المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات التركية > أردوغان في البيت الأبيض: ما وراء المصالح الاقتصادية والرسائل الاستراتيجية
أردوغان في البيت الأبيض: ما وراء المصالح الاقتصادية والرسائل الاستراتيجية
- سبتمبر 28, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات التركية
لا توجد تعليقات

إعداد: هنا داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
شكّلت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى البيت الأبيض للقاء نظيره الأمريكي دونالد ترامب في 25 سبتمبر 2025 لحظةً فارقةً ذات ثِقَلٍ استراتيجيٍ، تجاوزت كونها مجرد لقاء سياسي روتيني. هذه الزيارة، وهي الأولى لأردوغان إلى واشنطن منذ عام 2019، مثّلت نقطة تحوّلٍ محوريةٍ في مسار العلاقات الثنائية، خاصةً بعد فترةٍ دامت أربع سنواتٍ من الجمود والتوتر في ظل إدارة الرئيس السابق جو بايد
أسفر الاجتماع عن إشاراتٍ إيجابيةٍ بارزةٍ، أهمّها التلميح إلى إمكانية رفْع الحظر الأمريكي عن مبيعات مقاتلات F-35 لتركيا، إلى جانب التوقيع على اتفاقيات طاقةٍ مهمةٍ، كما تمَّ التوافق على دورٍ محتملٍ لأنقرة كـ وسيطٍ في الأزمات الإقليمية، لا سيَّما في ملفي أوكرانيا وغزة و بالرغم من أن هذه المُخرجات كانت إنجازاتٍ رمزيةً وبصريةً أكثر من كونها قرارات نهائية وفورية، إلا أنها عكست بوضوح الرغبة المشتركة لدى الطرفين في إعادة ضبط العلاقة بين البلدين العضوين في الناتو.
لم تتمكنْ الزيارة من حلّ جميع نقاط الخلاف الجذرية، فالتوتراتُ قائمةٌ بشأن استمرار تركيا في واردات الطاقة من روسيا، بالإضافة إلى ذلك، لا تزال هناك مخاوفُ عميقةٌ لدى الكونغرس الأمريكي والحلفاء الأوروبيين الأوسع بشأن سجل أنقرة في ملف حقوق الإنسان وطبيعة علاقاتها مع موسكو.
والمحور الأبرز في الزيارة تمحور حول البُعد الشخصي للعلاقة بين ترامب وأردوغان، والتي وصفتها بعض التحليلات بأنها أشبهُ بـ “الأخوة التي أُعيد إحياؤها”. فقد كشف ترامب عن أنه ظل على تواصلٍ مع الرئيس التركي حتى خلال فترة خروجه من المشهد السياسي الأميركي، وهو ما يعكس عمق الطابع الشخصي لهذه الصلة، بعيدًا عن الأعراف الدبلوماسية التقليدية
أي يمكن القول إن الروابطَ الشخصيةَ بين الزعيمين بمثابة المحرك الأساسي للعلاقات الثنائية في المرحلة الراهنة، حيث تساعد على تجاوز مؤسساتٍ تقليديةٍ لطالما شكّلت عقباتٍ في طريق التعاون، مثل وزارة الخارجية أو البنتاغون، خلال فترة حكم بايدن، ومع أن هذه الصيغة تتيح تحقيق نتائج آنية وسريعة، إلا أنها تبقى عُرضةً للتقلب.
التعاون العسكري والدفاعي: مقاتلات F-35 و منظومة S-400
ركّز أردوغان خلال زيارته على ملف اعتبره أولويةً قصوى، وهو إعادة إدماج تركيا في برنامج المقاتلة F-35، بعد أن جرى استبعادها عام 2019 عقب شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400[1]، التحدي الرئيسي بالنسبة لواشنطن يتمثّل في المخاوف الأمنية؛ إذ يرى البنتاغون أن تشغيل المنظومة الروسية قد يمنح موسكو فرصةً لاستخلاص بياناتٍ استخباراتيةٍ حسّاسةٍ عن تكنولوجيا الطائرة المتطورة، وهو ما يُعد تهديدًا مباشرًا لأمن الحلفاء[2].
وفي هذا السياق، لمّح ترامب إلى إمكانية مراجعة قرار تعليق بيع المقاتلات، قائلاً إن أنقرة قد تحقق ما تسعى إليه في هذا الملف. ويكشف هذا التوجّه أن قضية F-35 لم تعدْ محصورةً في بُعدها التِقَني أو الأمني، بل تحولت إلى أداةٍ تفاوضيةٍ بيد ترامب، يستخدمها كورقة ضغط على أردوغان للحصول على تنازلاتٍ في ملفاتٍ أخرى، وعلى رأسها العلاقات التركية مع روسيا في مجال الطاقة.[3]
لكن هذا الطرح يفتح الباب أمام مواجهةٍ محتملةٍ بين البيت الأبيض والكونجرس، الذي لا يزال يتبنّى موقفًا متشددًا تجاه أنقرة بسبب تعاونها العسكري مع موسكو وتراجع مؤشرات حقوق الإنسان بداخلها. كما يثير هذا التوجّه حساسية بعض الحلفاء، وفي مقدمتهم إسرائيل[4].
الطاقة والعلاقات الاقتصادية: تحجيم النفوذ الروسي
أعاد اللقاء بين ترامب وأردوغان إحياء الهدف المعلن سابقًا برفْع حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وتركيا إلى 100 مليار دولار، وهو الطموحُ الذي طُرح لأول مرةٍ خلال ولاية ترامب الأولى. وفي الوقت ذاته، شكّلت واردات أنقرة من النفط والغاز الروسي محورًا رئيسيًا للنقاش، إذ وجّه ترامب انتقاداتٍ علنيةً للرئيس التركي، داعيًا إياه إلى تقليص هذا الاعتماد[5].
وأسفر الاجتماع عن صياغة أو إضفاء طابع رسمي لاتفاقيتين:
عقد طويل الأمد لشراء الغاز الطبيعي المسال (LNG) بقيمة 43 مليار دولار يمتد لعشرين عامًا.
تفاهم للتعاون في تطوير مشاريع الطاقة النووية المدنية، يشمل المفاعلات المعيارية الصغيرة[6].