المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > أوراق بحثية > سياسات الترحيل الأمريكية إلى أفريقيا: بين تحدِّيات الرَّفْض وفُرَص القَبُول المشروط
سياسات الترحيل الأمريكية إلى أفريقيا: بين تحدِّيات الرَّفْض وفُرَص القَبُول المشروط
- سبتمبر 12, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: أوراق بحثية تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: شيماء ماهر
باحث بوحدة الشؤون الأفريقية
منذُ تولِّي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الفترةَ الرئاسيةَ الثانيةَ، في يناير 2025م، تبنَّت الإدارة الأمريكية الجديدة نهْجًا أكثر صرامةً تِجَاه المهاجرين غير الشرعيين، ودفعت بقوة نحْو ترحيل أعداد كبيرة منهم إلى بلدانهم الأصلية، بما في ذلك الدول الأفريقية، وقد اتسمت هذه السياسات بخطابٍ حادٍّ وضغوط دبلوماسية واقتصادية على الحكومات الأفريقية لقبول المرحلين؛ الأمر الذي وضع تلك الدول أمام معادلة صعبة بين الاستجابة للإملاءات الأمريكية أو التمسُّك بمصالحها الداخلية وتوازُناتها السياسية والاجتماعية، وفي ظِلِّ هذه الضغوط، تنوَّعَتْ مواقف الدول الأفريقية بين الرَّفْض العلني، والتفاوض الحَذِر، والقبول المشروط؛ في محاولةٍ لإدارة التحديات المرتبطة بعودة المهاجرين وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
ولذلك تجسّد هذه الاتجاهات حالة صراع سياسي مُعقَّد بين المصالح الأمريكية؛ الهادفة إلى تخفيف الضغط الداخلي، من خلال سياسات ترحيل المهاجرين، وبين إصرار الدول الأفريقية على حماية مصالح شعوبها وسيادتها؛ مما يجعل مستقبل العلاقات “الأمريكية -الأفريقية” في هذا الملف محفوفًا بالتحديات والتوتُّرات، وعليه تسعى هذه الورقة البحثية إلى تناول السياسات التي انتهجتها إدارة ترامب في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى الدول الأفريقية، وأهدافها من مبدأ الترحيل الجماعي، والطريقة التي تمَّ من خلالها تنفيذ هذه السياسة، وموقف الدول الأفريقية في التعامل مع الضغوط الأمريكية، وأدوات الضغط التي تمارسها الإدارة الأمريكية لقبول الشروط، بالإضافة إلى مستقبل العلاقات “الأمريكية – الأفريقية”، في ضوء انتهاج الإدارة الجديدة سياسة ترحيل المهاجرين إلى أفريقيا.
أولًا: سياسة إدارة ترامب لترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى الدول الأفريقية
تركز سياسة ترامب لترحيل المهاجرين غير الشرعيين في أفريقيا بشكلٍ كبيرٍ على ما يُعرف بترحيل “البلد الثالث”؛ حيث تقوم الإدارة الأمريكية بإعادة المهاجرين المتهمين أو المُدَانِين بجرائم من غير مواطني دولهم الأصلية إلى دول أخرى في القارة الأفريقية، حتى لو لم يكن لهم روابط أو جنسية في هذه الدول، ويتمُّ وصْف هؤلاء المهاجرين من قِبَلِ المسؤولين الأمريكيين بـ”المجرمين العنيفين” أو “الوحوش الهمجية” الذين رفضت دولهم الأصلية إعادتهم؛ مما دفع ترامب لاستخدام هذه الاتفاقيات لتسهيل أكبر عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة، ومن الدول التي دخلت في اتفاقات لاستقبال هؤلاء المهاجرين “رواندا، إسواتيني، جنوب السودان” وغيرها[1].
وقد أثارت هذه السياسة انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في هذه الدول الأفريقية؛ حيث اعتبروا أن ترامب يستخدم القارة كـ”مكبٍّ للنفايات” لترحيل المجرمين؛ مما يهدد الأمن ويُضِرُّ بسُمْعة هذه الدول، كما أن بعض هذه الاتفاقات تمَّت عبر ضغوط سياسية واقتصادية من الولايات المتحدة على بعض الحكومات الأفريقية؛ لإجبارها على قبول هؤلاء المهاجرين، بالإضافة إلى ذلك، هناك جدلٌ قانونيٌّ كبيرٌ حول شرعية هذه الإجراءات ومدى توافقها مع الاعراف والقوانين الدولية، وخاصَّةً الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وحماية اللاجئين.
ثانيًا: أهداف إدارة ترامب من مبدأ الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيِّين نحو أفريقيا
تهدف خطة ترامب لترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى أفريقيا، عبْر مبدأ الترحيل الجماعي، إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية وسياسية، يتمحور معظمها حول السيطرة الصارمة على الهجرة غير الشرعية وتقليل أعداد المهاجرين المتواجدين في الولايات المتحدة، خاصَّةً ممن يحملون سجلات جنائية أو ممن رفضت دولهم الأصلية استقبالهم مرةً أخرى، وتسعى هذه السياسة إلى تسريع عمليات الترحيل، عبْر استخدام “بلدان ثالثة” في أفريقيا تمنح ترامب فرصة تخفيف العِبْء الداخلي دون الاعتماد على الدول الأصلية للمهاجرين، وتقوم الإدارة الأمريكية بعمليات ترحيل المهاجرين؛ حيث ترى أن بعض المهاجرين يُموِّلُون الإرهاب ولا بُدَّ من ترحيلهم لبلادهم أو دولة ثالثة؛ حيث ترى أنهم مصدر للجرائم وأن وجودهم يهدد المواطن الأمريكي، وأنهم يتجاوزون مدة التأشيرة الممنوحة لهم؛ مما يعتبر مخالفة للقانون الأمريكي[2].
وتعتمد الخطة على إبرام اتفاقيات مع دول أفريقية، مثل “رواندا وإسواتيني وجنوب السودان”؛ لتولِّي استقبال هؤلاء المهاجرين، وهو ما يُبرِّرُ أمام الرَّأْي العام الأمريكي على أنه حماية للأمن القومي، من خلال إخراج “العناصر الإجرامية” أو “العنيفة” من المجتمع كما تُوجِّهُ هذه السياسةُ رسالةً سياسيةً للجمهور الأمريكي الداعم لترامب، بأن الحكومة تتخذ إجراءات حازمة لمكافحة الهجرة غير الشرعية وجرمتها، وفي الوقت نفسه، تسعى السياسة إلى فرْض نفوذ ضغط على هذه الدول الأفريقية؛ لتحقيق مصالح دبلوماسية وسياسية أوسع؛ بالرَّبْط بين قضايا الهجرة والعلاقات الثنائية، وذلك عبْر إقناع أو إجبار الحكومات الأفريقية على التعاون، من خلال اتفاقيات استضافة ترحيلات المهاجرين؛ ما يُعزِّزُ مِنْ نفوذ واشنطن في القارة[3].
كما تستخدم السياسة الحزْم والإجراءات القانونية الاستثنائية، مثل “توسيع صلاحيات الترحيل السريع”، واستخدام قوانين تاريخية، مثل “قانون الأعداء الأجانب” (Alien Enemies Act) وقانون التمرُّد؛ لتعزيز قدرة الدولة على ترحيل أعداد كبيرة بسرعة؛ الأمر الذي يُعَدُّ تمرينًا عمليًّا لقوة الدولة على التحكُّم في السياسات الأمنية الداخلية والخارجية، وفي الجانب الاجتماعي، تهدف السياسة إلى إصدار رسالة ردْعٍ قوية للمهاجرين المحتملين، بأن الهجرة غير الشرعية ستُقَابَلُ بسياسات صارمة تصل إلى الترحيل الجماعي، ما من شأنه تقليل إقبال المهاجرين على دخول الولايات المتحدة بطُرُقٍ غير قانونية.
ثالثًا: طرق ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى أفريقيا
تعتمد طُرُق ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى أفريقيا ضمن سياسة إدارة ترامب بشكلٍ رئيسٍ على مبدأ “الدولة الثالثة الآمنة”؛ حيث تقوم الولايات المتحدة بإبرام اتفاقيات مع دول أفريقية، مثل “رواندا وإسواتيني”؛ لاستقبال المهاجرين الذين لا تستطيع الولايات المتحدة ترحيلهم إلى دولهم الأصلية؛ بسبب رفْض تلك الدول استقبالهم أو لمخاطر محتملة يواجهونها هناك، ويتم ترحيل هؤلاء المهاجرين عبْر الطائرات إلى هذه الدول؛ حيث تتولَّى الدول الأفريقية استقبالهم وإدماجهم في المجتمع أو احتجازهم، حسب الاتفاقيات الموقعة.
وتتمُّ العملية بصِيَغٍ مختلفة؛ منها “احتجاز المهاجرين في مراكز أو سجون”، كما حدث مع بعض المهاجرين المرحلين إلى السلفادور، أو إدماجهم في برامج دعم اجتماعي في الدولة المستقبلة، كما هو الحال في رواندا، وتأتي هذه الخطوة بعد اعتقال المهاجرين داخل الولايات المتحدة بناءً على خلفياتهم الجنائية أو وضعهم القانوني غير النظامي، وتعتمد الإدارة على إقناع الدول الشريكة بهذه الاتفاقيات، عبْر الضغط السياسي والاقتصادي، تُستخدم كذلك قواعد الترحيل السريع (Expedited Removal) لتسريع الإجراءات، وتُجْرَى عمليات النقل جوًّا، عبْر رحلاتٍ مُنَظَّمَةٍ، وتتمُّ غالبًا بمعْزِلٍ عن إعلام أو مشاركة المهاجرين الكاملين، ويُقالُ: إن بعضهم يُحتجز لفترات وقد يكون مُقَيَّدَ اليديْن أثناء الرحلات[4].
وفي السياق ذاته، يقال: إن هناك جهودًا لتعزيز عمليات الترحيل الجماعي وتنظيمها بسرعة، عبْر استخدام قوانين استثنائية، مثل “قانون الأعداء الأجانب” التي تُوسِّعُ من صلاحيات الترحيل السريع دون مراجعة قضائية تفصيلية، كما توجد تحرُّكات قانونية وسياسية مُكثَّفة لتوسيع قائمة الدول المستقبلة للمهاجرين في أفريقيا، وتحويل القارة إلى مكان ترحيل بديل، يتمُّ من خلاله تخفيف الضغوط الداخلية على الولايات المتحدة، من خلال نقْل المهاجرين بعيدًا.
وهناك طُرُقٌ أُخرى للترحيل، فليس كل الترحيل إجباريًّا؛ فهناك الترحيل الطَّوْعِي الذي يوفر تذاكر سفر مجانية ومكافآت مالية للمهاجرين غير النظاميِّين الذين يختارون مغادرة الولايات المتحدة طوْعًا (تُقدَّرُ قيمتها بألف دولار)، وهذا البرنامج طرحته إدارة ترامب للمهاجرين المهددين بالترحيل في حالة القبض عليهم؛ لعدم امتلاكهم المستندات التي تمنحهم حقَّ الإقامة القانونية في الولايات المتحدة الأمريكية، وأعلنت أن كل من يلتزم بذلك وتبليغ نفسه إلى السلطات سيمنح مكافأةً ماليةً وبإمكانه الدخول إلى الولايات المتحدة لاحقًا[5].
رابعًا: مواقف الدول الأفريقية من سياسة ترحيل المهاجرين
لقد تباينت مواقف الدول الأفريقية من سياسة إدارة ترامب، حول سياسة ترحيل المهاجرين غير الشرعيِّين والمحكوم عليهم في قضايا جنائية، تتعلق بالقتل والاغتصاب والنَّهْب والسَّطْو في الولايات المتحدة الأمريكية، فمنها من وافقت، وبعضها رفضت، وبعضها تحفظت (دون تحديد موافقتها أو رفضها) على استقبال المُرَحَّلين من جنسيات أخرى، لكنها بشكلٍ عامٍ تتسم بالتوتُّر والاحتجاج على تحميل القارة عِبْئًا لا تستحقه، وعليه؛ يمكن توضيح أهم مواقف الدول الأفريقية على النحو الآتي:
جنوب السودان
يتميز موقف جنوب السودان من سياسة ترحيل المهاجرين غير الشرعيِّين من الولايات المتحدة الأمريكية بالتعقيد والتوتُّر السياسي؛ حيث أبْدَتْ الحكومة الجنوب سودانية استعدادها لاستقبال عددٍ من المهاجرين المُرَحَّلِين من الولايات المتحدة، لكنها وضعت شروطًا ومطالب سياسية واقتصادية مقابل هذا الاستقبال؛ حيث طالبت حكومة جوبا الإدارة الأمريكية برفْع العقوبات المفروضة على مسؤولين بارزين في جنوب السودان، وإلغاء قرارات تقيد منْح التأشيرات لجنوب السودانيِّين، إضافةً إلى إعادة تفعيل حساب مصرفي لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك لدعم المعاملات بالدولار الأمريكي، فضْلًا عن دعْم محاكمة النائب الأول للرئيس رياك مشار، الذي يخضع للإقامة الجبرية.
ويعكس هذا الموقف تبايُن الرُّؤْية بين الرَّغْبة في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، عبْر التعاون في قضايا الهجرة، وبين القلق من تداعيات السياسة الأمريكية وما قد تحمله من أعباء أمنية وإنسانية على جنوب السودان، كما واجهت الإدارة الأمريكية معارك قانونية بشأن شرعية هذه الترحيلات، وتعرَّضَتْ لانتقادات بسبب احتمال مخالفة هذه العمليات للقوانين الدولية، خاصَّةً أن جنوب السودان يعاني من نزاعات مسلحة وأوضاع أمنية هشَّة، تُشكِّلُ تهديدًا للمهاجرين المُرَحَّلِين إليه[6].
رواندا
اتسم موقف رواندا من سياسة ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة الأمريكية إليها بالتعاون والقبول المشروط، ضمن إطار اتفاقيات ثنائية منظمة بين البلديْن، فقد توصَّلت رواندا إلى اتفاق مع الولايات المتحدة يسمح بترحيل ما يصل إلى 250 مهاجرًا من الولايات المتحدة إلى رواندا؛ حيث يُعْطِي للسلطات الرواندية الحق في الموافقة على كل فرد مقترح لإعادة توطينه، وبموجب هذا الاتفاق، يحصل المُرَحَّلُون على دعْمٍ يشمل تدريبًا في مجال القوى العاملة، ورعاية صحية، ومساعدة في توفير السَّكَن؛ بهدف إدماجهم وتمكينهم من بدْء حياتهم الجديدة في رواندا، التي تعتبر واحدةً من أسرع الاقتصادات نموًّا في أفريقيا خلال العقْد الماضي.
وفي السياق ذاته، يرى المسؤولون الروانديون، أن قِيَمَ بلادهم المجتمعية التي تقوم على إعادة الإدماج والتأهيل تجعل من رواندا بيئةً مناسبةً لاستقبال هؤلاء المهاجرين، خاصَّةً مع وجود معاناة تاريخية كبيرة لأُسَرٍ رواندية من النزوح واللجوء، وأعلنت رواندا رسميًّا استقبال أوَّل دُفْعة من المهاجرين المُرَحَّلِين من الولايات المتحدة؛ حيث دخل أول سبعة مبتعدين في برامج دعم وإعادة تأهيل، مع منْح المُرَحَّلِين حرية اختيار البقاء أو العودة إلى بلدانهم الأصلية، ومع ذلك، تشترط رواندا ألَّا يكون المُرَحَّلُون تحت عقوبات جنائية أو مُتَّهمين بجرائم جنسية ضد الأطفال، كما لا تسمح بإعادة تنفيذ العقوبات الأمريكية داخل أراضيها[7].
والجدير بالذكر، أن رواندا تعتبر نفسها نموذجًا بين الدول الأفريقية التي عقدت مثل هذه الاتفاقيات مع واشنطن، كما سبق أن أبرمت اتفاقيات مشابهة مع بريطانيا لاستقبال طالبي لجوء؛ مما يعكس رغبتها في لعب دورٍ محوريٍّ كدولة استقبال للمهاجرين المُرَحَّلِين بموجب سياسات دولية وغربية، ورغم ذلك، لا يخلو الموقف من جَدَلٍ وانتقادات حقوقية وأخلاقية، خاصَّةً حول مسألة سلامة وحقوق المرحلين، إلَّا أن رواندا تبدو ملتزمة بتنفيذ الاتفاق ضمن حدود قدرتها القانونية والإنسانية.
نيجيريا
يعكس موقف نيجيريا من سياسة ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة الأمريكية إليها رفْضًا قويًّا وحازِمًا لهذه السياسة وأدوات الضغط الأمريكية المصاحبة لها، أعلن وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار، أن نيجيريا ترفض – بشكلٍ قاطعٍ – الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على دول أفريقية لقبول مهاجرين مُرَحَّلِين من الأراضي الأمريكية، بمن فيهم فنزويليون بعضهم خرج لتوِّهِ من السجون، قائلًا: إن البلاد “غير قادرة على استيعاب المُرَحِّلين الفنزويليِّين، في ظِلِّ تحدِّياتها الداخلية المُعقَّدة”، ومؤكدًا أن نيجيريا “لديها ما يكفي من مشاكلها ولا يمكن تحميلها عِبْء سجناء وأجانب من دول أخرى”.
يأتي هذا الرَّفْض في ظِلِّ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الصَّعْبة التي تعيشها نيجيريا، أكبر دولة أفريقية من حيث السكان؛ حيث تواجه تحديات شتَّى؛ منها انعدام الأمن الغذائي، موْجات تمرُّد مسلحة، ارتفاع معدلات البطالة، وأزمة في السجون المُكتظَّة التي تشهد تجاوزًا لنسبة الإشغال التي تصل إلى 137%. وترى السلطات النيجيرية، أن سياسة ترحيل المُرَحَّلِين بهذه الصورة ستزيد الضغط على زِمَام الأمور الهشَّة وتحوّل الموارد المحدودة بعيدًا عن تلبية الاحتياجات المحلية المستعجلة[8].
يتجاوز الرَّفْض النيجيري مُجرَّد مسألة الهجرة؛ إذ يعكس موقفًا أوسع ضد المنطق التبادُلي الذي لطالما شكَّلَ العلاقات “الأمريكية – الأفريقية”، معتبرةً أن مِثْل هذه الضغوط تسيء للسيادة الوطنية وتعقِدُ الشراكات الدولية المبنية على أُسُس الديمقراطية والتنمية والسيادة، وهو ما تُشدِّدُ عليه الاستراتيجية النيجيرية للسياسة الخارجية.
على الرَّغْم من محاولات الإدارة الأمريكية، عبْر القِمَمِ والاجتماعات الثنائية للضغط على الدول الأفريقية، فإن نيجيريا تُصِرُّ على موقفها الرَّافض، مُعْرِبةً عن أن قبول ترحيل المهاجرين إليها ليس من مصلحتها ومخالف لرُؤْيتها للدور القيادي الذي تسعى للعبه في القارة.
هذا الموقف يفتتح احتمال أن تُبْدِي دولٌ أفريقيةٌ أُخرى موقفًا مشابهًا يعكس تزايد التوتُّر في العلاقات بين واشنطن وعدد من دول القارة في ملف الهجرة وحقوق الإنسان.
مملكة إسواتيني
يتسم موقف مملكة إسواتيني من سياسة ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة الأمريكية إليها بالتعاون السِّرِّي مقابل جَدَلٍ واسعٍ داخل البلد وخارجه، فقد كشفت تقارير إعلامية أمريكية، أن الولايات المتحدة أبرمت اتفاقيةً سِرِّيَّةً مع حكومة إسواتيني، تتضمن ترحيل خمسة مهاجرين مُدَانِين إلى سجون المملكة، منهم مواطنون من “فيتنام، لاوس، اليمن، كوبا، وجامايكا”.
وتدير هذه العملية بهدف الالتفاف على العقبات القانونية والبيروقراطية، التي تعيق ترحيل هؤلاء المهاجرين الذين ترفض دولهم الأصلية استقبالهم، ويتم احتجاز المُرَحَّلِين في زنزانات انفرادية بسجون إسواتيني، مع احتجازهم لفترات قد تصل إلى عامٍ كاملٍ تنتظر خلالها عمليات العودة أو الترتيب لمسارات أخرى.
وقد جاء هذا التعاون مع واشنطن، في ظِلِّ انتقادات حادَّة وُجِّهَتْ إلى حكومة إسواتيني من الداخل والخارج، وسط تساؤلات عن الشفافية وحقوق المهاجرين، خاصَّةً أن المحامين الخاصين بالمُرَحَّلِين أكَّدُوا أن مُوَكّليهم حُرِمُوا من التمثيل القانوني والحقّ في التواصل لتقديم طعون أو استئنافات.
كما تتعرَّضُ المملكة التي يحكمها الملك مسواتي الثالث بيدٍ من حديد، لانتقادات متكررة من جهة حقوق الإنسان؛ بسبب نَمَط حُكْمِها الفاخر وانتهاكات والانتهاكات المتكررة؛ مما يزيد من حساسية موضوع ترحيل المهاجرين إليها.
في الوقت ذاته، تُمثِّلُ هذه الاتفاقية جُزْءًا من استراتيجية الإدارة الأمريكية لتعزيز أداة “دولة ثالثة آمنة”؛ لترحيل المهاجرين الذين لا يمكن إرجاعهم لدولهم الأصلية مباشرة، ولو على حساب علاقات واشنطن مع هذه الدول الصغيرة؛ ما يجعل إسواتيني في وضْعٍ استراتيجيٍّ صَعْبٍ؛ حيث تستقبل مهاجرين لا ينتمون لها جغرافيًّا أو ثقافيًّا وبشكلٍ سِرِّيٍّ، دون انكشاف رسميٍّ أو قبولات شعبية واضحة[9].
ليبيريا