المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > التعاونُ العسكري بين أذربيجان وأوزبكستان: مشاورات طشقند 2025 وخطة 2026
التعاونُ العسكري بين أذربيجان وأوزبكستان: مشاورات طشقند 2025 وخطة 2026
- سبتمبر 13, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: هنا داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
يستعرضُ هذا التقرير نتائجَ المشاورات العسكرية رفيعة المستوى التي جرت مؤخراً في طشقند، مع التركيز على لقاءات هيئة الأركان بين أذربيجان وأوزبكستان بشأن برنامج التعاون العسكري المقرر تنفيذه عام 2026، ويُظهر التحليلُ أن هذه اللقاءات تمثّل جزءاً من رؤية أوزبكستان الأمنية الأشمل، القائمةِ على سياسةٍ خارجيةٍ ودفاعيةٍ متعددة المسارات، والمستندة إلى خطةٍ شاملةٍ لتحديث القوات المسلحة أُطلقت مطلع عام 2025. ورغم التقدم الواضح في العلاقات الثنائية مع أذربيجان، فإن هذا التعاونَ يختلف في طبيعته عن الشراكة الاستراتيجية العميقة التي تحتفظُ بها أوزبكستان مع روسيا، وتكْمنُ الأهمية الجيوسياسية لهذه التحركات في أنها تعكسُ نمطاً متنامياً من التقارب بين الدول التركية، بما يفتحُ المجالَ أمام موازنةٍ دقيقةٍ مع النفوذ الروسي، في وقتٍ تواصلُ فيه موسكو لَعِبَ دورٍ محوريٍ كضامنٍ أمنيٍ ضد التحديات الإقليمية المنبثقة من الساحة الأفغانية.
شهدت العاصمة الأوزبكية طشقند في 5 سبتمبر 2025 انعقاد مشاورات بين هيئتي الأركان في كلٍ من أذربيجان وأوزبكستان، بمشاركةِ وفدٍ من وزارة الدفاع الأذربيجانية برئاسة مدير إدارة التعاون العسكري الدولي، إلى جانب وفدٍ موسّعٍ من الإدارات المختلفة بوزارة الدفاع الأوزبكية. وقد تركّزت المحادثات حول تقييم الوضع الحالي وآفاق التعاون العسكري والتِقَني بين الطرفين، مع تسليط الضوء بشكلٍ خاصٍ على خطة التعاون العسكري المشتركة المقررة لعام 2026. ويُلاحظُ أن الإشارةَ إلى الخطة بصفة “مشروع” تعكسُ أنها لا تزالُ في طَورِ البحث والمراجعة، ولم تتحولْ بعد إلى اتفاقٍ نهائيٍ ملزم.[1]
أبرزت الزيارة بين الجانبين الطابع العملي للتعاون العسكري، إذ شملتْ جولةً في مركز “تشيمغان” للتدريب الجبلي ومشاركة الوفد الأذربيجاني في حفل تخرّجِ دورةِ “محارب الجبال” التي ضمّت عسكريين من باكو، وهو ما يعكس انتقال الشراكة من مستوى اللقاءات الرسمية إلى تدريبٍ ميدانيٍ مشتركٍ يعزّز القدرة على العمل في بيئاتٍ جبليةٍ معقّدةٍ. ورغم ذلك، فإن غيابَ الإعلان عن نتائجَ ملموسةٍ أو اتفاقياتٍ نهائيةٍ يوحي بأن خطةَ التعاون ما تزال في طور المفاوضات أو أن تفاصيلَها تُعامل بحساسية، الأمرُ الذي يميزها عن الطابع الأكثر رسوخاً ووضوحاً للشراكة مع روسيا، ويكشف بدوره عن تفاوت في مستوى النضج بين مسارات التعاون العسكري لأوزبكستان.
السياق الأوسع لتحالفات أوزبكستان العسكرية
الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وأوزبكستان
كانت طشقند قد شهدتْ توقيعَ اتفاقين بارزين بين روسيا وأوزبكستان تمثلّا في خطة التعاون الدفاعي لعام 2025، وبرنامج شراكة استراتيجية في المجال العسكري يمتد للفترة 2026–2030. وتتميز هذه التفاهمات بكونها أكثرَ اتساعاً ووضوحاً مقارنةً بالمشاورات مع أذربيجان، إذ تتضمن الخطة قصيرة الأجل خمسين نشاطاً مشتركاً تغطي مختلف جوانب التعاون العسكري، بينما يمنحُ البرنامجُ الاستراتيجيُ إطاراً طويل المدى يمتد لخمس سنوات. وقد ربطت موسكو هذه الشراكة بدورها المركزي في ضمان الأمن الإقليمي، مؤكدةً على مكانة العلاقة مع طشقند باعتبارها علاقةً استراتيجيةً راسخةً. ويبرز من هذا التباين أن التعاون مع أذربيجان، على أهميته، يبقى في مرتبةٍ مختلفةٌ عن الارتباط الأمني الأعمق الذي يجمع أوزبكستان بروسيا.[2]
عقيدة السياسة الخارجية متعددة الاتجاهات
تنتهجُ أوزبكستان سياسةً خارجيةً تقوم على مبدأ الانفتاح على أطراف متعددة، إذ تحرصُ على الحفاظ على علاقاتٍ متوازنةٍ مع قوى دوليةٍ كبرى مثل روسيا والصين والولايات المتحدة، إلى جانب شركاء إقليميين آخرين. وقد عكست مسيرتها التاريخية هذا التوجّهَ عبر الانضمام والانسحاب من تكتلات مختلفة مثل منظمة الأمن الجماعي ورابطة “غوام”، إلى جانب تجاربها السابقة في التعاون العسكري مع الولايات المتحدة وحلف الناتو. ويكشف هذا النمط أن طشقند لا تتحركُ بدافع التردد أو التقلب، بل وفقَ استراتيجيةٍ براغماتيةٍ تعكس موقعها الجغرافي المغلق وحاجتها إلى تنويع مصادر الدعم العسكري-التقني. ومن ثم، فهي تستفيد من تعاونها مع شركاء متنوعين مثل روسيا وأذربيجان وتركيا والصين، دون أن ترتبطَ التزاماً صارماً بعضوية في تكتل أمني محدد.[3]
التحالف الأذربيجاني-الأوزبكي ضمن الإطار الثقافي التركي
تستندُ العلاقةُ بين أوزبكستان وأذربيجان إلى إرثٍ ثقافيٍ وتاريخيٍ مشتركٍ يوصف غالباً بـ”الأخوي”، وقد ترسخت هذه العلاقة من خلال توقيع معاهدة للعلاقات الحليفة في عام 2024[4]، إلى جانبِ اتفاقٍ عسكريٍ في بخارى خلال العام نفسه. ويعكسُ هذا التحالفُ بعداً متعدداً يتجاوز البعد الأمني ليشملَ التعاونَ الاقتصاديَ والثقافي، مع بقاء الجانب العسكري عنصراً محورياً. وتبرز أهميته خصوصاً في مجال تبادل الخبرات المتعلقة بالتكنولوجيا الدفاعية الحديثة، مثل الطائرات المسيرة التي برزت فيها أذربيجان بفعالية في نزاع ناغورنو قره باغ، وهو ما ينسجمُ مع أهداف أوزبكستان في تسريع تحديث قواتها المسلحة.
استراتيجية التثليث والشراكات المتعددة
يشكّل تنويعُ الشراكات الأمنية والدفاعية ركيزةً أساسيةً في مقاربة أوزبكستان للأمن القومي. فالاعتمادُ الحصري على مصدرٍ واحدٍ للدعم العسكري يحمل مخاطر تهدد استقلالية القرار الاستراتيجي. لذلك، تسعى طشقند إلى توزيع علاقاتها على أكثر من طرف، من خلال تعزيز الروابط مع أذربيجان (وبالتالي تركيا)، والانفتاح على الصين، مع استمرار التعاون مع روسيا. ويسمحُ هذا النهْجُ بالحصول على مزيجٍ متكاملٍ من القدرات، مثل الاستفادة من المروحيات الروسية والطائرات المسيرة التركية في آنٍ واحدٍ، إضافةً إلى فرص التدريب المتنوع. ويمثّل هذا التوازنُ ثلاثي الأبعاد جوهر الاستراتيجية الأوزبكية لضمان أمنها واستقلال قرارها العسكري.[5]
الدوافع الاستراتيجية وراء التحديث العسكري في أوزبكستان
برنامج الإصلاح العسكري لعام 2025
كشفَ الرئيس شوكت ميرضياييف في 21 فبراير 2025، عن خطةِ إصلاحٍ شاملةٍ للقوات المسلحة، تهدف إلى إحداث تحولٍ نوعيٍ في قدراتها. تتضمن الخطةُ إدماج تقنياتٍ متطورةٍ مثل الذكاء الاصطناعي والأنظمة الروبوتية والطائرات المسيرة، إلى جانب تأسيس وحداتٍ متخصصةٍ ونظامٍ آليٍ للقيادة والسيطرة يتيح تسريع عملية اتخاذ القرار وتنسيق الاستجابة للتهديدات الأمنية. كما يولي البرنامج اهتماماً كبيراً بتعزيز الصناعة الدفاعية المحلية، وبخاصةٍ في مجالات إنتاج الطائرات المسيّرةِ والمركباتِ المدرعة، سعياً للحدِّ من الاعتماد على الموردين الخارجيين.
الدوافع الجيوسياسية والأمنية
يرتبطُ التوجّه نحو التحديث العسكري ارتباطاً مباشراً بالبيئة الأمنية المحيطة. إذ تسعى أوزبكستان إلى مواجهة التهديدات المعاصرة المتمثّلةِ في الإرهاب، والهجمات السيبرانية، والتوسّع في استخدام الطائرات المسيرة في النزاعات المسلحة. ويُعد الموقع الجغرافي المحاذي لأفغانستان، إلى جانب خبرة البلاد السابقة مع الجماعات المتطرفة، عاملاً رئيسياً في الدفْعِ بهذا التحول. لذلك تشكّل التقنيات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة، أدواتٍ محوريةً لمراقبة الحدود وتعزيز قدرات مكافحة الإرهاب.
الاعتماد على الخبرات الخارجية
رغم تركيز أوزبكستان على تقليص تبعيتها للمصادر الأجنبية، إلا أن مرحلةَ التنفيذ الحالية لا تزال تستند بشكلٍ واسعٍ إلى الدعم الخارجي، سواء على مستوى المعدات أو الخبرات. فهي تستورد مروحيات Mi-35M ومقاتلات Su-30SM من روسيا، وطائرات Bayraktar المسيرة من تركيا، وطائرات Wing Loong وأنظمة HQ-9 من الصين. كما تعتمدُ بصورةٍ أساسيةٍ على موسكو وأنقرة لتطوير المعرفة الفنية المرتبطة بالطائرات المسيرة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. ويعكسُ هذا الوضعُ مفارقةً واضحةً: إذ يمثّل تقليص الاعتماد على الخارج هدفاً استراتيجياً بعيد المدى، في حين أن عملية التحديث العاجلة تتطلب حالياً الاستفادة من الشركاء الدوليين لتسريع بناء القدرات.[6]
التداعيات الجيوسياسية على الأمن الإقليمي
التداعيات على أوزبكستان
يُتيحُ برنامج التحديث العسكري لطشقند مكاسبَ بارزةً، من أبرزها تعزيزُ قدراتها الدفاعية، ورفْعُ مكانتها الإقليمية، مع الإبقاء على سياسةٍ خارجيةٍ لا تنحازُ إلى محورٍ واحدٍ. غير أن هذا المسار ينطوي أيضاً على مخاطر، إذ قد يفتح الباب أمام ثغراتٍ مرتبطةٍ بالاعتماد على الموردين الأجانب، سواء عبر احتمالية الاختراقات الاستخباراتية أو التهديدات السيبرانية، الأمر الذي قد يقيّد في المستقبل استقلالية القرار الاستراتيجي.
التداعيات على الشركاء الثنائيين