المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > ممرُ القرن الأفريقي – اليمن: من شريان تجاري عالمي إلى بؤرة تهديداتٍ أمنية مُركبة
ممرُ القرن الأفريقي – اليمن: من شريان تجاري عالمي إلى بؤرة تهديداتٍ أمنية مُركبة
- سبتمبر 28, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات

إعداد: إلهام النجار
باحث في برنامج الأمن والإرهاب
يُعدّ ممرّ القرن الأفريقي – اليمن من أكثر الممرات البحرية حساسية في العالم، نظرًا لارتباطه المباشر بمضيق باب المندب الذي يُشكّل نقطة ارتكازٍ للتجارة الدولية وحركة الطاقة بين آسيا وأوروبا، غير أنّ الأهمية الجيوستراتيجية لهذا الممر جعلته في العقود الأخيرة ساحةً لتنامي تهديداتٍ غير تقليدية، أبرزها الهجرة غير الشرعية، الاتّجار بالبشر، تهريب الأسلحة والمخدرات، والأنشطة الإجرامية العابرة للحدود، فقد أسهمت هشاشة الدولة في اليمن واستمرار النزاعات المسلحة في دول القرن الإفريقي في تحويل المنطقة إلى بيئةٍ رخوةٍ تستقطب شبكات الجريمة المنظمة والجماعات المسلحة، التي وجدت في الممرِّ مصدرًا للتمويل والتأثير الاستراتيجي، ولم يعد الأمر مقتصرًا على تهديد أمن المهاجرين أو التجارة البحرية فحسب، بل امتد ليشكّل انعكاساتٍ مباشرةً على الأمن الإقليمي والدولي، حيث ساعدت تجارة السلاح على إطالة أمد الصراعات، وأدّت أنشطة التهريب إلى عسكرة البحر الأحمر وخليج عدن، فيما خلقت الهجرة غير النظامية ضغوطًا إنسانيةً وأمنيةً على دول الخليج والدول الإفريقية معًا، ولذلك بات الممر يُمثل مُعضلة مركّبة تتشابك فيها أبعاد اقتصادية، إنسانية، وسياسية، ما يستدعي مُقاربة شاملة لمعالجة التحديات وضمان أمن واستقرار المنطقة.
أولًا: أهمية الممرّ جغرافيًا وسياسيًا
يُعد ممرّ القرن الأفريقي – اليمن من أهم الممرات البحرية العالمية نظرًا لوقوعه عند مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي وقناة السويس، ما يجعله شريانًا رئيسيًا للتجارة الدولية ونقْلِ الطاقة، وتبرز أهميته أيضًا كحلقةِ وصلٍ بين إفريقيا والجزيرة العربية، حيث يُمثل منفذًا استراتيجيًا للهجرة والتجارة الشرعية وغير الشرعية، غير أن هشاشة الأوضاع الأمنية والسياسية في اليمن والقرن الإفريقي حولته إلى بؤرة تهديدٍ تمسّ استقرار الإقليم وأمن الملاحة الدولية، ويمكن توضيح أهمية الممر الجغرافية والسياسية من خلال الآتي:
البُعد الجغرافي:
يقع الممرُ البحري بين السواحل الشرقية للقرن الأفريقي (إريتريا، جيبوتي، الصومال، وإثيوبيا كدولة منبع للهجرة) والسواحل الغربية لليمن، مرورًا بخليج عدن ومضيق باب المندب، هذا الموقعُ يجعله واحدًا من أهم الممرات المائية في العالم، حيث يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي عبر قناة السويس، ويُعد شريانًا رئيسيًا للتجارة العالمية، إذ تمر عبره نحو 10% من حركة التجارة الدولية، كما تُظهر الطبيعة الجغرافية للسواحل في كلا الجانبين هشاشةً واضحةً؛ فالسواحل طويلة ووعِرة، وتتخللها جُزر غير مأهولة ومرافئ صغيرة غير رسمية، ما يجعل عمليات المراقبة البحرية صعبة، ويسهّل أنشطة التهريب والهجرة غير النظامية.[1]
البُعد السياسي:
منذ اندلاع الحرب الأهلية في اليمن عام 2015، وتعدد القوى المتصارعة (الحكومة الشرعية، الحوثيون، المجلس الانتقالي الجنوبي، إضافةً إلى الفصائل القبلية)، انهارت قدرة الدولة على السيطرة على حدودها البحرية، هذا الانهيارُ وفّر بيئةً خِصبة لشبكات التهريب والاتّجار بالبشر والأسلحة والمخدرات ، كما تُعدّ منطقة القرن الأفريقي من أكثر بؤر الهشاشة في العالم؛ حيث يُعاني الصومال من ضعْف الحكومة المركزية واستمرار التهديدات الأمنية من حركة الشباب، بينما واجهت إثيوبيا حربًا أهليةً في إقليم تيغراي (2020–2022) خلّفت موجاتِ نزوح واسعة، أما إريتريا فتُعاني عُزلةً سياسيةً واقتصاديةً دفعت شبابها إلى الهجرة غير النظامية ، أما البُعد الإقليمي، حيث الدول المُطلة على البحر الأحمر (مصر، السعودية، السودان، جيبوتي) تنظر إلى استقرار هذا الممر باعتباره قضيةَ أمنٍ قوميٍ، إذ إن أي اضطرابٍ في الملاحة عبر مضيق باب المندب ينعكسُ مباشرةً على التجارة والنفط العالمي .[2]
وعليه، فإن من أبرز عوامل تحوّل الممر إلى بؤرة تهديد: هشاشةُ الدولِ وضعْفُ مؤسساتها الأمنية، وطول السواحل وصعوبةُ المراقبة البحرية، كذلك تزايد الطلب على الهجرة من القرن الإفريقي نحو دول الخليج عبر اليمن، والأرباح الكبيرة الناتجة عن شبكات التهريب سواء للبشر أو الأسلحة أو المخدرات.[3]
ثانيًا: دوافع وتحولات الهجرة والتهريب
تُعد الهجرة غير النظامية والتهريب عبر ممرّ القرن الأفريقي – اليمن نتاجًا لمزيجٍ من الأزمات الاقتصادية والسياسية والنزاعات المسلحة في دول المنشأ، إلى جانب غياب قنوات الهجرة الآمنة، وقد شهدت هذه الظاهرة تحولاتٍ لافتةَ، إذ انتقلت من مجرد رحلاتٍ طوعيةٍ بحثًا عن فرص عمل إلى مساراتٍ محفوفةٍ بالمخاطر ترتبط بالاتّجار بالبشر والجريمة المُنظمة، وباتت هذه التحولات تُشكّل تحديًا إنسانيًا وأمنيًا مُتصاعدًا على المستويين الإقليمي والدولي، وتوضيح هذه الدوافع والتحولات من خلال الآتي:
الدوافع الرئيسة للهجرة والتهريب:
تُظهر الدراسات أن الممر الشرقي (القرن الأفريقي – اليمن) تحوّل إلى مسارٍ مركزيٍ للهجرة غير النظامية بفعْلِ مجموعةٍ من العوامل البنيوية والسياسية والاقتصادية، أبرزها:
الأزمات الاقتصادية والفقر:
تشهد دول المنشأ في القرن الأفريقي – وعلى وجه الخصوص إثيوبيا، الصومال، وإريتريا – أوضاعًا اقتصادية واجتماعيةً متدهورةً تتمثّل في ارتفاع معدلات البطالة، وتراجعِ مستويات المعيشة، وانتشار الفقر وضعف البنية التنموية، وهو ما يدفع عشرات الآلاف من الأفراد إلى البحث عن فرص عملٍ بديلةٍ، خاصةً في دول الخليج العربي التي يُنظر إليها كمقصدٍ رئيسيٍ للهجرة. ونظرًا لقربها الجغرافي وضعْفِ الرقابة الأمنية فيها، أصبحت اليمن البوابةَ الأبرزَ لهذه التحركات، حيث يُستغل موقعها كبوابة عبور رئيسية إلى الجزيرة العربية، رغم ما يكتنف هذه الرحلات من مخاطر إنسانية وأمنية جسيمة.[4]
النزاعات المسلحة وعدم الاستقرار:
تُعدّ النزاعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي من أبرز العوامل التي تدفع سكان دول القرن الإفريقي – خصوصًا الصومال وإثيوبيا وإريتريا – إلى الهجرة عبر البحر نحو اليمن والخليج، فالحروبُ الأهليةُ، وتنامي الإرهاب، وضعْفُ مؤسسات الدولة، كلها عوامل تؤدي إلى تفكك البنى الاجتماعية والاقتصادية، وانعدام الأمن الإنساني، بما يدفع الأفراد إلى البحث عن ملاذٍ آمنٍ أو فرصٍ للبقاء خارج أوطانهم، كما أنّ استمرار الصراع في اليمن نفسه فاقَمَ من هشاشة الممر البحري، حيث تحوّل إلى ساحةٍ مفتوحةٍ لشبكات التهريب والجريمة المنظمة، مستفيدة من غياب الرقابة الفعّالة وتفكك الأجهزة الأمنية، كما ساهمت الحروب الأهلية مثل النزاع في إقليم تيغراي الإثيوبي (2020–2022) والصراع المستمر في الصومال، إضافةً إلى القمع السياسي في إريتريا، في تدفقاتِ هجرةٍ واسعةٍ باتجاه هذا الممر .[5]
غياب قنوات هجرة قانونية:
يمثّل غياب أو محدودية قنوات الهجرة الشرعية أحد العوامل الرئيسية التي تدفع الأفراد في دول القرن الإفريقي إلى اللجوء لطرقٍ غير قانونيةٍ عبر البحر الأحمر وخليج عدن، فالإجراءات الصارمة التي تفرضها دول المقصد – خصوصًا دول الخليج – على دخول العمالة الأجنبية، إلى جانب ارتفاع تكاليف السفر النظامي وصعوبة الحصول على التأشيرات، تجعل المهاجرين يلجؤون إلى شبكات التهريب والاتّجار بالبشر كبديل، ويؤدي ذلك إلى تحويل الممر البحري إلى بيئةٍ خِصبةٍ لتنامي أنشطةٍ غير مشروعةٍ، حيث تتداخل مصالح شبكات الجريمة المنظّمة مع عوامل الجذب الاقتصادي، ما يُفاقم المخاطرَ الإنسانيةَ والأمنية المرتبطة بهذه الرحلات.[6]
العوامل المُناخية والبيئية:
تُسهم التغيرات المناخية والضغوط البيئية بشكلٍ متزايدٍ في دفْعِ سكان دول القرن الإفريقي إلى الهجرة. إذ تشهد المنطقة موجاتٍ متكررةً من الجفاف والتصحر ونُدرة الموارد المائية، ما يؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي وفُقدان سبل العيش الريفية، وتفاقم هذه الأوضاع هشاشة المجتمعات المحلية، وتدفع الأفراد، خاصة الشباب، إلى البحث عن بدائل خارج أوطانهم، كما أنّ الصدماتِ البيئيةَ كثيرًا ما تتقاطع مع النزاعات المسلحة، فتزيد من حدّةِ النزوح الداخلي والهجرة عبر البحر، ومن ثمّ، باتت العوامل البيئية والمناخية عنصرًا بنيويًا لا يقل أهمية عن العوامل الاقتصادية والسياسية في تفسير تدفقات الهجرة غير الشرعية عبر ممر القرن الإفريقي – اليمن[7].
تحولات أنماط الهجرة والتهريب:
من الهجرة الطوعية إلى الهجرة القسرية، في السابق كان المهاجرون يختارون العبور بحثًا عن فرص اقتصادية، أما اليوم فغالبية التدفقات مرتبطةٌ بالنزاعات المسلحة والأزمات البيئية التي تجعل الهجرة خيارًا قسريًا ، وتطور شبكات التهريب، حيث لم تعدْ مقتصرةً على أفراد محليين، بل أصبحت شبكاتٍ عابرةً للحدود تضمُّ سماسرة، مالكي قوارب، وعناصر مسلحة توفر الحماية أو تفرض الإتاوات ، وكذلك تزايد خطورة الرحلة: تقارير الأمم المتحدة توثّق تعرّضَ المهاجرين للاستغلال، بما في ذلك الاحتجاز القسري، الابتزاز، العنف الجنسي، والعمل القسري في اليمن ودول ، أيضًا الازدواجية بين التهريب والاتجار، بينما يبدأ المسار كعملية “تهريب” مدفوعة الثمن، يتحول أحيانًا إلى “اتّجارٍ بالبشر” عبر بيع المهاجرين أو استغلالهم بعد الوصول، خاصة النساء والأطفال[8].
الأبعاد الأمنية والاقتصادية للتحولات:
ازدياد أرباح شبكات التهريب جعلها قادرةً على التوسع والارتباط بأنشطةٍ أخرى مثل تجارة السلاح والمخدرات ، وكذلك تفاقم الأعباء على دول العبور والمقصد، خاصةً اليمن الذي يعاني من انهيار مؤسسات الدولة، والسعودية التي تستقبل جزءًا من هذه التدفقات ، وتصاعد المخاطر الإنسانية المتمثّلة في غرق القوارب أو احتجاز المهاجرين في ظروفٍ غير إنسانيةٍ، وهو ما جعل الممر يوصف بأنه “أحدُ أخطر طرق الهجرة في العالم.[9]
ثالثًا: الاتّجار بالبشر والهجرة غير الشرعية
يُشكّل ممرّ القرن الإفريقي – اليمن أحد أخطر مسارات الهجرة غير الشرعية في العالم، حيث يتدفق عبره آلاف المهاجرين بحثًا عن فرص أفضل في الخليج رغم المخاطر، غير أنّ هذه الرحلات غالبًا ما تتحول إلى عمليات اتّجارٍ بالبشر، تشمل الاستغلالَ الجنسي والعمل القسري والابتزاز، وقد جعلت هذه الظاهرة الممر بؤرةً إنسانيةً وأمنيةً تهدد استقرار الإقليم وتفرضُ تحدياتٍ على الدول المعنية، ويمكن توضيح ذلك من خلال الآتي:
الاتجار بالبشر:
يُعدّ ممر القرن الإفريقي – اليمن أحدَ أخطر المسارات العالمية لانتشار الاتجار بالبشر، حيث تستغلُ شبكات التهريب هشاشةَ الأوضاع الأمنية في اليمن وضعْفَ الرقابة الحدودية لتوسيع نشاطها، تبدأ العملية غالبًا بترتيبات “تهريب” مقابل المال، لكنها تتحول إلى “اتجار” عبر ممارسات الاستغلال الممنهج، كالاستغلال الجنسي، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن النساء والفتيات يُجبرن على البغاء أو يُباعن لشبكات منظمة بعد وصولهن، وكذلك العمل القسري، فالمهاجرون الذكور يتعرضون للاحتجاز وإجبارهم على العمل في الزراعة أو البناء دون أجر، خاصةً داخل مناطق سيطرة جماعات مسلّحة في اليمن، أيضًا الابتزاز والاحتجاز، فكثير من المهاجرين يُحتجزون في معسكرات أو منازلَ سريةٍ حيث يتعرضون للتعذيب، لإجبار أسرهم على دفْعِ فديةٍ، هذه الممارساتُ جعلت الممر يُوصَف في الأدبيات الإنسانية بأنه “أحد أكثر طرق الاتجار بالبشر وحشية في العالم.[10]“
الهجرة غير الشرعية:
تتدفق أعدادٌ كبيرةٌ من المهاجرين، خاصة الإثيوبيين والصوماليين، عبر خليج عدن نحو اليمن، حيث يطمحون للعبور إلى السعودية ودول الخليج، كما تُشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن أكثر من 97 ألف مهاجر عبروا من القرن الإفريقي إلى اليمن خلال عام 2023 رغم الحرب المستمرة ، كما أن المسارَ محفوفٌ بالمخاطر، إذ يتعرض المهاجرون للغرق، أو الإعادة القسرية من اليمن والسعودية، فضلًا عن مخاطر العنف من المهربين ، بالإضافة إلى أن شبكات الهجرة غير الشرعية ترتبط أحيانًا بتجارة السلاح والمخدرات، ما يزيد من هشاشة الأمن الإقليمي ، كما تعجز اليمن – بسبب الحرب وتفكّك مؤسساتها – عن استيعاب هذه التدفقات أو توفير الحماية، ما يجعل المهاجرين عالقين بين العنف المسلح وانتهاكات المهربين .[11]
التداعيات الإقليمية:
ومن أبرزها،كالتالي:
تهديدُ الاستقرار الإقليمي: تزايدُ أعداد المهاجرين غير النظاميين يشكّل ضغطًا على دول الخليج، خصوصًا السعودية التي تنفذ حملات ترحيل واسعة.
ارتباطٌ أمني معقد: الاتّجار بالبشر والهجرة غير الشرعية يغذّي اقتصادياتٍ غير مشروعة تُستغل من قِبَلِ جماعات مسلحة مثل الحوثيين في اليمن أو شبكات تهريب السلاح في القرن الإفريقي.
بُعد إنساني: تفاقم الأزمات الإنسانية على طول الممر جعلته من أكثر المسارات التي تتطلب تدخلًا إقليميًا ودوليًا منسقًا.[12]
رابعًا: تجارة الأسلحة والتهريب البحري
يُشكّل الممر البحري الرابط بين القرن الإفريقي واليمن أحد أهم مسارات تهريب الأسلحة في العالم، نتيجة هشاشة الرقابة البحرية وضعف البنية المؤسسية في الدول المطلة، حيث إن غالبيةَ الأسلحة المهربة تمر من الصومال وإريتريا عبر خليج عدن نحو اليمن، حيث تتدفق إلى جماعاتٍ مسلّحةٍ أبرزُها الحوثيون، في تحدٍّ صارخ لقرارات مجلس الأمن، كما أن شبكات تهريب منظمة تضمُّ وسطاء محليين وتجار إقليميين، وبعضها يرتبط بجماعاتٍ إجراميةٍ عابرةٍ للحدود تموّل نفسها عبر هذه التجارة ، وأسهمت هذه التدفقات في إطالة أمد الصراع اليمني، وزيادة عسكرة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، فضلًا عن تهديدٍ مباشرٍ لأمن الملاحة الدولية وإلى جانب السلاح، يُعدّ الممر مسرحًا لتهريب المخدرات والبضائع غير المشروعة، ما يعزّز اقتصاديات الجريمة المُنظمة، كالمخدرات حيث تُشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن كمياتٍ ضخمةً من الحشيش والميثامفيتامين يتمُّ تهريبها من أفغانستان عبر بحر العرب إلى اليمن، ومنها إلى القرن الأفريقي والخليج ، وكذلك البضائع الممنوعة، التي تشمل تهريب الفحم الصومالي (المحظور دوليًا) والمنتجات المقرصنة، والتي تمثّل مصدرًا لتمويل جماعاتٍ إرهابيةٍ مثل حركة الشباب ، بالإضافة إلى تداخل الأنشطة، فكثيرًا ما تستخدم شبكات التهريب السفن الصغيرة أو قوارب الصيد لخلْطِ أنشطةٍ مختلفةٍ (سلاح، مهاجرين، مخدرات)، مما يعقّد جهود المراقبة البحرية، ومن أبرز هذه التداعيات الإقليمية والأمنية:
تعزيز نفوذ الجماعات المسلحة، حيث أرباحُ تجارة السلاح والمخدرات أسهمت في تمويل الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيّرة، ما يهدّدُ أمن السعودية والبحر الأحمر، وإضعاف الدول الهشة مثل الصومال واليمن، حيث تراجعت سلطة الدولة لصالح اقتصاديات التهريب، وكذلك تهديد الملاحة الدولية، حيث تصاعد التهريب يضاعفُ مخاطر القرصنة والهجمات على السفن التجارية، ما يجعل الممر بؤرةً أمنيةً حَرجةً للتجارة العالمية.[13]
خامسًا: آثار مباشرة على الأمن الإقليمي
ويمكن توضيح أبرزها من خلال الآتي:
تهديد أمن الملاحة الدولية:
يمثّل الممر البحري عند مضيق باب المندب وخليج عدن شريانًا حيويًا للتجارة العالمية ونقل النفط، ومع تصاعد التهريب والهجرة غير الشرعية والقرصنة، أصبح الممرُ ساحةً مفتوحةً لتهديد السفن التجارية وناقلات النفط، وقد أكدت الأمم المتحدة أن الاضطرابات الأمنية في البحر الأحمر وخليج عدن ترفع تكاليف التأمين البحري وتؤثر سلبًا على سلاسل التوريد العالمية.[14]
تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة:
أدّى تدفق الأسلحة عبر الممر إلى تعزيز القدرات العسكرية للحوثيين في اليمن، ما مكّنهم من شنِّ هجماتٍ صاروخيةٍ وبالطائرات المسيّرة ضد السعودية والإمارات وتهديد الملاحة في البحر الأحمر، كما ساعدت أرباح التهريب جماعات مثل حركة الشباب في الصومال على تمويل عملياتها الإرهابية وتوسيع نطاق أنشطتها الإقليمية .[15]
تعميق هشاشة الدول المطلة:
أدّت أنشطة التهريب والاتّجار بالبشر وتجارة السلاح عبر ممر القرن الإفريقي – اليمن إلى تعميق هشاشة الدول المُطلة، سواء في القرن الأفريقي أو على الضفة المقابلة في شبه الجزيرة العربية، فهذه الدول، التي تُعاني أصلًا من مشكلاتٍ بنيويةٍ في مؤسساتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، تجد نفسها أمام تحدياتٍ متفاقمةٍ نتيجة الاستنزاف الأمني، وتفشّي الفساد، وتوسع نفوذ شبكات الجريمة المنظمة، كما أن اعتماد بعض المجتمعات المحلية على اقتصادياتٍ غير مشروعةٍ مثل التهريب، يزيد من تآكل سُلطة الدولة، ويُضعفُ قدرتها على فرض القانون، وفي السياق نفسه، تتحول بعض الموانئ والسواحل إلى مناطق خارج السيطرة الفعلية للدولة، ما يعزّز حلقة الضعف واللااستقرار، ويجعل هذه الدول عُرضةً لتدخّلات إقليميةٍ ودوليةٍ متزايدةٍ.
ضغوط إنسانية وأمنية على دول الجوار:
التدفقات الكبيرة للمهاجرين من القرن الإفريقي عبر اليمن باتجاه السعودية خلقت أعباءً إنسانيةً وأمنيةً على المملكة، التي اضطرت إلى تكثيف حملات الترحيل وضبط الحدود. هذا بدوره أدّى إلى توتر العلاقات بين دول القرن الإفريقي ودول الخليج نتيجة تداخل قضايا الأمن والهجرة .[16]
عسكرة البحر الأحمر:
دفعت التهديدات الأمنية المتزايدة إلى تعاظم الوجود العسكري الدولي والإقليمي في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث نشرت قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا قواعدَ بحريةً، كما عزّزت السعودية والإمارات وجودهما العسكري. هذا التصعيدُ العسكريُ يعكس الأهمية الاستراتيجية للممر، لكنه يزيد أيضًا من احتمالات الاحتكاك والنزاعات البحرية .
الآثار الاقتصادية:
ارتفاع تكاليف التجارة العالمية، تصاعد تهديدات التهريب والهجمات البحرية رفع من تكاليف التأمين على السفن العابرة للبحر الأحمر وباب المندب، مما انعكس على أسعار النفط والسلع عالميًا ، وإضعاف الاقتصادات المحلية، حيث اعتمادُ قطاعاتٍ واسعةٍ في الصومال واليمن على اقتصاديات غير شرعية (تهريب سلاح، مخدرات، مهاجرين) عزّز من اقتصاد الظل، وأضعف الإيرادات الحكومية، وزاد من معدلات الفقر والبطالة ،بالإضافة إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية، هشاشة الممر البحري تُنفر الاستثمارات الدولية من الدول المطلة، ما يعيق خطط التنمية ويزيد اعتماد هذه الدول على المساعدات الخارجية.[17]
الآثار الاجتماعية والإنسانية:
أزماتُ لجوءٍ متفاقمةٍ، كتدفقات المهاجرين غير النظاميين خلقت ضغوطًا اجتماعيةً وإنسانيةً على المجتمعات المضيفة، خاصة اليمن الذي يعاني أصلًا من أزمة نزوحٍ داخليٍ حادّة، وانتشار الجريمة المنظمة، حيث تزايد نشاط شبكات التهريب والاتجار بالبشر أدى إلى تآكل النسيج الاجتماعي، وخلْقِ بيئاتٍ يسهل فيها تجنيد الشباب في أنشطةٍ إجراميةٍ أو مسلحةٍ، وتأثيرات نفسية وإنسانية، حيث أن المهاجرون أنفسهم يتعرضون لانتهاكاتٍ واسعةِ النطاق، تشمل الاحتجاز، التعذيب، والاستغلال، ما يولّد تداعيات اجتماعية ممتدة في مجتمعاتهم الأصلية.[18]
الآثار السياسية والأمنية غير المباشرة:
توتر العلاقات الإقليمية: تصاعد الهجرة غير الشرعية عبر اليمن نحو الخليج خلق حالةً من الشدِّ والجذْبِ بين دول القرن الإفريقي (إثيوبيا، إريتريا، الصومال) ودول الخليج (خاصة السعودية) بشأن إدارة الحدود والمهاجرين (.
تدويل الممر: هشاشة الأمن دفعت القوى الكبرى إلى تكثيف حضورها العسكري، ما جعل البحر الأحمر ساحةَ تنافسٍ بين الولايات المتحدة، الصين، وروسيا، وهو ما يُضعف استقلالية القرار الأمني للدول الإقليمية .
إضعاف مؤسسات الدولة: استمرار تدفقات التهريب يُفاقم ضعْفَ الحكومات المحلية، ويجعلها أكثر اعتمادًا على القوى الخارجية والدعم الدولي في ضبط أمنها البحري والبري.[19]