المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات التركية > عرض نقدي لتقرير بعنوان: Azerbaijan’s oil strategy: decades at the pinnacle of global energy
عرض نقدي لتقرير بعنوان: Azerbaijan’s oil strategy: decades at the pinnacle of global energy
- أكتوبر 5, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات التركية
لا توجد تعليقات

إعداد: أماني السروجي
باحث في برنامج دراسات الدول التركية
تُجسّد الاستراتيجية النفطية الأذربيجانية نموذجًا للتخطيط طويل المدى الذي جمع بين الأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية في آنٍ واحدٍ، فقد شكّل “عقد القرن”، الموقّع في 20 سبتمبر 1994 مع اثنتي عشرة شركةً نفطيةً دوليةً لتطوير حقول “آذري–تشيراغ–جونشلي” في بحر قزوين، نقطة تحوّل محوريةٍ في مسار الدولة حديثة الاستقلال، إذ أتاح لباكو توظيف مواردها النفطية والغازية بوصفها رافعةً أساسيةً للنمو الاقتصادي، وجذْب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والحصول على دعم مؤسساتٍ ماليةٍ دولية مثل صندوق النقد الدولي، كما أسهم في الانتقال من نظام الاقتصاد الموجّه إلى اقتصاد السوق، بما انعكس في تعزيز الاستقرار المالي وتحقيق معدّلات نموٍ مرتفعة، مدعومًا ببيئة قانونية وتنظيمية ضمنت حماية حقوق المستثمرين ووفّرت مناخًا مواتيًا لتوسيع حضور الشركات الأجنبية.
وتجاوزت آثار “عقد القرن” البُعد الاقتصادي لتؤسسَ لدورٍ استراتيجيٍ متنامٍ لأذربيجان في بيئتها الإقليمية والدولية. فقد أتاح تطوير شبكة من خطوط الأنابيب العابرة للحدود، مثل خط باكو–تبليسي–جيهان، تصدير النفط إلى الأسواق العالمية بعيدًا عن النفوذين الروسي والإيراني، مما عزّز موقع باكو ضمن معادلات الطاقة الدولية. كما مكّن العقد من توظيف “دبلوماسية الطاقة” كأداةٍ لبناء شراكاتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ أوسع مع الغرب ودول الجوار، الأمرُ الذي ساعد على إعادة تشكيل التوازنات في جنوب القوقاز.
وبهذا، يمكن القول إن استراتيجية “عقد القرن” ارتكزت على أربعة محاور أساسية: تطوير قطاع النفط والغاز كمحرّك للنمو، استقطاب الاستثمار الأجنبي في إطارٍ قانونيٍ مستقر، بناء روابط إقليمية عبر مشاريع البنية التحتية للطاقة، وتوظيف العوائد النفطية لتعزيز المكانة الجيوسياسية، وعليه، فقد أرست هذه الاستراتيجية الأسس التي مكّنت أذربيجان من التحوّل إلى فاعلٍ محوريٍ في خريطة الطاقة العالمية خلال العقود اللاحقة.
وفي هذا الإطار، صدرت مقالة عن موقع كاليبر بعنوان “Azerbaijan’s oil strategy: decades at the pinnacle of global energy” للكاتب خازار أخوندوف، يقدم من خلالها تقييماً لاستراتيجية أذربيجان النفطية عبر مسيرة ثلاثة عقود منذ توقيع “عقد القرن” في عام 1994، ويُظهر كيف شكّلت هذه الاستراتيجية، التي وضعها الزعيم الأذربيجاني الراحل حيدر علييف، حجر الزاوية للتحول الاقتصادي والسياسي في البلاد، وكيف تواصل هذه الاستراتيجية تطورها في عصرٍ جديدٍ من الشراكات الدولية والتحديات العالمية.
أولًا: الخلفية التاريخية واستراتيجية “عقد القرن”
يشير خازار أخوندوف إلى أن توقيع “عقد القرن” في 20 سبتمبر 1994 جاء في ظروفٍ جيوسياسيةٍ معقّدةٍ، إذ كانت أذربيجان تواجه تحديات الاستقلال الحديث وحاجة ملحّة لجذْبِ الاستثمارات الأجنبية. ويُبرز أن الاتفاقية ضمت 11 شركة نفطية دولية من بلدان مختلفة، مما يعكسُ البُعدَ الدولي للمشروع منذ بدايته، ويشير إلى أن الاستراتيجية لم تكن مجرد اتفاقيةٍ تجاريةٍ، بل كانت رسالةً قويةً من الحكومة الأذربيجانية آنذاك، تؤكد التزامها باتخاذ الخطوات اللازمة لجذْبِ المستثمرين الأجانب والاحتفاظ بهم في وقت كان فيه معظم الاتحاد السوفيتي السابق يعاني من فوضى تنظيمية فيما يتعلق بممارسة الأعمال.
ثانيًا: الأبعاد الاقتصادية والاستثمارية
يستعرض أخوندوف الأرقام الضخمة التي حققها مشروع أذري-تشيراغ-غونشلي، حيث تجاوز إجمالي الاستثمار في تطوير هذه الكتلة 45 مليار دولار حتى بداية عام 2025، في حين بلغ إجمالي إنتاج النفط أكثر من 4.481 مليار برميل بحلول أبريل 2025. وتتماشى هذه الأرقام مع التقديرات المستقلّة التي تشير إلى أن احتياطيات الحقول القابلة للاستخراج تصل إلى نحو 5 إلى 6 مليارات برميل، ما يجعلُ المشروعَ ثالثَ أكبر مشروع تطوير حقول نفطية من بين 20 مشروعًا عالميًا.
ويشير الكاتب إلى أن التوسّع السريع في قطاع النفط والغاز لم يقتصرْ على زيادة الإنتاج، بل أسهم في تحويل القاعدة الصناعية لأذربيجان، إذ مكّن من تصنيع منصّاتٍ بحريةٍ عالمية المستوى ذات جودة عالية وتعقيدٍ فنّيٍ كبير، فضلاً عن تحفيز تطوير صناعة بتروكيماوية حديثة. ويُظهر هذا التحول أن الاستراتيجية النفطية الأذربيجانية لم تقتصر على استخراج الموارد فحسب، بل امتدت لبناءِ قدراتٍ صناعيةٍ محلية متقدمة تعزز من قيمة المشروع الاقتصادية والاستثمارية على المدى الطويل.
ثالثًا: الشراكات الدولية والتطور الاستراتيجي
يبرز الكاتب الدور المحوري للشركات الأمريكية في إطلاق “عقد القرن”، حيث ساهمت كبرى الشركات مثل أموكو وإكسون وبينزويل ويونوكال (التي اندمجت لاحقًا في شيفرون) في تعزيز الاستثمارات النفطية في باكو. وفي التسعينيات، بلغت حصة الشركات الأمريكية نحو 47% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في إنتاج النفط الأذربيجاني، ما يعكس التأثير الكبير لهذه الشركات على المشهد النفطي المحلي.
ويشير الكاتب إلى الاستدامة طويلة المدى للمشروع من خلال التجديد المستمر للاتفاقيات، حيث تمَّ تمديد اتفاقية تَقاسم الإنتاج الأصلية، الموقّعة لمدة 30 عامًا، في 14 سبتمبر 2017، مما مكّن الأطراف من الاستمرار في التطوير المشترك حتى عام 2050، وهو ما يعكس الثقة المتبادلة بين الشركاء، وفي إطار هذا النهْجِ التطويري، تمَّ إطلاق المرحلة الخامسة من المشروع في عام 2019، ضمن ما يُعرف بـ”عقد القرن الثاني”، لتغطي قطاع أذري الوسطى الشرقية باستثمار قدره 6 مليارات دولار، مع إنتاج متوقع يزيد عن 300 مليون برميل من النفط.
رابعًا: الشراكة الجديدة مع إكسون موبيل
يبرز التقرير أهمية مذكرة التفاهم الموقّعة في أغسطس 2025 بين سوكار وإكسون موبيل في واشنطن، والتي تُعتبر بمثابة مرحلةٍ جديدةٍ من الشراكة التي بدأت في إطار الاستراتيجية النفطية الوطنية قبل 31 عاماً، ويذكر وزير الاقتصاد ميكائيل جباروف أن أذربيجان تتوقع اكتشاف حقلٍ نفطيٍ كبيرٍ بدعمٍ من شركة إكسون موبيل الأمريكية.
وتُركّز هذه الشراكة الجديدة على استكشاف الموارد غير التقليدية البرية، التي قد تساهم حالياً بنسبة 5% فقط من إجمالي إنتاج النفط الأذربيجاني، وتُشير التقارير إلى أن الاتفاقية تهدف للحفاظ على إنتاج باكو النفطي عند حوالي 582,000 برميل يومياً للسنوات الخمس المقبلة.
خامسًا: الأبعادُ الاجتماعية والتنموية
يُشير أخوندوف إلى إنجازاتٍ مهمةٍ في إدارة الثروة النفطية، حيث يذكر الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أن الدين الخارجي يبلغ أقل من 7% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تتجاوز الاحتياطيات المالية للدولة الدين الخارجي بمعامل 14، كما انخفض معدّلُ الفقر إلى حوالي 5% بفضل التوزيع العادل للثروة الوطنية، وتتماشى هذه الإنجازات مع تأسيس صندوق النفط الحكومي الأذربيجاني (SOFAZ) في عام 1999، والذي يهدف لضمان الإدارة الفعّالةِ لعوائد المواد الهيدروكربونية والتوزيع العادل للنفط بين الأجيال.
سادسًا: التحوّلُ نحو الطاقة المتجددة
يشير التقرير إلى أن الرئيس علييف أكد على تنفيذِ إصلاحاتٍ شاملةٍ، تتضمن متابعة أجندة خضراء طموحة، موضحًا أن “البلد الغني بالنفط والغاز يستثمر مع المستثمرين الأجانب في الطاقة الخضراء، مما يعكس مسؤوليتنا تجاه البيئة”.
ويأتي هذا التوجّهُ عمليًا من خلال الاستثمارات الحديثة في مشاريع الطاقة المتجددة، حيث دشنّت أذربيجان في أكتوبر 2023 أول محطة طاقةٍ شمسيةٍ واسعة النطاق بالشراكة مع شركة مصدر الإماراتية. وتضم المحطة 570,000 لوح شمسي، وتولد كهرباء كافية لتلبية احتياجات نحو 110,000 منزل، بالإضافة إلى خفْض الانبعاثات بمقدار 200,000 طن سنويًا، ويُظهر هذا المشروع كيف أن أذربيجان تسعى لتحقيق توازنٍ بين الاستفادة من مواردها التقليدية وتعزيز استدامتها البيئية.
سابعًا: تأملات نقدية
تُظهر الاستراتيجية النفطية الأذربيجانية رؤيةً طويلة المدى تمتد لعقود، مع قدرة على التكيّف مع التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية، وقد نجحتْ باكو في بناء شراكاتٍ متنوعةٍ مع شركاتٍ من دولٍ مختلفةٍ، ما ساهم في تقليل المخاطر السياسية والاقتصادية وتعزيز الثقة بالاستثمارات الأجنبية، كما لعبت بعض المؤسسات مثل صندوق النفط الحكومي وشركة سوكار دورًا مهمًا في إدارة الموارد بشكلٍ فعّالٍ، وهو ما أضاف بُعدًا مؤسسيًا يعزز استدامة المشروع على المدى الطويل.
على الرغم من هذه الإنجازات، لا تزال الاستراتيجيةُ تواجه تحدياتٍ واضحةً، فالاعتماد الكبير على النفط والغاز، الذي يشكّل نحو 90% من صادرات البلاد، يجعل الاقتصاد الأذربيجاني عُرضةً لتقلبات الأسعار العالمية، كما يثير الانخفاض المستمر في إنتاج النفط منذ عام 2011 تساؤلاتٍ حول القدرة على الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية مستقبلاً، وبالإضافة إلى ذلك، يفرض التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة تحدياتٍ كبيرةً على أذربيجان لإعادة هيكلة اقتصادها بما يتماشى مع هذه الاتجاهات الجديدة.
وفيما يتعلق بتحليل الكاتب، يميل الطرْحُ إلى إبراز النجاحات والإنجازات المحقّقةِ في المشروع، مع التركيز على الجوانب الإيجابية دون التطرق بشكلٍ كافٍ للمخاطر المستقبلية، كما أن المقال يفتقر إلى تحليلٍ نقديٍ معمّقٍ لمخاطر تراجع الإنتاج أو الاعتماد المفرط على الهيدروكربونات، ويحتاج أيضًا إلى تناول أوسع للسياق الإقليمي والعالمي وتأثيراته على الاستراتيجية الأذربيجانية.
وبالنظر إلى الآفاق المستقبلية، تشير بعض الدراسات إلى ضرورة تسريع جهود التنويع الاقتصادي، لا سيَّما في القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والسياحة والخدمات، والتي نمت بمعدل 9% سنويًا في المتوسط خلال الفترة من 2010 إلى 2012، وهو ما يعكس إمكانياتٍ واعدةً لتعزيز الاقتصاد الوطني. كما يشكّلُ الاستثمار في الطاقة المتجددة خطوةً استراتيجيةً ضروريةً، نظرًا لإمكانات أذربيجان الكبيرة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث يمكن لهذا التحول أن يُحرر كميات من الغاز الطبيعي للتصدير بدلًا من الاستهلاك المحلي، بما يساهم في تحقيق استدامةٍ اقتصاديةٍ وبيئيةٍ على المدى الطويل.
الخاتمة:
يُقدّم الكاتب نظرةً شاملةً على الاستراتيجية النفطية الأذربيجانية، مُظهراً كيف نجحت في نقل البلاد من مرحلة مواجهة تحديات الاستقلال إلى موقع فاعلٍ في أسواق الطاقة العالمية، إلا أنّ التحدي الأكبر يبقى في كيفية إدارة التحول من اقتصادٍ يعتمد بدرجةٍ كبيرةٍ على الهيدروكربونات إلى اقتصادٍ أكثر تنويعًا ومرونة. وتُظهر الشراكة الجديدة مع “إكسون موبيل” إلى جانب الاستثمارات المتنامية في الطاقة المتجددة إدراك أذربيجان لهذه التحديات وسعيها للتكيف معها، لكنّ النجاح في هذا المسار سيظل مرهونًا بقدرتها على بلورة رؤيةٍ استراتيجيةٍ شاملةٍ، وتنفيذ إصلاحاتٍ اقتصاديةٍ ومؤسسية فعّالة تضمن استدامة مكتسباتها على المدى الطويل.
المراجع
Khazar Akhundov, Azerbaijan’s oil strategy: decades at the pinnacle of global energy, Caliber.Az, 20 September 2025. https://caliber.az/en
Azerbaijan’s SOCAR inks oil exploration deals with ExxonMobil and BP, AZEMEDIA, June 3, 2025. https://aze.media