في إشارةٍ لافتةٍ إلى مدى التغيُّر الذي باتت تُحْدِثُه أفريقيا على العديدِ من المستويات؛ أَمَلًا في التغيير والتطوُّر والتقدُّم نحْو الأفضل، استضافت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا القِمَّة المناخية الثانية، والتي سبقتها قمة نيروبي الأولى في هذا الشأن؛ للوقوف على آخر تأثيرات المناخ، والتي تُعَدُّ الدولُ الصناعيةُ الفاعلَ الأكبرَ فيها، ومع ذلك تعاني أفريقيا تَبِعَاتها؛ حيث الفيضانات المتكررة وحالات الجفاف والتصحُّر، ومن ثَمَّ اتساع رُقْعة الفقر والتدهور البيئي، ومن هنا؛ جاءت الإرادة الأفريقية مجتمعة؛ لوضع حدٍّ لهذه المُعْضِلَة التي يتسع مَدَاها وتزدادُ من سيِّءٍ لأسوأ يومٍ تِلْو الآخر.
مؤتمر المناخ الأفريقي الثاني (ACS2)
هو عبارةٌ عن منصَّة لتوحيد الجهود الأفريقية وتعزيز العمل المناخي المشترك بقيادة أفريقية خالصة، وتشجيع قادة المناخ على توفير الالتزامات المالية وتحفيز أنظمة التمويل العالمية، وعُقِدَ في أديس أبابا في الفترة من 8- 10 سبتمبر 2025 بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي، بحضور العديد من القادة الأفارقة والعالميِّين؛ لمناقشة أُطُر التعاون المشترك لتسريع الحلول المناخية، وتمويل التنمية الخضراء والمَرِنَة في القارة السمراء، وسعت هذه القمة إلى تمكين المجتمعات، لا سيما الشباب والسكان الأصليِّين، وتعزيز الشراكات العادلة والتعاون متعدد الأطراف، وكذا هدفت إلى جعل أفريقيا رائدة في مجابهة تداعيات المناخ ليس فقط على مستوى القارة، بل جعلها مركزًا عالميًّا في حلول المناخ العالمية، وتحويل الالتزامات المناخية الطموحة إلى نتائج ملموسة وقابلة للتطوير، بما يواكب أجندتيْ “التنمية المستدامة والاتحاد الأفريقي”.[1]
أهميتها
تعكس هذه القمة إدراك القارة الأفريقية المتزايد لأهمية المعرفة التقليدية وحوْكمتها كأحد الموارد الأساسية التي يمكن توظيفها بفعالية إلى جانب التكنولوجيا الحديثة لمواجهة التحديات المناخية المُعقَّدة التي تواجهها القارة، وتأتي هذه القمة كتعبيرٍ عن الرُّؤْية الاستراتيجية لأفريقيا، التي تدرك أن التكامل بين الحكمة المحلية والتقنيات المبتكرة يُمثِّلُ مِفْتَاحًا لتحقيق التنمية المُسْتَدَامة والحفاظ على البيئة في آنٍ واحدٍ، كما أكَّدت على الدور الحيوي للطاقة اللامركزية، خاصَّةً في المناطق الريفية التي تعاني من نقْصٍ في البِنْية التحتِيَّة الكهربائية؛ حيث تُوفِّرُ هذه الحلولُ طاقةً نظيفةً ومُسْتَدَامةً، تساهم بشكلٍ مباشرٍ في تحسين الصحة العامَّة وتوفير فُرَص عملٍ جديدةٍ؛ مما يُعزِّزُ من جوْدة الحياة ويُحفِّزُ النموّ الاقتصادي المحلي.
ويكْمُنُ نجاحُ هذه القِمَّة بشكلٍ رئيسيٍّ في تحقيق وحْدة الموقف الأفريقي، واستعداد الدول الأعضاء لتوحيد جهودها ومواقفها نحْو انتزاع التزامات عادلة وصادقة من الدول الصناعية الكبرى، التي تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية في التغيُّر المناخي، ويعتمد ذلك على إرادة جماعية قوية، تتمكن من فرْض صوْت القارة على السَّاحة الدولية؛ بحيث تتحوَّل أفريقيا من مجرد ضحية لمخاطر التغيُّر المناخي إلى لاعبٍ رئيسيٍّ وفاعلٍ مؤثرٍ في صياغة السياسات العالمية للعمل المناخي، وبالتالي؛ فإن النجاح في هذا المسعى لن يؤدي إلى حماية البيئة الأفريقية فحسب، بل سيُمكِّنُ القارَّة من قيادة العمل المناخي على مستوى العالم؛ مستفيدةً من ثرواتها المعرفية والتكنولوجية المتنوِّعَة، وبناء مستقبل أكثر استدامةً لشعوبها.[2]
أبرز ما تناولته
اشتملت أجندة القمة المناخية على بعض القضايا والتحديات المتعلقة بالمناخ، وتسريع الحلول العالمية والقائمة على الطبيعة والتكنولوجيا، ومواجهة الآثار السلبية الناجمة عن التغيُّرات المناخية، والتحوُّل من الاعتماد على المساعدات إلى الاستثمار في الإبداع والابتكار، إضافةً إلى تعزيز قدرة القارة الأفريقية على الصمود وامتصاص الصدمات، وتشجيع التحوُّل الأخضر، وذلك على مدار ٣ أيام:
اليوم الأول:تقديم حلول طبيعية وتقنية لدعم النمو الأخضر والبنية التحتية المقاومة للكوارث.
اليوم الثاني: التشاور حول فرْضية التأَقْلُم والمُرُونة مع آثار المناخ والمخاطر، مع التركيز على الاستجابات القابلة للتطوير.
اليوم الثالث:التأكيد على أهمية التمويل المناخي – بصفةٍ خاصَّةٍ – وضْع حلول أفريقية خالصة يقودها الأفارقة، وتحويل نَمَط التمويل من المساعدات إلى الاستثمار.
المُخْرَجات
1- توحيد الصَّفِّ الأفريقي في العمل المناخي العالمي، خاصَّةً في الاستعداد لمؤتمر الأطراف COP30.
2- التأكيد على دعْم الحلول القائمة على الطبيعة والتكنولوجيا لدفْع التكيُّف والتنمية وتعزيز المرونة في مواجهة تغير المناخ.
3- تبنِّي إعلان أديس أبابا للمناخ، الذي يركز على التمويل المناخي وحلول تنموية تقودها القارة الأفريقية.
4- بناء وضمّ شراكات جديدة، وتقديم عروض ابتكارات من البيئة الأفريقية.
5- الدعوة إلى عدالة مناخية تضمن توزيعًا مُنْصِفًا للموارد الخاصَّة بمواجهة تغيُّر المناخ، مع مراعاة حقوق الشعوب والفئات المتضررة.
6- تسليط الضوء على المخاطر المناخية في أفريقيا والاستجابات القابلة للتوسُّع للتصدِّي لها.
7- تمكين الشباب والمجتمعات الأصلية لإشراكهم في العمل المناخي على كافَّة المستويات.[3]
قمة نيروبي الأولى
في سبتمبر 2023، انطلقت أعمال قمة المناخ الأولى بالعاصمة الكينية نيروبي، تبنَّى خلالها القادة إعلان نيروبي المشترك الهادف إلى تسليط الضوء على الإمكانات التي تمتلكها القارة كقوة صديقة للبيئة، تتضرَّرُ من تَبِعَات التغيُّرات المناخية أكثر من كوْنها مُسَبِّبَةً للتلوُّث البيئي، واقترحت دول القارة في البيان تدشين هيكل تمويلي جديد يتكيَّفُ مع احتياجات أفريقيا؛ بما في ذلك إعادة الهيكلة وتخفيف عِبْء الديون التي تُلْقِي بثقلها على اقتصاداتها، وفي بيانها الختامي، طالبت الدول الأفريقية المجتمع الدولي بالمساهمة في زيادة قدرة إنتاج الطاقات المتجددة في أفريقيا من 56 غيغاوات في عام 2022 إلى ما لا يقلُّ عن 300 غيغاوات بحلول 2030؛ لمكافحة الافتقار إلى الطاقة وتعزيز الإمدادات العالمية من الطاقة النظيفة والمربحة، كما دعت الدول الأفريقية قادة دول العالم إلى تأييد طرْح فرْض نظام ضريبةٍ على الكربون الذي يشمل ضريبة الكربون على تجارة الوقود الأحفوري والنقل البحري والطيران، والتي يمكن زيادتها أيضًا، من خلال فرْض ضريبةٍ عالميةٍ على المعاملات المالية.[4]
ختامًا:
تُجسِّدُ هذه القمةُ ومثيلاتُها مدى الإرادة الأفريقية المشتركة في مواجهة التحديات البيئية والمناخية التي باتت تُهدِّدُ مستقبل القارة، وتؤكد رغبة دولها في التعاون والتضامن؛ لإيجاد حلولٍ مُسْتَدَامة تُعزِّزُ التنمية وتحافظ على البيئة في آنٍ واحدٍ، كما يعكس الوعْي المتزايد بضرورة التحرُّك الفوري والجماعي؛ لكبْح تأثيرات تغيُّر المناخ التي تتحمل أفريقيا تَبِعَاتها، على الرَّغْم من النِّسَب الضئيلة التي تساهم بها في التلوُّث البيئي، ومن ثَمَّ، تُشكِّلُ هذه القِمَم مُلْتَقى لتبادُل الخبرات، وتنسيق الجهود، وضمان تمكين القارة من لعب دوْرٍ فاعلٍ في صياغة السياسات المناخية العالمية؛ بما يحقق العدالة المناخية ويحمي شعوبها ومواردها الطبيعية.
[2] قمة المناخ الثانية بإثيوبيا: إفريقيا تطالب بصفقة عادلة لتمويل الانتقال من الوقود الأحفوري، المستقبل الأخضر، أغسطس 2025، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/s4eoh8
[4] أول قمة أفريقية حول المناخ تدعو في “إعلان نيروبي” إلى تخفيف عبء الديون عن دول القارة، فرانس 24، 6 سبتمبر 2023، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/stbf4
