شَهِدَتْ السَّاحةُ السياسيةُ الأمريكيةُ، في السنوات الأخيرة، تصاعُدًا غير مسبوق في حِدَّة الاستقطاب والعنف المرتبط بالخطاب السياسي؛ حيث جاء اغتيال تشارلي كيرك، في 10 سبتمبر 2025، كأحد أبرز المحطات التي جسَّدت هذا الواقع؛ فكيرك الذي يعرف بمواقفه اليمينية المتطرفة ودعمه القوي لإسرائيل لم يكن مجرد ناشط سياسي، بل أحد الوجوه البارزة في صناعة الرأي العام داخل التيار المحافظ، وأحد الذين حشدوا لصالح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفاعلية في الاستحقاقات الانتخابية؛ لذلك فإن اغتياله لم يُنظر إليه بوصفه حدثًا داخليًّا فحسب، بل انعكست تداعياته على مستويات متعددة، سواء في الداخل الأمريكي عبْر تعزيز القبضة الأمنية وتفاقُم الانقسام الحزبي، أو على المستوى الخارجي؛ حيث وصلت ردود الأفعال الشعبية إلى مناطق مختلفة من العالم، لا سيما الشرق الأوسط، باعتبار أن لكيرك احتكاكًا فِعْلِيًّا بقضايا المنطقة وفي القلب منها الحرب في غزة.
ومن ثَمَّ؛ تكتسب دراسة تداعيات هذه الحادثة أهميتها، باعتبارها نموذجًا كاشفًا لتأثير العنف السياسي في إعادة تشكيل السياسات الأمنية، ولغة الخطاب السياسي، وإنتاج رموز جديدة، وإعادة رسْم صورة قضايا الشعوب في الوعْي العالمي، وهو ما يمكن تناوله في السياق الآتي:-
الاغتيالات السياسية وتأثيرها على المشهد الغربي
يُشكِّلُ اغتيال الشخصيات السياسية لا سيما المنتمية إلى تيارات مثيرة للجدل مثل اليمين المتطرف محطةً فارقةً في مسار التفاعلات السياسية داخل المجتمعات الغربية، وهو ما يجعل دراسة تداعياته ذات أهمية قصوى؛ حيث إن حادثة اغتيال تشارلي كيرك -بما يمثله من رمز لخطاب سياسي استقطابي وعنيف في بعض جوانبه- لا يمكن النظر إليها باعتبارها حَدَثًا معزولًا، بل هي انعكاس لظاهرة أوسع تتعلق بتصاعد العنف السياسي كوسيلة لإدارة الصراع الأيديولوجي.
ومن ثَمَّ، يبرز التساؤل حول ما إذا كان استهداف مِثْل هذه الشخصيات يُضعف التيار الذي تنتمي إليه أم أنه يساهم -بشكل غير مباشر- في منحه زخمًا جديدًا وتحويل رموزه إلى أيقونات سياسية.
علاوةً على ذلك، أثبتت التجارب المماثلة، أن الاغتيال السياسي نادرًا ما يؤدي إلى إخماد الفكرة أو التيار بل على العكس، فإنه غالبًا ما يُعيد إنتاجه في صورة أكثر صلابة، مدعومة بهالة من المظلومية والتعاطف الشعبي والإعلامي؛ حيث يتشابه الأمر نوعًا بمحاولة اغتيال ترامب الفاشلة أثناء حملته الانتخابية الأخيرة، والتي ساهمت بشكلٍ أو بآخر في الدعم والترويج لمشروعه السياسي[1].
وعلى صعيدٍ آخر، يفتح الاغتيال السياسي بابًا واسعًا أمام الحكومات لتبرير تعزيز أدواتها الأمنية وتوسيع نطاق المراقبة؛ تحت ذريعة حماية الاستقرار ومنْع تكرار الحوادث المماثلة، وهذا الأمر ينعكس مباشرة على الأقليات المقيمة في الغرب، الذين يجدون أنفسهم في قلب دائرة الشَّكِّ والاتهام، حتى وإن لم يكن لهم صلة مباشرة بالحادث؛ حيث أظهرت التجارب أيضًا، أن أيَّ حادث عنف سياسي في الغرب -خصوصًا إذا ارتبط بخطابات أيديولوجية أو تمَّ توظيفه في إطار “صراع الحضارات”- يُترجم سريعًا إلى إجراءات أمنية مشدَّدة، قد تطال المهاجرين والأقليات، وتؤثر على صورتهم في المجال العام.
وعليه؛ تكشف الاغتيالات السياسية أمريْن، الأول: هو أنها تعكس تصدُّعًا داخليًّا في بِنْية الديمقراطيات الغربية، والثاني: هو أنه ينتج عنها آثارًا جانبية تطال مجتمعات بعيدة عن مسرح الجريمة، لكنها متصلة به عبر شبكات الخطاب السياسي والإعلامي العالمي؛ لذا فإن اغتيال كيرك يُعَدُّ مِثَالًا حيًّا على خطورة العنف السياسي بوصفه أداة لا تنهي الأفكار بل تُعيد إنتاجها في قوالب أكثر تطرُّفًا، وتُطلق في الوقت ذاته، موجةً من السياسات الأمنية التي غالبًا ما يكون ثمنها مضاعفًا على الفئات الأضعف والأكثر هشاشة هناك، مِثْل العرب والمسلمين واللاجئين.
زيادة القبضة الأمنية تِجَاه العرب والمسلمين واليسار
تُعَدُّ من أبرز التداعيات المباشرة لحوادث الاغتيال السياسي أو العنف المُوَجَّه ضد رموز اليمين المتطرف، هو أن الحكومات تجد نفسها أمام ضغوط داخلية وخارجية تجعلها تتبنَّى إجراءات استثنائية تضمن “حماية المجتمع”، وهو ما يترجم غالبًا إلى تشديد القبضة الأمنية، وهذا التشديد لا يستهدف فقط العناصر المرتبطة مباشرة بالحادث، بل يمتدُّ ليشمل طيْفًا أوسع من الجماعات والتيارات السياسية أو المجتمعية التي يُنظر إليها باعتبارها “مشتبهًا بها” أو “قابلة للتطرف”.
وهنا يصبح العرب والمسلمون، بحكم الصورة النمطية المتراكمة عنهم في الوعي الغربي -لاسيما منذ أحداث 11 سبتمبر- في صدارة الفئات التي تدفع ثمنًا مضاعفًا؛ فقد أظهرت تجارب سابقة، أنَّ أيَّ حادث عُنْفٍ كبيرٍ في الغرب يُفضي إلى إعادة إنتاج خطاب الأمن القومي، بما يتضمنه من مراقبة أشدّ، وتشديد على قوانين الهجرة، وزيادة حالات التفتيش الأمني، وربْط الممارسات الدينية أو الثقافية بالتهديد المحتمل.
ولا يقتصر هذا الاتجاه على الأقليات ذات الخلفية الثقافية أو الدينية المختلفة، بل يمتدُّ كذلك إلى التيارات السياسية المناوئة للتيار السائد، اتساقًا مع ذلك، اتخذ الرئيس دونالد ترامب في أعقاب مقتل كيرك خطوةً لافتةً حين أعلن تصنيف حركة “أنتيفا” المناهضة للفاشية كمنظمة إرهابية، على الرغم من أن الحركة ليست كيانًا مركزيًّا مُنَظَّمًا بقدْر ما هي شبكة فضفاضة من النشطاء[2]؛ فمثل هذه القرارات تكشف كيف يمكن توظيف خطاب مكافحة العنف السياسي لتوسيع نطاق الاستهداف؛ بحيث يشمل ليس فقط من يمارس العنف، بل أيضًا من يعارض النظام القائم أو ينتقده، وهو ما يعكس في جوهره ميْلًا متزايدًا لاستخدام القبضة الأمنية كأداة لتقييد المجال العام وإخضاعه لمنطق الأمن بدلًا من السياسة.
وجدير بالذكر، أن هذا النَّمَط من الاستجابات الأمنية يُعزِّزُ حالةً من “الارتياب” تجاه العرب والمسلمين واليسار على حدٍّ سواء أو ممن وُجِّهت ضدهم القبضة الأمنية بشكلٍ عامٍ؛ حيث يجري دمجهم في إطار واحد، بوصفهم “تحديات أمنية محتملة”، وهو ما يؤدي إلى زيادة الرقابة على المساجد والمؤسسات الخيرية، والتضييق على المنظمات الطلابية ذات الخلفية اليسارية أو المناهضة للعنصرية، وتوسيع نطاق العمل الاستخباراتي ليشمل منصَّات التواصل الاجتماعي التي ينشط فيها هؤلاء. وعليه، يتحول العنف السياسي من كونه تحدِّيًا مُوَجَّهًا ضد شخص أو تيار بعينه، إلى ذريعةٍ لفرْض رؤية السلطة السياسية تجاه مختلف القضايا؛ بحيث تُقدم الحرية والأمان وكأنهما خياران متعارضان يجب اختيار تحقيق أحدهما دون الآخر.
انعاكاسات الاغتيالات السياسية على الداعمين للقضية الفلسطينية
يُعَدُّ اغتيال تشارلي كيرك حدثًا أكبر من أن يتمَّ حصْره على نطاق الولايات المتحدة فحسب كما سبق الذكر؛ حيث ترددت أصداؤه في الشرق الأوسط أيضًا، كما برزت بعض الأصوات الشعبية غير الرسمية التي أبدت تأييدًا ضمنيًّا أو صريحًا لما جرى، كما أن هذا التأييد لم يكن في معظمه تعبيرًا عن انخراط مباشر في خطاب العنف، بقدْر ما كان انعكاسًا لحالة الغضب الشعبي المتراكم تجاه مواقف كيرك -باعتباره محسوبًا على اليمين المتطرف- الداعمة بلا هوادة لإسرائيل، وتبريره المتكرر لسياساتها القمعية بحقِّ الفلسطينيين.
ومن هذا المنظور، نظر بعض الأفراد إلى اغتياله باعتباره شكلًا من أشكال “الانتقام الرمزي” أو العدالة التي لم تستطع المؤسسات الدولية أن تحققها، وعلى الرغم من أن هذه المواقف لا تمثل سياسة رسمية ولا تُعبِّرُ عن إجماعٍ عربيٍّ أو إسلاميٍّ، فإن مجرد وجودها في الفضاء العام -عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو المنابر الإعلامية- من الممكن أن يتيح للإعلام الغربي أن يلتقطها ويوظفها في إطار أكبر، مُصوِّرًا المجتمعات العربية والمسلمة بوصفها حاضنةً طبيعيةً لخطاب العنف أو مبررة له.
في هذا السياق، يبرز الجانب الأكثر خطورة، وهو أن الاغتيال السياسي الذي يُفترض أن تكون تداعياته محصورةً في نطاقه المحلي، يتحوَّلُ إلى أداة إضافية لتشويه صورة الداعمين للقضية الفلسطينية على المستوى العالمي.
ففي الوقت الذي يسعى فيه الفلسطينيون ومؤيدوهم إلى حشْد التعاطف الدولي عبْر التركيز على البعد الإنساني والحقوقي للصراع، تأتي مِثْل هذه المواقف العاطفية غير المحسوبة لتخصم من رصيد التعاطف، وتمنح إسرائيل وأنصارها مادة دعائية جاهزة تربط بين “دعم فلسطين” وبين “شرْعنة العنف” أو “التطرف”.
وعليه؛ قد تكون النتيجة المباشرة لكل ذلك هي إضعاف الخطاب الحقوقي الفلسطيني، وإعادة إنتاج السردية الإسرائيلية التي تقدم نفسها بوصفها “ضحية” لعداء أيديولوجي أعمى.
اللافت للنظر، هو أن أخطر ما في هذا المسار، أن المجتمعات العربية تُختزلُ في صورة واحدة تختفي فيها التعدُّدية الفكرية والسياسية، ويجري تصويرها باعتبارها كتلة واحدة تنحاز إلى العنف، حتى لو كان ذلك ردّ فِعْلٍ على سياسات مُجْحِفَة.
ومع أن الواقع أكثر تعقيدًا -حيث هناك تيارات واسعة في العالم العربي تنادي بالحلول السياسية والحقوقية- فإن الضجيج الذي تثيره ردود الأفعال المؤيدة للاغتيالات يطْغى على الأصوات العقلانية.
وهكذا، بَدَلًا من أن يُسهم حادث اغتيال شخصية جدلية مِثْل كيرك في فتْح نقاش عالمي حول ازدواجية معاييره تجاه حقوق الإنسان، تجد أن أثره المباشر قد يتمثل في إضعاف الموقف الدعائي والحقوقي للمدافعين عن القضية الفلسطينية، وفي تراجع مساحة التعاطف الدولي معها في لحظة تاريخية حساسة تحتاج فيها هذه القضية إلى كل دعم ممكن.
تأثير الاغتيالات السياسية على الاستقطاب الحزبي
تُعَدُّ الاغتيالات السياسية في المجتمعات الغربية عاملًا مُحفِّزًا على تعميق الاستقطاب الحزبي بل تعميقه داخل كل حزب على حِدَه؛ إذ يتحوَّلُ من مجرد أحداث مأساوية إلى أدوات سياسية تُستغلُ لتأكيد سرديات متناقضة بين الأطراف المتنافسة؛ حيث جاءت حادثة اغتيال كيرك في سياق أمريكي مشحون أصلًا باستقطابٍ حادٍّ بين الجمهوريين والديمقراطيين، وهو ما جعل تداعياتها أكثر حِدَّة مما لو وقعت في بيئة سياسية أكثر استقرارًا.
فبالنسبة لليمين المحافظ، أصبح كيرك رمزًا جديدًا لـ”ضحايا العنف اليساري”، وجرى تصويره في وسائلهم الإعلامية كشخصية دفعت حياته ثَمَنًا لمواقفه الداعمة للتقاليد الأمريكية ولإسرائيل، بينما رأى آخرون ، أن في خطابه سببًا رئيسيًّا لإشعال الكراهية، وهو ما جعل الجريمة تأتي -من وجهة نظرهم- كنتيجة منطقية لخطاب الاستقطاب الذي كان كيرك أحد أبرز وجوهه.
كما تجسَّدت مظاهر هذا الانقسام في الخطاب الإعلامي والسياسي عقب اغتياله؛ حيث إنه في الوقت التي تتناول فيه شبكات إعلامية لهذه الحادثة باعتبارها هجومًا على “حرية التعبير” ومحاولةً لإسكات الأصوات المحافظة.
تبنَّت وسائل إعلام ليبرالية مقاربات مختلفة؛ حيث ركَّزت على أن شخصية كيرك وخطابه كانا مُحَفِّزيْن للاستقطاب والعنف، وأشارت إلى أن البيئة السياسية الأمريكية أصبحت مشبَّعَةً بخطابات التحريض من الطرفين، وهو ما نتج عنه اتخاذ الرئيس ترامب إجراءات متشددة تجاه وسائل إعلامية على خلفية هذه الأزمة[3].
وهذا التناقض في تفسير الحدث لم يقتصر على الإعلام، بل انعكس كذلك في المواقف السياسية؛ حيث إن قيادات جمهورية بارزة استغلت الاغتيال للدعوة إلى مزيدٍ من التشريعات الأمنية ضد “المتطرفين اليساريين”، بينما ردَّ ديمقراطيون باتهام خصومهم بتسييس المأساة واستخدامها لمهاجمة الحريات المدنية. والنتيجة أن الحادثة لم تُنتج لحظة توحيد وطني كما قد يتوقع البعض من حادثة بهذا الحجم، بل عمَّقت خطوط الانقسام القائمة بالفِعْل[4].
ومن ثَمَّ، يمكن القول: إن اغتيال كيرك لم يُسهم في إعادة النظر في طبيعة الخطاب السياسي العنيف بقدْر ما عزّز السرديات الحزبية الضيقة، وعمَّق شعور كل طرف بأنه ضحية لمؤامرة الطرف الآخر. وهذه الديناميكية تزيد من هشاشة النظام السياسي الأمريكي، وتجعل من أيِّ حادثة مستقبلية -مهما كان حجمها- وقودًا إضافيًّا لمعركة الاستقطاب التى لا تهدأ.
تحويل المغتال سياسيًّا إلى رمز وأيقونة رغم خطابه العنيف
تُعدُّ من المفارقات الكبرى في تاريخ الاغتيالات السياسية أنها لا تُسهم عادة في إنهاء أفكار الشخص المستهدف، بل كثيرًا ما تدفع هذه الأفكار إلى الواجهة من جديد وتمنحها زَخَمًا لم تكن لتحظى به لو بقي صاحبها حيًّا؛ حيث إن وجود شخصية مِثْل تشارلي كيرك في المشهد السياسي -بكل ما حمله من خطاب استقطابي ومثير للجدل- كان يتيح مساحة واسعة للنقاش والجدال، بل وتفنيد ما يطرحه من رؤى؛ حيث كان بإمكان المعارضين أن يواجهوه بالحجج والوقائع، وأن يضعوا خطابه تحت المجهر النقدي في ساحات الإعلام والجامعات والفضاء العام.
إلا أن اغتياله يُغيِّرُ قواعد اللعبة؛ إذ يُنقل فجأة من موقع السياسي المثير للجدل إلى مرتبة “الرمز” و”الأيقونة” التي تستحق الدفاع المطلق، وهو ما جعل أي محاولة لاحقة لانتقاد أفكاره أو سياساته تُواجَه باتهامات بانعدام الإنساني.
في هذا السياق، ظهر هذا التحوُّل بوضوح خلال حفْل التأبين الذي أقامه الرئيس دونالد ترامب؛ حيث قدّم كيرك باعتباره صوتًا شجاعًا ضحَّى بحياته دفاعًا عن الحرية” – على الرغم من أن خطابه كثيرًا ما اتسم بالحِدَّة والإقصاء، وهذا الخطاب التأبيني لم يكن مجرد كلمات رثاء، بل مِثْل إعادة صياغة لصورة كيرك؛ بحيث لم يعُدْ شخصية خِلَافية، بل أصبح بطلًا قوميًّا استُشهد في مواجهة ما اعتُبر “تطرُّفًا يساريًّا[5]“.
وعليه؛ أصبح من الصعب على أي طرف سياسي أو إعلامي أن ينتقد مواقفه السابقة دون أن يُتهم بعدم احترام ذكراه.
لذا؛ فإن خطورة هذا المسار لا تكمن فقط في تعظيم شخص بعينه، بل في إغلاق الباب أمام النقد الفكري والسياسي؛ فبدلًا من أن يُمثل مقتل كيرك فرصةً لمراجعة خطاب الاستقطاب وإعادة تقييم دور الشخصيات الجدلية في إشعال التوتُّرات، تحوَّلَ إلى حدث يُعزِّزُ “قدسية” هذا الخطاب ويحميه من المساءلة. والنتيجة؛ هي أن التيارات الشعبوية واليمينية المتطرفة تكسب حصانةً مضاعفةً؛ فهي من ناحيةٍ، تحصد التعاطف باعتبارها مستهدفة، ومن ناحية أخرى، تفرض على المجال العام قيودًا تجعل انتقادها ضرْبًا من “الخيانة”.
وبذلك، يصبح الاغتيال السياسي آلية لإعادة إنتاج الأفكار المتشددة لا لمواجهتها أو إضعافها.
إجمالًا:
يمكن القول: إن اغتيال تشارلي كيرك لا يمكن النظر إليه كحادثة معزولة في سياق العنف السياسي الأمريكي، بل كجزء من مسار أوسع يعكس أزمة متفاقمة في الخطاب السياسي العالمي وليس الأمريكي فحسب، كما أن الشيء المؤكد، أن بإمكان أحداث مماثلة لهذا النوع أن تتيح مبررات لمزيد من التضييق على أصوات المعارضة الليبرالية واليسارية، والأقليات المتواجدة في الغرب، بل وحتى على الداعمين للقضية الفلسطينية حول العالم، كما من شأنها أن تسهم مِثْل هكذا أحداث في إعادة إنتاج كيرك -وغيره من اليمين المتطرف- باعتبارهم رموزًا، وهو الأمر الذي يزيد من صعوبة مساءلة خطابهم العنيف أو تفنيده حتى لا تقع تحت طائلة الاتهام أو المسائلة.
وعليه؛ يصبح الحادث نقطة تحوُّلٍ لا تُختزل في حدود الداخل الأمريكي، بل تمتدُّ تداعياته إلى إعادة صياغة قواعد الجدل العام عالميًّا، في سياق يتسم بصعود اليمين المتطرف وتشديد الرقابة الأمنية وتراجُع مساحات النَّقد الحُر.
المصادر:
[1] مروة محمد عبد الحليم، محاولة اغتيال دونالد ترامب وتداعياتها على سباق الانتخابات الأمريكية 2024، المرصد المصري، ١٤-٧-٢٠٢٥ https://marsad.ecss.com.eg/81999/
[2] ترامب يصنف حركة “أنتيفا” منظمة إرهابية محلية عقب اغتيال حليفه تشارلي كيرك، فرانس ٢٤، ٢٣-٩-٢٠٢٥
