المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > رسائل القاهرة من قمة شرم الشيخ: سلامٌ عادلٌ يُعِيدُ التوازُن للمنطقة
رسائل القاهرة من قمة شرم الشيخ: سلامٌ عادلٌ يُعِيدُ التوازُن للمنطقة
- أكتوبر 14, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: ريهام محمد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في مشهدٍ حَمَلَ رمزيةً استثنائيةً وتوقيتًا بالغ الدلالة، انطلقت أمس، الإثنين 13 أكتوبر 2025، قمة “شرم الشيخ للسلام” برئاسةٍ مشتركة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، وبمشاركة قادة أكثر من عشرين دولةً عربيةً ودولية؛ لتوقيع اتفاق وقْف الحرب في غزة وإطلاق مسارٍ سياسيٍ جديدٍ يُعِيدُ رسْم موازين الأمن في الإقليم ويؤسس لمرحلةٍ أكثر توازُنًا واستقلالًا.
جاءت القمة تتويجًا لمسارٍ دبلوماسيٍ مصريٍّ مُكثَّفٍ امتدَّ لأسابيع، وأثْمَرَ عن اتفاقٍ أعاد للقاهرة موقعها الطبيعي كقوةٍ ضامنة لتوازنات الصراع “الفلسطيني – الإسرائيلي”، وكـفاعلٍ مركزيٍّ في هندسة النظام الإقليمي، لا مجرد وسيطٍ بين أطرافٍ متنازعة؛ فمصر، التي أدارت المفاوضات بالتنسيق مع واشنطن والدوحة وأنقرة، تسعى إلى ترسيخ نموذجٍ جديدٍ لـ “السلام من منطلق القوة”، سلامٍ يقوم على الرَّدْع السياسي لا الخضوع العسكري، وعلى استعادة القرار العربي المستقل.
وهكذا، بدت شرم الشيخ -التي طالما مثَّلَتْ عنوانًا للسلام- وكأنها تستعيدُ دورها التاريخي كمنصَّةٍ لإعادة تعريف معادلة القوة في المنطقة: من السلاح إلى الدبلوماسية، ومن الرَّدْع إلى التفاهم. وبينما حرص الرئيس السيسي على تحويل وقف النار إلى مدخلٍ لتسويةٍ دائمة، سعت القاهرة إلى تثبيت مركزها كضامنٍ للاستقرار وشريكٍ دوليٍ في مرحلة ما بعد الحرب.
ومع الزَّخَمِ الدبلوماسي الكبير وغياب بعض الأطراف الرئيسية، انطلقت القمة وسط تباينٍ في الحسابات والرهانات، لكنها حملت توافقًا ضمنيًّا على مركزية الدور المصري في صياغة مستقبل الإقليم.
وبين سقْف التطلُّعات وحدود المُمْكن، تقف شرم الشيخ أمام لحظة اختبارٍ فاصلةٍ لسلامٍ يُراد له أن يكون بداية نظامٍ إقليميٍّ أكثر توازُنًا واستقرارًا.
المشهد العام للقمة:
جاءت قمة “شرم الشيخ للسلام” في الثالث عشر من أكتوبر 2025؛ تتويجًا لمسارٍ سياسي ودبلوماسي بالغ التعقيد، امتدت على مدار أيامٍ قليلة، انتهى بإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ يوم 9 اكتوبر الجاري؛ التوصُّل إلى اتفاقٍ شاملٍ لوقْف إطلاق النار في غزة، عقب مفاوضات ماراثونية، استمرت ثلاثة أيام بوساطةٍ ثلاثيةٍ، جمعت “مصر، قطر، وتركيا”، وقد مثَّلَ ذلك الإعلان لحظةً فارقةً، أعادت القاهرة إلى صدارة المشهد الإقليمي، مُعزِّزَةً مكانتها كقوة رئيسية قادرة على تحويل الصراع “الفلسطيني – الإسرائيلي” من ساحة المعارك إلى طاولة الحوار.
كما انعقدت القمة بعد ساعاتٍ فقط من زيارة هي الثانية من نوعها التي يقوم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تل أبيب؛ حيث ألقى خطابًا أمام الكنيست، دعا فيه إلى تحويل “انتصارات الميدان إلى سلام دائم”، مُؤَكِّدًا أن الهُدْنة، التي تمَّت برعاية مصرية، تُمثِّلُ خطوة نحو شرق أوسط جديد، مبنيّ على التعاون بدلاً من الصراع، وقد غادر ترامب تل أبيب مباشرة متوجِّهًا إلى شرم الشيخ؛ للمشاركة في رئاسة القمة إلى جانب الرئيس السيسي، في مؤشر واضح على رغبة واشنطن في لعب دور محوري في صياغة مرحلة ما بعد الحرب.
في المقابل، أكَّدت مصر تصميمها على إثبات أن السلام الحقيقي ينبع من الثقة والمسؤولية الإقليمية، وليس من القوة وحدها.[1]
كما تزامن انعقاد القمة مع بدْء تنفيذ الشقِّ الميداني لاتفاق شرم الشيخ، فقد سلَّمت كتائب القسام، ظهر الإثنين 13 أكتوبر، الأسْرى الإسرائيليين إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة، فيما أطلقت سلطات الاحتلال دُفْعاتٍ من المعتقلين الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، في مشهدٍ عكس الجِدِّيَّة في تطبيق الاتفاق منذ ساعاته الأولى، وكرَّس قمة شرم الشيخ كحدثٍ جامعٍ بين رمزية السياسة وواقعية الميدان.
برنامج القمة ومسار الجلسات: من اللقاءات الثنائية إلى لحظة التوقيع
استضافت شرم الشيخ فعاليات قمة السلام في جدولٍ مزدحمٍ يعكس أهمية اللحظة التاريخية ودقَّة التنظيم المصري؛ حيث افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا الحدث، بسلسلة لقاءات ثنائية مع عدد من القادة والزعماء المشاركين على هامش القمة، كان من بينهم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني ريتشارد سونك وغيرهم من القادة المشاركين، وقد ركَّزت هذه اللقاءات على تنسيق الجهود لضمان تنفيذ وقْف إطلاق النار في غزة، ووضْع آليات لتثبيت التهدئة ومنْع تجدُّد الصراع، إلى جانب بحْث جهود الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار في القطاع.
بعد اللقاءات الثنائية، عقد الرئيس السيسي جلسةً مغلقةً مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وصل إلى شرم الشيخ بعد زيارة قصيرة لإسرائيل، مثَّلَ هذا الاجتماع “المصري – الأمريكي” محطَّةً مهمة في توحيد الرُّؤَى بين القاهرة وواشنطن؛ تأكيدًا على الأهمية المحورية للدور المصري في التعامُل مع الأزمات الإقليمية، وأثناء اللقاء، أهدى الرئيس السيسي نظيره الأمريكي وسام “قلادة النيل”، أعلى وسام مصري؛ تقديرًا لدوره البارز في دعم جهود السلام ووقْف النزاعات، وآخرها جهوده في إنهاء الحرب في غزة، في خطوةٍ رمزيةٍ عكست قيمة الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وحِرْص القاهرة على تعزيز التحالف الذي يُمثِّلُ قاعدة لتحقيق سلامٍ شاملٍ في المنطقة.[2]
بعد ذلك؛ ترأَّسَ الرئيسان “السيسي وترامب” اجتماعات القمة العامَّة بمشاركة واسعة من أكثر من عشرين دولة عربية ودولية، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية؛ حيث ركَّزَت الجلسة الرئيسية على ترسيخ اتفاق شرم الشيخ كإطارٍ لوقْف الحرب وبناء مسار سياسي جديد للقضية الفلسطينية، كما شهدت القمة توقيع الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على وثيقة اتفاق إنهاء الحرب في غزة، وهي خطوة حملت دلالات واضحة على وجود إجماع إقليمي ودولي نحو تحويل الاتفاق إلى واقع مستدام.[3]
واختُتمت أعمال القمة بجلسة شاملة، أكَّدَ خلالها الرئيس السيسي على أهمية القمة، باعتبارها نقطة تحوُّلٍ في مسار الصراع “العربي – الإسرائيلي”، مُشدِّدًا على أن مصر لن تسمح بانهيار جهود التسوية مرةً أخرى، فيما دعا الرئيس ترامب المجتمع الدولي إلى دعْم خطته الجديدة للتسوية، بوصْفها نهْجًا عمليًّا يتيح تحقيق حلِّ الدولتين ويضمن أمْن إسرائيل.
الرسائل المصرية من قمة شرم الشيخ
جاءت قمة شرم الشيخ للسلام بوصْفها منعطفًا حاسمًا في تحديد مصير قطاع غزة بعد عامين من العدوان المستمر، وحَدَثًا مِفْصَلِيًّا في صياغة توازُنات الإقليم، ومن خلال استضافتها، حرصت القاهرة على توجيه مجموعة من الرسائل السياسية الواضحة تعكس رُؤْيتها لدورها الإقليمي ولمستقبل القضية الفلسطينية، ويمكن إجمالها فيما يأتي:
مصر صانعة سلام لا مجرد وسيط: أرادت القاهرة أن تُثبت صورتها كفاعلٍ صانعٍ للتسويات، لا كوسيطٍ تقليديٍّ يتنقل بين الأطراف؛ فالقمة جاءت تتويجًا لدورٍ مصريٍ طويلٍ، امتدَّ من إدارة الهُدْنة إلى هندسة بنودها السياسية والأمنية، وقد أكَّدَ الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته الافتتاحية، أن مصر “لم تتوسط فحسب، بل بادرت وقدَّمَتْ رُؤْيةً متكاملةً لصُنْع سلامٍ دائمٍ”، في إشارةٍ واضحةٍ إلى أن القاهرة باتت تتحرك من موقع صاحب المبادرة لا ناقل الرسائل.
القضية الفلسطينية محور الاستقرار الإقليمي: رسَّخَتْ القمة قناعةً مصريةً راسخةً، بأن أيَّ استقرار حقيقي في المنطقة لن يتحقق دون تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، وقد جاءت مشاركة هذا العدد الكبير من القادة لتؤكد صواب الموقف المصري القائل: إن الانفجار في غزة هو نتيجة مباشرة لتجاهُل جذور الصراع، وإن غياب الحلِّ العادلِ يهدد الأمن الإقليمي بأسْرِهِ.
رفْض معايير مزدوجة في النظام الدولي: أوضحت مصر أن غياب العدالة والانتقائية الدولية في التعامل مع القضايا هو أحد أسباب تآكُل الثقة بالنظام العالمي، وقد دعا الرئيس السيسي المجتمع الدولي إلى تبنِّي مواقف أكثر عدْلًا في التعامل مع معاناة الفلسطينيين، مُؤكِّدًا أهمية تحقيق عدالة إنسانية لا تقبل التجزئة.
دور مصر المحوري في الجهود الإنسانية الإقليمية: عزَّزَتْ القمة صورة مصر كركيزة للعمل الإنساني في الأزمات؛ حيث أظهرت دورها الفاعل في إدارة العمليات الإغاثية وتوجيه المساعدات بما يربط العمل الإنساني بالاستقرار السياسي، بذلك أكَّدت مصر ريادتها كداعمٍ حقيقيٍّ للاستقرار الإقليمي.
الشراكة “المصرية – الأمريكية” في إدارة الأزمات: أظهرت القمة مرحلة جديدة من التنسيق الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن؛ حيث برزت مصر كشريكٍ مكافئٍ في صياغة التسويات الإقليمية بَدَلًا من دور المُنفِّذِ لسياسات الدول الكبرى؛ مما يعكس مستوى جديدًا من التفاهُم المشترك حول قضايا الشرق الأوسط.
إعادة التأكيد على حلِّ الدولتين: أعادت القمة تثبيت مبدأ حلِّ الدولتين، وفْقًا لحدود الرابع من يونيو 1967، مع القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية، مُشدِّدَةً على ضرورة العودة إلى المرجعيات القانونية الدولية، رغم محاولات تهميشها خلال السنوات الماضية نتيجة النزاعات والتوجُّهات الأُحادية.
السلام العادل كدعامة للأمن الإقليمي: شدَّدَ الخطاب المصري على أن الأمن الحقيقي يرتكز على قواعد العدالة والاعتراف المتبادل، وليس على القوة المسلحة فقط؛ فالمعادلة المصرية للسلام لا تقتصر على إيقاف القتال، بل تمتدُّ إلى بناء بيئة إقليمية تُعيد الثقة بين الشعوب والدول، وتُغلق دوائر الثأر والعُنْف المستمرة منذ عقود.
السلام والتعاون كمدخل نحو شرق أوسط جديد: اختتمت القمة بالتأكيد على السَّعْي نحو شرق أوسط خالٍ من النزاعات ومبنيّ على حقوق متساوية، تعايش سلميّ، وعلاقات اقتصادية متينة، وجاءت رسالة السيسي الختامية لتربط بين السلام في غزة ومستقبل الإقليم بأسْرِهِ، معلنًا أن ما وُلِدَ في شرم الشيخ ليس مجرد اتفاقٍ سياسيٍّ، بل هو أُفُقٌ جديدٌ لمنطقةٍ أنهكتها الحروب وفقدت فيها الإنسانية الكثيرَ من معْنَاها.