المقالات
الليثيوم في أفريقيا: بين التنافس الجيوسياسي والتحول الطاقي
- أغسطس 27, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية

إعداد: أسماء حسن محمد
باحث مساعد في وحدة الشئون الأفريقية
تمتلك القارة الإفريقية ما يزيد عن 30% من الاحتياطيات المعدنية العالمية، ومن بينها خام الليثيوم الذي يُعَد من أبرز الموارد الإستراتيجية في عصر التحول الطاقي، ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، تستحوذ إفريقيا على ما يقارب 5% من الإنتاج والاحتياطي العالمي لليثيوم، وهو ما جعلها مسرحًا للتنافس الدولي بين القوى الكبرى الساعية لتأمين احتياجاتها المستقبلية من هذا المورد الحيوي، كما يمثل الليثيوم اليوم أحد أبرز الموارد الجيوسياسية الإستراتيجية في النظام الدولي، حيث تحوّل من مجرد معدن صناعي إلى أداة لإعادة تشكيل موازين القوة العالمية في ظل التحول نحو الطاقات النظيفة، وبحكم موقعها كمخزون طبيعي ضخم لهذا المورد، تجد إفريقيا نفسها في قلب معادلة أمن الطاقة العالمي، إذ تمتلك احتياطات هائلة تجعلها ساحة صراع مفتوح بين القوى الكبرى الساعية إلى ترسيخ هيمنتها الاقتصادية والسياسية، هذا الواقع يضع القارة أمام معادلة دقيقة بين الاستفادة من مواردها لتعزيز السيادة الاقتصادية والتنمية المستدامة، كما أن التنافس الصيني-الغربي على الليثيوم الإفريقي لا يقتصر على المجال الاقتصادي فحسب، بل يتجاوز ذلك ليشكل امتدادًا لـلتنافس الجيوسياسي على النفوذ داخل القارة، بما يحمله من انعكاسات على الأمن الإقليمي والخيارات الاستراتيجية للدول الإفريقية.
التوزيع الجغرافي لليثيوم في أفريقيا
يُظهر التوزيع الجغرافي لليثيوم بالقارة أن أفريقيا أصبحت مسرحًا استراتيجيًا للتنافس الدولي؛ إذ تمتلك الدول الأفريقية العديد من مناجم الليثيوم، مما يجعل القارة السمراء فاعلا بارزا في سوق الليثيوم العالمي، كمان أن دول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي وزيمبابوي وغانا وناميبيا، تمتلك معا 4.9 مليون طن من احتياطيات الليثيوم، وهو ما يمثل 6٪ من إجمالي احتياطيات العالم، ومن أبرز القوى الأفريقية المنتجة لليثيوم:
زيمبابوي: تُعَد زيمبابوي صاحبة أكبر احتياطي من الليثيوم في إفريقيا، وخامس أكبر احتياطي عالمي، مما يجعلها فاعلًا رئيسيًا في معادلة الأمن الطاقوي الدولي. ففي عام 2018، كانت زيمبابوي – إلى جانب ناميبيا – ضمن قائمة أفضل عشر دول منتجة لليثيوم عالميًا، وسط توقعات بقدرتها على تغطية نحو 20% من الطلب العالمي خلال السنوات المقبلة، ويبرز في هذا السياق منجم Bikita الواقع في مقاطعة ماسجينجو، والذي يحتوي على ما يقارب 11 مليون طن متري من الخام، ومنجم Arcadia الذي يُقدَّر احتياطيه بحوالي 775,200 طن متري، ومن المتوقع أن يحقق هذان المنجمان إيرادات تصل إلى مليار دولار سنويًا، مع إنتاج يقدر بنحو 400 ألف طن سنويًا، إضافةً إلى خلق فرص عمل مؤقتة، وهو ما يعكس دورًا محوريًا في تحقيق القيمة المضافة الوطنية. كما تضم البلاد منجم Zulu باحتياطي يبلغ نحو 213,195 طن متري، ومنجم Kamativi الذي يحتوي على حوالي 154,600 طن متري وفقًا لتقديرات سبتمبر 2022، بجانب منجم Good Days، بما يجعل زيمبابوي لاعبًا أساسيًا في التنافس الجيوسياسي على الموارد الإستراتيجية.
جمهورية الكونغو الديمقراطية: تُعَد جمهورية الكونغو الديمقراطية إحدى أكثر الدول الإفريقية ثراءً بالموارد، إذ تشير التقديرات إلى أنها قد تمتلك أكبر احتياطي لليثيوم عالميًا، ويُعَد منجم Manono أبرز مراكزها التعدينية، باحتياطي يُقدَّر بنحو 6,640,000 طن متري وفقًا لتقديرات سبتمبر 2022، بجانب منجم Gatumba–Gitarama، غير أن هذه الثروة تُعرِّض البلاد لمعادلة لعنة الموارد، حيث يتقاطع التنافس الدولي مع أزمات الفساد والنزاعات الداخلية، مما يجعل من الكونغو مسرحًا لصراع بين قوى كبرى تسعى إلى فرض هيمنتها الاقتصادية والسياسية.
مالي: برزت مالي كأحد المراكز الواعدة لإنتاج الليثيوم في إفريقيا إلى جانب زيمبابوي والكونغو الديمقراطية، حيث تملك منجم Goulamina الذي يحتوي على حوالي 1,570,000 طن متري، ومنجم Bougouni الذي يضم نحو 236,500 طن متري. هذه الموارد تؤهل مالي للانخراط بقوة في التنافس الدولي على تأمين المعادن الإستراتيجية، وتمنحها فرصة لإعادة صياغة موقعها في الاقتصاد العالمي عبر استغلال الليثيوم لتعزيز السيادة الاقتصادية والتنمية المستدامة.
ناميبيا: رغم محدودية إنتاجها النسبي، فإن ناميبيا برزت كأحد الموردين الجدد لليثيوم في إفريقيا، حيث بلغ إنتاجها نحو 500 طن متري عام 2018 وفقًا لإحصاءات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، وتتركز أهم مناجمها في منجم Bitterwasser باحتياطي يقدر بـ 105,233 طن متري، ومنجم Karibib بحوالي 53,870 طن متري، إضافة إلى منجم Uis الذي يحتوي على 53,280 طن متري، بجانب منجم Brandberg، هذه الموارد جعلت ناميبيا محورًا مهمًا في إعادة تشكيل موازين النفوذ المعدني بالقارة، مع تدفق استثمارات دولية تسعى إلى تقليص الهيمنة الصينية على سلاسل التوريد العالمية.
نيجيريا: رغم أن إنتاج نيجيريا من الليثيوم ظل محدودًا (بلغ نحو 50 طنًا متريًا عام 2019، مع توقف في 2020 و2021)، فإنها تُعَد واحدة من الدول الإفريقية الغنية بهذا المورد. ويُبرز الوضع في نيجيريا التنافس الدولي، حيث تتسابق الشركات الأجنبية للحصول على حقول الليثيوم، وسط هيمنة صينية واضحة على هذا القطاع. وهذا يعكس أن نيجيريا تقف أمام معادلة حساسة بين تعزيز السيادة على مواردها الطبيعية من جهة، والانزلاق إلى اقتصاد ريعي تابع يخدم مصالح القوى الكبرى من جهة أخرى.[1]
الاهمية الإستراتيجية والاقتصادية لليثيوم
يُعَدّ الليثيوم اليوم أكثر من مجرد معدن يدخل في الصناعات التكنولوجية، إذ أن أهمية الليثيوم لا تكمن فقط في قيمته الاقتصادية المباشرة، بل في كونه موردًا استراتيجيًا يعيد تشكيل خرائط النفوذ ويحدد ملامح الصراعات والتحالفات في النظام الدولي، حيث تلتقي أبعاده الاقتصادية بالتجارية مع أبعاده الأمنية والسياسية، ليصبح أحد ركائز التوازنات الجيو–اقتصادية في القرن الحالي.
فالليثيوم أصبح موردًا اقتصاديًا واستراتيجيًا في آن واحد، يرتبط مباشرة بمستقبل الاقتصاد العالمي والنظام الدولي، إذ يمثل الليثيوم العمود الفقري لصناعة البطاريات القابلة لإعادة الشحن، والتي تُستخدم في السيارات الكهربائية وأجهزة التخزين الطاقوي، مما جعله عنصرًا أساسيًا في التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، كما أن الطلب العالمي المتزايد على هذا المعدن أسهم في ارتفاع قيمته السوقية، الأمر الذي يفتح أمام الدول المنتجة فرصًا لتعزيز معدلات النمو الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، والمشاركة بفاعلية في سلاسل القيمة العالمية.
أما من الناحية الاستراتيجية، فإن الليثيوم تحوّل إلى ورقة ضغط في التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى، فالدول الصناعية المتقدمة، مثل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، تتسابق لتأمين إمدادات مستقرة منه، باعتباره موردًا حيويًا لتحقيق الأمن الطاقوي وضمان الاستقلالية في مجال الطاقة النظيفة، هذا التنافس يمنح الدول المنتجة – وفي مقدمتها دول الجنوب العالمي – قوة تفاوضية مضاعفة، تُمكّنها من إعادة صياغة موقعها في النظام الدولي عبر توظيف مواردها كأداة من أدوات القوة الناعمة الاقتصادية، كما أن السيطرة على احتياطيات الليثيوم أو الحصول على عقود توريد طويلة الأمد بات يمثل شكلًا من أشكال القوة الصلبة (Hard Power) التي يمكن أن تُستخدم للتأثير في موازين القوى العالمية، على غرار ما لعبه النفط سابقًا.[2]
تنافس جيوسياسي وهيمنة صينية
يشهد الليثيوم الإفريقي اليوم سباقًا محمومًا بين القوى الكبرى، بعدما تحول هذا المعدن إلى مورد إستراتيجي لا غنى عنه في معادلة الطاقة العالمية. فالقارة الإفريقية لم تعد مجرد مخزون خام، بل أصبحت مسرحًا جيوسياسيًا تتقاطع فيه مصالح الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي على حد سواء، ذلك في إطار السباق العالمي للهيمنة على المعادن الإستراتيجية المرتبطة بالتحول الطاقي، وقد نجحت الصين على مدار العقدين الماضيين في ترسيخ حضورها داخل القارة عبر شبكة من الاستثمارات الضخمة التي جعلتها تسيطر على نحو 60% من عمليات التعدين والتكرير العالمية، لا سيما في معادن الليثيوم والكوبالت والنيكل والمنغنيز، ومن خلال شركاتها العملاقة، استطاعت بكين أن تتحول إلى الفاعل الأكثر نفوذاً في قطاع التعدين الأفريقي.
في المقابل، تسعى واشنطن إلى إعادة التوازن الإستراتيجي ومواجهة النفوذ الاقتصادي الصيني، وهو ما انعكس في تحركاتها منذ قمة واشنطن–أفريقيا (ديسمبر 2022)، التي شارك فيها ممثلون عن 49 دولة أفريقية. ومنذ ذلك الحين، سارعت الولايات المتحدة إلى توقيع مذكرات تفاهم مع كلٍّ من الكونغو الديمقراطية وزامبيا لتأسيس مصنع مشترك لمعالجة المعادن، بما يعزز سلسلة التوريد الأمريكية الخاصة بصناعة السيارات الكهربائية ويضمن قدراً من الأمن الإستراتيجي في الموارد.
لا يقتصر التنافس على بكين وواشنطن فقط، بل يشمل أيضاً قوى أخرى. فقد دخلت الشركات الأسترالية بقوة في السوق، مثل Fire Finch (Leo Lithium) في مالي، وTirana Resources في ناميبيا، وAVZ Minerals في الكونغو الديمقراطية، كما نشطت شركات هندية مثل Vinmart، وشركات كندية مثل Tantalex Resources، إضافةً إلى مشاريع واعدة مثل Atlantic Lithium التي تعمل على تطوير أول منجم لليثيوم في غانا، هذه التعددية تؤكد أن القارة باتت ساحة تدافع استثماري دولي يتجاوز البعدين الاقتصادي والطاقوي ليأخذ بُعداً إستراتيجياً صريحاً.
أمام هذا التنافس الدولي المحموم، لجأت العديد من الشركات الكبرى إلى عقد شراكات متبادلة لتقاسم النفوذ في مناجم الليثيوم الأفريقي، ومن أبرز الأمثلة الشراكة بين Ganfeng Lithium الصينية وPilbara Minerals الأسترالية في زيمبابوي، وكذلك التعاون بين Ganfeng وشركة Fire Finch لتطوير منجم Goulamina في مالي، مثل هذه الشراكات تمثل آلية لإدارة التوازنات الجيو-اقتصادية، حيث تجمع بين المنافسة والتعاون في آنٍ واحد، بما يضمن استمرار تدفق الموارد نحو اقتصادات تلك القوى.[3]
ختاما إنّ احتدام التنافس الجيوسياسي على الليثيوم الأفريقي يعكس بوضوح تحوّل القارة إلى مسرح إستراتيجي للصراع بين القوى الكبرى، وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة، فضلًا عن صعود أدوار فاعلين آخرين كأوروبا والهند وأستراليا. ففي الوقت الذي تعمل فيه بكين على ترسيخ هيمنتها الاقتصادية عبر الاستثمارات الواسعة والشركات متعددة الجنسيات التي تسيطر على سلاسل الإمداد، تسعى واشنطن إلى موازنة ميزان القوى من خلال اتفاقيات شراكة وتعاون مع الدول الغنية بالموارد، وبين هذين القطبين، تتحرك قوى دولية أخرى لانتزاع موطئ قدم في سوق الليثيوم الواعد، ويُبرز هذا المشهد أنّ الليثيوم لم يعد مجرد مورد اقتصادي، بل أصبح أداة لإعادة تشكيل موازين القوة العالمية، حيث يتجاوز بعده الاقتصادي إلى أبعاد سياسية وأمنية ترتبط بمستقبل التحوّل الطاقوي وصناعة السيارات الكهربائية، وبذلك، فإنّ إفريقيا لم تعد مجرد مصدر خام، وإنما تتحول تدريجيًا إلى فاعل استراتيجي محوري في معادلة النفوذ الدولي المرتبطة بسباق السيطرة على المعادن الحيوية.
المصادر:
[1] International Crisis Group. In the Democratic Republic of Congo, Minerals, Conflict and Governance. Brussels: ICG, 2022 . https://www.crisisgroup.org/africa/central-africa/democratic-republic-congo/minerals-conflict-and-governance-dr.
Bloomberg. “Zimbabwe Bans Export of Raw Lithium to Boost Domestic Industry.” Bloomberg, December 2023. https://www.bloomberg.com/news/articles/2023-12-14/zimbabwe-bans-export-of-raw-lithium-to-boost-domestic-industry.
أحمد عسكر، “أبعاد التنافس الدولي على الليثيوم في إفريقيا”، الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين ، 3 أبريل 2023، https://apa-inter.com/post.php?id=5954 .
[2] “الليثيوم طريق الاستدامة.. ‘إكسير’ الشباب للقارة العجوز (تحليل),” العين الإخبارية, 18 أبريل 2023، https://al-ain.com/article/lithium-future-sustainable-european-transportation.
الاستثمار في الليثيوم: المعدن الأساسي لمستقبل أخضر, Securities.io, 6 يونيو 2025، https://www.securities.io/ar/ .
[3] أحمد عسكر، مرجع سبق ذكره
“حرب باردة في الساحل الأفريقي للظفر بمعدن الليثيوم: الصين وروسيا تنافسان.” اندبندنت عربية، 25 أغسطس 2025. https://www.independentarabia.com/node/63051 ز