المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > كيف تحولت أنتيفا إلى “تهديد إرهابي”؟ قراءة في تداعيات قرار التصنيف
كيف تحولت أنتيفا إلى “تهديد إرهابي”؟ قراءة في تداعيات قرار التصنيف
- سبتمبر 25, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات

إعداد: إلهام النجار
باحث في برنامج الأمن والإرهاب
تُمثّل حركة أنتيفا (Antifa) إحدى أكثر الظواهر السياسية إثارةً للجدل في المشهد الأمريكي المعاصر، إذ نشأت كتيارٍ فضفاضٍ من النشطاء المناهضين للفاشية واليمين المتطرف دون قيادةٍ مركزيةٍ أو هيكلٍ تنظيميٍ تقليدي، ما جعلها أقرب إلى شبكة لا مركزية تتبنّى خطابًا جذريًا وممارسات احتجاجية متنوعة، وقد برزت أنتيفا بوضوح منذ أحداث شارلوتسفيل 2017، ثم تصاعد حضورها بشكلٍ لافتٍ خلال احتجاجات حياة السود مهمة في عام 2020، لتصبح في قلب الاستقطاب السياسي والإعلامي في الولايات المتحدة، وبينما يرى أنصارها أنها تمثل “خط الدفاع الشعبي ضد العنصرية والفاشية”، فإن خصومها – وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – يصنفونها كحركةٍ عنيفةٍ تهدد الاستقرار الداخلي، كما أن قرار ترامب الأخير خلال هذا الشهر الجاري بإعلان عزمه تصنيف أنتيفا كـ”منظمة إرهابية كبرى” فتح نقاشًا قانونيًا ودستوريًا واسعًا، إذ أن الأُطر التشريعية الأمريكية القائمة تسمح بتصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية فحسب، بينما تظل مسألة التعامل مع حركات داخلية غير مركزية مثل أنتيفا إشكالية معقّدة، ومن هُنا يثير هذا القرارُ تساؤلاتٍ حول مدى إمكانية تطبيقه عمليًا، وانعكاساته على الأمن الداخلي، وحقوق الاحتجاج، والحريات الدستورية، إضافةً إلى آثاره السياسية في سياق الاستقطاب الحاد بين اليمين واليسار في الولايات المتحدة.
وعليه، يهدف هذا التقرير إلى تناول طبيعة حركة أنتيفا وأنشطتها البارزة، وتحليل السياق السياسي والقانوني لإعلان ترامب، واستشراف التداعيات المحتملة على الأمن القومي الأمريكي والمجتمع المدني
أولًا: تعريف الحركة وطبيعتها
أنتيفا ليست حزبًا أو هيئة ذات قيادة مركزية، بل تجمّع واسع لمجموعات ونشطاء يتقاسمون موقفًا مناهضًا للفاشية واليمين المتطرف، ويضمّ مزيجًا من أنصار التيارات اللاسُلطوية، والاشتراكية، وأنصار العدالة الاجتماعية، نشاطهم يتراوح بين تنظيم حملات توعية ومناصرة ومبادرات مساعدة مجتمعية إلى مواجهة مباشرة “أحيانًا عنيفة” لمجموعاتٍ يمينيةٍ متطرفةٍ، كما أنه لا توجد سجلات عضوية موحّدة أو هرميةٌ قياديةّ عامة؛ الانتشار موزّع محليًا ويعتمد على خلايا مستقلة ومنصات إلكترونية متنوعة، مما يجعل وصفها كـ”منظمة” بمقاييس قانونية تقليدية أمرًا معقدًا.[1]
ثانيًا: أنشطة حركة أنتيفا البارزة
تتنوع أنشطة أنتيفا بين تنظيم المظاهرات والاحتجاجات، والانخراط في المواجهة المباشرة مع القوميين البيض، إضافةً إلى استخدام أدواتٍ إعلاميةٍ مثل كشْفِ هويات المتطرفين ونشْرِ الدعاية المضادة. كما تمارسُ بعضُ فروعها أنشطةً مجتمعيةً كالدعم المحلي للمهاجرين والأقليات، في حين ارتبطت مجموعات أخرى بأعمال عنف رمزية كتخريب الممتلكات خلال التظاهرات، ويمكن توضيح ذلك من خلال الآتي:
المظاهرات والاحتجاجات:
تُعَدّ المظاهرات والاحتجاجات النشاط الأكثر ارتباطًا بحركة أنتيفا، حيث يشارك عناصرها بفاعليةٍ في المسيرات المناهضة للعنصرية والفاشية، وكذلك في الاعتصامات المناهضة لجماعات اليمين المتطرف. وقد برز دورهم في أحداث شارلوتسفيل عام 2017 عندما اندلعت اشتباكاتٌ بينهم وبين القوميين البيض، كما تزايدَ حضورهم بشكلٍ لافتٍ خلال احتجاجات “حياة السود مهمة” (BLM) عام 2020 التي اجتاحتْ مدناً أمريكيةً عدّةً مثل بورتلاند وسياتل. ويُنظر إلى هذه المشاركة على أنها شكلٌ من أشكال المقاومة الشعبية لدى أنصارهم، في حين يعتبرها خصومهم سببًا في تصاعد أعمال العنف خلال تلك الاحتجاجات.[2]
المواجهة المباشرة مع اليمين المتطرف:
من أبرز سمات حركة أنتيفا تبنّيها لأسلوب المواجهة المباشرة مع جماعات اليمين المتطرف، خصوصًا القوميين البيض والنازيين الجدد، فبدلًا من الاقتصار على النشاط السلْمي أو الخطابي، يسعى أعضاؤها إلى التصدي الميداني لهذه الجماعات عبر الاشتباكات في الشوارع أو منعهم من عقْدِ تجمعاتهم، وقد ظهر ذلك بوضوح في عدة مناسبات، أبرزها أحداث شارلوتسفيل 2017 حيث لعبت أنتيفا دورًا في مواجهة المسيرة اليمينية الشهيرة، وكذلك في مدينة بورتلاند التي شهدت اشتباكاتٍ متكررةً بين ناشطي أنتيفا ومجموعات يمينية مثل “براود بويز” (Proud Boys)، ويبررُ أنصار الحركة هذا النهج باعتباره ضرورةً لمنْعِ انتشار الفكر الفاشي، بينما يراه منتقدوهم مظهرًا من مظاهر العنف السياسي الذي يهدد النظام العام.[3]
النشاط الإعلامي والدعاية المضادة:
يولي ناشطو أنتيفا أهميةً كبيرةً للنشاط الإعلامي باعتباره أداةً أساسيةً في مواجهة اليمين المتطرف. ويشمل ذلك إدارة منصاتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر بيانات مضادة للفكر الفاشي، إضافةً إلى ممارسة ما يُعرف بـ “الدوكسينغ” (Doxxing)، أي كشف هويات الناشطين في جماعات اليمين المتطرف ونشر معلوماتهم الشخصية بهدف فضحهم اجتماعياً ومهنياً. كما تستخدم الحركة الدعاية المضادة لتقويض الرواية الإعلامية التي ترى أن أنشطتها مجرد عنف غير مبرر، حيث تعرضُ نفسها كخطِ دفاعٍ عن الأقليات والمهاجرين. غير أن هذا النشاط الإعلامي أثار جدلاً واسعًا؛ إذ يراه المؤيدون شكلًا من أشكال المقاومة الرقمية، فيما يعتبره المعارضون انتهاكًا للخصوصية وتحريضًا على الاستهداف.[4]
المساعدات المجتمعية والأنشطة المحلية:
لا تقتصر أنشطة حركة أنتيفا على المواجهات الاحتجاجية أو الإعلامية، بل تمتد أيضًا إلى المجال المجتمعي المحلي. ففي عددٍ من المدن الأمريكية، يشارك أعضاؤها في تقديم مساعداتٍ للمهاجرين غير النظاميين واللاجئين، ودعم الأقليات العرقية، إضافةً إلى تنظيم مبادراتٍ مجتمعيةٍ لمناهضة العنصرية وتعزيز العدالة الاجتماعية. كما يُعرف عن بعض مجموعاتها أنها توفر دورات تدريبية للشباب حول كيفية حماية أنفسهم من الاعتداءات العنصرية أو التصدي لدعاية اليمين المتطرف. هذه الأنشطة تمنح الحركة شرعية اجتماعية بين قطاعات من المجتمع المدني، لكنها في الوقت نفسه تُتهم من قِبلِ خصومها بأنها وسيلةٌ لتوسيع قاعدتها الشعبية واستقطاب عناصر جديدة تحت غطاء العمل الإنساني.[5]
أعمال عنف رمزية أو تكتيكات تخريبية:
تُتهم حركة أنتيفا في كثيرٍ من المناسبات باللجوء إلى أعمال عنفٍ رمزيةٍ أو تكتيكاتٍ تخريبيةٍ، مثل تحطيم نوافذ المباني الحكومية أو الشركات الكبرى، وإشعال الحرائق في الممتلكات العامة والخاصة خلال المظاهرات. وغالبًا ما ترتبط هذه الممارسات بما يُعرف بـ “الكتلة السوداء” (Black Bloc)، وهي استراتيجيةٌ تعتمد على ارتداء الملابس السوداء لإخفاء الهوية أثناء تنفيذ أعمال التخريب. يرى مؤيدو الحركة أن هذه الأفعال تمثّل شكلًا من العصيان المدني العنيف ضد المؤسسات التي يعتبرونها متواطئةً مع العنصرية أو الرأسمالية المتطرفة، بينما يعتبرها منتقدوهم تهديدًا مباشرًا للنظام العام وذريعة لتصنيفهم كـ “جماعة إرهابية” من قِبلِ إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2020.[6]
التعاون مع حركات يسارية أخرى:
اعتمدت حركة أنتيفا منذ نشأتها على بناء جسورٍ مع الحركات اليسارية والراديكالية الأخرى في الولايات المتحدة وخارجها. فقد ارتبطَ نشاطها بشكلٍ وثيقٍ مع الحملات المناهضة للعولمة، والحركات المدافعة عن حقوق المهاجرين والأقليات، بالإضافة إلى حضورها البارز في احتجاجات “احتلوا وول ستريت” (2011) التي مثّلت نقطة التقاء لعددٍ من القوى اليسارية الجديدة، كما تعاونت الحركة مع جماعاتٍ مدافِعةٍ عن العدالة الاجتماعية والبيئية، ومع منظماتٍ مناهضةٍ للرأسمالية والعنصرية. هذا التعاونُ مكّنها من توسيع قاعدة الدعم الجماهيري وتعزيز قدرتها على الحشد، لكنه في المقابل دفع السلطات الأمريكية إلى النظر إليها باعتبارها جزءًا من شبكةٍ أوسع من الحركات اليسارية المتطرفة التي تهدد الأمن العام، والتنسيق مع جماعات لاسلطوية (Anarchist collectives)، ونقاباتٍ عمّاليةٍ محلية، ومنظمات حقوقية يسارية، خصوصًا في أوقات الأزمات السياسية.[7]
وعليه، فإن أنشطة أنتيفا متباينةٌ بين العمل المجتمعي السلمي والمواجهة العنيفة المباشرة مع اليمين المتطرّف. هذا التناقضُ يجعلها في قلب الجدل: بالنسبة لمؤيديها هي حركة مقاومة ضد الفاشية وحماية للأقليات، بينما يعتبرها خصومها “ميليشيا يسارية عنيفة”.
ثالثًا: إشكالات قانونية
أثار نشاط حركة أنتيفا في الولايات المتحدة جملةً من الإشكالات القانونية المعقّدةِ، خصوصًا بعد قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب عام 2020 السعي لتصنيفها كـ”منظمةٍ إرهابيةٍ محلية”ـ،أيضًا خلال الشهر الجاري فالحركة لا تمتلك هيكلًا تنظيميًا واضحًا أو قيادة مركزية، بل تعملُ كشبكةٍ فضفاضةٍ من المجموعات المحلية، الأمرُ الذي يجعل من الصعب على السُلطات تطبيق القوانين التقليدية الخاصة بمكافحة الإرهاب أو تنظيم الجمعيات عليها، كما يثير هذا التصنيف جدلًا واسعًا حول حرية التعبير وحق الاحتجاج الذي يكفله الدستور الأمريكي، إذ يخشى خبراء القانون من أن يؤدي استخدام تشريعات مكافحة الإرهاب ضد جماعة غير منظمة إلى خلْقِ سابقةٍ قانونيةٍ خطيرةٍ تهدد الحريات المدنية، في المقابل، ترى أصوات أخرى أن أعمال العنف المرتبطة بالحركة تبرر اللجوء إلى أدوات قانونية استثنائية لضمان الأمن العام. ومن هنا تظلُّ مسألةُ التعامل القانوني مع أنتيفا ساحةَ جدل بين مقتضيات الأمن ومتطلبات الديمقراطية، ويمكن توضيح أبرز هذه الإشكالات من خلال التالي:
غياب آليةٍ رسميةٍ للتصنيف الداخلي: آليات تصنيف “منظمات إرهابية” لدى وزارة الخارجية مثل قائمة ” المنظمات الإرهابية الأجنبية” مخصّصة للجهات الأجنبية؛ ولا توجد آليةٌ مُستخدمةٌ تقليديًا على المستوى الفيدرالي لتصنيف حركة داخلية غير مركزية بنفس الإطار، ذلك يضع إعلانًا رئاسيًا من هذا النوع أمام عقبات تنفيذية وقانونية كبيرة. [8]
الحرية الدستورية وحرية التعبير: خبراء حقوقيون ومنظمات حماية الحقوق (مستندين إلى سوابق قانونية) يخشون أن تحويل خطاب سياسي أو انتماء أيديولوجي إلى “جريمة تنظيمية” قد يهدد الحريات الدستورية ويعرّض نشاطاتٍ احتجاجيةً وحركةً مدنيةً للسجون أو لتصنيفات مالية وقانونية قد تكون مفرطةً، استنادًا إلى تحليلات أكاديمية واستعراضات تشريعية، فإن تشريعَ إطار جنائيٍ جديدٍ أو استعمال قوانين مكافحة الإرهاب الحالية على جماعاتٍ داخليةٍ يثير تحدياتٍ دستورية.[9]
صعوبة الإثبات والمواد القانونية: لإدانة أو فرض قيود عبر قوانين “الدعم المادي للإرهاب” يجب إثبات عنصر التنظيم والنية والتنسيق لتفاصيل إجرامية؛ حالة تجمعات لا مركزية كهذه تجعل تطبيق قوانين الدعم المادي أو تجميد أصول معقّدة وقد تواجَه بالتقاضي.[10]
رابعًا: تداعيات متوقعة
أثار قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير خلال هذا الشهر الجاري بتصنيف حركة أنتيفا كجماعةٍ إرهابيةٍ موجةً واسعةً من الجدل حول التداعيات المحتملة لمثل هذا التوجّه، فمن ناحية، يُتوقع أن يؤدي التصنيف إلى توسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية في ملاحقة الأفراد المرتبطين بالحركة، وربما تقييد أنشطتها الاحتجاجية بشكلٍ أكبر، ومن ناحية أخرى، يُخشى أن يشكّل ذلك تهديدًا للحريات المدنية والدستورية، خاصةً حق التظاهر وحرية التعبير، إذ إن الحركة لا تتمتع بكيانٍ تنظيميٍ مركزيٍ يمكن إخضاعه للإجراءات القانونية التقليدية، كما أن مثل هذا التصنيف قد يفتح الباب أمام تسييس قوانين مكافحة الإرهاب واستخدامها ضد جماعات معارضة أو حركات اجتماعية أخرى، وإلى جانب البعد الداخلي، فإن هذه الخطوة قد تترك انعكاساتٍ على صورة الولايات المتحدة عالميًا، باعتبارها دولةً تُقيد الاحتجاجات تحت غطاء “الأمن القومي”، مما يثيرُ تساؤلاتٍ حول توازن الأمن والديمقراطية في التجربة الأمريكية، وأبرز هذه التداعيات كالتالي:
سياسة داخلية وأمنية: تكثيف الملاحقات الجنائية ضد أفراد يُعتبرون “مُنفذين”أو “منظِّمين”؛ زيادة صلاحيات الأجهزة الأمنية؛ مزيد من المراقبة الرقمية والتمويلية لمنصات وناشطين، هذا قد يواجه دعاوى قضائيةً وقيودًا بالتطبيق على مستوى الولايات. [11]
تأثير على المجتمع المدني والاحتجاج: خطر تقييد حيز الاحتجاج السلمي، ورفعُ منسوب الخوف بين منظمات المجتمع المدني والناشطين، واحتمال ردّ فعل تصعيدي من بعض الفئات. [12]
قطبيّة سياسية وتغذية خطاب الاستقطاب: القرار سيستثمر سياسيًا مؤيديه سيعتبرونه خطوةً حاسمةً ضد “العنف اليساري”، ومعارضوه سيعتبرونه حملةَ قمْعٍ على المعارضة السياسية، ستزداد الاستقطابات الإعلامية والقضائية. [13]
تأثيرات دولية: قد يدفع حلفاء أو دول شريكة (مثل دول يمينية في أوروبا) لتقليد القرار، كما ظهرتْ مؤشراتٌ على ردود فعلٍ دوليةٍ في الفترة الأخيرة؛ ذلك قد يؤثر في التعاون الأمني والاعتبارات الدبلوماسية المتعلقة بالتعامل مع نشطاء وسياسيين أجانب.[14]