المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > ثلاثون عامًا من الشراكة المتوازنة: أبعاد وآفاق العلاقات “المصرية – الكورية الجنوبية”
ثلاثون عامًا من الشراكة المتوازنة: أبعاد وآفاق العلاقات “المصرية – الكورية الجنوبية”
- أكتوبر 11, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات

إعداد: ريهام محمد
باحث في وحدة الشرق الأوسط
احتفلت العلاقاتُ “المصرية – الكورية الجنوبية” مؤخرًا، بمرور ثلاثين عامًا على تأسيسها، وقد رسَّخت خلال العقود الثلاثة الماضية نموذجًا فريدًا من الشراكة المتوازنة بين دولتيْن تنتميان إلى بيئتين جغرافيتين وحضاريتين مختلفتين، لكن يجمعهما طموحٌ مشتركٌ نحْو التنمية المستدامة وبناء اقتصاد قائم على الابتكار والتكنولوجيا.
فمنذُ إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1995، نجحت القاهرة وسيول في نقْل التعاون بينهما من مجرد تبادل تجاري تقليدي إلى شراكة استراتيجية متكاملة، ترتكز على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل للخصوصيات الوطنية، وفي الوقت الذي تسعى فيه كوريا الجنوبية إلى توسيع وجودها في الشرق الأوسط وأفريقيا من خلال شراكات استراتيجية موثوقة، تبرز مصر كحليف محوري قادر على منحها عُمْقًا جغرافيًّا وبشريًّا واستثماريًّا، فيما تنظر القاهرة إلى التجربة الكورية كنموذج يُحتذى في التحول الاقتصادي والتكنولوجي.
وعليه؛ تمثل الذكرى الثلاثون للعلاقات بين البلدين فرصةً لإعادة قراءة المسار المشترك وتحديد ملامح التوازن الذي قد يرسم مستقبل الشراكة “المصرية–الكورية” في العقْد المقبل، بما يعزز من توازن المصالح المشتركة ويعمّق أواصر التعاون بينهما.
العلاقات السياسية والدبلوماسية بين مصر وكوريا الجنوبية
تُجسِّدُ العلاقات السياسية والدبلوماسية بين القاهرة وسيول، نموذجًا متوازنًا يمزج بين الثبات والمرونة؛ حيث استطاع الجانبان على مدار ثلاثة عقود أن يُطوِّرَا شراكةً متينةً قائمة على التفاهم الاستراتيجي ومصالح مشتركة، انعكس ذلك في تعزيز التنسيق السياسي، وتكثيف التواصل رفيع المستوى بين القيادات.
ويمكن إبراز ملامح هذا البعد السياسي والدبلوماسي على النحو الآتي:
الزيارات الرسمية المتبادلة: شكَّلَت الزيارات المتبادلة بين البلدين خلال العقود الماضية نقطة انطلاق أساسية لتطوير العلاقات الثنائية، ووضعت إطارًا جديدًا يُعرف بـ”الشراكة الشاملة”.
من أبرز هذه الزيارات، كانت زيارة الرئيس الكوري الجنوبي “موون جاي إن” إلى القاهرة في يناير 2022، باعتبارها أول زيارة لرئيس كوري منذ نحو 16 عامًا، وأكَّدَ خلالها الجانبان على التوافق في الرُّؤَى تِجَاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها؛ دعم الأمن والاستقرار في شِبْه الجزيرة الكورية، والتعاون في مواجهة التحديات العالمية كالإرهاب وتغير المناخ.
كما أشاد الرئيس الكوري في تلك الزيارة بالثقل السياسي لمصر باعتبارها “حجر الزاوية” في استقرار الشرق الأوسط وأفريقيا، مؤكدًا أن بلاده تنظر إلى القاهرة بوصفها شريكًا استراتيجيًّا في جهود إحلال السلام الإقليمي.[1]
بدورها، جاءت زيارة رئيس الجمعية الوطنية الكورية “كيم جين بيو” إلى القاهرة في أكتوبر 2023، كاستمرار لدفْع العلاقات، عبْر مناقشة سُبُل توطين الصناعات الكورية في مصر وتعميق التعاون في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والنقْل، ويُضاف إلى ذلك سلسلة من اللقاءات الرفيعة المستوى التي عزَّزَتْ التواصل الدبلوماسي بين البلدين، منها الاتصال الهاتفي في أكتوبر 2022، بين الرئيس السيسي والرئيس “يون سوك يول”، والذي ركَّزَ على تعظيم التعاون الاقتصادي والتشاور حول القضايا الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى اللقاءات المتكررة بين وزيريْ الخارجية سامح شكري و”جو تيه-يول”، وآخرها في مارس 2024، والتي أكدت رغبة الجانبين في رفع مستوى التنسيق السياسي والاقتصادي، وتوسيع آليات التشاور الثنائي لتشمل ملفات الأمن الإقليمي وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.[2]
وفي سياق متصل، جاءت زيارة السيد “بارك بوم كي” المبعوث الخاص لرئيس جمهورية كوريا الجنوبية إلى مصر يوم الثلاثاء 30 سبتمبر 2025؛ لتعكس استمرار قوة الدفْع في العلاقات الثنائية، خصوصًا مع احتفال البلدين بالذكرى الثلاثين لتدشين العلاقات الدبلوماسية بينهم، وقد ركَّزَت على التعاون الاقتصادي والتجاري والبناء على زيارات تاريخية مثل زيارة الرئيس السيسي لسيول عام 2016، وزيارة الرئيس الكوري للقاهرة عام 2022، وحملت الزيارة دلالات سياسية واقتصادية عميقة؛ إذ أكدت حِرْص سيول على ترسيخ شراكتها مع القاهرة كمنفذ استراتيجي رئيسي نحو أفريقيا والشرق الأوسط، في الوقت الذي تسعى فيه مصر للاستفادة من الخبرة الكورية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والصناعة والطاقة المتجددة، كما عكست هذه الزيارة متانة العلاقات بين البلدين، واستمرار التنسيق رفيع المستوى رغم ما يشهده العالم من تحديات اقتصادية وجيوسياسية متشابكة.[3]
ومن ثَمَّ؛ تُبرز هذه الزيارات المتبادلة تحول العلاقات بين البلدين إلى شراكة سياسية واقتصادية متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل ورؤية استراتيجية بعيدة المدى.
المواقف المشتركة حول القضايا الإقليمية والدولية: أظهرت القاهرة وسيول خلال السنوات الأخيرة تقارُبًا واضحًا في الرُّؤَى حِيَال القضايا الإقليمية والدولية الكبرى؛ استنادًا إلى مبادئ مشتركة تقوم على احترام القانون الدولي، ودعْم الحلول السياسية للنزاعات، ورفْض استخدام القوة في العلاقات الدولية، وقد انعكس هذا التوافُق في مواقف الدولتين داخل المنظمات الدولية، وفي تنسيقهما المتزايد بشأن الملفات الساخنة في الشرق الأوسط وشِبْه الجزيرة الكورية على حدٍّ سواء.
القضية الفلسطينية: دعمت كوريا الجنوبية القضية الفلسطينية من خلال تصويتها لصالح مشروع القرار العربي بمجلس الأمن لوقْف إطلاق النار في غزة، وأعلنت استمرار دعمها لتمويل وكالة “الأونروا”، والمساعدات الإنسانية، من جانبها؛ ثمَّنَتْ القاهرة هذا الموقف الرصين، واعتبرته مؤشرًا على التزام كوريا بسياسة خارجية مسؤولة تراعي الأبعاد الإنسانية للنزاعات، وهو ما عبَّرَ عنه وزير الخارجية “سامح شكري” خلال اتصاله بنظيره الكوري في مارس 2024، مشيدًا بدور سيول في الدَّفْع نحْو التهدئة وإنفاذ المساعدات.[4]
شِبْه الجزيرة الكورية: عبَّرَت مصر مرارًا عن دعمها لجهود تحقيق السلام في شِبْه الجزيرة الكورية، وتأييدها لمبدأ نزْع السلاح النووي عبْر المفاوضات، باعتباره السبيل الأمثل لضمان الأمن الإقليمي، وقد أكد الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة على حِرْص القاهرة على استقرار الأوضاع في شرق آسيا، في إطار قناعة مصرية راسخة، بأن أمن العالم مترابط، وأن تهديد السِّلْم في أيِّ منطقة ينعكس سلْبًا على النظام الدولي برُمَّتِهِ.[5]
كما يتفق البلدان على ضرورة التصدِّي لقضايا التنمية وتغيُّر المناخ؛ إذ شهد عام 2022، مشاركةً فعَّالة لكوريا الجنوبية في مؤتمر المناخ الذي استضافته مصر بشرم الشيخ (COP27)؛ حيث قدمت مبادرات لدعم التحوُّل البيئي في أفريقيا، على الجانب الآخر، أثْنَتْ مصر على التجربة الكورية في تحقيق اقتصاد صديق للبيئة واعتبرته نموذجًا يُحْتَذى به في برامج التحوُّل البيئي المصري، كما يتقاطع موقف الدولتين في ملفات الإصلاح الأممي والتعدُّدية الدولية؛ حيث تدعم كوريا مطالب الدول النامية –ومن بينها مصر– بضرورة إصلاح مجلس الأمن ليصبح أكثر تمثيلًا وعدالة، وتحرص الدولتان على التنسيق داخل الأمم المتحدة لتعزيز صوْت الجنوب العالمي في قضايا التنمية والسلام.
البُعْد الاقتصادي في العلاقات “المصرية – الكورية الجنوبية”
يُمثِّلُ البُعْد الاقتصادي دعامةً أساسيةً في الشراكة الاستراتيجية بين مصر وكوريا الجنوبية، فقد تطوَّرت العلاقات الاقتصادية بين البلدين من التبادل التجاري التقليدي إلى شراكات أكثر تعقيدًا، تقوم على التكامل الإنتاجي ونقْل التكنولوجيا، بما يعزز التنمية المستدامة، وقد أدرك الجانبان، أن الاقتصاد يُمثِّلُ مدْخلًا فعَّالًا لتعزيز العلاقات السياسية وتوسيع دائرة النفوذ الإقليمي، لا سيما في ظِلِّ التحوُّلات الاقتصادية العالمية وإعادة رسْم خرائط التجارة وسلاسل الإمداد، ويمكن إبراز ملامح هذا التقارُب الاقتصادي المتنامِي بين البلدين على النحْو الآتي:
الشراكة الاقتصادية والاستثمارية: تُعَدُّ العلاقات الاقتصادية بين مصر وكوريا الجنوبية من أركان التعاون الثنائي المتينة؛ حيث تطوَّرَت إلى شراكة تنموية ترتكز على المصالح المشتركة والرُّؤْية طويلة الأمد، فقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في الاستثمارات الكورية داخل مصر؛ وذلك بفضل البيئة التشريعية المُحفِّزَة وبرامج الإصلاح الاقتصادي الطموحة التي جعلت مصر وجهةً مفضَّلةً للشركات الآسيوية الرائدة.
وفي هذا الإطار، أوضح المبعوث الرئاسي الكوري الجنوبي “بارك بوم كي”خلال زيارته إلى القاهرة في سبتمبر 2025، أن حجم التبادل التجاري بين مصر وكوريا الجنوبية يبلغ 3 مليارات دولار سنويًّا، فيما تبلغ الاستثمارات الكورية المباشرة في مصر نحْو مليار دولار، مؤكِّدًا أن أكثر من خمسين شركةً كوريةً تُسْهِمُ في دعْم الاقتصاد المصري، عبْر مشروعات استراتيجية في مجالات متعددة، تشمل “النقل والطاقة”، ويعكس هذا التصريح – الصادر في سياق الاحتفال بالذكرى الثلاثين لتدشين العلاقات الدبلوماسية – إدراك سيول للأهمية المتنامية للسوق المصري كمنصَّة إنتاج وتصدير إقليمية.[6]
كما أسْهمت الشركات الكورية في مشروعات استراتيجية كُبْرَى داخل مصر، يأتي في مقدمتها؛ التعاون مع شركة “هيونداي روتيم” في تصنيع عربات المترو والقطارات الكهربائية، ومساهمة “سامسونج” في توطين صناعة الإلكترونيات داخل مصنعها بمحافظة بني سويف، الذي يخدم الأسواق الأفريقية والعربية، بالإضافة إلى ذلك، ضخَّتْ شركات مثل “LG “استثمارات في خطوط إنتاج الأجهزة المنزلية، فيما تركزت استثمارات “دوسان” على مجال محطَّات الطاقة والمياه، ومن ثَمَّ؛ تعكس هذه المشروعات التحوُّل من نَمَطٍ استهلاكيٍّ إلى نَمَطٍ إنتاجيٍّ يعتمد على التصنيع المحلي.[7]
ويُضافُ إلى ذلك، أن كوريا الجنوبية تنظر إلى مصر باعتبارها مركزًا رئيسيًّا لاستراتيجيتها التوسُّعية نحْو أفريقيا والشرق الأوسط، مستفيدةً من الموقع الجغرافي المميز وشبكة الاتفاقيات التجارية الحرة التي تربط مصر بالقارتيْن الأفريقية والعربية، وبالتالي؛ يعتبر السوق المصري بوَّابةً رئيسية للمنتجات الكورية؛ للوصول إلى شريحة كبيرة من المستهلكين ضمن اتفاقيتيْ “الكوميسا” ومنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية ((AfCFTAl.
من الجانب الآخر، تنظر مصر إلى التجربة التنموية الكورية كنموذج يُحْتَذى به في تحقيق الإنجازات عبْر التكنولوجيا والابتكار والانفتاح على الأسواق العالمية، لذا تسعى الدولة المصرية إلى تعميق حضور الشركات الكورية في المشروعات القومية الكبرى، خاصَّةً في مجالات النقل والطاقة المتجددة والتحوُّل الرقمي، وتتماشى هذه الجهود مع أهداف رُؤْية مصر 2030؛ لتحقيق التنمية المستدامة، وقد عبَّرَ السفير الكوري بالقاهرة مِرَارًا عن استعداد بلاده لزيادة استثماراتها في مصر، مشيرًا إلى أن الحوافز الحكومية المتمثلة في الرُّخَص الذهبية والإعفاءات الضريبية ودعْم الصادرات تُعَدُّ عوامل جذْبٍ رئيسية للشركات الكورية التي استطاعت تحقيق نجاحات ملحوظة داخل السوق المصري.
التعاون التنموي ونقل التكنولوجيا: يتخطَّى التعاون بين مصر وكوريا الجنوبية الجانب الاقتصادي ليتناول مجالات التنمية ونقل التكنولوجيا؛ مما يُضْفِي طابعًا مميزًا على العلاقات بين البلدين خلال العقد الأخير، ففي عام 2021، اختارت كوريا الجنوبية مصر لتكون شريكها الاستراتيجي للتعاون الإنمائي لخمس سنوات، ضمن إطار سياسة “Korea ODA Partnership” التي تهدف إلى دعْم الدول النامية، من خلال توفير التمويل والخبرات الفنية.
فيما يبلغ حجم محفظة التعاون الإنمائي بين مصر وكوريا الجنوبية، نحو 1.3 مليار دولار، وُجِّهَتْ نحْو قطاعات حيوية، مثل “التعليم، والطاقة المتجددة، والاتصالات، والنقل، والإدارة العامة، والبيئة”، وقد جاءت هذه المساعدات على شكْل مِنَحٍ مُيسَّرةٍ، وتدريبٍ تقنيٍّ، ودعمٍ مؤسسيٍّ؛ مما ساهم في رفْع كفاءة الكوادر المصرية لإدارة مشاريع التنمية وفْق المعايير الكورية التي تمزج بين الإبداع والكفاءة.[8]
كما ساهمت الوكالة الكورية للتعاون الدولي (KOICA) في تنفيذ عددٍ كبيرٍ من المشاريع بمصر، من بينها؛ مشروعات خاصَّة بتطوير التعليم الفني والتدريب المهني، وإنشاء مراكز تميز في الجامعات المصرية، فضْلًا عن تقديم برامج للتحوُّل الرقمي والإدارة الإلكترونية، ومن خلال هذه المبادرات، تهدف كوريا إلى مشاركة خبراتها في بناء اقتصاد قائم على المعرفة، بينما تسعى مصر إلى استثمار هذا التعاون بما يتماشى مع استراتيجياتها لتحديث البنية التحتية البشرية والمؤسسية.[9]
البُعْد العسكري والأمني في العلاقات بين مصر وكوريا الجنوبية
في سياق نظامٍ دوليٍّ يخضع لإعادة تشكيل مستمرة بفِعْل سباق التسلُّح الإقليمي وتحوُّلات موازين القوى في آسيا والشرق الأوسط، برزت العلاقة العسكرية بين مصر وكوريا الجنوبية كإحدى أكثر مسارات التعاون ديناميكية وتطلُّعًا نحو المستقبل؛ إذ تتبنَّى الدولتان رؤيةً استراتيجيةً مشتركةً، تهدف إلى بناء منظومة ردْع مستقلة، تعتمد على التكنولوجيا الحديثة وتوازن المصالح، بَدَلاً من الالتزام بالتبعِيَّة للارتباطات التقليدية أو القيود السياسية التي تفرضها القوى الكبرى.
ويمكن إبراز ملامح البُعْد العسكري والأمني بين الدولتين على النحْو الآتي:
التصنيع العسكري وتوطين التكنولوجيا الدفاعية: تأسست العلاقات الدبلوماسية بين مصر وكوريا الجنوبية في 13 أبريل 1995، ومنذ ذلك الحين، تطورت لتشمل مجالات متعددة، من أبرزها؛ التعاون الدفاعي الذي شَهِدَ في السنوات الأخيرة قفزة نوعية، جعلت سيول أحد الشركاء الرئيسيين لمصر في تحديث ترسانتها العسكرية.
من أبرز الدلائل على هذا التحوُّل تأتي صفقة مدافع الهاوتزر الذاتية الدفع من طراز” K9A1 Thunder ” التي بلغت قيمتها حوالي 1.66 مليار دولار؛ إذ تضمنت هذه الصفقة نقْل التكنولوجيا وتنفيذ التصنيع المحلي بنسبة تصل إلى 70% من المكونات داخل مصر؛ مما يُعزز قدرات الهيئة القومية للإنتاج الحربي ويضع مصر في موقع الريادة كقاعدة إقليمية لتصنيع الأنظمة المدفعية الحديثة، إضافةً إلى ذلك، تجري مفاوضات متقدمة لتزويد مصر بطائرات التدريب والقتال الخفيف FA-50″”، فضْلًا عن راجمات الصواريخ “K239 Chunmoo” ضمن توجُّهٍ أشمل يهدف إلى توطين التكنولوجيا وتطوير القدرات الصناعية الدفاعية الذاتية.[10]
وتعكس هذه الصفقات إدراكًا مصريًّا، بأن امتلاك السلاح لا ينفصل عن امتلاك القدرة على إنتاجه، وأن نقْل التكنولوجيا يُمثِّلُ حجر الزاوية في تحقيق السيادة الدفاعية، وفي المقابل، ترى كوريا الجنوبية في مصر بوَّابة استراتيجية لتوسيع صادراتها الدفاعية نحو الشرق الأوسط وأفريقيا، مستفيدةً من موقعها الجغرافي واتفاقياتها التجارية؛ ما يجعل التعاون العسكري بين البلديْن امتدادًا طبيعيًّا للشراكة الاقتصادية والصناعية المتعمقة.
وفي هذا السياق، شكَّلَ عام 2023 نقطة تحوُّلٍ مهمةٍ؛ إذ قام المهندس محمد صلاح الدين مصطفى، وزير الدولة للإنتاج الحربي، بزيارة رسمية إلى كوريا الجنوبية في أكتوبر 2023؛ لحضور فعاليات معرض “سيول الدولي للفضاء والدفاع (ADEX 2023)، الذي يُعَدُّ واحدًا من أكبر المعارض الدفاعية في القارة الآسيوية، وخلال الزيارة، أجرى الوزير لقاءات مع مجموعة من القيادات العسكرية ورؤساء كبرى الشركات الدفاعية الكورية الجنوبية؛ لمناقشة آفاق تطوير الأنظمة الدفاعية ومحاكاة التدريب، كما وُجِّهَتْ دعوات رسمية للشركات الكورية للمشاركة في فعاليات معرض مصر الدولي للصناعات الدفاعية والعسكرية ( ( EDEX 2023 الذي انعقد في ديسمبر من العام نفسه؛ حيث تُمثِّلُ هذه الجهود مسعى لتوطين التكنولوجيا الكورية الحديثة ضمن المنظومة الدفاعية المصرية.[11]
أمَّا على صعيد اللقاءات التمهيدية، فقد سبق هذه الزيارة الرسمية سلسلة اجتماعات مُكثَّفة، أبرزها؛ اجتماع 16 يناير 2023، بين الوزير محمد صلاح الدين مصطفى والسيد “سول هوون” عضو لجنة الدفاع بالبرلمان الكوري الجنوبي، الذي ناقش سُبُل التعاون القائم والمستقبلي بين شركات الإنتاج الحربي في البلدين، تضمنت هذه المحادثات تعاقدات مع شركات كورية عدة منها “هانوا” و”بونجسان” لتصنيع مدافع الهاوتزر وذخيرتها، فضْلًا عن تعاون مع شركة ” ” JSTفي مجال معدَّات تدوير المخلفات وشركة أخرى متخصصة في تقنيات مراقبة الأمن الصناعي، وقد امتدت المناقشات لتشمل مشاريع مستقبلية تتعلق بأنظمة التحكُّم عن بُعْد وتكنولوجيا الطاقة الجديدة والمتجددة والمحارق الصناعية والزراعة المميكنة.[12]
ولا يمكن إغفال الإرْث المؤسسي الذي أرْسته اللقاءات السابقة، لا سيما اجتماع يناير 2020، بين الوزير الراحل محمد سعيد العصار والسفير الكوري “يوون يوا تشول”، الذي وضع الأساس لمفهوم التصنيع المشترك ونقْل التكنولوجيا وتوظيف الاتفاقيات التجارية بين مصر وأفريقيا لتسويق المنتجات المشتركة، وهو ما شكَّلَ البنية التحتية لانطلاق الشراكة الدفاعية الحديثة بين البلدين.
التحالف الأمني وتوازن المصالح في بيئة مضطربة: يعكس التعاون الدفاعي المتزايد بين القاهرة وسيول رُؤْيةً جيوسياسية مشتركة تقوم على مبادئ التنويع الاستراتيجي والتحرُّر من القيود التقليدية المرتبطة بسياسات التسليح؛ إذ تسعى مصر منذ سنوات إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، بعد أن ارتبطت المساعدات العسكرية الأمريكية بشروط سياسية وحقوقية محددة، في المقابل، وجدت مصر في كوريا الجنوبية شريكًا تكنولوجيًّا موثوقًا يمتنع عن فرْض أجندات سياسية، ومع ذلك، يُعد هذا الشريك حليفًا وثيقًا لواشنطن، مما يجعل التعاون معه أقلّ تعقيدًا من الناحية الدبلوماسية مقارنة بالتعاون مع روسيا أو الصين، بدورها؛ تستفيد كوريا الجنوبية من هذه العلاقة لتعزيز مكانتها كمصدرٍ مؤثرٍ للسلاح داخل العالم العربي، وتقديم صورةٍ عن نفسها كشريكٍ قادرٍ على تحقيق توازنٍ بين التقدُّم الصناعي والمرونة السياسية.