118 مليون يورو لدعْم التعليم التقني والطاقة المتجددة، إلى جانب تخصيص 21 مليون يورو ضمن برنامج مبادلة ديون لمشاريع ربْط محطَّات طاقة الرياح بالشبكة الوطنية، وتهدف هذه التحرُّكات إلى ضمان استدامة الإمدادات الكهربائية وتعزيز قدرة مصر على توليد 10 جيجاوات من الطاقة النظيفة بحلول عام 2028، كما دعمت المؤسسات المالية الألمانية، مثل بنك التعمير والتنمية KfW) ) ومصرف الاستثمار الأوروبي في دعم مشاريع البنية التحتية، بما فيها ربط مزارع الرياح البحرية بشبكات الطاقة، فيما بادرت الحكومة المصرية بإنشاء مراكز للتدريب التقني في عددٍ من المحافظات لتأهيل كوادر فنية بمستويات عالية من المهارة.
وشَمِلَتْ الاتفاقياتُ التنمويةُ الكُبْرَى في السنوات الأخيرة مِنَحًا ومبادلة ديون بقيمة 77.3 مليون يورو عام 2024؛ لتعزيز التعليم الفني ودعم المجتمعات المضيفة، إضافةً إلى تسعة مشاريع أخرى عام 2022 بإجمالي 160 مليون يورو، ويُقدَّر حجم التعاون المالي الألماني في مجال التعليم الفني وحده بحوالي 121.5 مليون يورو؛ ما يعكس مستوى عالٍ من التوافُق المؤسسي بين الجانبين المصري والألماني، هذا النموذج الاقتصادي الفريد يجمع بين الدعم المالي ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات البشرية؛ مما يُعزِّزُ التكامل والشراكة الاستراتيجية بين البلديْن.[4]
أمن الطاقة: برزت مصر حليفًا مهمًا لألمانيا في مجال الطاقة المتجددة وتأمين الإمدادات؛ فبفضل اكتشاف حقول الغاز المصرية (مثل ظهر) وعقد اتفاقيات لتسييل الغاز، هذا الدور جعلها مركزًا إقليميًّا؛ فأصبحت مصر محطة إقليمية للطاقة، وباتت الطاقة –وخصوصًا ملفات الغاز المسال والهيدروجين الأخضر– من أعمدة الشراكة في هذه الفترة، في نوفمبر 2022، وقَّعَتْ القاهرة وبرلين مذكرات تفاهُم تهدف إلى تطوير استثمارات مشتركة في مجالات الغاز المُسَال والهيدروجين الأخضر، وهو مسعى يهدف إلى تأمين احتياجات أوروبا الطاقوية وتنويع صادرات مصر من الطاقة النظيفة، هذا التحرُّك يتماشى مع استراتيجية ألمانيا لتقليل اعتمادها على مصادر الطاقة التقليدية، خاصَّةً بعْد أزمة الغاز الروسي، ومع رُؤْية مصر لتوسيع قدراتها في مجال تسييل الغاز وإطلاق مشاريع طاقة متجددة على نطاقٍ واسعٍ.
تجلَّى أثر التعاون الألماني في دعم تمويل مشاريع الطاقة المتجددة وربطها بشبكة الكهرباء الوطنية، بالإضافة إلى التنمية في أبحاث تقنية الهيدروجين؛ مما أضاف بُعْدًا صناعيًّا وتكنولوجيًّا للعلاقة لا يقتصر على العقود المتعلقة بالنفط والغاز التقليدي فقط، بل شمل أيضًا بناء سلاسل قيمة مُستدامة تعتمد على الطاقة الخضراء.
ثالثًا: البُعْدُ الأمني والعسكري
شراكة التسليح البحري: منذ مطلع العقْد الثاني من القرن الحادي والعشرين، شَهِدَ التعاون العسكري بين مصر وألمانيا صعودًا نوعيًّا، خاصَّةً فيما يتعلق بتعزيز قدرات البحرية المصرية ضمن خطة شاملة لتحديث الأسطول البحري؛ حيث تسلَّمَتْ مصر أربع غواصات من طراز “209/1400” التي تعمل بالديزل والكهرباء، خلال الفترة من 2016 إلى 2021، وذلك بعد مفاوضات استمرت بين عامي 2012 و2014، تأتي الغوَّاصات بطول يصل إلى حوالي 62 مترًا، ومدى تشغيل يقدر بـ 20 ألف كيلومترًا، مع تقنيات شبحية وبصمة منخفضة، فضْلًا عن ثمانية أنابيب لإطلاق الطوربيدات إلى جانب صواريخ “هاربون” المُوَجَّهة، والتي تمنحها قدرةً هجوميةً دقيقةً تصل لمسافة 140 كيلومترًا، بالإضافة إلى ذلك، استلمت مصر بين عاميْ 2013 و2015 عشرات من محركات “MTU-595” لدعم الكورفيتات الأمريكية “Ambassador”، إلى جانب صواريخ دفاع جوي من طراز “RIM-116” ضمن صفقة بلغت قيمتها الإجمالية 25 مليون دولار، أمَّا في عام 2019، فقد شَهِدَ التعاونُ ارتفاعًا إضافيًّا مع حصول مصر على فرقاطات ”Meko A-200”؛ حيث تَمَّ بناء الأولى بالكامل في ألمانيا والثانية والثالثة قيْد الإنشاء، بينما يتمُّ تصنيع الرابعة بالتعاون مع ترسانة الإسكندرية، هذه الفرقاطات بوزن إجمالي يبلغ 3,400 طن ومُجهَّزة بمنظومات دفاع جوي متقدمة وتقنيات حديثة.[5]
على صعيد مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الإقليمي، فقد توطَّدت علاقات التعاون بين البلديْن عبْر الأُطُر الدولية والإقليمية، فتمثل مصر ركيزة أساسية في مواجهة التطرُّف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما توفر ألمانيا دعمًا مهمًا في شكْل خبرات تدريبية ومساهمات في بعثات الأمم المتحدة، مثل “مهمة حفظ السلام في مالي”، إلى جانب التعاون العسكري، يبرز التنسيق بين البلديْن في مجاليْ “التدريب الأمني ومكافحة التهريب والهجرة غير النظامية”.
وعلى سبيل المثال، شَهِدَ أواخر عام 2023 زيارة وفْدٍ من الأكاديمية العسكرية الألمانية للقاهرة؛ حيث نُوقِشَتْ قضايا الأمن الإقليمي في منطقتيْ “الشرق الأوسط وأفريقيا”، وقد شَهِدَتْ مصر أيضًا تنظيم دورات تدريبية متقدمة للمهندسين العسكريين العاملين في بعثات حفظ السلام، شملت مهارات، مثل “تفكيك العبوات الناسفة والإسعافات الأولية الميدانية” بالتعاون الوثيق مع خبراء ألمان.
فيما يتعلق بقضية الهجرة غير النظامية، تُعَدُّ إدارة تدفُّقات المهاجرين واحدةً من أهمِّ نقاط التقاطُع بين البلدين، وتركز القيادة السياسية على مكافحة هذه الظاهرة كأولوية مشتركة؛ حيث تستعين ألمانيا بسياسات الاتحاد الأوروبي لتنسيق الجهود مع دول العبور، مثل “مصر”، وحاليًا، تشهدُ الشراكة بين الطرفيْن دعمًا ماليًّا كبيرًا من الاتحاد الأوروبي لتعزيز أمن الحدود المصرية، ووفْقًا للتقارير، من المُقرَّر أن تتلقَّى مصر خلال الفترة من 2024 إلى 2027 أكبر حِزْمَة مساعدات مالية يُقدِّمُها الاتحاد الأوروبي لأيِّ دولة لمواجهة تدفُّقات اللاجئين إلى أوروبا، وتكثّف هذا التنسيق خلال زيارة السيسي لألمانيا عام 2023؛ حيث أكَّدَ الجانبان التزامهما بمحاربة شبكات التهريب ومواجهة التحديات المرتبطة بالهجرة غير النظامية.[6]
آفاق العلاقات “المصرية- الألمانية”:
تبدو العلاقات “المصرية – الألمانية” مُقبلةً على مرحلة أكثر تطوُّرًا وتكامُلًا، مدفوعةً بتقاطُع المصالح الاستراتيجية وتصاعُد التحديات الإقليمية والدولية التي تُحتِّمُ تنسيقًا فعَّالًا في المواقف والسياسات بينهما، فمن جهة، تنظر برلينالى القاهرة باعتبارها محورًا جيوسياسيًّا استراتيجيًّا في شرق المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا، وقوة إقليمية قادرة على لعب أدوار وساطة في الأزمات المُعقَّدة، مثل “ليبيا والسودان وغزة”، إلى جانب دورها الحيوي كشريكٍ أساسيٍّ في التحكُّم بتدفُّقات الهجرة غير النظامية نحْو أوروبا، وبالمقابل، ترى مصر في ألمانيا شريكًا اقتصاديًّا وتكنولوجيًّا موثوقًا يمكنه الإسهام في دفْع مسار التحوُّل نحْو الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة، ونقْل الخبرات الصناعية لدعْم البِنْيَة التحتية المصرية وتعزيز قدرتها التنافسية.
وعليه؛ يُتوقع على المدى القريب والمتوسط أن تشهدَ العلاقات بين البلديْن توسُّعًا في مجالات، مثل “الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وزيادة الاستثمارات في الصناعات التحويلية”، والتعاون في الأمن البحري وتأمين طُرُق التجارة، كما يُرجَّحُ أن يشهدَ التنسيق السياسي تطوُّرًا ملموسًا في ملفات الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب، من جانب آخر، يُمكن أن تُسْهِمَ إعادة تموْضع السياسة الخارجية الألمانية حول بعض القضايا الشرق أوسطية، ومنها التطوُّرات الأخيرة بشأن حرب غزة، في تعزيز التقارُب مع مصر، من خلال التركيز على الحلول الدبلوماسية والإنسانية.
رغم هذه المؤشرات الإيجابية، يبقى المسار الثنائي مُعَرَّضًا لبعض التحديات، مثل “تقلُّبات الاقتصاد العالمي، والاعتبارات الداخلية لكل طرف”، فضلًا عن تنافُس القوى الدولية على النفوذ في المنطقة، مع ذلك، تتجلَّى العلاقات بمقومات تدعم استمرارية الشراكة بين البلديْن؛ حيث يميل الطرفان إلى بناء تعاونٍ متوازنٍ قائمٍ على المصالح المشتركة ورُؤْية مُوحَّدة للأمن والاستقرار الإقليمي، كما أن المُعْطَيَات الحالية تؤكد أن القاهرة وبرلين تمتلكان من الإرادة السياسية، الموارد، والروابط المؤسسية ما يكفي لتحويل هذه العلاقة إلى نموذجٍ يُحْتَذَى به في العلاقات الثنائية المتوازنة؛ لتحقيق المصالح المشتركة والمساهمة في استقرار وازدهار محيطها الإقليمي والدولي؛ لهذا السبب، تبدو السنوات المقبلة مرشحةً لأن تكون واحدةً من الفترات الأكثر نشاطًا وحيويةً في مسار التعاون بين مصر وألمانيا.
في الختام:
يمكن القول: إن العلاقات بين مصر وألمانيا باتت أحد النماذج البارزة للشراكات الثنائية التي جمعت بين تنوُّع المصالح وعُمْق الروابط الاستراتيجية، وقد نجحت هذه العلاقة، خلال السنوات الأخيرة، في تجاوز إطار التعاون التقليدي لتصبح نموذجًا متكاملًا، يشمل “التنمية الاقتصادية، وبناء القدرات، ودعم الاستقرار الإقليمي”، ومع تسارع التغيُّرات الدولية وتصاعُد التحديات الأمنية والاقتصادية، يظلُّ رهان الطرفيْن قائمًا على تعزيز التنسيق في القضايا الإقليمية، وتوسيع نطاق الاستثمارات ونقل التكنولوجيا، إلى جانب تعزيز التعاون في مجالات “الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، والأمن البحري”، ومن المتوقع أن تدخل العلاقات مرحلةً أكثر تقدُّمًا خلال السنوات المقبلة، مع تزايُد التقارُب في وجهات النظر بشأن أزمات المنطقة؛ بما يعكس وعيًا مشتركًا، بأن الشراكة بين القاهرة وبرلين ليست مُجرَّد خيارًا مرحليًّا، بل نهْجًا استراتيجيًّا طويل المدى يهدف إلى إرساء بيئة إقليمية أكثر استقرارًا واقتصاد أكثر مرونةً في مواجهة الأزمات العالمية.
المصادر:
[1] العلاقات المصرية الألمانية.. تعاون وثيق في السياسة والاقتصاد والتعليم، الوطن، سبتمبر 2024.
https://www.elwatannews.com/news/details/7548897#goog_rewarded
[2] مستشار ألمانيا ينتقد سلوك إسرائيل في غزة.. لماذا يعد ذلك أمرًا مهمًا؟، سي إن إن بالعربي، مايو 2025.
https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2025/05/27/germany-merz-criticizes-israel
[3] 10 معلومات حول العلاقات الاقتصادية بين مصر وألمانيا.. تعرف عليها، اليوم السابع، مايو 2025.
https://linksshortcut.com/maqKn
[4] مصر وألمانيا ( العلاقات الاقتصادية)، الهيئة العامة للاستعلامات، مايو 2025.
https://linksshortcut.com/Abbky
[5] مصر و ألمانيا(العلاقات العسكرية والأمنية)، الهيئة العامة للاستعلامات، مايو 2025.
https://linksshortcut.com/Abbky
[6] مصر لتعميم تجربتها مع ألمانيا في مكافحة «الهجرة غير المشروعة» أوروبياً، صحيفة الشرق الأوسط، يونيو 2024.