المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > نشاطُ “داعش خراسان” في آسيا الوسطى
نشاطُ “داعش خراسان” في آسيا الوسطى
- أغسطس 20, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات

إعداد: آية أشرف
باحث في برنامج الأمن والإرهاب
يمثّلُ تنظيمّ الدولة الإسلامية – ولاية خراسان (داعش خراسان أو ISKP) تهديدًا إرهابيًا متصاعدًا وعابرًا للحدود، مؤثرًا بشكلٌ خاص على منطقة آسيا الوسطى والجنوبية تتجاوز أنشطته مناطق عملياته الأساسية مما يفرضُ تحدياتٍ كبيرةً على الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي، تهدف هذه الورقة البحثية إلى تحليل التطور المتعدد الأوجه . خراسان مستكشفةً نشأتَه وبصمتَه العملياتيةَ وآلياته المالية، والآثار الاستراتيجية لتصعيده الأخير على اعتبار أن فهْمَ استراتيجياتِ داعش خراسان التكيّفيةَ وتوسّعه المتزايد أمرٌ بالغُ الأهمية لاستيعاب المشهد المتطور للجهادية العالمية وصياغة استجاباتٍ فعالةٍ لمكافحة الإرهاب.
داعش خراسان: النشأةُ وخلفيتهُ الأيديولوجية
ظهرَ تنظيم داعش خراسان رسميًا في أواخر عام 2014 م أو أوائل عام 2015م كفرعٍ إقليميٍ لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ونشطَ بشكلٍ أساسيٍ في أفغانستان وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان تضمنت نشأته المقاتلين الأفغان والباكستانيين العائدين من الحرب الأهلية السورية إلى المنطقة بتعليماتٍ وتمويلٍ لتجنيد مقاتلين لفرع داعش في آسيا الوسطى والجنوبية وحدود أوروبا تحت قيادة “حافظ سعيد خان” القيادي في حركة طالبان باكستان كأول أمير لداعش فرع خراسان مبايعاُ قيادة داعش المركزية وجالبًا معه أعضاء ومقاتلون بارزون في حركة طالبان باكستان بالإضافة إلى أعضاء سابقين في تنظيم القاعدة ([1]).
تأسّسَ التنظيمُ لتحقيق غايةٍ أساسيةٍ تدور حول زعزعة استقرار حكومات منطقة خراسان التاريخية تمهيداً لاستبدالها بخلافةٍ تحكمها التفسيراتُ المتطرفةُ للشريعةِ الإسلامية وتعزيز هذا الهدف بخططٍ توسّعيةٍ خارج هذه المنطقة تم الترويج لها عبْر القنوات الإعلامية للتنظيم تشمل خرائط تمتد فيها منطقة خراسان من كازاخستان شمالًا إلى سريلانكا والمالديف جنوبًا ومن شرق إيران غربًا إلى غرب الصين شرقًا.
والجديرُ بالذكر إن تبنّي مفهوم “خراسان” ليس مجردَ تسميةٍ جغرافيةٍ بل هو أداة أيديولوجية قوية تسمح لداعش خراسان بتجاوز الحدود الوطنية مما يميزّه عن تركيز طالبان على أفغانستان، هذه المرونةُ الأيديولوجيةُ تمكّنُ داعش خراسان من جذْبِ قاعدةٍ أوسع من الجهاديين الساخطين من مختلف الجماعات الإقليمية، وعليه فإن قدرةَ التنظيم على استقطاب “الإسلاميين الساخطين” وأعضاء طالبان السابقين تسلّط الضوءَ على انتهازيةِ الاستراتيجيةِ في استغلال المظالم والتنافسات القائمة داخل المشهد المسلح في المنطقة لصالح أجندة التنظيم ([2]).
علاوةً على ذلك فإن موقفَ داعش خراسان الفريد المتمثّلَ في محاربة طالبان “العدو القريب” والقوى الخارجية ” العدو البعيد” مثل روسيا والولايات المتحدة وإيران في وقت ٍواحدٍ يميزهُ عن فروع داعش الأخرى ويعزّزُ جاذبيتَه لمختلف الفصائل المتطرفة، فقد سمحت هذه الاستراتيجية ذات الجبهتين _المتأثرة بتجارب أعضائه _ لداعش خراسان بالحفاظ على أهميته عبر الروايات الجهادية المختلفة؛ فمن جهةِ مهاجمةِ طالبان ومحاولةِ زعزعة ونزْعِ شرعيتها لا سيَّما بعد المرونة البرجماتية التي أبدتها مؤخراً مما يجذبُ المتشددين والساخطين من الحركة، ومن جهةٍ أخرى مهاجمة الأهداف الدولية التي تُظهرُ مدى وصوله العالمي مما يجذبُ أولئك الذين يسعون إلى جهادٍ أوسع.
الانتشار الجغرافي ومناطق التمركز
بدأت قاعدة قوة داعش خراسان التقليدية وما زالت في شرق أفغانستان لا سيَّما على طول الحدود مع باكستان في مقاطعات مثل “ننجرهار” على الرغم من فُقدانهِ السيطرة على مُعظمِ أراضيه في “ننجرهار” بحلول عام 2016م إلا أنه يواصلُ عملياتِه في الأجزاء الشرقية والشمالية الشرقية من أفغانستان وباكستان، مع مرور الوقت توسّعت منطقةُ عملياتِ داعش خراسان لتشملَ المقاطعاتِ الأفغانيةَ الشماليةَ التي يسكنها بشكلٍ أساسيٍ “الطاجيك” و”الأوزبك” و المناطق المتاخمة لآسيا الوسطى ما بعد الاتحاد السوفيتي، هذه المناطقُ التي توفرُ للتنظيم مساحةً جغرافيةً واسعةً فضلاً عن كونها قاعدةً مناسبةً للتجنيد والدْخل للتنظيم، كما أظهر وجودًا وقدرةً عملياتيةً متزايدةً في جمهوريات آسيا الوسطى وحولها إلى بؤرة للتطرف العنيف لا سيَّما منطقة “وادي فرغانة” الذي يمتد بيم قيرغيزستان وطاجيكستان وأوزباكستان، كما أعلن صراحة عن نيته تنفيذ عمليات ضد الولايات المتحدة ونفذ بالفعل عدد من العمليات الدامية في أوروبا وروسيا ([3]).
يعتمدُ داعش خراسان في توسّعهِ الجغرافي على استراتيجيةٍ دعائيةٍ عدوانيةٍ لجذْبِ المقاتلين من دول جنوب ووسط آسيا تشملُ نشْرَ الموادَ المتطرفة باللغات المحلية (الطاجيكية والأوزبكية والروسية) من خلال منصاتٍ إعلاميةٍ كمنصّةِ “العزائم” ، فضلاً عن التلاعب بالبيئات السياسية المحلية لإقناع الناس بالانضمام إلى صفوفه في جميع أنحاء جنوب ووسط آسيا مستغلاً الأوضاعَ الاقتصاديةَ والاجتماعيةَ الهشّةَ والنزَعاتِ الحدوديةَ والتحديات الأمنية والسياسية، والجديرُ بالذكر أنه على الرغم من فقدان التنظيم لأراضٍ مهمّة في “ننجرهار” بحلول عام 2016 والجهود التي اتبعتها دول المنطقة لمكافحة خطر التنظيم لاسيَّما حكومة طالبان في 2021م دفعت بقوةٍ نحو تحوّلٍ استراتيجيٍ يركّزُ خلاله التنظيم على الهجمات رفيعة المستوى في المراكز الحضرية والعمليات الخارجية بدلا من السعي للتوسع المركزي الأمر الذي يجعلنا أمام شبكةٍ إرهابيةٍ أكثر مرونةً ولامركزيةً وذات توجّه عالمي وقدرات لوجستية وعسكرية وإعلامية قوية قادرةٍ بشكلٍ كبير على التوسّعِ في المناطق الحدودية لآسيا الوسطى وبناء قواعد تجنيدٍ جديدةٍ و وتحقيق عمقٍ عملياتيٍ يعوّض الخسائرَ في معاقله التقليدية، هذا التكيف يجعله تهديدًا أكثر خطورةً ولا يمكن التنبؤ به.
مصادرُ التمويل وآليات الدعم
يعتمد داعش خراسان في تمويله على القيادة المركزية لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا منذ تأسيسه في عام 2015م وأفريقيا حالياً بعد أن أصبحتْ معقلَ التنظيم، ووصلت هذه المبالغ إلى مئات الآلاف من الدولارات لتحسين شبكاته وتطوير قدراته العملياتية، وقد كشفَ تقريرٌ للأمم المتحدة في أوائل عام 2023م أن مكتب “مكتب الكرار” ومقره الصومال يرسل 25 ألف دولار شهريًا من العملات المشفّرة إلى داعش خراسان ليصبحَ مصدر إيراداته الرئيسي بحلول يوليو 2024م، بالإضافة إلى ذلك يلجأ داعش خراسان إلى عددٍ من الأنشطةِ غير المشروعة كالابتزازِ والاختطافِ مقابل فِديةٍ والسرقة والسيطرة على المناجم والموارد الطبيعية في المناطق التي يسيطر عليها مستفيدًا من تهريب هذه الموارد إلى الأسواق العالمية عبْر عددٍ من الوسطاء لتعزيز إيرادات التنظيم.
كما لجأ التنظيم وبشكلٍ متزايدٍ إلى الأدوات المالية الحديثة بما في ذلك العملات المشفرة لا سيما عملة “مونيرو” _التي تتميزُ بخصوصيةٍ عالية_ وشركات تحويل الأموال غير المسجلة وشبكات الحوالة القائمة وناقلي الأموال نقدًا، إذ يطلب التنظيم التبرعات عبر قنواته الدعائية مثل مجلة “صوت خراسان” التي تنشرُ إعلاناتٍ لطلَبِ التبرعات بعملة “مونيرو”، كما تسلطُ الاعتقالاتُ الأخيرة في ألمانيا والمملكة المتحدة بسبب تحويلات العملات المشفرة إلى حساباتٍ مرتبطةٍ بداعش خراسان الضوء على توسّعِ قاعدةِ المانحين ودور المنصات الإلكترونية مثل تلغرام وغيرها في جمْعِ التبرعاتِ.
إن تحوّلَ داعش خراسان من توليد الإيرادات القائمة على الأراضي إلى محفظةٍ متنوعةٍ من الأنشطة غير المشروعة والتمويل الخارجي والأدوات المالية الحديثة يُظهر درجةً عاليةً من القدرة على التكيف المالي والمرونة مما يجعلُ تعطيله أكثرَ صعوبةً كما يسلط الضوء على فهْمٍ متطورٍ لتدابير مكافحة الإرهاب المالي ومحاولةٍ متعمّدة للتهرب من الكشف، تتيح هذه المرونة المالية لداعش خراسان مواصلةَ عملياته على الرغم من الخسائر الإقليمية وضغوط مكافحة الإرهاب مما يجعله تهديدًا مستمرًا ومتطورًا يتطلب نهجًا متعددَ الأوجه لمكافحة الإرهاب المالي [4].
التحدياتُ والمخاطرُ التي تواجه داعش خراسان
يواجه داعش خراسان تحدياً جوهرياً يتمثّل في المواجهة المباشرة مع حركة طالبان بفرعيها الأفغاني والباكستاني؛ حيث يعتبرُ كلٌ منهما الآخر عدوًا، وقد بدأ هذا الصراع منذ نشأة داعش خراسان الذي حارب طالبان بضراوةٍ واستمر ذلك الصراع حتى بعد وصولها إلى السلطة في عام 2021م، كما أن جهود طالبان لمكافحة خطر داعش خراسان سواء في الفترة من 2016م إلى 2017م أو في الفترة من 2022م إلى 2023م ألحقتْ خسائرَ فادحةً بمخابئ داعش خراسان في المدن وأجبرته على التراجع إلى شرق أفغانستان والمناطق الحدودية مع باكستان مما أدّى إلى تراجع نشاط التنظيم في الداخل الأفغاني، وعزّز من ذلك تحييدُ حكومة طالبان لعددٍ من قادة داعش خراسان الرئيسيين بمن فيهم نائبهُ المفترض وزعيمهُ المؤقّت ورئيس استخباراته ومنظم هجوم مطار كابول عام 2021م، وعلى الرغم من هذه الخسائر والانتكاسات أظهرَ داعش خراسان مرونةً عاليةً وقدرةً على تنفيذِ هجماتٍ داميةٍ ورفيعة المستوى لا سيَّما في كابول مما يُظهرُ قدرةَ التنظيم العالية على استيعاب خسائر مكافحة الإرهاب، وإعادةِ ضبط هيكل التنظيم بهدوء وإعادة تشكيل خلاياه المحلية وتكثيف وتكييف تكتيكاته الدعائية متحولًا من النشْر المفتوحِ إلى مجموعاتِ نقاشٍ صغيرةٍ ومحليةٍ ومُحكمةِ السيطرة في المساجد والمنتديات المغلقة عبر الإنترنت مما يجعل الكشف عنها أكثر صعوبة ، الأمرُ الذي يجعلُ فرع خراسان أحد أخطر فروع تنظيم الدولة.
في السياق الإقليمي والدولي، كثّفت دول آسيا الوسطى بدعم دولي جهودها لمكافحة خطر داعش خراسان، فعلى سبيل المثال ركّزت طاجيكستان التي تشتركُ في حدود بطول 843 ميلًا مع أفغانستان التي تعتبر مصدرًا رئيسيًا للنشاط الإرهابي على تعزيز أمن الحدود وقدرات مكافحة الإرهاب بمساعدة الولايات المتحدة، كما قامت أوزبكستان بتفكيكِ شبكاتٍ سريةٍ واعتقال أفرادٍ مرتبطين بداعش خراسان، واشتركت دول آسيا الوسطى في أُطرٍ إقليميةٍ مثل خطة العمل المشتركة لاستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب وتتعاونُ مع منظماتٍ مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي وتشمل هذه الجهود تَبادلَ المعلومات الاستخباراتية، والمناورات العسكرية المشتركة وبرامج مكافحة التطرف وتمويل الإرهاب.
التصعيد الحالي: الدوافع، الأهداف، والمخاطر المتزايدة
يعمل داعش خراسان على تصعيد نشاطه وعملياته الخارجية بشكلٍ مُمنهجٍ و ملحوظٍ منذ أبريل 2022 متجاوزًا نطاقه التقليدي، شملت الهجمات البارزة صواريخ على طاجيكستان وأوزبكستان (أبريل/مايو 2022م) وتفجير السفارة الروسية في كابول (سبتمبر 2022م) وهجمات على فندق صيني في كابول، وهجوم كرمان بإيران (يناير 2024م) الذي أودى بحياة أكثر من 90 شخصًا على يد مواطنين طاجيك وتلاه هجومُ قاعة كروكوس سيتي هول بموسكو (مارس 2024م) الذي خلّف 145 قتيلًا و550 جريحًا وفي يونيو 2024 وقعت هجمات في داغستان بروسيا أسفرت عن 20 قتيلًا على الأقل [5]، فضلاً عن اغتيال “خليل الرحمن حقاني” وزير اللاجئين في حكومة طالبان بعد استهداف محيط الوزارة ([6]).
في عام 2025، استمرَ التنظيم في إظهار قدرتهِ على شنِّ هجماتٍ عابرةٍ للحدود وتكييف تكتيكاته، ففي باكستان يُشتبه في تورّط داعش خراسان في تفجيرٍ انتحاريٍ بدار العلوم الحقانية بنوشيرا في إقليم خيبر بختونخوا (28 فبراير 2025م) الذي أسفر عن ثمانية قتلى، كما شهدت باكستان هجماتٍ أخرى في بلوشستان (11 مارس 2025م) وخيبر بختونخوا (28 يونيو 2025م)، تُبرز هذه الحوادث قدرةَ التنظيم على العمل في ظروفٍ متنوعةٍ والوصولِ إلى مجتمعات المهاجرين من آسيا الوسطى، بالإضافة إلى اعتماد استراتيجية الذئاب المنفردة لتهديد أمن أوروبا.
في المقابل، كثفتْ وكالاتُ مكافحة الإرهاب جهودها لتحييد خلايا التنظيم، ففي يونيو 2025م، حكمت محكمة أوزبكية على “عبيد ساباروف” بالسجن 16 عامًا لأنشطةٍ مرتبطةٍ بداعش خراسان بعد اعتقاله في باكستان في يناير 2025م بفضل تَبادلِ المعلومات الاستخباراتية. وفي 2 مارس 2025م ألقت الولايات المتحدة القبض على محمد شريف الله “جعفر” القيادي البارز في داعش خراسان والمتورط في تفجير مطار كابول 2021م، كما نجحت وكالات الأمن الغربية في إحباط معظم المؤامرات المرتبطة بداعش خراسان في مراحلها المبكرة مما منعَ هجماتٍ كبرى في الغرب وأدّى إلى اعتقال العديد من عناصره الطاجيك والأوزبك، وتُشيرُ التقارير إلى تَزايدِ تورّطِ القُصّر في المؤامرات المستوحاة من داعش في أوروبا مع اعتقالات في النمسا وفيينا في أوائل عام 2025م، وفي ماليزيا شهد عام 2024م و2025م اعتقالات عديدة مرتبطة بالإرهاب مع انتشار واسع للتطرف عبر الإنترنت حيث إن 54% من الحالات في ماليزيا تتضمن دعم أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية عبر المنصات الإلكترونية.
تتمثّل الدوافع الاستراتيجية لهذه الهجمات في إظهار القدرة والوصول العالمي مؤكدةً صمودَ التنظيم رغم ضغط طالبان وقدرته على شنِّ عملياتٍ عالية التأثير بعيدًا عن معاقله مما يعزّز مكانته ويجذبُ مجنّدين جدد، كما يسعى التنظيم لتقويض خصومه وزعزعة استقرار المناطق، فعداؤهُ لروسيا وإيران متجذّرٌ في دعمهما للنظام السوري وقمعِْ المسلمين وجهودهما لمكافحة الإرهاب ومن خلالِ ضرْبِ هذه الأهداف يسعى داعش خراسان إلى تسميم علاقات طالبان مع روسيا والجيران الإقليميين وتفاقم المشاكل الاقتصادية في أفغانستان وزعزعة استقرار حكم طالبان، كما يستغل التنظيم حالة عدم الاستقرار العالمية والصراعات الإقليمية لتضخيم تأثيره.
يفرضُ هذا التصعيدُ مخاطرَ متزايدةً على الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي، فيشيرُ الامتدادُ الإقليمُي المباشر للهجمات على دول آسيا الوسطى والتوجّه نحو أوروبا إلى الحاجة الملحّةِ للتعاون الإقليمي في ظل التداعيات الخطيرة لهذا التمديد حيث يؤدي تزايد انعدام الأمن إلى تثبيطِ الاستثمار وعرقلةِ مبادرات الربط مما يؤثرُ على التنمية الاقتصادية وتعميق الأزمة الإنسانية في أفغانستان وآسيا الوسطى، خاصةً أن الهجماتِ الأخيرة ذات الخسائر البشرية الكبيرة خارج أفغانستان ليست مجردَ فرصٍ انتهازيةٍ بل تخدم غرضًا استراتيجيًا محسوبًا يتجاوز التدمير الفوري ويهدف إلى إبراز القوة العالمية وتعطيل التحالفات الجيوسياسية في المنقطة.
فتحوّلُ داعش خراسان من العمليات الأساسية في أفغانستان وباكستان إلى العملياتِ الخارجيةِ يدل على استراتيجيةٍ متعمّدةٍ لإبراز القوة والحفاظ على الأهمية العالمية من خلال استهداف “أهداف سهلة” رفيعة المستوى في مدنٍ دوليةٍ كبرى وبالتالي إثارة خوفٍ واسعِ النطاق وإظهار تطوره العملياتي وجذْب المقاتلين الإرهابيين الأجانب، يهدفُ هذا النهْجُ الصادمُ إلى التعويض عن الخسائر الإقليمية من خلال تضخيم التهديد المتصور وتقويض الروايات الأمنية لخصومه وربما تعطيل العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية فاختيارُ أهدافٍ مثل موسكو وكرمان، وكلاهما خارج منطقة خراسان التاريخية، يسلّط الضوءَ صراحةً على هذا الطموح العالمي.
الدورُ الجيوسياسي لداعش خراسان
لقد أعاد صعود داعش خراسان وعملياته الخارجية تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية في آسيا الوسطى بشكلٍ أساسيٍ حيث أصبح يمثّلُ تهديدًا مشتركًا يدفع الأطراف التي كانت متنافسةً سابقًا، لا سيَّما روسيا وطالبان، نحو تعاونٍ براغماتي لا سيَّما بعد التحذيرات الروسية منذ فترةٍ طويلةٍ من التهديد الذي يشكّلهُ داعش خراسان على روسيا وآسيا الوسطى وأوروبا.
تُعتبر روسيا كهدفٍ رئيسيٍ بالنسبة لداعش خراسان بسبب مظالمها التاريخية الغزو السوفيتي لأفغانستان وحروب الشيشان وتدخلها في سوريا لدعم نظام بشار الأسد وقمْعها الملحوظ للمسلمين وعليه تسعى روسيا إلى تأمين حدودها الممتدة مع أماكن تمركز خلايا داعش خراسان وعليه فقد حافظت روسيا على علاقاتٍ دبلوماسيةٍ نَشطةٍ مع طالبان بل وقدّمت لها الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية لمحاربة داعش خراسان واستمر هذا الدعم واتخذَ أشكالاً عدّةً من التعاون والتقارب عدة أبعاد مختلفة، على الصعيد الدبلوماسي كانت روسيا من بين الدول القليلة التي لم تُغلقْ سفارتها في كابول بعد الانسحاب الأمريكي في عام 2021م، وكانت أولَ من قدّمَ اعترافًا دبلوماسيًا لحكومة طالبان في يوليو 2023م، على الصعيد الاقتصادي كانت روسيا أولَ دولةٍ توقّعُ اتفاقيةً اقتصاديةً مع طالبان لتزويد كابول بالقمح والنفط والغاز. هذه التفاعلاتُ الاقتصاديةُ التي يُنظر إليها جزئيًا على أنها وسيلةٌ لتلبية احتياجات أفغانستان وتقليلِ الاعتماد على الأنشطة غير المشروعة مثل زراعة الأفيون، أما على صعيد التعاون الأمني فقد دفعَ التهديدُ المشترك من داعش خراسان إلى زيادة التعاون الأمني فقد رحّبت روسيا بزيادة التعاون في مكافحة الإرهاب بين منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي بما يشملُ تَبادلَ المعلومات الاستخباراتية والتمويل والأسلحة والتدريب والمشورة، وعلى صعيدٍ مماثل فقد دفع تهديد داعش خراسان دول آسيا الوسطى _ بما في ذلك طاجيكستان التي كانت منتقدةً صريحةً لطالبان في السابق _ إلى تحسين علاقاتها مع طالبان([7]).
وعليه فقد أثبتَ الحسابُ الإقليمي أن أفغانستان المستقرة _حتى تحت حكم طالبان المحافظ_ أكثرَ فائدةً من دولةٍ غير مستقرةٍ تُغذّي التهديداتِ العابرةَ للحدود الوطنية، فالتقارب بين روسيا وطالبان ليس توافقًا أيديولوجيًا بل ضرورة استراتيجية نابعة من التهديد المباشر والملموس الذي يمثّله داعش خراسان مما يسلّط الضوء على كيف يمكنُ للضروراتِ الأمنيةِ أن تتجاوزَ الاختلافاتِ السياسيةَ طويلةَ الأمد فتاريخيًا كانت روسيا وطالبان خَصمين بل إن روسيا دعمت الفصائل المناهضة لطالبان ومع ذلك فإن ظهور داعش خراسان واستهدافه المباشر للمصالح الروسية قد خلقَ تقاربًا قويًا في المصالح جعل روسيا على استعدادٍ للانخراط دبلوماسيًا واقتصاديًا مع طالبان في تحوّلٍ ملحوظٍ من المعارضة الأيديولوجية إلى الواقعية السياسية البراغماتية هذا التحوّلُ الذي يؤكد على أن خطورةَ تهديد داعش خراسان عميقة لدرجة أنها تتجاوز المذاهب السياسية والأمنية طويلة الأمد مما يفرضُ تحالفاتٍ غير متوقّعةٍ ويعيد تشكيل ديناميكيات القوة الإقليمية.
على الرغم من أن طالبان تحارب داعش خراسان بنشاطٍ إلا أن سياساتها الأوسع وديناميكياتها الداخلية تخلقُ نقاطَ ضعفٍ يستغلها التنظيم مما يعقّد جهودَ مكافحة الإرهاب الإقليمية ويحدُّ من فعالية التعاون الخارجي؛ فعدم قدرة طالبان على بسْط السيطرة الكاملة على جميع الأراضي الأفغانية وتوتراتها مع باكستان بشأن حركة طالبان باكستان وقدرتها المحدودة على الحكم الفعال تخلقُ بيئةً مواتيةً لداعش خراسان لإعادة التجمع والتمدد لا سيَّما في ظل اعتماده على استراتيجية تقويض العلاقات بين طالبان ومحيطها الإقليمي كروسيا وتسلط الضوء على كيفية سعي التنظيم بنشاط لاستغلال نقاط الضعف الداخلية والخارجية هذه، مما يشير إلى أن الاعتماد فقط على طالبان لاحتواء داعش خراسان غيرُ كافٍ وأن هناك حاجةً إلى نهْجٍ متعدد الأطراف أكثر قوةً يعالج الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار ويوفّرُ مساعدةً شاملةً لمكافحة الإرهاب التي تفتقر إليها طالبان حاليًا علاوةً على ذلك فإن تصرفاتِ طالبان المحلية ونقْصَ الشرعية الدولية يحدّان من عمق ونطاق التعاون حتى مع شركاء مثل روسيا مما يضع سقفًا لنتائج مكافحة الإرهاب الفعالة.
ختامًا:
يُلاحظ أن تطورَ داعش خراسان من فرع إقليميٍ ناشئ إلى منظمةٍ إرهابيةٍ عابرةٍ للحدود وقابلةٍ للتكيف بدرجة عالية بأيديولوجيته المميزة ودعاية فعالة وتمويل متنوع وعمليات خارجية الاستراتيجية لتحقيقِ أهدافٍ جيوسياسيةٍ أوسع على الرغم من الضغط الكبير لمكافحة الإرهاب من جانب طالبان والجهات الفاعلة الدولية ، هذا التطورُ والتصعيدُ الخطير أثّر بشكلٍ عميق على الأمن في آسيا الوسطى وأوروبا المجاورة مما أجبر على إعادة تقييم التحالفات الإقليمية ودفع إلى تعاون براغماتي بين الأطراف الفاعلة في المنقطة.
لذا، يوصى بما يلي لجهود المستقبل:
أولًا، تعزيز التعاون الدولي فهناك حاجةٌ حقيقةٌ إلى نهْجٍ جماعيٍ ومُبتَكرٍ لفهْم عمليات داعش خراسان وتجفيف موارده ومواجهة دعايته، على أن يشمل ذلك التعاون الاستخباراتي مع الشركاء الدوليين الرئيسيين (روسيا، الولايات المتحدة، تركيا، باكستان، الدول الأوروبية) وخاصة تلك التي تستضيف مجتمعات مهاجرين من آسيا الوسطى.
ثانيًا، معالجةُ الأسباب الجذرية فبالإضافة إلى التدابير الأمنية تُعد معالجةُ الانقسامات العرقية والاقتصادية في المناطق الضعيفة أمرًا بالغَ الأهمية لمنع انتشار داعش خراسان، كما أن منعَ حدوثِ أزمةٍ إنسانيةٍ واسعة النطاق في أفغانستان مهم للاستقرار الإقليمي.
ثالثًا، استراتيجيات شاملة لمكافحة الإرهاب حيث يجب أن تكونَ جهود مكافحة الإرهاب متعددة الطبقات تتجاوز العمليات الحركية لتشمل تدابير قوية لمكافحة التمويل ومكافحة التطرف وأمن الحدود مع وجود برامج لإعادة التأهيل وإعادة الإدماج للمقاتلين الإرهابيين الأجانب العائدين وعائلاتهم.
رابعًا، المشاركةُ الدبلوماسية المستمرة فالحوار المستمرُ والتعاون بين دول المنطقة بما في ذلك المشاركة البراغماتية مع طالبان في مكافحة الإرهاب أمرٌ ضروريٌ لاحتواء التهديد مع مراعاه أن تتم هذه المشاركة بعناية لتجنب إضفاء الشرعية على قضايا حكم طالبان الأوسع.
أخيرًا، حماية الاستقرار الاقتصادي حيث يجب أن تأخذَ الجهودُ الرامية إلى تعزيز الربط الإقليمي والتنمية الاقتصادية في الاعتبار المخاطر الأمنية التي يشكّلها داعش خراسان والتخفيف منها لضمان الاستقرار والازدهار على المدى الطويل.