المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > سياق إقليمي محفز: خيار “الردع النووي” يثير مخاوف إندلاع سباق تسلح نووي في المنطقة
سياق إقليمي محفز: خيار “الردع النووي” يثير مخاوف إندلاع سباق تسلح نووي في المنطقة
- سبتمبر 29, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
أثار اتفاق الدفاع الاستراتيجي المشترك الذي وقعته السعودية وباكستان يوم 17 سبتمبر 2025، وإعلان وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف، أن “برنامج باكستان النووي سيكون متاحًا للسعودية إذا ما استدعت الضرورة”، كثير من التساؤلات حول انعكاسات هذا الاتفاق على الأمن الإقليمي للشرق الأوسط، وخاصةً فيما يخص معادلة توازن “الردع النووي”، وخصوصًا أنه يأتي بالتزامن مع تطورات بالغة الأهمية في ملف التسلح النووي، وعلى رأسها تأزم ملف البرنامج النووي الإيراني، والتصعيد الإسرائيلي- الأمريكي- الإيراني، فضلًا عن توسع برنامج تل أبيب النووي، مما يجعل المنطقة على موعد مع سباق تسلح نووي، ويقوض جهود منع الانتشار النووي، وإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط:
أولًا؛ السياق الإقليمي يدفع بقوة “الردع النووي” إلى الواجهة:
تصدر ملف التسلح النووي، المشهد في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً مع التصعيد الإسرائيلي- الأمريكي- الإيراني الذي تشهده المنطقة في الآونة الأخيرة، على خلفية حرب غزة واقتراب نهاية مدة الاتفاق النووي الإيراني، فضلًا عن الانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة لسيادة عدد من الدول العربية.
وفي ظل شعور عدد من دول المنطقة بالتهديد المتزايد، واتجاه تلك الدول إلى تعزيز قدرتها على الردع من خلال اللجوء إلى مظلة “الردع النووي”، يبدو أن الشرق الأوسط بات على موعد مع مرحلة جديدة من سباق التسلح النووي، مما يثير كثير من المخاوف حول مستقبل الأمن الإقليمي.
وهذا ما أكد عليه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي، محذرًا من أن “العالم قد يشهد مستقبلًا انضمام ما بين 20-25 قوة نووية إلى النادي النووي الذي يضم حاليًا تسع دول فقط، مما يزيد من خطر نشوب صراع نووي عالمي”.[1]
في السياق ذاته؛ حذرت تقارير غربية من أن إيران والسعودية وتركيا والإمارات وإسرائيل، باتت تشكل قوى إقليمية مرشحة للانخراط في سباق تسلح نووي، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، وفقدان الثقة بالتزام الولايات المتحدة بأمن حلفائها، ما قد يؤدي إلى تغير جذري في ميزان القوى بالشرق الأوسط؛ حيث[2]:
أكد مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، أعده كلًا من مدير فريق المخاطر العالمية في اتحاد العلماء الأمريكيين جون ولفستال، والمدير والمدير المساعد لمشروع المعلومات النووية في الاتحاد هانز كريستنسن ومات كوردا، أن النزعة العالمية نحو امتلاك السلاح النووي في تصاعد، وقد يتضاعف عدد الدول النووية في العقدين المقبلين، موضحًا أن سباق التسلح النووي بالمنطقة، سيحدث سواء طورت إيران برنامجها النووي أم لا، مشيرًا إلى أن الدول التي يُرجح بشدة امتلاكها برنامجًا نوويًا هم؛ السعودية وتركيا ومصر.
وتتوافق الرؤية التي قدمها المقال مع التطورات الراهنة في المنطقة؛ إذ تواصل إسرائيل تحديث ترسانتها النووية؛ففي العام2024 ، أجرت اختبارًا لنظام دفع صاروخي يُرجح أن يكون مرتبطًا بصواريخ “أريحا”، والتي يمكنها حمل رؤوس نووية، كما تعمل تل أبيب على ترقية موقع مفاعل ديمونا لإنتاج البلوتونيوم.
كما كشفت صورًا رصدتها الأقمار الصناعية، أن إسرائيل تكثف أعمال البناء في منشأة جديدة مرتبطة ببرنامجها النووي، والتي قد تكون مفاعلًا نوويًا جديدًا، أو موقعًا لتجميع الأسلحة النووية، هذا إلى جانب توسع تل أبيب في بناء صواريخ نووية وغواصات متطورة، واستخدام التكنولوجيا الحديثة والتعاون مع دول أوروبية لإجراء التجارب النووية تحت إشراف أنظمة متقدمة.[3]
على النحو ذاته؛ قامت الإمارات والسعودية باتخاذ خطوات مهمة في تطوير برامجهما النووية، مثل بدء تشغيل مفاعلات براكة الإماراتية، وإدراج السعودية للطاقة النووية ضمن “رؤية المملكة 2030”.
وكذلك؛ شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه لا ينبغي منع تركيا من الحصول على أسلحة نووية، وفي هذا الشأن؛ أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، يوم 25 سبتمبر الجاري، أن تركيا والولايات المتحدة وقعتا مذكرة تفاهم للتعاون النووي المدني، خلال زيارة الرئيس أردوغان إلى البيت الأبيض.[4]
من جانبها؛ باتت مصر دولة رائدة في إنشاء محطات نووية كبيرة، بالتعاون مع روسيا وعدة دول أوروبية مثل كوريا وألمانيا، ما يضعها في موقع مؤثر بالتوازن النووي الإقليمي، ويُذكر في ذلك؛ اتفاق إنشاء محطة للطاقة النووية في الضبعة، والذي توصلت إليه القاهرة وموسكو في العام 2015، ودخل حيز التنفيذ في ديسمبر2017، وقد بدأت الخطوات العملية للمشروع في العام 2022.[5]
ولا شك أن تكالب دول الشرق الأوسط نحو قوة الردع النووي، تأتي مدفوعة بالسياق الإقليمي الحالي، والذي يحمل في طياته العديد من التحديات والتهديدات، التي فرضت على منظومة الأمن العربي بشكل عام، والخليجي بشكل خاص، اللجوء إلى التسلح النووي رغم ما يتضمنه من مخاطر، ومن أهم تلك التهديدات:
1- إنفراد إسرائيل بالمظلة النووية الردعية؛ تمثل إسرائيل القوة النووية الوحيدة في المنطقة، على اعتبار أن إيران لا تزال على أعتاب النووي وليست دولة نووية، كما أن تل أبيب تُعتبر حالة استثنائية بالنسبة للسياسة النووية الدولية؛ إذ أنها الدولة الوحيدة غير العضو في معاهدة منع الانتشار النووي من بين دول منطقة الشرق الأوسط، وهي المعاهدة التي تمثل أساس النظام الدولي لمنع الانتشار النووي، كما لم تنضم إسرائيل إلى اتفاق الضمانات التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبالتالي برنامجها النووي لا يخضع لرقابة وعمليات تفتيش الوكالة، هذا إلى جانب عدم ترحيبها بمبادرة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.[6]
تنفرد إسرائيل كذلك بتبني سياسة “الغموض النووي“، المعروفة بـ”عميموت غرعيني”، والتي مكنتها من بناء ترسانة نووية خارج أي إطار قانوني أو رقابي دولي، حيث وفقًا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” في يونيو 2024، احتلت إسرائيل المرتبة الثامنة عالميًا من حيث عدد الرؤوس النووية المخزنة، إذ تمتلك ما يقرب من90 رأسًا حربيًا نوويًا، متفوقةً بذلك على كوريا الشمالية التي تمتلك50 رأسًا فقط.
وقد سعت تل أبيب إلى الحفاظ على احتكارها للردع النووي دون غيرها من دول المنطقة، وذلك من خلال تبني ما يُعرف بـ”عقيدة بيغن”، والتي تقوم على سياسة استباقية لمنع تحول أي دولة في الشرق الأوسط إلى قوة نووية، وفي إطار تلك العقيدة؛ قامت إسرائيل بتدمير أي برنامج نووي ينافس برنامجها؛ حيث[7]:
في منتصف الخمسينيات، بدأ العراق خطواته النووية من خلال تأسيس هيئة الطاقة الذرية العراقية عام 1956، وبالتعاون مع الاتحاد السوفيتي، حصل على أول مفاعل نووي صغير في 1968، وتبع ذلك افتتاح منشأة “التويثة” للأبحاث النووية بجنوب بغداد في نفس العام، ما شكل نقطة تحول في البرنامج نحو تطوير قدرات عسكرية، ثم زودته فرنسا بمفاعل “تموز1” المتطور، الذي كان قادرًا على إنتاج البلوتونيوم المستخدم في الأسلحة النووية.
رأت تل أبيب في البرنامج العراقي تهديدًا لها، ولذلك في7 يونيو 1981، نفذت طائرات إسرائيلية هجوم “أوبرا”،والذي استهدف مفاعل “تموز1″، مما أدى إلى تدميره، وبعد غزو العراق للكويت في 1990، تعرضت المنشآت النووية العراقية لقصف جوي مكثف من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في عملية “عاصفة الصحراء”، مما أسفر عن تدمير جزء كبير من البنية التحتية للبرنامج النووي العراقي، وفشل العراق في مواصلة مساعيه النووية.
على النحو ذاته؛ كانت قد تحركت سوريا لتطوير برنامج نووي عسكري سري، حيث اتفقت مع كوريا الشمالية على مشروع تعاون مشترك لإقامة مفاعل نووي سوري في دير الزور، على بُعد145 كيلومترًا من حدودها مع العراق، مماثلًا للمفاعل النووي الكوري الشمالي “يونغبيون” المخصص لإنتاج البلوتونيوم.
في6 سبتمبر 2007، شنت إسرائيل عملية “البستان” العسكرية السرية، والتي استهدفت منشأة “الكبر” السورية ودمرتها. وعلى النحو ذاته أيضًا؛ عارضت تل أبيب اقتراح الأردن لبناء محطة للطاقة النووية في عام 2009، إلى جانب الضربات التي نفذتها إسرائيل مؤخرًا على المنشآت النووية الإيرانية.
ولم تكتفي إسرائيل بذلك، بل راحت تغتال العلماء العرب والمسلمين الذين كانوا يشاركون في الأبحاث والبرامج النووية، سواء في بلدانهم أم في دول أخرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ اغتالت إسرائيل كلًا من: المسؤول العلمي في المشروع النووي الإيراني ماجد شهرياري في 2010، وداريوش رضائي نجاد في 2011، والخبير النووي أردشير حسين بور، والعالم النووي العراقي يحيى المشد في 1980، وعالم الصواريخ السوري نبيل زغيب في 2012، وكبير العلماء النوويين الإيرانيين محسن فخري زاده في 2020. هذا بخلاف العلماء النوويين الذين تم اغتيالهم في المواجهات العسكرية المباشرة التي وقعت بين طهران وتل أبيب في الشهور القليلة الماضية.
2- اقتراب انهيار الاتفاق النووي وتحول إيران لدولة نووية؛ يشهد السياق الإقليمي الراهن، تطورات عديدة تفيد بأن البرنامج النووي الإيراني على وشك العودة إلى المربع الصفري، ومن تلك التطورات:
الضربات الإسرائيلية والأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، والتي أثارت رعب دول المنطقة وخاصةً الدول الخليجية من تبعات هذه الضربات الكارثية والتي على رأسها حدوث تسرب إشعاعي في المنطقة، ودفع إيران إلى تسريع برنامجها النووي، باعتباره الوسيلة الوحيدة للحفاظ على النظام الإيراني.
تفعيل الثلاثي الأوروبي آلية “سناب باك” والتي تعني إعادة فرض العقوبات الأممية التي سبق وأن فرضها مجلس الأمن على إيران بسبب برنامجها النووي، والتي كانت قد تم إيقاف تفعيلها بعد توقيع الاتفاق النووي في العام 2015، وذلك خلال مهلة مدتها شهرًا واحدًا، والآن نحن على بُعد ساعات فقط من انتهاء المهلة، مما يعني رسميًا عودة العقوبات على طهران وإنهيار الاتفاق النووي.
تهديد طهران بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتحول إلى دولة نووية، في حال عودة العقوبات الأممية عليها مرة أخرى.
وتثير تلك التطورات، مخاوف دول الشرق الأوسط، وخاصةً الدولة الخليجية، من اقتراب تحول إيران، إلى جانب إسرائيل، إلى دولة نووية، وقد تدفع تلك المخاوف، دول المنطقة إلى امتلاك سلاحًا نوويًا على نحو مماثل لطهران وتل أبيب، يوفر لتلك الدول ردعًا نوويًا يحميها من أي تصعيدات عسكرية محتملة في المنطقة، وهو ما سيحول الشرق الأوسط إلى ساحة مفتوحة لسباق تسلح نووى، تحت شعار “توازن الردع النووي”.
3- اهتزاز ثقة دول المنطقة في المظلة الأمنية الأمريكية؛ من أهم الدوافع التي تجعل دول الشرق الأوسط تتكالب على التمتع بمظلة نووية ردعية؛ هو افتقاد الثقة والتشكيك في مدى فاعلية الضمانات الأمنية الأمريكية، حيث باتت دول المنطقة تدرك تمامًا أن لا يمكنها الرهان على الحماية الأمريكية فقط، وأنه يجب عليها تنويع شراكاتها الأمنية، وأن تخلق لنفسها بدائل أخرى تحمي مصالحها وأمنها، بعيدًا عن الولايات المتحدة.
أي أدركت الدول العربية وخاصةً الخليجية، أن معادلة “النفط مقابل الأمن” لم تعد صالحة للسياق الإقليمي والدولي الراهن، وهذه الحقيقة ظهرت في كثير من مواقف الولايات المتحدة تجاه التحديات الأمنية التي هددت أمن المنطقة، وبالأخص أمن دول الخليج العربي، ومنها موقف واشنطن تجاه الضربة الحوثية على منشآت أرامكو النفطية السعودية في 2019، والضربات الحوثية التي طالت المنشآت النفطية الإماراتية في 2022، وأخيرًا، الهجوم الإسرائيلي على الدوحة في 9 سبتمبر 2025.
فقد أثبت هجوم الدوحة أن منظومات الدفاع الأمريكية، ووجود القواعد الأمريكية على أراضي الدول العربية، لا يحمي تلك الدول من الاعتداءات الخارجية التي تطال أمنها وسيادتها، كما أثبت هشاشة المظلة الأمنية الأمريكية التي روجت لها واشنطن لعقود كضمانة مطلقة لأمن دول الخليج، وأن هذه المظلة موجهة أساسًا ضد التهديد الإيراني، بينما يتم التغافل عن أي تهديد إسرائيلي، باعتبار تل أبيب حليفًا استراتيجيًا له الأولوية في السياسة الأمريكية، حتى ولو كان ذلك على حساب حليف آخر لواشنطن؛ وهو الحليف الخليجي.
وبناءً عليه؛ قررت دول المنطقة أن الاعتماد الحصري على واشنطن لم يعد كافيًا لضمان الأمن، خصوصًا في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، والانفلات الإسرائيلي، والتأييد الأمريكي غير المشروط للحكومة الإسرائيلية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، وأنه يجب عليها تشكيل شبكة تحالفات أمنية جديدة مع بعض القوى الإقليمية والدولية[8]، وهنا وقع الاختيار على باكستان؛ نظرًا لأنها الدولة الإسلامية الوحيدة التي تتمتلك سلاحًا نوويًا، وهو ما يجعل المنطقة تتمتع بمظلة نووية ردعية، توازن الردع النووي الإسرائيلي، والذي لطالما ميز تل أبيب دون غيرها من الدول، وضمن لها الحماية والأمن على حساب أمن واستقرار دول جوارها العربي.
4- استشعار الخطر الإسرائيلي على أمن دول المنطقة؛ أيقنت دول المنطقة أن إسرائيل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي، وهذا الخطر يتعدى دول الجوار، والتي سبق وأن عُرفت بدول المواجهة المباشرة، ووصل الأمر إلى حدود مختلف دول المنطقة، بما في ذلك الدول الخليجية، والتي راهنت على إمكانية احتواء إسرائيل عبر تطبيع العلاقات معها، في إطار الاتفاقات الإبراهيمية.
وأتى هذا الإدراك مدفوعًا بالتهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، وبالاعتراف العلني من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالسعي إلى تحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى”، والذي يقوم على ضم تل أبيب لجميع الأراضي السورية واللبنانية والفلسطينية، ومعظم الأراضي العراقية، والمصرية، والسعودية، بما في ذلك مكة المكرمة والمدينة المنورة، إلى جانب القدس المحتلة، وبالانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة بحق عدد من دول المنطقة، مثل سوريا ولبنان واليمن وإيران وقطر.[9]
فيما تأتي سياسة الاستعلاء الإسرائيلية، وتعديها لجميع الخطوط الحمراء التي رسمت حدود العلاقات الإسرائيلية العربية، مدفوعة بالردع النووي الذي تتمتع به دون غيرها من دول المنطقة، وبالدعم الأمريكي السافر لتحركاتها اللامسؤولة في الشرق الأوسط.
وبناءً عليه؛ قررت دول المنطقة أن تتحرك نحو وضع آلية أمنية عربية/ إسلامية موحدة، تضمن أمن واستقرار المنطقة، وتوفر الحماية الأمنية وخاصةً النووية، ضد التصعيد الإسرائيلي المنفلت، وسط غياب وتراجع الثقة في المظلة الأمنية الأمريكية، بما يضمن تحقيق “توازن الردع النووي” بين تل أبيب وجوارها العربي.
وبالتالي؛ يمكن اعتبار اتفاقية الدفاع الاستراتيجي الموقعة بين باكستان والسعودية، بأنها خطوة أولى في مسار إنشاء الآلية العربية الإسلامية للتنسيق والتعاون، والتي طالبت بها جميع الدول الإسلامية، وعلى رأسهم مصر، خلال القمة العربية- الإسلامية الطارئة التي عُقدت في الدوحة، لبحث الهجوم الإسرائيلي الغادر على قطر.
ثانيًا؛ الاتفاق الباكستاني يعيد الزخم للبرنامج النووي السعودي:
أثار الاتفاق السعودي- الباكستاني، جدلًا واسعًا حول علاقة هذا الاتفاق بالبرنامج النووي السعودي، ذلك المسعى الذي دائمًا ما حرصت المملكة على بلوغه، وكيف يمكن أن يخدم هذا الاتفاق، الطموح النووي السعودي، ويمكن إيجاز أسباب الزخم الذي اكتسبه برنامج المملكة النووي في ضوء الاتفاق الموقع مع إسلام آباد، على النحو التالي:
1- تزامن الاتفاق مع اقتراب تحول إيران للدولة نووية؛ يُعد البرنامج النووي الإيراني من أهم الأسباب التي تدفع بالسعودية نحو امتلاك قدرات نووية مماثلة؛ نظرًا لأنها تعتبر إيران النووية تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وهذا الأمر لم يتغير حتى بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
وفي ضوء التصعيد الإيراني الإسرائيلي، ومع اقتراب انتهاء الاتفاق النووي واحتمال أن تتحول طهران لدولة مسلحة نوويًا، تجد السعودية نفسها مضطرة لحماية أمنها من تبعات تلك التطورات، وذلك من خلال الحصول على مظلة نووية ردعية، توازن القوة مع إيران وإسرائيل، أي تطبيق مبدأ “توازن الرعب النووي”.
ومن ثم؛ يبدو أن المملكة ستعمل خلال الفترة المقبلة على تسريع خطواتها في تنفيذ برنامجها النووي، وذلك عبر التعاون مع باكستان النووية، وهذا ما ينعكس في تصريح وزير الدفاع الباكستاني، الذي أكد خلاله أن برنامج بلاده النووي سيكون تحت تصرف الرياض في حال استدعت الضرورة، خاصةً وأن السعودية أكدت مرارًا وتكرارًا أنها ستحصل على سلاحًا نوويًا، إذا أقدمت إيران على تلك الخطوة، حيث[10]:
في19 مارس2018 ، وخلال مقابلة مع قناة “سي بي إس” الأمريكية، أكد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أن “إذا طورت إيران قنبلة نووية، فستفعل السعودية الشيء نفسه في أسرع وقت”.
في9 مايو 2018، صرح وزير الخارجية السعودي آنذاك عادل الجبير، في حوار مع شبكة “سي آن آن”الأمريكية، بأن “إذا استأنفت إيران برنامجها النووي، فستقوم السعودية بصنع قنبلة نووية”.
في العام 2023، أعاد ولي العهد السعودي، التأكيد مجددًا على أن المملكة ستمتلك سلاحًا نوويًا، في حال إمتلاك إيران له.
2- الخيار الباكستاني يأتي بديلًا لاتفاق أمريكي كان مزعم عقده؛ كان الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، أبدى استعداده لتوقيع اتفاق مع السعودية، يتضمن مساعدة المملكة على تطوير برنامجًا نوويًا مدنيًا، في مقابل توقيع الرياض على اتفاقًا لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
ولكن؛ كانت هناك نقطة خلاف رئيسية أدت إلى عرقلة توقيع هذا الاتفاق؛ ألا وهي أن المملكة تمسكت بحقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها، بينما أرادت واشنطن أن تستورد السعودية ما تحتاجه من اليورانيوم المخصب بدلًا من إنتاجه داخليًا، ثم جاءت حرب غزة والتي قضت على أي احتمالات لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية في الوقت الراهن، وفي ضوء ذلك؛ تجمد الاتفاق الذي كان يُزعم عقده.
ومع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى إدارة البيت الأبيض مرة جديدة، شهدت العلاقات بين الدولتين زخمًا كثيرًا، وعاد البرنامج النووي السعودي ليتصدر المشهد، حينما أعلن وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت، يوم 13 أبريل 2025، أن الولايات المتحدة ستعاون السعودية في برنامجها النووي، بل وتبحث السماح لها أيضًا بتخصيب اليورانيوم، من خلال منح المملكة إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا النووية الأمريكية.[11]
ولكن؛ أكد الوزير الأمريكي أن الاتفاق النووي مع السعودية، سيكون مقيدًا بما يسمى “اتفاق 123″؛ أو “المعيار الذهبي لعدم الانتشار النووي”، والذي يشير إلى المادة123 من قانون الطاقة الذرية الأمريكي لعام 1954، والتي تنص على فرض رقابة أمريكية على قطاع الطاقة النووية المدنية للدول، وكذلك فرض حظر على تخصيب اليورانيوم أو البلوتونيوم، بما يمكن تلك الدول من تصنيع سلاحًا نوويًا.[12]
ونظرًا لاعتراض المملكة على ربط برنامجها النووي بالتطبيع مع إسرائيل، وتمسكها بأحقية تخصيبها لليورانيوم على أراضيها، قررت السعودية الاتجاه نحو باكستان، من أجل كسب التكنولوجيا والخبرات النووية اللازمة لتنفيذ برنامجها النووي، مما يرسل رسالة إلى واشنطن وتل أبيب بأن الرياض ماضية في مسار الحصول على الطاقة النووية، بعيدًا عن الاشتراطات الأمريكية والإسرائيلية.
3- الاتفاق يمثل ردًا للدعم السعودي السابق للبرنامج النووي الباكستاني؛ بدأت باكستان برنامجها النووي في سبعينيات القرن الماضي، وأعلنت أول تجربة نووية لها في28 مايو1998 تحت اسم “تشاغاي-1” ما شكل إعلانًا رسميًا لقدرتها النووية، ونتيجة لذلك؛ واجهت باكستان عقوبات اقتصادية وعزلة دولية خانقة.
ومن ثم؛ لجأت باكستان إلى حلفاءها بالخارج لحشد التمويل اللازم لبرنامجها النووي، وقد أشارت العديد من التقارير إلى أن السعودية كانت من أوائل الدول التي دعمت إسلام آباد، حيث[13]:
أشار تقرير لمجلة “جورنال أوف ساوث آسيان آند ميدل إيسترن ستاديز” بعام 2011، إلى وجود دعم سعودي مباشر وغير مباشر، لبرنامج باكستان النووي.
أفاد تقرير آخر لشبكة “بي بي سي”، صادر بعام 2013، باحتمال وجود تفاهم سري بين السعودية وباكستان، بحيث توفر الأخيرة سلاحًا نوويًا جاهزًا للنقل في حال تطلب الأمر.
أكد الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين، خلال تصريحات أدلى بها في عام 2013، أن “حصول إيران على القنبلة النووية، سيمكن السعودية من الحصول على قنبلة نووية خلال شهر واحد من باكستان، حيث دفعت المملكة بالفعل ثمنها”.
ومن جانبه؛ صرح ديفيد أوين، والذي سبق وأن تولى منصب وزير الخارجية البريطانية خلال الفترة 1977-1979، بأن “الكثير من التمويل لبرنامج باكستان النووي جاء من السعودية؛ نظرًا لعلاقاتهما والروابط العسكرية الوثيقة بينهما، وبالتالي؛ هناك احتمال بأنه إذا أرادت المملكة سلاحًا نوويًا، ستقوم باكستان بالتزامها، وبتزويد السعودية به على الفور”.[14]
وبناءً عليه؛ يرى البعض أن الاتفاق الموقع مؤخرًا بين السعودية وباكستان، وتأكيد الأخيرة أن برنامجها النووي سيكون تحت تصرف المملكة في حال استدعت الضرورة، ما هو إلا تكليلًا للدعم السعودي السابق، وردًا للجميل السعودي، كما أنه يُعد تنفيذًا للالتزام الذي تعهدت به إسلام آباد. أما توقيت الاتفاق؛ فإنه يشير إلى أن السعودية ترى أن وضع المنطقة الحالي، قد وصل إلى حالة الضرورة التي تستوجب استدعاء الردع النووي الباكستاني.
وفي مقابل هذه الرؤية؛ تنفي السعودية صحة التقارير التي تشير إلى تعاونها مع باكستان في مجال الأسلحة النووية، أو فيما يتعلق بتقديم مساعدات مالية سعودية للبرنامج النووي الباكستاني، وذلك من منطلق توقيعها على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ودعواتها المتكررة إلى شرق أوسط خالي من الأسلحة النووية.[15]
نبذة عن البرنامج النووي السعودي[16]:
بدأ البرنامج في العام2010 ؛ مع إعلان الحكومة السعودية عن تأسيس مدينة “الملك عبد الله” للطاقة الذرية والمتجددة، بهدف ضمان مستقبل مستدام للطاقة في المملكة، وإضافة الطاقة الذرية والمتجددة إلى مصادر الطاقة المعتمدة من قبل السعودية.
في العام2011 ، أعلنت السعودية عزمها الاستثمار في بناء16 مفاعلًا نوويًا على مدار عقدين مقبلين، بمبلغ قدره80 مليار دولار.
في العام 2017، وقعت “المؤسسة النووية الوطنية” الصينية، مذكرة تفاهم مع “هيئة المسح الجيولوجي” السعودية، وذلك بهدف إجراء مسح عن رواسب اليورانيوم، والتنقيب عنه في ثمانية مواقع داخل المملكة.
في نوفمبر 2018، دشن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أول مفاعل نووي بحثي منخفض الطاقة في المملكة، وذلك ضمن خطط السعودية في تطوير صناعة المفاعلات النووية، وتأهيل الكوادر البشرية لتشغيل تلك المفاعلات، بالإضافة إلى تأهيل الشركات الوطنية في تصنيع بعض أجزاء من المفاعلات.
في أغسطس 2020، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تقريرًا يفيد بأن السعودية، وبالتعاون مع الصين، قد بنت منشأة نووية جديدة في الصحراء السعودية، بالقرب من الرياض، حيث تقوم تلك المنشأة بإنتاج “الكعكة الصفراء”؛ وهي المادة الأساسية في عمليات تخصيب اليورانيوم اللازم لإنتاج الأسلحة النووية. بينما نفت وزارة الطاقة السعودية، بناء مثل هذه المنشأة، مؤكدة أن برناجها النووي يتوافق تمامًا مع جميع الأطر والقوانين الدولية المتعلقة بالطاقة النووية واستخدامها السلمي.
في العام 2022، تم الإعلان عن تأسيس “الشركة السعودية القابضة للطاقة النووية”، وفي أواخر العام نفسه، دشنت السعودية مناقصة لبناء أول محطة نووية تتكون من وحدتي إنتاج الكهرباء، وذلك ضمن خططها لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية، وذلك بالوصول إلى17 جيجا وات من الطاقة النووية بحلول عام 2040.
في العام 2024؛ أعلنت السعودية عن خطط لإلغاء نظام الرقابة المحدود على منشآتها النووية، ونيتها في التحول إلى التطبيق الكامل لاتفاق الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ثالثًا؛ جهود مصرية للحد من الانتشار النووي في المنطقة:
في ضوء التكالب على قوة الردع النووي، وسعي دول المنطقة إلى تطوير برامجها النووية، فإن الشرق الأوسط على شفا سباق تسلح نووي، وهو ما يزيد من خطر نشوب صراع عسكري أو حدوث كارثة نووية من شأنها تدمير مقدرات دول المنطقة الاقتصادية والبشرية والحياتية، وهو ما كان على وشك الحدوث خلال المواجهات العسكرية التي وقعت بين إيران وإسرائيل خلال الفترة الماضية.
وإدراكًا لهذا الخطر القائم، بات هناك زخمًا إقليميًا متزايدًا حول خطورة الانتشار النووي، والاستثناء النووي الإسرائيلي، مع التأكيد على ضرورة تعزيز الجهود الدبلوماسية لتجنب تلك الكارثة المستقبلية، وتفعيل الشراكات والتحالفات السياسية التي تساعد في إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
وتأتي مصر على رأس دول الشرق الأوسط التي تبذل جهود حثيثة للحد من خطر الانتشار النووي في المنطقة، وخاصةً بعد ما يُثار حاليًا بشأن التوسع الكبير في منشآت مفاعل ديمونا الإسرائيلية، ومن أبرز تلك الجهود:
_ جددت مصر، عبر بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية يوم 13 سبتمبر 2025، دعوتها الهادفة لتحقيق عالمية معاهدة منع الانتشار النووي، وخاصةً في الشرق الأوسط، وصولًا إلى انضمام دول المنطقة كافة دون استثناء إلى المعاهدة، وإخضاع جميع منشآتها النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال اتفاقات الضمانات الشاملة، وبما يضمن الشفافية وعدم تبني معايير مزدوجة في التعامل مع البرامج النووية في منطقة الشرق الأوسط، ويحول دون تزايد التوتر الإقليمي، وأضاف البيان[17]:
هناك أهمية بالغة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، ومواصلة جهودها نحو تحقيق هذا الهدف الذي يمثل خطوة جوهرية لضمان الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي، ويسهم في وقف سباق تسلح يهدد السلم والأمن الدوليين، والتوصل إلى عالم خالي من الأسلحة النووية.
كانت الدولة المصرية في طليعة الدول الداعمة لهذه الجهود منذ إطلاق مبادرة إقامة المنطقة الخالية من السلاح النووي عام1974 في إطار الأمم المتحدة، وهو ما يعكس التزامًا ثابتًا ورؤية استراتيجية لحماية شعوب المنطقة من مخاطر انتشار السلاح النووي.
تعرب مصر عن قلقها البالغ إزاء التهديد الخطير الذي تواجهه البشرية جراء استمرار وجود الأسلحة النووية، وتدعو المجتمع الدولي إلى التعامل مع هذا الخطر بكل جدية، والوفاء بمسؤولياته في ضمان التنفيذ الكامل لالتزامات معاهدة عدم الانتشار النووي بشأن نزع السلاح النووي كأحد أركانها الأساسية.
القرار الصادر عن مؤتمر مراجعة وتمديد معاهدة منع الانتشار النووي عام1995 ، بشأن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، يُمثل التزامًا دوليًا واضحًا، ويشكل تنفيذه جزءًا لا يتجزأ من صفقة المد اللانهائي للمعاهدة، والحفاظ على مصداقية نظام منع الانتشار النووي.
_ كانت مصر من ضمن 20 دولة عربية وإسلامية، طالبوا بسرعة إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وذلك في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، وفيما يلي أبرز ما جاء في البيان الوزاري المشترك، الصادر عن تلك الدول يوم 16 يونيو [18]2025:
رفض وإدانة الهجمات الإسرائيلية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكذلك أية ممارسات تمثل خرقًا للقانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة.
التأكيد على ضرورة احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، ومبادئ حُسن الجوار، وتسوية النزاعات بالسبل السلمية.
التشديد على أهمية إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل وفق القرارات الدولية ذات الصلة، ودون انتقائية، وكذلك على ضرورة سرعة انضمام كافة دول المنطقة إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
ضرورة عدم استهداف المنشآت النووية الخاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفق قرارات الوكالة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لما يمثله ذلك من خرق سافر للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، بموجب ميثاق جنيف لعام ١٩٤٩.
ضرورة العودة إلى مسار المفاوضات في أسرع وقت ممكن، باعتباره السبيل الوحيد للتوصل إلى اتفاق مستدام حول البرنامج النووي الإيراني.
_ استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ووزير خارجيته السفير بدر عبد العاطي، يوم 26 مايو 2025، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي، وكذلك وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. وخلال اللقاء الذي جمع بين الرئيس السيسي وجروسي، أكد الجانبان على التالي[19]:
أهمية تبني مقاربة شاملة لمعالجة كل مسائل الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.
تطلع مصر إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وإلى تعزيز دور الوكالة في دعم جهود تحقيق عالمية معاهدة عدم الانتشار، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.
من جانبه، أشار وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، إلى توجه مصر نحو توظيف الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في خدمة جهود التنمية الوطنية، وذلك من خلال مشروع إنشاء المحطة النووية بالضبعة، الذي يُعد خطوة نوعية مهمة في هذا المسار، مؤكدًا حرص القاهرة على تعزيز علاقات التعاون الوثيقة مع الوكالة، والاستفادة من خبراتها الفنية، لضمان تطبيق أعلى المعايير الدولية في مجالات الأمان والأمن النووية.
كما أكد الوزير عبد العاطي أن الخلل التعاهدي الحالي بالنسبة لالتزامات الدول في إطار منع الانتشار بمنطقة الشرق الأوسط، يفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة، لافتًا إلى أن إسرائيل تظل الدولة الوحيدة بالمنطقة التي لم تنضم لمعاهدة عدم الانتشار، وترفض إخضاع كل منشآتها النووية لضمانات الوكالة، مشددًا على ضرورة انضمام تل أبيب لمعاهدة منع الانتشار النووي كدولة غير نووية.
وجدير بالذكر أن؛ نجحت مصر خلال هذه الزيارة، والتي شهدت اجتماعًا بين جروسي والوزير بدر عبد العاطي ونظيره الإيراني عباس عراقجي، في التوسط بين طهران والوكالة لتوقيع اتفاقًا لاستئناف التعاون بين الجانبين، والذي جمدته إيران عقب الضربة الإسرائيلية في يونيو الماضي.
_ تقدمت مصر إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشمروع قرار يطالب بتطبيق اتفاق الضمانات النووية على كل دول الشرق الأوسط دون استثناء، وبإخضاع جميع المنشآت النووية في الشرق الأوسط لنظام ضمانات الوكالة دون استثناء، وبإنضمام جميع دول المنطقة إلى معاهدة منع الانتشار النووي، وبإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.[20]
وقد تم اعتماد القرار خلال فعاليات الدورة الـ69 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي عُقدت يوم 19 سبتمبر الجاري، بعد تأييده بأغلبية ساحقة، إذ أيدته 120 دولة.
_ شارك وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في الاجتماع رفيع المستوى الذي عُقد يوم الجمعة 26 سبتمبر 2025، للاحتفال باليوم العالمي للقضاء على الأسلحة النووية، وفيما يلي أبرز ما جاء في خطابه خلال الاجتماع[21]:
تؤكد مصر على أهمية إحياء هذا اليوم الهام، للتعبير عما تمثله الأسلحة النووية من خطر على السلم والأمن الدوليين، وتشدد على دعمها الكامل لبيانات حركة عدم الانحياز، والمجموعة الأفريقية، والمجموعة العربية، المطالبة بإزالة هذا التهديد.
تشدد مصر على خطورة استمرار حالة الجمود الراهنة في تحقيق نزع السلاح النووي، بل وتجدد التهديدات باستخدامه، ومن بينها التصريحات الإسرائيلية غير المسئولة ذات الصلة بامكانية استخدام السلاح النووي في غزة، حيث يعاني سكان القطاع من أوضاع إنسانية متردية.
تتمسك مصر بالعمل على تحقيق عالمية معاهدة عدم الانتشار النووي، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها الضامن الوحيد لحماية شعوب المنطقة من مخاطر استخدام السلاح النووي.
قرار مؤتمر المد والمراجعة لعام1995 بشأن إنشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية بالشرق الاوسط، يُعد جزء لا يتجزأ من صفقة التمديد اللانهائي للمعاهدة، والذي لا يعني استمرار احتفاظ الدول النووية بسلاحها، بل أن الدول النووية عليها مسئولية أخلاقية وقانونية والتزام بموجب المعاهدة بنزع سلاحها النووي، بشكل يمكن التحقق منه وغير قابل للتراجع.
لا بد من اتخاذ الدول النووية لخطوات عملية نحو تحقيق نزع السلاح النووي، وهو ما من شأنه تهيئة المناخ لنجاح الدورة الحادية عشر لمؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي، وهو الأمر الذي سيزيد الثقة بين أعضاء المجتمع الدولي، وفي قدرة العمل متعدد الأطراف على حفظ الأمن والسلم الدوليين.