المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > خطةُ ترامب لإنهاء الحرب في غزة: بين مُعضلات التنفيذ وإمكانات التسوية
خطةُ ترامب لإنهاء الحرب في غزة: بين مُعضلات التنفيذ وإمكانات التسوية
- أكتوبر 2, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: دينا دومه
باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط
أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” يوم الاثنين، 29 سبتمبر 2025، عن خطةٍ للسلام مُكونةٍ من حوالي عشرين بندًا لإنهاء الحرب في غزة، مانحًا حركة حماس مُهلة “ثلاثة أو أربعة أيام” للردِّ عليها، ومُؤكدًا أنها تُشكّل “فرصةً تاريخيةً” لوقف القتال وفتح الطريق نحو سلامٍ دائمٍ في الشرق الأوسط، وقد جاء هذا الإعلان في سياق اللقاء الرابع الذي عُقد بين الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في البيت الأبيض من خلال مُؤتمرًا صحفيًا مُشتركًا بينهم، حيث تصدّرت الخطة الأمريكية جدول المُباحثات، بالرغم من التطرق إلى قضايا إقليميةٍ أخرى كالتعاون الاقتصادي والملف النووي الإيراني وتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، غير أن الثِقلَ السياسي الأكبر تركّز على خطة ترامب للسلام وإنهاء الحرب في غزة، وقد قوبلت الخطة بترحيبٍ إقليميٍ ودوليٍ واسع، ما منحها زخمًا سياسيًا أوليًا يتجاوز الثنائية الأمريكية–الإسرائيلية، في مُحاولة لحشد دعمٍ يُضفي عليها شرعيةً إضافيةً. وفي حين أبدت إسرائيل مُوافقتها على الخطة، فإن قبولها جاء مشروطًا بضماناتٍ أمنيةٍ وتنفيذيةٍ تراها أساسيةً وأطلقت عليها “الخطوط الحمراء” لأمن إسرائيل، ومن هنا، تبقى التساؤلات مطروحةّ حول مدى واقعية هذه المبادرة وقدرتها على إحداث اختراقٍ حقيقيٍ في مسار الصراع المعقّد في غزة، فهل تمثّل هذه الخطة بالفعل نقطةَ انطلاقٍ نحو تسوية مُستدامةٍ للحرب في غزة، أم أنها تظل محكومةّ باعتباراتٍ ظرفيةٍ ومصالح استراتيجية محدودة؟…
أولًا: السياق العام للقاء وإعلان خطة ترامب
أعلنت واشنطن عن خطتها لإنهاء الحرب في غزة، في خطوةٍ مثّلت محطةً مفصليةً جاءت عبر لقاءٍ بين ترامب ونتنياهو في يوم الإثنين 29 سبتمبر 2025 [1]، حيث أراد ترامب أن يمنح اللقاء بُعدًا استثنائيًا ليُحوّله إلى منصةٍ سياسيةٍ للإفصاح عن مبادرته الجديدة للسلام، في سياقٍ إقليمٍي مشحون بالتصعيد العسكري داخل القطاع وتزايد الضغوط الدولية لوقف القتال، وذلك على النحو الآتي:
1- شنّت إسرائيل غارات جوية على أهداف لحزب الله في جنوب لبنان: على الرغم من التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بوساطةٍ أمريكيةٍ في نوفمبر الماضي، قامت إسرائيل يوم الأحد الموافق 28 سبتمبر 2025 بتنفيذِ غاراتٍ جويةٍ على أهداف لحزب الله في جنوب لبنان[2]، بما في ذلك استهدافُ مخازن أسلحة ومنازل، مع إبقاء قواتها في مواقع لبنانية قرب الحدود، وقد شكّل هذا تهديداً مباشراً لتوسيع نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية من جديد، وبالتالي، جاء لقاء ترامب ونتنياهو في ظل شعور مُلحٍّ بضرورة احتواء هذا التصعيد وتحديد سقف للعمليات العسكرية خارج غزة، لضمان استقرار المنطقة ومنع انهيار الجهود الدبلوماسية الأمريكية في التهدئة.
2- القمة الأمريكية- العربية الإسلامية: حيث عقد الرئيس ترامب اجتماعًا رفيع المستوى مع القادة العرب والمسلمين البارزين (أمير قطر، ملك الأردن، الرئيس التركي، رئيس الوزراء المصري، ووزير الخارجية المصري والسعودي) قبيل لقائه بنتنياهو في 23 سبتمبر 2025. لم يكن هذا الاجتماعُ مجرد لقاءٍ جانبيٍ على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بل كان إشارةً واضحةً إلى إبراز “ثِقَلها السياسي“ في مناقشة مسار الأزمة في غزة، ناقلاً رسالةً جماعيةً قويةً إلى واشنطن بضرورة لجم الأعمال العسكرية الإسرائيلية. بالتالي، يدخل ترامب إلى لقاء نتنياهو مُحَمّلاً بضرورة إرضاء الحلفاء العرب الذين يشكّلون جزءاً أساسياً من مصالح أمريكا الإقليمية، مما يجعله أكثر ميلاً للضغط من أجل حلولٍ ملموسةٍ.
3- العزلة الدبلوماسية الدولية لإسرائيل والرفض الأممي الصارخ: حيث في ظل أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة شهدت قاعة الجمعية العامة مشهدًا غير مسبوقٍ يعكس حالة الاستياء الدولي العميقة من استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ورفْضِ وقْفِ إطلاق النار، حيث الانسحابُ الجماعيُ للعشرات من ممثلي الدول خلال خطاب نتنياهو يُمثّل إدانةً دبلوماسيةً علنيةً وصارخةً، ويضع إسرائيل في موقف عزلة متزايدة على الساحة الدولية، حيث تزامن ذلك مع تصاعد وتيرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لتصل إلى حوالي أكثر من 150 دولة [3]، مما يرسّخ شرعية القضية الفلسطينية في المحافل الأممية ويعزّزَ من الضغط على واشنطن وتل أبيب لتغيير سياستهما. يفرض هذا المشهد على ترامب، الحريص على صورته كرجل سلام، ضرورة إيجاد مخرجٍ يخفّف من حدّة هذا التوتر الدولي.
4- أزمة الثقة الخليجية وتداعيات وتصدع “المظلة الأمنية” بعد هجوم الدوحة: حيث مثّل الهجوم الإسرائيلي الفاشل على قادة حماس في الدوحة نقطة تحول حاسمة في العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها في مجلس التعاون الخليجي، وصف ترامب الضربةَ بأنها “مؤسفةٌ” واعترافه بأنها “لا تحقق أهداف إسرائيل أو أمريكا”، والتي تمَّ تنفيذها على أراضي دولة قطر الحليفة والمضيفة لجهود الوساطة، هذا الهجومُ، حسب السياق، هزَّ ثقة الدول الخليجية في “المظلة الأمنية الأميركية” وأثار شكوكًا عميقةً حول قدرة واشنطن على فرض قيود على تل أبيب، ومن هنا أصبحَ اللقاءُ مع نتنياهو فرصةً حاسمةً لترامب لاستعراض قوة النفوذ الأمريكي وإعادة طمأنة الحلفاء العرب الذين اجتمع معهم قُبيل لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي.
5- التحول الأيديولوجي في اليمين الأمريكي: يواجه نتنياهو للمرة الأولى تحولاً نوعيًا في الدعم الأيديولوجي التقليدي الذي كان يتمتع به في صفوف اليمين الجمهوري الأمريكي، خاصةً تيار “ماغا” المؤيد لترامب. إن الابتعاد المُعلن لثلاثةٍ من القادة الرئيسيين لهذا التيار (تاكر كارلسون، ستيف بانون، ومارجوري تايلور غرين) عن دعم إسرائيل، وتبنيّهم العلني لمبدأ “أميركا أولاً” عمليًا في قضايا الشرق الأوسط، يُمثل تهديدًا حقيقيًا للدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، وصفهم لما يحدثُ في غزة بأنه “إبادةٌ” وإدانتهم لاستخدام “سلاح التجويع” يعكس شرخًا أيديولوجيًا [4]، ويجعل الدعم الثابت لإسرائيل عبئًا سياسيًا على ترامب، وبالتالي فإن اللقاء كان بمثابة فرصة لترامب لمُواءمة سياسته مع هذا التحول الداخلي في قاعدة ناخبيه، عبر مُطالبة نتنياهو بتغييرات حقيقية.
في ضوء هذه التطورات المُتشابكة – من احتجاجات الأمم المُتحدة والغارات الإسرائيلية المُتجددة، إلى تسارع الاعتراف بفلسطين وتصدّع الموقف الأميركي الداخلي – جاء إعلان ترامب عن مبادرته للسلام في غزة كاختبارٍ جيوسياسيٍ يكشف إن كانت واشنطن قادرةّ على إعادة فرض دورها كقوةٍ ضابطةٍ للصراع، وسط تراجع نفوذها وصعود ضغوطٍ دوليةٍ وإقليميةٍ جديدة.
ثانيًا: تفاصيل وبنود خطة ترامب للسلام
انعقد المؤتمر الصحفي المشترك في أجواء رسمتها واشنطن كفرصةٍ «تاريخية للسلام»، حين أعلن الرئيس ترامب عن مُقاربةٍ شاملةٍ تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة، مُوضحًا أن المباحثات تضمنت ملفات متعددة وعلى رأسها الحرب في غزة، وأن الخطة الأمريكية تسعى لأن تكونَ المدخل إلى «سلام أبدي» في المنطقة [5]، وفيما يلي مضمون الخطة وطبيعتها العملية والتي يمكن إجمالاها فيما يلي:
أولًا: الإطار الأمني ونزْع سلاح غزة: تقوم خطة ترامب في جوهرها على تحويل غزة إلى منطقة “منزوعة التطرف وخالية من الإرهاب”، بحيث لا تشكّل تهديداً لجيرانها. ويترافق ذلك مع وقْفٍ فوريٍ للحرب عند موافقة الطرفين، وانسحابٍ تدريجٍي للقوات الإسرائيلية إلى خطوطٍ مِتفقٍ عليها، بما يضمن تثبيت الهدنة وتجميد العمليات العسكرية حتى استكمال الانسحاب المرحلي. كما تلتزم حركة حماس والفصائل الأخرى بعدم المشاركة في أي شكلٍ من أشكال الحكم، مع تدميرٍ كاملٍ للبُنى التحتية العسكرية والهجومية والأنفاق ومرافق إنتاج الأسلحة، ونزع سلاح غزة تحت إشراف مراقبين مستقلين، بآليةٍ دوليةٍ لشراء الأسلحة وإعادة إدماج المقاتلين. ولضمان الالتزام، ستقدَّم ضماناتٍ من شركاء إقليميين، بينما تعمل الولايات المتحدة على تشكيل قوة استقرار دولية مؤقتة ISF لتدريب ودعم الشرطة الفلسطينية، وتأمين الحدود بالتعاون مع مصر والأردن وإسرائيل، وفي هذا السياق، شدّدت الخطة على أن إسرائيل لن تحتلَ غزة ولن تضمَّها، بل ستنسحب تدريجياً مع انتقال السيطرة إلى القوة الدولية، باستثناء وجودٍ أمنيٍ محيطٍ مؤقّتٍ حتى ضمان استقرار الوضع. أما إذا تأخرت حماس أو رفضت المقترح، فستُطبّق الخطة في المناطق التي تعتبر “خالية من الإرهاب”.
ثانيًا: ملف الرهائن والأسرى: وضعت الخطة قضية الرهائن في صدارة أولوياتها، حيث نصّت على إعادتهم جميعاً (أحياءً أو أمواتاً) خلال 72 ساعة من قبول الاتفاق. وفي المقابل، تلتزم إسرائيل بإطلاق سراح 250 أسيراً محكوماً بالمؤبد و1700 معتقل من غزة جرى احتجازهم بعد 7 أكتوبر 2023، بما في ذلك جميع النساء والأطفال. كما تتضمّنُ الخطة ترتيباتٍ إنسانيةً تبادلية، إذ مقابل كل رهينةٍ تُسلَّم جثته، تُعيد إسرائيل رفات 15 فلسطينياً من غزة. وبمجرد الإفراج عن الرهائن، تمنح إسرائيل عفواً عاماً لعناصر حماس الذين يتخلون عن السلاح ويلتزمون بالتعايش السلمي، مع توفير ممراتٍ آمنةٍ للراغبين في مغادرة غزة إلى دول أخرى.
ثالثًا: المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار: تؤكد الخطة على إدخال مساعداتٍ شاملةٍ وفوريةٍ بمجرد توقيع الاتفاق، مع الالتزام على الأقل بمستويات المساعدات الإنسانية التي نص عليها اتفاق 19 يناير 2025، بما يشمل البنية التحتية الحيوية (مياه، كهرباء، صرف صحي) وإعادة تأهيل المستشفيات والمخابز وفتح الطرق. وتُدار المساعدات عبر الأمم المتحدة ووكالاتها والهلال الأحمر ومؤسسات دولية محايدة، فيما يخضع معبر رفح للآلية نفسها التي وُضعت سابقاً.
رابعًا: الحوكمة الانتقالية وآليات الحكم المحلي: تتضمن الخطة تشكيل لجنةٍ فلسطينيةٍ تكنوقراطية غير سياسيةٍ تتولى إدارة الخدمات العامة والشؤون المحلية لسكان غزة، على أن تعمل تحت إشراف هيئة انتقالية دولية جديدة تسمى “مجلس السلام”، برئاسة ترامب وأعضاء دوليين بارزين، من بينهم توني بلير. ويُناط بهذه الهيئة وضع الأطر العامة وتمويل إعادة الإعمار إلى حين إنجاز السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي وتصبح قادرةً على استعادة السيطرة على غزة بشكل فعّال وآمن.
خامسًا: التنمية الاقتصادية وإعادة بناء غزة: من أبرز ركائز الخطة إطلاق “خطة ترامب للتنمية الاقتصادية”، التي تستندُ إلى خبرات خبراء في تأسيس مدنٍ حديثةٍ في الشرق الأوسط، ودمْجِ مقترحاتٍ استثماريةٍ دوليةٍ ضمن أُطرٍ أمنيةٍ وحوكمة فعّالة. كما تقترح الخطة إنشاء منطقة اقتصادية خاصة تتمتع بتعريفاتٍ جمركيةٍ تفضيلية وآليات وصول تفاوضية مع الدول المشاركة. وتشدد على حرية الإقامة، مؤكدة أن لا أحد سيُجبر على مغادرة غزة، وأن من يغادر له حق العودة، فيما يتم تشجيع السكان على البقاء للمساهمة في إعمار غزة.
سادسًا: الأبعاد السياسية والإقليمية والدينية: تطرح الخطة بُعداً سياسياً بعيد المدى، إذ تعلن عن مسار حوار بين الأديان قائمٍ على التسامح والتعايش السلمي، بهدف تغيير العقليات والسرديات لدى الفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍّ سواء. وترى أن نجاح إعادة الإعمار وتنفيذ إصلاحات السلطة الفلسطينية قد يهيئ الظروف لمسارٍ سياسيٍ موثوقٍ يقود إلى تقرير المصير للفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينيةٍ، وهو ما تُقرّ به الخطة كأمل للشعب الفلسطيني. وأخيراً، تتعهد الولايات المتحدة بإطلاق حوارٍ مباشرٍ بين إسرائيل والفلسطينيين للتوصل إلى أفق سياسي للتعايش السلمي والمزدهر.
خريطة توضيحية منشورة عن البيت الأبيض[6]
وتوضح الخريطة السابقة مراحل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، موزّعة على ثلاثة خطوط ملوّنة ومنطقة مظللة، كل منها يحمل دلالةً سياسية وأمنية ضمن إطار الخطة.
اللون الأزرق: مناطقُ سيطرة الجيش الإسرائيلي داخل قطاع غزة، ويُعد نقطة الانطلاق في تنفيذ مراحل الانسحاب.
اللون الأصفر: المرحلةُ الأولى من الانسحاب، وتتزامن مع عملية الإفراج عن الرهائن.
اللون الأحمر: المرحلة الثانية من الانسحاب، ونشر قوة الاستقرار الدولية.
المنطقة المظللة: المرحلة الثالثة والأخيرة من الانسحاب، وتشكل منطقة أمنية عازلة.
يُمكن القول بأنه جاء إعلان الخطة مُحاطًا بجملةٍ من المواقف والشروط التي عكست أولويات الأطراف المعنية، وفي مقدمتها إسرائيل. فقد سعى نتنياهو إلى تأكيد الخطوط الحمراء التي لا يمكن لحكومته تجاوزها، والتي جاءت على النحو الآتي:
1- الشروط الإسرائيلية والرهانات الإقليمية: رحّب نتنياهو بالمبادرة ووصفها بـ«الخطوة المحورية» لإنهاء الحرب، مُؤكّدًا توافقها مع «النقاط الخمس» أو تُعرف “بالخطوط الحمراء” [7] التي وضعتها حكومته، والتي تتمثل فيما يلي:
انسحابٌ حقيقيٌ وكاملٌ لحماس من غزة، وتفكيك كامل وحقيقي لجميع البنى التحتية للإرهاب فوق الأرض وتحتها.
سيبقى الجيش الإسرائيلي دائما في محيط غزة، بما في ذلك محور فيلادلفيا، وسيحافظ على حرية العمل العملياتية الكاملة في جميع مناطق قطاع غزة، وسيمنع التهريب ويحمي المستوطنات الجنوبية.
لن يكونَ هناك أي تدخلٍ للسلطة الفلسطينية في غزة، لا اليوم ولا في المستقبل، لا صراحةً ولا ضمناً.
لن يكون هناك أيُ ذِكرٍ، ولو بأدنى حدّ، لدولة فلسطينية من شأنها أن تُهدد وجود إسرائيل.
لن تكون غزة بعد الآن سجنا يُحتجز فيه الناس بالقوة بشكل غير قانوني وغير أخلاقي لمجرد الإضرار بدولة إسرائيل.
فيما يتعلق بالضفة الغربية، فإننا نتوقع استغلال الفرصة التاريخية لإدارة ترامب لإلغاء فكرة إقامةِ دولةٍ وتقسيم الأرض نهائيًا من جدول الأعمال، ولترسيخ حقيقة أن الضفة جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل ذات السيادة، سياسيًا وعمليًا
2- المرونة المشروطة: قدّم نتنياهو استجابةً تكتيكيةً حين فتح إمكانية خروج قادة حماس من غزة في حال اختيارهم إنهاء الحرب وتسليم السلاح وإطلاق المحتجزين، وهو ما عُرض كخيارٍ تفاوضيٍ مشروطٍ ضمن ما يجري التباحث بشأنه مع فريق ترامب، كما أكد نتنياهو في السياق ذاته أن دعم الخطة شرطية بما يضمن تحقيق الأهداف العسكرية وإعادة الرهائن وتفكيك قدرات حماس، مع التأكيد أن إسرائيل تحتفظ بخيار المواصلةِ «بالطريقة السهلة أو الصعبة»[8] إذا رفضت أو انتهكت أي التزامات، وهو ما عكس محاولةً لخلْقِ آلية خروج سياسي–أمني تضعُ حدودًا لخيارات الطرفين، لكنها تبقى مرهونة بمدى استجابه وتعاطي حماس مع الخطة الأمريكية.
3- حشد الدعم الإقليمي والدولي وإمكانات التوسّع: حرص ترامب على الإشادة بمساهمات الدول العربية والإسلامية والحلفاء الأوروبيين في تشكيل بنود الخطة، وأشار إلى أن توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية (وحتى إمكانية انضمام إيران—وصفها «أمرًا رائعًا» إن حصل)[9] جزء من الرؤية الأوسع لربط الأمن بالاقتصاد والدبلوماسية. هذا المزيجُ يرمي إلى تقديم حوافز إقليميةٍ تجعل من تنفيذ التهدئة فرصةً لإعادة ترتيب العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة.
في الملمح النهائي، مثّل اللقاء منصّةً أميركيةً–إسرائيليةً لعرض إطارٍ تفاوضيٍ طموح يربط الأمن بالإصلاحات الإقليمية، لكنه كشف أيضًا عن حدود هذا الإطار؛ فاعتماد الخطة على قبول حماس، وحاجة إسرائيل إلى ضماناتٍ أمنيةٍ، بالإضافة إلى عدم وضْعٍ رادعٍ حقيقيٍ وفعالٍ في حالة عدم الالتزام بالخطة، قد يجعل من تنفيذ الخطة عملية هشة ومعقدة.
ثالثًا: ردود الأفعال الإقليمية والدولية على خطة ترامب
توالت ردود الفعل الإقليمية والدولية مُرحبة بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومبادرته للسلام[10]، وذلك على النحو الآتي:
1- المواقف العربية والإسلامية
دول عربية وإسلامية ترحب: رحب وزراء خارجية كلّ من مصر، والسعودية، وقطر ، الأردن، والإمارات، وتركيا، وإندونيسيا، وباكستان، بالدور القيادي لترامب وجهوده الصادقة لإنهاء الحرب، مؤكدين ثقتهم بقدرته على إيجاد طريق للسلام وأهمية الشراكة مع الولايات المتحدة. وقد رحبوا بالإعلان الذي يتضمن إنهاء الحرب، وإعادة إعمار غزة، ومنْعَ تهجير الشعب الفلسطيني، ودفع عجلة السلام الشامل، وكذلك إعلانه بأنه لن يسمح بضمّ الضفة الغربية. كما عبرت الدول العربية والإسلامية المشاركة في لقاء نيويورك مع ترامب عن استعدادها للتعاون لإتمام خطة غزة وضمان تنفيذها.
الرئاسة الفلسطينية: رحّبت دولة فلسطين بجهود الرئيس ترامب الصادقة والحثيثة لإنهاء الحرب، مؤكدةً ثقتها بقدرته على إيجاد طريقٍ نحو السلام، وجددت التزامها بالعمل مع الولايات المتحدة والشركاء لإنهاء الحرب باتفاقٍ شاملٍ يضمن إيصال المساعدات، والإفراج عن الرهائن والأسرى، وإرساء آلياتٍ تحمي الشعب الفلسطيني وتكفل احترام وقف إطلاق النار والأمن للطرفين، وتمنع ضم الأرض، وتهجير الفلسطينيين.
باكستان: رحّب رئيس الوزراء شهباز شريف بخطة ترامب، معتبرًا أنها خطوةٌ في الاتجاه الصحيح، ومشددًا على قناعته بأن تطبيق حل الدولتين ضرورةٌ ملحّةٌ لضمان سلامٍ دائمٍ في المنطقة، ومؤكداً أن السلام الدائم بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل ضروري لتحقيق الاستقرار.
تركيا: أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ “جهود وقيادة” ترامب لإنهاء الحرب، مؤكداً أن تركيا ستواصل المساهمة في العملية “بهدف إقامة سلام عادل ودائم يحظى بقبول جميع الأطراف”.
حماس والجهاد الإسلامي:
أعلنت حركة حماس أنها ستقومُ بدراسة الخطة بمسؤولية وحسن نية، مشددةً على أن أولويتها “رفع الحصار ووقف العدوان وضمان حقوق الشعب الفلسطيني”.
اعتبر الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة أن الخطة تمثّل “وصفة لتفجير المنطقة”، وأنها اتفاقٌ أميركيٌ-إسرائيلي يعبّر عن موقف إسرائيل بالكامل، محاولة لفرض ما لم تستطع تحقيقه بالحرب.
2- المواقف الدولية
الأمم المتحدة: اعتبر منسّق الشؤون الإنسانية توم فليتشر أن خطة ترامب تفتح “آفاقا جديدة” لإيصال المساعدات الضرورية، وقال: “نحن مستعدّون وراغبون في العمل – عمليا ومبدئيا – لاغتنام هذه الفرصة من أجل السلام”.
الاتحاد الأوروبي: قالت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية كايا كالاس إن الخطة تمثّلُ فرصةً لتحقيق سلامٍ دائمٍ، وتوفر أفضل فرصةً فوريةً لإنهاء الحرب، وأن الاتحاد الأوروبي مستعد للمساعدة في إنجاحها، داعية حماس لقبولها دون تأخير، بدءًا بالإفراج الفوري عن الرهائن.
فرنسا: رحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتزام ترامب، مؤكداً أن إسرائيل مطالبةً بالانخراط في الخطة، وأن حماس لا خيار أمامها سوى التنفيذ الفوري والإفراج عن جميع الرهائن، مشدداً على أن فرنسا ستواصل دعم حل الدولتين ومستعدة للمساهمة.
بريطانيا: رحّب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بالخطة، معبّرا عن امتنانه لقيادة ترامب، داعياً جميع الأطراف إلى التكاتف لإتمامها، وأن على حماس الآن أن توافق على الخطة وإنهاء البؤس بإلقاء سلاحها وإطلاق سراح جميع المحتجزين المتبقين.
ألمانيا: اعتبر وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول أن الخطةَ الأميركية فرصةٌ تاريخيةٌ لإنهاء الحرب المروعة، ومستعدون لدعمها بشكل ملموس.
الصين: أعربت الصين عن إشادتها وتأييدها “للجهود الرامية إلى خفض التوتّر”، داعيةً كلّ الأطراف المعنية إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة والتوصّل فورا إلى وقف لإطلاق النار شامل، والإفراج عن كلّ المحتجزين، والحدّ من الأزمة الإنسانية، معيدة التأكيد على دعمها لحلّ الدولتين.
روسيا: عبر الكرملين عن أمله في أن تنفَذ الخطة وأن تقودَ لانتشار السلام في الشرق الأوسط.
إسبانيا: أبدى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ترحيبه بالخطة، قائلاً: “لقد حان الوقت لوقف العنف، وإطلاق سراح جميع الرهائن على الفور، وإتاحة وصول مساعدات إنسانية للسكّان المدنيّين”.
إيطاليا: رحبت رئيسة وزراء إيطاليا جورجا ميلوني بالمبادرة، معتبرةً إياها “نقطة تحول” قد تُفضي إلى وقفٍ دائمٍ للقتال والإفراج عن جميع الرهائن وضمان وصول إنسانٍي آمنٍ وكامل للسكان، وأبدت استعدادها للقيام بدورها. ودعا البيان حماس إلى إنهاء الأعمال القتالية بإطلاق سراح الرهائن، والموافقة على عدم الاضطلاع بأي دور في مستقبل غزة، ونزع سلاحها بالكامل.
النرويج: رحبت الحكومة النرويجية بالخطة، وقالت إنها تتوقّع رداً واضحاً من إسرائيل على هذا الأساس، مشيرة إلى أنها على اتصالٍ وثيقٍ بالشركاء.
رابعًا: التحديات ومعضلات التنفيذ
تكشف خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة عن طموحٍ سياسيٍ–دبلوماسٍي واسع، غير أنّ ترجمتها إلى واقعٍ عمليٍ تواجه جملةً من التحديات البنيوية والمعضلات التنفيذية على النحو الآتي:
الُمعضلة الأولى – الشرعية والتمثيل تحت رئاسة دولية مباشرة: إسناد إدارة غزة إلى مجلسٍ دولي انتقالٍي “مجلس السلام” يرأسه الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب“، ويعاونه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “توني بلير“، لا يمثّل مجرد آليةٍ إدارية مؤقتةٍ، بل يفتح الباب أمام مُعضلةٍ شرعيةٍ مزدوجة أكثر تعقيداً. فمن ناحية، يُضعفُ هذا الترتيب أي حضور فلسطينيٍ فاعلٍ في إدارة القطاع، ويُغذّي سرديات التفريط بالسيادة وتحويل غزة إلى ساحةٍ تحت وصايةٍ مباشرةٍ لقوى أجنبية. ومن ناحية أخرى، فإن تولي شخصيات دولية بهذا الثِقَل ـ لا سيَّما ترامب بصفته رئيسًا فاعلًا في النزاع وليس وسيطًا محايدًا ـ يعمّق الانطباع بأن الإدارةَ الانتقاليةَ ليست سوى إعادة إنتاج لنظام انتداب جديد، يعيد للأذهان أنماط الوصاية الدولية في المنطقة، وهو ما قد يفاقم مناخ الارتياب الشعبي ويؤجّج مقاومةً سياسيةً وأمنيةً، إضافة إلى ذلك، فإن وجود توني بلير، الذي ارتبط اسمه تاريخيًا بمشاريع تسويةٍ أثارت الكثير من الجدل في الشرق الأوسط، يعزز التصورات حول “خطة مُعدّة مسبقًا” لإعادة هندسة الحوكمة في غزة على أسس تخدم اعتباراتٍ أمنيةً واقتصاديةً إقليميةً أكثر من كونها استجابةً لحاجات الفلسطينيين.
المُعضلة الثانية – نزع سلاح حماس وملف الرهائن: فالمُطالبة بنزع سلاح كامل وفوري تتطلب آليات تحقق تقنية وقانونية ووجود قوة دولية ذات سلطة وشرعية واضحة، بينما يضع بند الإفراج السريع عن رهائن مقابل إفراج واسع لإسرائيل عن مُعتقلين ثقلًا سياسيًا داخليًا على حكومات الطرفين؛ أي خطأ زمني واحد أو خلل في آلية التحقق سيقلب المقايضة إلى فخ. في غياب جدول زمني دقيق وآليات ضمان متفقاً عليها تصبح عملية تبادل الرهائن رهينة للشكوك والاتهامات المتبادلة—وهنا تظهر خطورة احتمال رفض حماس لتسليم السلاح، حيث رفض الحماس لنزع السلاح لا يلغي بالضرورة الالتزام بإعادة رهائن، لكنه يحول مسألة الإفراج إلى معضلة استراتيجية: إما قبولها لحفظ حياة المُحتجزين مع الاحتفاظ بقدراتها العسكرية الجزئية (مما يقوّض هدف نزع السلاح)، أو رفضها حفاظًا على وجودها السياسي والعسكري، ما يدفع إسرائيل والوسطاء إلى خيارات ضاغطة قد تُفضي إلى تجزئة التنفيذ أو العودة إلى خيارات عسكرية. بعبارة أخرى، غياب ثقة متبادلة وآليات تحقق وحوافز واضحة يجعل من احتمال «الرفض أو القبول المشروط» من قبل حماس سيناريو مُرجحًا، ويحوّل أي اتفاق صيغته الإطارية إلى عقد هشّ يمكن تفكيكه عند أول اختبار ميداني أو سياسي.
الُمعضلة الثالثة – ضغط اليمين والتآكل السياسي لالتزام نتنياهو : تكمنُ الُمعضلة الجوهرية في أن التزام نتنياهو بالخطة ليس قرارًا سياديًا مستقلًا بقدر ما هو رهينةٌ لمعادلةٍ ائتلافيةٍ داخلية: شركاؤه اليمينيون المتشددون يمتلكون مفاتيح بقاء الحكومة (تهديد بالانسحاب، سحب الدعم في الكنيست، أو إشعال أزمة ائتلافية)، ما يجعل أي تنازلٍ يُفسَّر داخليًا على أنه «استسلامٌ سياسيٌ» مخاطرة مباشرة لبقائه السياسي. نتيجة ذلك، من المرجّح أن يتبنّى نتنياهو سلوكًا تحفظيًا عمليًا — إعادة تفسير البنود، تحويل الالتزامات إلى شرطية، تأجيل التنفيذ، أو تطبيق جزئي انتقائي — بدلاً من التزامٍ صريحٍ ومُلزمٍ يخاطر بانهيار حكومته. باختصار: وجود شيء من الموافقة الرسمية لا يساوي التزامًا فعليًا إذا كانت كلفة التنفيذ داخليةً تعني نهاية الدعم السياسي؛ وهذا ما يحوّل توقيع الاتفاق إلى التزام هشٍّ قابلٍ للتآكل تحت وطأة الضغوط الحزبية.
المُعضلة الرابعة- غياب آلية ردع واضحة: كِلا الطرفين يملكان حوافزَ لترك ثغراتٍ في النص القانوني للاتفاق ليحتفظا بخيارات الضغط؛ وقد عبّر الجانب الأمريكي عن دعمٍ قاطع لإسرائيل في حال رفض حماس، مما يضع احتمال العودة إلى الحل العسكري كخيارٍ قائمٍ أمام تل أبيب. تصريحات من هذا النوع تقلّص من أهمية التهديد بعقوبات أو تدابير تصحيحية متعددة الأطراف، وتحوّل الخطة إلى إطارٍ يمكن تفعيله جزئياً أو تطبيقه في مناطق دون أخرى—ما يعني استمرار حالة عدم الاستقرار القانونية والسياسية.