المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > من المقاومــةِ إلى التنــازع: تقييــم أوَّلـي لظهـور فصيـل مُسلَّـح جديـد فـي غــزة
من المقاومــةِ إلى التنــازع: تقييــم أوَّلـي لظهـور فصيـل مُسلَّـح جديـد فـي غــزة
- سبتمبر 27, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات

إعــداد: فــداء منصــور
باحـث فـي برنامـج الأمـن والإرهـاب
مع استمرار إسرائيل في غزوها البري لمدينة غزة، فإنها تستخدمُ تكتيكًا لتنفيذ سياساتها في تهجير السكان من شمال القطاع إلى جنوبه، والقضاء على حماس، وذلك في ضوءِ دعم جماعاتٍ مسلحةٍ معارضِةٍ لسياسة الحركة، إذ يعُدّ ذلك مؤشرًا نوعيًا على تحوُّل المشهد من صراعٍ تقليديٍ بين الفصائل الرئيسة إلى بروز فواعل مسلَّحة غير نظاميةٍ ذات دوافع شخصيةٍ ذاتية مرتبطةٍ بخلفيات قادتها وطموحاتهم، وأخرى سياسية بفرْضِ وجودها كحُكمٍ بديلٍ لحماس، فضلًا عن دوافع استراتيجيةٍ أوسع ترتبط بالتوظيف الإقليمي والدولي لهذه الظاهرة. في هذا السياق، وعلى غرار ظهور ميليشيا “أبو شباب” أو ما تُسمى “جهاز مكافحة الإرهاب – القوات الشعبية”، ظهر فصيلٌ مسلّحٌ آخر بقيادة “حسام الأسطل” من خلال بثِّ فيديو مصور له في 21 سيبتمبر الجاري، أعلن فيه عن تشكيل ميليشيا يُطلق عليها اسم “القوة الضاربة ضد الإرهاب معلنةً نفسها كبديلٍ لحّكم حركة حماس، في منطقة قيزان النجار – وهي قريةٌ مُهجَّرة من سكانها– في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة بالقرب من منطقة المواصي، كما عرض مكافأةً ماليةً لتشجيع الأهالي على اغتيال عناصر الحركة، بقيمة قُدّرتْ بـ50 دولار ثم أخفضها إلى 25 دولار. تكشف هذه الظاهرة عن هشاشة البنية الأمنية والاجتماعية في غزة، وزيادة تعقيدها، حيثُ تفتح المجال أمام احتماليةِ إعادة إنتاج أنماط الحرب الأهلية المصغّرةِ أو الصراع بين الميليشيات، بما يفاقم معاناة المدنيين ويعطِّل أي فرصٍ للتسوية.
ومن ثَمَّ، فإن تناول ظاهرة ميليشيا الأسطل لا تقتصرُ على كونها مجرد رصْدِ جماعةٍ مسلَّحةٍ جديدة، بل إلى تحليل ما إذا كانت تمثِّل حالةً عابرةً من الفوضى، أم مؤشراً لبداية مسارٍ أعمق نحو إعادة تشكيل المشهد الأمني في غزة على أسس ميليشياوية.
مـن هـو “حســام الأسطــل”؟
ضابطٌ سابقٌ في جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية، في الخمسينات من عمره، ويلقب بـ “أبو سفن”،[1] عمل لسنوات داخل إسرائيل قبل أن ينضمَّ إلى قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، التي فقدت السيطرة على غزة عندما استولت حماس على السلطة عام 2007، وذُكر اسمه في تقاريرَ محلّيةٍ على أنه متهمٌ بالتخابر والاشتراك في عملياتٍ خطيرةٍ، سُجن لاحقًا عدة مراتٍ من قِبَلِ حماس وصدر بحقه حكمٌ عسكريٌ بالإعدام في غزة في أكتوبر 2022؛ لاتهامه بالتورط باغتيال قياديٍ حماس “فادي البطش” في ماليزيا عام 2018،[2] ووفقًا لمصادر الإعلام الفلسطينية فإن الأسطل كان معتقلًا في سجون حركة “حماس” بعد عمليةِ استدراجٍ من خارج القطاع إلى داخله، بتهمة التعاون مع جهاز الشاباك الإسرائيلي.
في هذا السياق، تكشف المصادر أنه منذ هروبه من السجن في أعقاب الحرب على غزة ، تنقّل عبر مناطقَ عدّة، كما حاول الهربَ باتجاه إسرائيل، ومع ظهور ميليشيا “ياسر أبو شباب” في رفح كان الأسطل من أبرز الأسماء التي التحقت بالميليشيا، قبل أن يشكّلَ ويؤسّسَ مجموعته المسلحة الخاصة في جنوب قطاع غزة.
دلالات التوقيــت وظــروف الإعــلان
بعد مرور ما يقربُ من عامين على مساعي إسرائيل في القضاء على حماس، بدأت تظهر ميليشياتٌ صغيرةٌ مسلحةٌ ًخاصةٌ في جنوب القطاع لتُعلنَ نفسها عدوًا لحماس، هذه الجماعات مرتبطةٌ غالبًا بعشائر بدوية ومسؤولين أمنيين سابقيين، برزت بقوة عَقِبَ عودة السكان إلى الشمال بعد إعلان الوساطة التوصل إلى تفاهمٍ مع إسرائيل في آواخر يناير 2025، والذي أعلن الجيش الإسرائيلي حينها بدء الانسحابِ من محور نتساريم، ليمثّلَ نموذج الميليشيات بديلاً محتملًا – وفقًا للرواية الإسرائيلية – آخرها كانت دعوات “حسام الأسطل” في أواخر سيبتمبر الجاري عن استقطابِ مسلحين للميليشيا الخاصة به في خان يونس، يأتي ذلك وفقًا لمجموعة دلالات، أبرزها:-
1- بدء الاجتياحِ البري لمدينة غزة: أعلن الجيش الإسرائيلي خلال منتصف سيبتمبر الجاري عن البدء في العملية التي يُطلقُ عليها اسم “عربات جدعون 2” والمسماه “الحسم العسكري”؛ لتحييد القدرات العسكرية والتنظيمية لحركة “حماس” داخل مدينة غزة، وتشير تقديرات الجيش الإسرائيلي إلى أن العمليةَ قد تستمر حتى بداية العام المقبل، بالإضافة إلى أن إسرائيل هجَّرت قسرًا نحو 350 ألف شخصٍ من مدينة غزة قبل بدء العملية البرية، فيما لا يزال 600 ألف على الأقل داخل المدينة[3]، وعليه بلغ عددُ النازحين منذ البدء بالعملية إلى أكثر من 60 ألفًا.[4] على الجانب الآخر، ذكر مكتب الإعلام الحكومي بقطاع غزة أن الطواقم الحكومية سجّلت أيضًا حركة نزوحٍ عكسيٍ إذ عاد أكثر من 24 ألف فلسطيني إلى مناطقهم الأصلية داخل مدينة غزة؛ بسبب انعدامِ أدنى مقوّماتِ الحياة في الجنوب، وأوضح أن منطقةَ المواصي في خان يونس ورفح جنوب قطاع غزة، التي يُروجُ لها الجيش الإسرائيلي على أنها “منطقةٌ إنسانيةٌ وآمنةٌ” تعرضت لأكثر من 114 غارة جوية وقصْفٍ متكرٍر أسفر عن مقتل أكثر من ألفي فلسطيني في مجازرَ متلاحقةٍ.
في ضوء ذلك، قد تطول العملية البرية بسبب الأنفاق والبنية التحتية تحت الأرض، ما قد يحولها إلى حملةِ استنزافٍ طويلة، وربما ستأخذ العمليات شكلَ حرب مدن طويلة؛ تتضمن تفتيش المنازل، وهدْمَ مواقعَ عسكرية تحت الأرض، وإقامةَ نقاط عسكريةٍ ثابتةٍ داخل الأحياء.
2- زيادة الاعتراف الدولي بفلسطين: يكتسب توقيت ظهورها دلالةً خاصةً، إذ تزامن مع اتّساع موجةِ الاعتراف الدولي المتزايد بدولة فلسطين، آخرها الاعتراف الفرنسي والبريطاني، وما رافقه من زخَمٍ دبلوماسيٍ لصالح الفلسطينيين في المحافل الدولية، هذا التزامن يطرح إشكاليةً جوهريةً تتمثّل في التناقض بين المسار السياسي الخارجي الذي يعزز صورة الفلسطينيين كشعبٍ يسعى نحو بناء دولة، وبين المسار الأمني الداخلي الذي يعيد إنتاج مشهد الانقسامٌ وتشظي مراكز القوة، وبالتالي يغذي ذلك السرديات الإسرائيلية في أن الفلسطينيين يتجهون نحو الفوضى لا نحو بناء الدولة، هذا قد يُستخدم كحجّةٍ ضد أي خطواتٍ لاحقةٍ للاعترافِ أو منْحِ الفلسطينيين الشرعية الدولية.
3- تفاقم الأزمات الإنسانية: حيثُ إن نقْصَ الغذاء والمأوى، وحالات النزوح الواسعة، وتراجع قدرة الفصائل على ضبط الأمن، يوفر بيئةً مثاليةً لتجنيد شبابٍ يبحثون عن حماية أو موارد.
4- مناخ دعائي وإعلامي ملائم للاستقطاب: استغلال التوقيت لنشْر فيديوهات ورسائل عبر السوشيال ميديا، بهدف إظهار الميليشيا كـبديلٍ حامٍ للفلسطينيين في ظل عودتهم من الشمال للجنوب، وليس فقط مجموعة مسلحة؛ وذلك بتصوير الخدمات التي تقدمها تلك الميليشيات في مناطق جنوب القطاع. وخلال المقابلات التي أجرتها معه كل من القناة 12 العبرية وصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، عرض الأسطل لقطاتٍ لمواد تموينيةٍ مكتوبٍ عليها بالعبرية، مدّعيًا استلام معوناتٍ غذائيةٍ، ومياه، وألواحًا شمسيةً من جهاتٍ مرتبطة بإسرائيل، كما عرض الأسطل مبانٍ مضاءةً بإضاءة ساطعة – وهو مشهدٌ غير مألوف في منطقةٍ قطعت فيها إسرائيل معظم الكهرباء في الأيام التي أعقبت هجوم حماس – في مقطع فيديو عبر الإنترنت. وعليه، قد توسّعت المجموعة، من 4 مقاتلين إلى ما يقارب 150 عنصرًا،[5] مع توقعاتٍ بزيادة العدد إلى المئات قريبًا.
الأهـــداف والدوافــــع
أولًا: أهــداف ودوافــع تشتــرك فيها الميليشيــات المُنشئــة
وأكد قيادي في ميليشيا “أبو شباب” لـ”تايمز أوف إسرائيل” أن المجموعتين على اتصالٍ، واصفًا قوة الأسطل بأنها جزءٌ من “القوات الشعبية” نفسها، مما يشير ذلك إلى وجود دوافع مشتركة لظهورهما في المشهد الغزِّي:-
1- دوافع القائد الشخصية الكامنة والانتقامية: من الجدير بالذكر، أن “حسام الأسطل” له سجلٌّ عَدائيٌ مع حماس كالمحاكمات والاتهامات السابقة، كما تشير العديد من المصادر إلى أن “حسام الأسطل” لديه عداءٌ شخصيٌ وأيديولوجيٌ مع حماس، وبالتالي الإعلان عن تأسيس ميليشيا بقيادته يعطي انطباعاً أنه استغل اللحظةَ للثأر وبناء نفوذٍ شخصيٍ. على الجانب الآخر، إن “ياسر أبو شباب” كان معتقلًا في سجون حماس بتُهمٍ جنائيةٍ
2- إضعاف قوة حماس وفرض حكم بديل: فترى الميليشيا الجديدة أن حماس لم تعدْ قادرةً على احتكار العنف، وأن هناك أطرافًا جديدةً تفرض نفسها. في إطار ذلك، أكد القيادي بحركة أبو شباب أن “كلنا واحد”؛ وزعم أن الفصائل تسعى معًا لإنشاء حزام حماية للسيطرة عبر خان يونس ورفح، بالتنسيق مع إسرائيل.[6] كما قال الأسطل إن منطقة خان يونس تقع تحت مسؤوليته المباشرة، مشيرًا إلى تنسيقه مع زعيم المليشيا الأخرى “ياسر أبو شباب”، الذي يسيطر على مناطق شرق رفح وأجزاء من شرق خان يونس، رغم أنه يعملُ بشكلٍ مستقلٍ عن أبو شباب.
ثانيًــا: الفروقــات بينها وبين ميليشيـا “أبـو شبـاب”
1- المستوى التعليمي لقائد الميليشيا: في مقابلاتٍ مع القناة 12 العبرية وصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، تحدّث الأسطل بالعبرية الفصيحة، موجهًا خطابه مباشرةً للجمهور الإسرائيلي، متحدثًا عن أنه بدأ بأربعة عناصر فقط، قبل أن يتوسع التشكيل بضمِّ عناصر جديدة بعد عملية غربلةٍ للتأكد من عدم ارتباطهم بحماس؛ ويشير ذلك إلى محاولة بناء تنظيم منضبط، له معايير للعضوية، ما يمنحه صورةَ مشروعٍ سياسيٍ – عسكريٍ منظّم، حيثُ أكد الأسطل أن هدفه هو أن يكون “البديل بعد الحرب”. على الجانب الآخر، أبو شباب لا يجيد القراءة ولا الكتابة ولديه فريقٌ إعلاميٌ يدير صفحته على الفيسبوك. وعليه، يوحي ذلك برغبة الأسطل في تقديم نفسه كفاعلٍ سياسيٍ بديل، وليس مجرد قائد ميداني محلي.
2- علنية الدعم: نشر الأسطل صورًا على فيسبوك له مع مسلحين يصفهم بمقاتليه، وعندما سُئل عن مصدر تمويل معدّاتهم العسكرية، قال الأسطل إنه يأتي من قنواتٍ متعددة، وذكر الولايات المتحدة، وأوروبا، ودولاً عربيةً، ولكنه لم يذكر من هي، وأضاف: “قريبا سنعتمد على إسرائيل لتزويدنا بالكهرباء والماء”. في هذا السياق، قدَّم لـ”تايمز أوف إسرائيل” لقطاتٍ لدقيقٍ وعصائر من ماركات إسرائيلية، مكتوب عليها باللغة العبرية، إدّعى أنه تلقاها من إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، يظهر في إحدى الصور مرتديًا سترةً تحمل شعار شركة IMI- Israel Military Industries للدفاع، وهي مورّدٌ إسرائيليٌ للمعدات العسكرية وأنظمة الدفاع القتالية الشاملة للقوات البرية والجوية والبحرية لوزارة الدفاع ومكتب رئيس الوزراء.
على العكس مع ميليشيا “أبو شباب”؛ فعلى الرغم من ثبوت كل المؤشرات الدعم الإسرائيلي للميليشيا إلا أنها تنفي ذلك، مبررًة وجودها لغرضٍ إنسانيٍ غير مدعوم، كما يُطالبُ الدولَ الغربية بالاعتراف بميليشيته.
التداعيــات المحتملـة لظهورهـا في ظـل تعقـُّد المشهـد الغــزِّي
ظهور ميليشيا بقيادة “حسام الأسطل” في خان يونس يُعَد تطورًا لافتًا في المشهد الغزِّي المعقَّد بالأساس، ويُمكن النظر إلى تداعياته المحتملةِ على أكثر من مستوى:-
التداعيات الأمنية: تعزيز ظاهرة تعدد مراكز السلاح خارج سيطرة حماس يزيد هشاشة البيئة الأمنية، وتآكل احتكار القوة، وبالتالي يزيد من تصاعد العنف الداخلي؛ بإحتمالية اندلاع اشتباكاتٍ مسلّحةٍ بين الميليشيا والفصائل الأخرى، أو مع أجهزة حماس الأمنية، بما يرفع حدّة الفوضى التي تضرب النسيج المجتمعي، مما يولِّد الخوفَ من تكرار سيناريو الفتنة الداخلية، والقلق نحو الحرب الأهلية الصامتة.
التداعيات السياسية: حيثُ إن توسّع نفوذ الميليشيا قد تحولها إلى طرفٍ يسعى للتفاوض أو المشاركة في أي ترتيباتٍ سياسيةٍ قادمةٍ.
تداعيات إقليمية ودولية: ظهور ميليشيا خارج الإطار التقليدي للمقاومة يعقِّد المشهد؛ في احتمالية التدخلات الخارجية كذريعةٍ لفرْضِ الأمن، كما تُضعف وجود الميليشيات المتعددة من دور الوساطة في الحرب على غزة؛ بتهديد صورة القضية الفلسطينية؛ نظرًا للتشظّي المسلّح المدعوم داخل المجتمع الفلسطيني.