المقالات
تفعيل آلية “سناب باك” ضد إيران: قراءة في دلالات التوقيت وخيارات الرد
- أغسطس 30, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
في خطوة شديدة الحساسية بالنسبة لمستقبل البرنامج النووي الإيراني، قررت دول الترويكا الأوروبية؛ فرنسا وبريطانيا وألمانيا، يوم الخميس 28 أغسطس 2025، إعادة تفعيل آلية فرض العقوبات “سناب باك” ضد إيران، متهمة إياها بعدم الالتزام ببنود الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وهو الأمر الذي يثير كثير من التساؤلات حول دلالات توقيت هذا القرار، وخيارات الرد الإيراني المرتقبة:
أولًا- حيثيات القرار الأوروبي:
أرسلت الدول الأوروبية الثلاث، رسالة إلى مجلس الأمن الدولي أبلغته خلالها بأنها قررت تفعيل آلية “سناب باك” ضد إيران، استنادًا منها على أدلة عملية تثبت أن طهران لا تحترم التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، وفيما يلي أبرز ما جاء في نص الرسالة[1]:
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو 2018، توقفت إيران عن تنفيذ التزاماتها المنبثقة عنه تابعًا، كما أنها لم تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بممارسة صلاحياتها في التحقق والمراقبة، فضلًا عن أن طهران توقفت أيضًا عن تطبيق البروتوكول الإضافي للاتفاق، وهو ما يُعد خرقًا واضحًا لالتزاماتها.
بذلت دول الترويكا الثلاث، وعلى مدار5 سنوات، جميع الجهود الممكنة للتوصل إلى تقدم في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، ولكن عدم التزام طهران بالاتفاق كان واضحًا ومتعمدًا.
لا يزال البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديدًا واضحًا للسلم والأمن الدوليين، فلا يوجد أي مبرر مدني للمخزون الإيراني من اليورانيوم عالي التخصيب.
وبناءًا على ما تقدم؛ فإن فرنسا وألمانيا وبريطانيا أبلغت مجلس الأمن الدولي برؤيتها أن إيران لم تفي بالتزاماتها الجوهرية في إطار الاتفاق النووي، وقررت تفعيل آلية “سناب باك”.
يطلق هذا الإخطار، العملية المنصوص عليها في القرار رقم 2231، ويمنح إيران فترة 30 يومًا قبل إعادة تفعيل القرارات السابقة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي.
تعرض الترويكا الأوروبية على إيران، تأجيل تفعيل آلية “سناب باك” لمدة تصل إلى ستة أشهر، وذلك لإتاحة الوقت لعقد مفاوضات جادة تصل في النهاية إلى اتفاق نووي، ولكن ذلك شريطةً أن تسمح طهران بعمليات التفتيش الكاملة من قبل الأمم المتحدة، وتوافق على الانخراط في محادثات مع الولايات المتحدة.
وجدير بالذكر أن؛ آلية “سناب باك” أو آلية “الزناد” هي إجراء يسمح بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران دون الحاجة إلى تصويت في مجلس الأمن، إذا اعتُبرت طهران في حالة عدم امتثال “جوهري” للاتفاق النووي.
ويُذكر أيضًا أن؛ انطلاقًا من القرار الأوروبي، فإنه يتعين الآن أن يصوت مجلس الأمن في غضون30 يومًا على قرار لمواصلة رفع العقوبات عن إيران، ويتطلب ذلك موافقة تسعة أعضاء من الأعضاء الـ15 لمجلس الأمن، إلى جانب عدم استخدام أي من الدول دائمة العضوية حق النقض “الفيتو”.[2]
أما في حالة عدم اعتماد قرار تمديد رفع العقوبات عن طهران، سوف يُعاد فرض 6 مجموعات من العقوبات الأممية على طهران بدءًا من يوم 30 سبتمبر 2025، وهذه العقوبات هي[3]:
القرار رقم1696 الصادر في عام 2006، والذي ينص على وقف إيران لجميع أنشطة تخصيب اليورانيوم، ووضعها تحت الفصل السابع؛ مما يعني إلزامية تنفيذها.
القرار رقم1737 للعام 2006، والذي ينص على منع نقل التكنولوجيا العسكرية إلى إيران، وتجميد أصول الكيانات الضالعة في البرنامج النووي.
القرار رقم1747 للعام 2007؛ والذي ينص على حرمان طهران من استيراد أو تصدير السلاح.
القرار رقم1803 ؛ والذي ينص على فرض رقابة مشددة على المؤسسات المالية الإيرانية.
القرار رقم1835 للعام 2008، والذي يمنع طهران من تطوير الأسلحة الباليستية.
القرار رقم 1929 للعام 2010، والذي نص على منع تصدير السلاح إلى إيران، وتشديد الرقابة المالية، وتوسيع لائحة الأشخاص والكيانات المفروضة عليها العقوبات.
ثانيًا: أبرز ردود الفعل الأولية على القرار الأوروبي:
أ. إيران؛ أثار القرار الأوروبي غضب المسؤوليين الإيرانيين، الذين تعهدوا بالرد على الخطوة الأوروبية، وقد جاءت ردود الفعل الإيرانية على النحو التالي[4]:
وزارة الخارجية؛ عدت أن ما قامت به الترويكا الأوروبية باطلًا وليس له أثر قانوني، مشيرة إلى أن القرار الأوروبي من شأنه أن يقوض التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، واصفة الإجراء بأنه تصعيد “استفزازي وغير ضروري”.
وزير الخارجية عباس عراقجي؛ أكد أن إيران سترد بشكل “مناسب” على هذا الإجراء “غير القانوني وغير المبرر” الذي اتخذته الدول الأوروبية الثلاث، وذلك استنادًا على شرعية دفاع طهران عن حقوقها ومصالحها الوطنية، مطالبًا الجانب الأوروبي بتصحيح هذا القرار “الخاطيء”.
المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي؛ أكد أن الدول الأوروبية الثلاث، قانونيًا وحقوقيًا، لا يمتلكون حق تفعيل آلية “سناب باك”، محملًا إياهم تبعات هذه الخطوة.
ب. وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو؛ رحب بالإجراء الأوروبي، مشيرًا إلى أن واشنطن ستعمل مع دول الترويكا وبقية أعضاء مجلس الأمن الدولي، على إتمام إعادة فرض العقوبات والقيود الدولية على إيران بنجاح.
ولكنه في الوقت نفسه أبقى على خيار التفاوض قائمًا؛ مؤكدًا أن الولايات المتحدة تظل منفتحة على الانخراط المباشر مع إيران، دعمًا لحل سلمي ودائم للقضية النووية الإيرانية، معتبرًا أن تفعيل آلية “سناب باك” لا يتعارض مع الاستعداد للدبلوماسية، بل يعززها.[5]
ج. نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة ديميتري بوليانسكي؛ أكد أن القرار الذي اتخذته الدول الأوروبية ليس له أي أساس قانوني، مشددًا على أنه لا ينبغي لمجلس الأمن أن يتخذ أي إجراء بشأن تلك الخطوة.
د. سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون؛ أشاد بالقرار الأوروبي، مؤكدًا أن هذه الخطوة مهمة من أجل وقف البرنامج النووي الإيراني، وزيادة الضغط على النظام في طهران.
هـ. المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك؛ دعا إيران والقوى الأوروبية إلى انتهاز فرصة الـ30 يومًا، للتوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي، وذلك تجنبًا لمزيد من التصعيد.[6]
و. مجلس الأمن الدولي؛ قرر عقد اجتماع طارئ مغلق اليوم الجمعة 29 أغسطس 2025، لبحث إعادة فرض العقوبات على إيران، وذلك بطلب من الثلاثي الأوروبي.
ثالثًا: السياق ودلالات التوقيت:
لا شك أن توقيت إقدام الدول الأوروبية على تنفيذ تهديدها المتكرر منذ سنوات عديدة وهو تفعيل آلية “سناب باك”، وكذلك السياق الراهن المتعلق بأوضاع إيران سواء كانت الداخلية أو الخارجية، يحمل في طياته الكثير من الدلالات والمؤشرات التي يمكن قراءة هذا القرار في إطارها؛ ومن أهمها:
الغضب الأوروبي من فشل مفاوضات جنيف مع إيران؛ يأتي التحرك الأوروبي في أعقاب مفاوضات الفرصة الأخيرة التي استضافتها جنيف بين إيران والدول الأوروبية يوم 26 أغسطس الجاري، والتي لم تجدي نفعًا في مسار الأزمة النووية الإيرانية.
فقد رأت الدول الأوروبية أن طهران لم تقدر محاولتها لحل الأزمة، وأكبر دليل على ذلك؛ هو أن الطرفان قررا تخفيض مستوى التمثيل في المحادثات إلى مستوى نواب وزراء الخارجية، فضلًا عن إتباع إيران لأسلوب من المماطلة وشراء الوقت خلال الاجتماع، وتمثل ذلك في طرحها لملفات خارج نطاق البرنامج النووي خلال المحادثات، مثل ملف سلاح حزب الله اللبناني.[7]
ومن هنا؛ قررت الدول الأوروبية أن تتعجل بتفعيل آلية فرض العقوبات، رغبةً في الضغط على طهران، ودفعها إلى إبداء سلوك جاد في التفاوض خلال مهلة الـ30 يوم الحاسمة التي باتت تسابقها إيران حاليًا.
وبالتالي؛ القرار الأوروبي جاء لدفع المفاوضات وليس إنهاء فرص الحل التفاوضي تمامًا، وهذا ما أكد عليه الجانب الأوروبي صراحةً؛ حيث[8]:
جاء في رسالة الدول الثلاث إلى مجلس الأمن، أنهم سوف يسعون لاستغلال مهلة الـ30 يومًا من أجل حل القضايا العالقة مع إيران.
صرحت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس، بأنها ستبذل قصارى جهدها بمزيد من الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل تفاوضي للقضية النووية الإيرانية، مطالبة كافة الأطراف المعنية ببذل الجهود اللازمة على وجه السرعة في هذا الصدد.
من جانبه؛ أكد وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، أن عملية تفعيل “سناب باك” قد تمثل بداية مرحلة جديدة في المفاوضات مع إيران، داعيًا إياها إلى التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والانخراط في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة.
وفي السياق ذاته، صرح وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، أن القرار لا يعني انتهاء الدبلوماسية، بل أن الدول الأوروبية مصممة على الاستفادة من فترة الثلاثين يومًا للحوار مع إيران.
الرغبة في زيادة الضغط الاقتصادي على إيران لإجبارها على تقديم التنازلات؛ التهديد بعودة العقوبات الأممية على إيران، والتي تواجه وطأة العقوبات الأمريكية منذ عام 2018، يضع مزيد من الضغوط على النظام الإيراني، سواء داخليًا أو خارجيًا.
فعلى المستوى الداخلي؛ فإن الوضع الاقتصادي في حال عودة العقوبات الأممية على طهران، سيكون على شفا الانهيار؛ خاصةً وأن إيران لا تزال تعاني من عبء حرب الـ12 يومًا مع إسرائيل، إلى جانب عبء العقوبات الأمريكية، وأكبر دليل على ذلك؛ أن أول المؤشرات الاقتصادية الناتجة عن الحديث حول اقتراب عودة العقوبات هو اقترب الريال الإيراني من أدنى مستوياته على الإطلاق؛ حيث بلغت قيمة الدولار الأمريكي الواحد ما يزيد على مليون ريال إيراني يوم الخميس 28 أغسطس 2025.[9]
أما على المستوى الخارجي؛ فإن عودة العقوبات الأممية على إيران، تعني إبقاء إيران ضعيفة استراتيجيًا، وغير قادرة على إعادة بناء برنامجها النووي الذي تضرر من الضربات الأمريكية والإسرائيلية في يونيو الماضي، كما سيقوض قدرة طهران على تقديم أي دعم مادي أو عسكري أو لوجيستي للأذرعها في المنطقة.
ولا شك أن كل ذلك سوف يزيد من أعباء المعيشة على الشعب الإيراني، وهو ما يعني زيادة السخط والغضب من النظام الإيراني، وبالتالي؛ احتدام أزمة البلاد السياسية الداخلية، والتهديد بإسقاط شرعيته. ومن هنا؛ ستضطر إيران إلى الاستجابة للضغوط الأوروبية، واستغلال فترة الـ30 يومًا، تجنبًا لهذا السيناريو الكارثي.
إلهاء إيران بملف برنامجها النووي عن حملة الضغوط الأمريكية- الإسرائيلية على محور المقاومة الإيراني؛ لا شك أن توقيت القرار الأوروبي يرتبط بالسياق المحتدم الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، والمتعلق بشكل كبير بحملة الضغط الأقصى التي تواجهها أذرع طهران في المنطقة، مثل تحركات لبنان لنزع سلاح حزب الله، وعودة الضربات الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة وجماعة الحوثي اليمنية وأماكن النفوذ الإيراني في سوريا.
ومن ثم؛ يبدو أن هذا التزامن ليس من قبيل الصدفة، وأن التوجه الغربي هو إلهاء طهران بتفاعلات الملف النووي، ومنعها من أي محاولة لتقديم أي شكل من أشكال الدعم لمحور المقاومة الذي يعاني حاليًا.
تعميق حالة الانقسام السياسي التي تشهدها إيران حول برنامجها النووي؛ هناك حالة من التشتت والتباين في الآراء بين اتجاهين إيرانيين؛ الميل نحو الدبلوماسية من جانب المعتدلين، والميل نحو التصعيد وهو ما ينادي به التيار المحافظ.
وفي أحدث مثال على هذا الخلاف؛ تشهد إيران هذه الأيام جدلًا سياسيًا كبيرًا على خلفية القرار الإيراني بعودة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوم 27 أغسطس الجاري، لاستئناف عمليات التفتيش والإشراف على الأنشطة النووية الإيرانية، وهو ما اعتبره المتشددون مخالفة من قبل الحكومة الإيرانية للقرار الذي أصدره مجلس الشورى الإسلامي الإيراني بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، والذي يلزم الحكومة الإيرانية الحصول على موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قبل تنفيذ أي طلبات للوكالة.[10]
ومما لا شك فيه أن هذا الوضع ذاته سوف ينصرف على أزمة التعامل مع القرار الأوروبي؛ فبينما يطالب المتشددون بالرد على الخطوة الأوروبية باتخاذ خطوات تصعيدية، يميل المعتدلون إلى تفضيل الدبلوماسية واستغلال مهلة الـ30 يومًا؛ لتجنب عودة العقوبات.
وضع إيران تحت تهديد الجولة الثانية من الحرب مع إسرائيل؛ تفعيل آلية “سناب باك” بتهمة عدم امتثال طهران لبنود الاتفاق النووي، قد يوفر لإسرائيل ذريعة للتصعيد ضد إيران ومنشآتها النووية، كما حدث في يونيو الماضي، عندما تحججت تل أبيب بانتهاء مهلة الشهرين التي منحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إيران، لضرب المنشآت النووية الإيرانية.
وهذا السيناريو يضع مزيد من الضغوط على النظام الإيراني، ويجعلها في حالة ترقب مستمرة لأي هجوم إسرائيلي، ولا شك أن هذا التخوف سيكون ضمن محددات الرد الإيراني المرتقب على القرار الأوروبي.
التهديد بورقة العقوبات الأممية ومجلس الأمن قبل فترة رئاسة روسيا له؛ تنتهي مدة الاتفاق النووي رسميًا في 18 أكتوبر 2025، وفي حال لم يتم التوصل لاتفاق قبل هذا الموعد، كان سيتم عودة العقوبات الأممية بشكل تلقائي دون أي عودة لمجلس الأمن.
ولكن رغم اقتراب موعد العودة الرسمية للعقوبات على طهران، قررت الدول الأوروبية التعجيل بالأمر قبل بداية شهر أكتوبر المقبل؛ رغبةً في اتخاذ هذه الخطوة قبل تولي روسيا رئاسة مجلس الأمن رسميًا، وزيادة تأثيرها في قرار المجلس خلال فترة رئاستها، وأكبر دليل على ذلك؛ أن مهلة الـ30 يوم الممنوحة لإيران تنتهي في 30 سبتمبر المقبل، أي قبل بدأ فترة رئاسة موسكو للمجلس بيوم واحد فقط.
رابعًا: خيارات الرد الإيراني:
يُعتبر التساؤل الرئيسي الآن بعد أن قررت دول الترويكا الأوروبية تفعيل آلية فرض العقوبات “سناب باك”، هو كيفية التعاطي الإيراني مع هذا القرار، والذي لاقى سخطًا وغضبًا كبيرًا من قبل طهران، وهنا تشير الآراء إلى وجود سناريوهين لهذا الرد؛ وهما:
أ. السيناريو التصعيدي؛ حيث تميل إلى رأي التيار التشددي، من خلال اتخاذ خطوات تصعيدية في ملف برنامجها النووي، ومنها:
تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ من خلال طرد مفتشي الوكالة ومنعهم من أداء مهامهم المتمثلة في الرقابة والإشراف على المنشآت النووية الإيرانية، أو تعليق العمل مع الوكالة تمامًا.
الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي؛ وهذا ما تهدد به طهران حاليًا، حيث أعلن النائب الإيراني حسين علي حاجي، أنه تم البدء في صياغة مشروع قانون عاجل يقضي بانسحاب إيران الكامل من معاهدة حظر الانتشار النووي، موضحًا أن المشروع سيُرفع اليوم الجمعة على النظام الداخلي للبرلمان، ليخضع في الجلسات العلنية الأسبوع المقبل للمسار القانوني الخاص بالمناقشة والتصويت.[11]
تغيير العقيدة النووية؛ من خلال إعادة النظر في فتوى المرشد علي خامنئي بتحريم امتلاك سلاح نووي، إلى جانب تسريع عملية تخصيب اليورانيوم، مما يؤهل طهران بامتلاك سلاحًا نوويًا في أسرع وقت ممكن.
ولكن؛ يبدو أن هذا السيناريو هو الأقل ترجيحًا في الوقت الراهن؛ نظرًا لعدة أسباب، منها[12]:
حتى مع امتلاك طهران مخزون تراكمي من اليورانيوم المخصب، فإن امتلاكها سلاحًا نوويًا يحتاج إلى ما يقرب من عام أو أكثر، خاصةً بعد الضربات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة، والتي عطلت البرنامج النووي الإيراني كثيرًا.
تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يُعد أمر بالغ الخطورة، إذ قد يضع إيران تحت الفصل السابع باعتبارها تهدد الأمن والسلم الدوليين.
انسحاب طهران من معاهدة حظر الانتشار النووي، سوف يضعها في مواجهة مع الجماعة الدولية بأسرها، لأنه سيكون مؤشر على نية طهران للتحول إلى دولة نووية، وهو ما لن تقبله دول الإقليم كافة، وكذلك الدول الكبرى، بما فيهم حلفاءها الاستراتيجيين؛ الصين وروسيا.
تسريع طهران لخطواتها النووية، لاستخدامها كورقة ضغط، يزيد احتمالات المواجهة العسكرية المباشرة، سواء مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، وهو أمر بالتأكيد ترغب طهران في تجنبه.
ب. السيناريو الدبلوماسي؛ حيث تميل إيران إلى رأي التيار المعتدل، وتحاول كسب الوقت وتجنب عودة العقوبات الأممية عليها، وذلك من خلال قبول مشروع القرار الذي تعده كلًا من روسيا والصين لتقديمه إلى مجلس الأمن، والذي ينص على تمديد الاتفاق النووي لمدة ستة أشهر إضافية، مع حث حميع الأطراف لاستئناف المفاوضات فورًا.
ويبدو أن هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا، والأفضل بالنسبة لإيران في الوقت الحالي؛ نظرًا لعدة أسباب، منها[13]:
المقترح الروسي الصيني يمنح طهران فرصة زمنية أكبر للتفاوض، وبالتالي يحررها من عبء التسابق مع الزمن، خاصةً مع اقتراب انتهاء مدة الاتفاق النووي، وذلك يوم 18 أكتوبر 2025.
طهران مهما أبدت من تصعيد كلامي، تدرك جيدًا أن الوقت والظروف الحالية ليس في صالحها، وأن مستقبل ليس فقط برنامجها النووي، بل أيضًا مستقبل نظامها بأكمله أصبح على المحك، وذلك لأن عودة العقوبات الأممية عليها تعني انهيار اقتصادها ومؤسساتها الحاكمة.
خيارات إيران في الوقت الحالي محدودة للغاية، وجميع خيارات التصعيد باهظة الزمن، وذلك في وقت تواجه فيه طهران ضغوطًا شديدة على المستويات كافة، سواء داخليًا أو خارجيًا.
وإجمالًا؛ تواجه إيران مأزق حقيقي في الوقت الراهن، يهدد أهم ما تمتلكه؛ برنامجها النووي ونظامها السياسي، وما يزيد الأمر تعقيدًا؛ أن المشهد مفتوح على كل الخيارات، ويهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط. وأيًا ما ستؤول إليه الأوضاع خلال الأيام القليلة المقبلة، هناك حقيقة واحدة مؤكدة؛ ألا وهي أن إيران الآن تدفع ثمن الفرصة الذهبية التي أُتيحت أمامها لإحياء الاتفاق النووي في عهد إدارة الديمقراطي جو بايدن، الآن تدرك طهران جيدًا أن سياسة الصبر الاستراتيجي والتسويف والمماطلة لا تكون مجدية طوال الوقت، وأنه كان عليها الاستفادة من الفرص الاستراتيجية التي برزت طوال السنوات الأربعة لإدارة واشنطن السابقة.
المصادر:
[1] الترويكا الأوروبية تعيد تفعيل العقوبات على إيران عبر آلية ‘سناب باك’، موقع ميدل إيست أونلاين، 28/8/2025، متاح على الرابط: https://www.middle-east-online.com/%D8%A7%D9%84%D8
[2] ما هي العقوبات التي سيُعاد فرضُها على إيران بعد تفعيل «سناب باك»؟، صحيفة الشرق الأوسط، 28/8/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%
[3] مع إعلان أوروبا تفعيل “آلية الزناد”.. ما هي العقوبات الأممية التي ستعود على إيران؟، إيران إنترناشونال، 28/8/2025، متاح على الرابط: https://www.iranintl.com/ar/202508286582
[4] طهران تتوعد بردّ «مناسب» على تفعيل «سناب باك»، صحيفة الشرق الأوسط، 28/8/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82
[5] أميركا وإسرائيل ترحبان بتفعيل «الترويكا» الأوروبية آلية «سناب باك»، الشرق الأوسط، 28/8/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%
[6] الأمم المتحدة تدعو إيران والقوى الأوروبية إلى «الاتفاق» قبل «العقوبات»، صحيفة الشرق الأوسط، 28/8/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82
[7] بعد الضغط بـ”الزناد”.. إيران ودول “الترويكا” إلى أين؟، موقع إرم نيوز، 28/8/2025، متاح على الرابط: https://www.eremnews.com/news/world/mee0s6x
[8] «الترويكا» الأوروبية تفعّل آلية فرض العقوبات الدولية على إيران، صحيفة الشرق الأوسط، 28/8/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%
[9] الريال الإيراني بأدنى مستوياته على وقع التهديدات الأوروبية بتفعيل “آلية الزناد”، موقع أسوشيتد برس، الجزيرة القطرية، 28/8/2025، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/ebusiness/2025/8/28/iran-rial-un-sanctions
[10] هدى رؤوف، الأوروبيون يفعلون “سناب باك”: هل من فرصة أمام إيران لتجنب إرث العقوبات؟، اندبندنت عربية، 29/8/2025، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/630826/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%
[11] البرلمان الإيراني يناقش الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي، العربية.نت، 29/8/2025، متاح على الرابط: https://www.alarabiya.net/iran/2025/08/29/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1
[12] الأمن الدولي ـ “الترويكا” الأوروبية، هل تعود إيران إلى طاولة المفاوضات؟، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 22/8/2025، متاح على الرابط: https://www.europarabct.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8
[13] بعد الضغط بـ”الزناد”.. إيران ودول “الترويكا” إلى أين؟، موقع إرم نيوز، 28/8/2025، مرجع سابق.