المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > أداةُ حــربٍ صامتــة: الإرهــاب الزراعــي تهديــد صاعــــد لأمــن الــدول القومــي
أداةُ حــربٍ صامتــة: الإرهــاب الزراعــي تهديــد صاعــــد لأمــن الــدول القومــي
- أكتوبر 27, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات

إعــداد: فـــداء منصـــور
باحــث في برنامج الأمن والإرهــاب
خلال الأشهر الأخيرة ظهرت سلسلةُ حوادث مثيرةٌ للقلق سلطت الضوء على بُعدٍ أمني جديد وخطيرٍ يهدّد الاستقرار الغذائي والاقتصادي للدول. حيثُ أوردتْ التقارير اعتقال عالمين صينيين ” يونتشينغ جيان، وزونيونغ ليو” في ولاية ميشيغان بعد محاولتهما تهريب فطر سام من سلالة “فيوزاريوم غراميناروم” المصنّفة كسلاحٍ محتملٍ في سياق الإرهاب الزراعي إلى الولايات المتحدة. ويُستدلُ على ذلك، العثورُ على مقال حول “حرب الممرض النباتي”. فقد وصف أحد مسؤولي إدارة ترامب الحادث بأنه “هجومٌ على الإمدادات الغذائية الأمريكية”، كما وصف المدعي العام الأميركي “جيروم غوردون” الحادثةَ بأنها تهديدٌ خطيرٌ للأمن القومي، خصوصًا أن أحد المتهمين عضوٌ في الحزب الشيوعي الصيني حسب قوله. في الوقت نفسه، وصلت إلى بريطانيا وكندا والولايات المتحدة شحناتٌ من بذورٍ مشبوهةٍ، مصدرها آسيا — ويُعتقد أنها من الصين — تبيَّن لاحقًا أنها تحملُ أمراضًا خاضعةً للحجر الصحي.[1] هذه الحوادث تُعيد إحياء قلقٍ متنامٍ حول إمكانيةِ استغلال المسبّبات النباتية كأسلحةٍ بيولوجيةٍ تستهدفُ الأنظمةَ الزراعيةَ والغذائيةَ، بما قد يُفضي إلى خسائرَ جسيمةٍ في الإنتاج الزراعي، ويُحدثُ تداعياتٍ اقتصاديةً وأمنيةً ملموسة.ً
والجدير بالذكر، أن الإرهاب الزراعي ليس بظاهرةٍ جديدةٍ بل استخدمتْ في مراتٍ عديدةٍ خلال نزاعاتٍ مسلّحةٍ وحروبٍ باردةٍ بين الدول، ولكن الجديد هنا هي طرقهُ ووسائلهُ المستحدثةُ؛ حيثُ تُبرز المخاوف الأخيرة، والتي تفاقمت بفعل التطورات في التكنولوجيا الحيوية، بالإضافة لتزايد التجارة العالمية، مدى ضعف الزراعة أمام هذه الهجمات، مما أثارَ تساؤلاتٍ في شأن استخدامه من جانب الصين ضد الولايات المتحدة بشكل خاص، في وقتٍ تتّسعُ فيه الخلافاتُ التجاريةُ بين البلدين. وعليه، إلى أي مدى يُمثّل “الإرهاب الزراعي” أداةً جديدة في الحروب غير المتماثلة تسعى من خلالها الدول إلى تقويضِ أمن خصومها عبر استهداف منظوماتهم الغذائية والاقتصادية، بما يُعيد تشكيل موازين القوة ويعكسُ انتقالَ المنافسةِ بين القوى الكبرى – ولا سيَّما بين الصين والولايات المتحدة – من المجال الاقتصادي التقليدي إلى صراعٍ بيولوجيٍ – غذائيٍ يهدّد الأمنَ القوميَ للدول؟
أولًا:- ماهيـــّة الإرهـــاب الزراعــــي
يُشيرُ المفهومُ الى القيام المُتعمَّد بإدخال مواد أو عوامل ضارة في المنظومة الزراعية؛ بهدف إحداث أضرارٍ اقتصاديةٍ جسيمةٍ للدول، مما يشكّل تهديدًا مُتناميًا للأمن الغذائي العالمي وللاستقرارِ الاقتصاديِ الدولي. وتنبعُ هذه الممارسات غالبًا من صراعاتٍ عميقةِ الجذور، وغالبًا ما تُرتكبُ من قِبلِ جهاتٍ فاعلةٍ حكوميةٍ أو فاعليين من غير الدول. وتشير التقديرات إلى أن حادثةَ إرهابٍ زراعيٍ واحدةٍ يمكن أن تصل أضرارها الاقتصادية الناجمة إلى مليارات الدولارات، الأمرُ الذي يجعل من الوقاية المسبقة والتأهب الفعّال ضرورةً ملحّةً، تتطلب تعاونًا دوليًا متعدد القطاعات لضمان حمايةِ النُظمِ الزراعية والغذائية من مثل هذه التهديدات.[2] بمعنى آخر، هو أحدُ أشكال الإرهاب البيولوجي الموجّهِ تحديدًا ضد القطاع الزراعي والغذائي، ويُعد من أدوات “الحرب الصامتة” أو صور الحروب غير المتماثلة؛ نظرًا لاستخدام الكائنات الحية الدقيقة (بكتيريا، فيروسات، فطريات)، أو المواد الكيميائية، أو الوسائل التخريبية الأخرى، بهدف إتلاف المحاصيل الزراعية أو الثروة الحيوانية أو الموارد الطبيعية، بدلاً من استهداف الأفراد أو المنشآت العسكرية مباشرة.ً فالهجماتُ التي تستهدف المحاصيل الزراعية، أو نشْرَ الآفات والأمراض النباتية، أو تخريب أنظمة الري والبنية التحتية الزراعية، ليست مجردَ أفعالٍ إجراميةٍ معزولةٍ، بل تدخل في جوهر الأمن القومي من خلال الإضرار بالأمن الغذائي، وإشعال الأزمات الاقتصادية، وزعزعة الثقة بين الدولة ومواطنيها، ويكمن خطر هذا النوع من الإرهاب في طبيعته الخفية وصعوبةِ اكتشافه، إذ يمكن أن يتسللَ في صورة بذورٍ مشكوكٍ في سلامتها، أو آفاتٍ مهرّبةٍ، أو تقنياتٍ بيولوجيةٍ مسيَّسة، أو تسميمٍ متعمّدٍ لمصادر المياه، أو هجماتٍ سيبرانيةٍ على إدارة الإمدادات الزراعية، أو إصابة المواشي عمدًا بالأمراض كالحمى القلاعية وغيرها، مما يجعل رصده ومواجهته أكثر تعقيدًا من التهديدات العسكرية التقليدية.
السياق التاريخي لظهور الإرهاب الزراعي:-
يشير بعض المؤرخين إلى أن ممارساتِ الجيوش القديمة، مثل المغول والرومان قبل نحو ألف عام، من قبيل تسميم الآبار أو تدمير المحاصيل، يمكن اعتبارها نواةً لما يُعرف اليوم بالإرهاب الزراعي، رغم أن هذه الأفعال كانت تستهدف الإمدادات الغذائية بشكلٍ عام وشامل. ومع ذلك، فإن الأمثلة التاريخية المؤكدة على الإرهاب الزراعي المتعمّد نادرةٌ، إذ يُعزى معظم تفشّي الأمراض الزراعية إلى أسبابٍ طبيعية.ٍ رغم ذلك، هناك حالاتٌ وثَّقتها السجلات التاريخية، منها استخدام ألمانيا مرض “الجلندرز” – وهو مرض بكتيري يصيب الحيوانات – كسلاحٍ خلال الحرب العالمية الأولى، وذلك بإضافة البكتيريا على علف الحيوانات، ويُعد هذا أول مثالٍ موثّقٍ للإرهاب الزراعي الحديث وأولَ هجومٍ بيولوجيٍ منظّمٍ، رغم محدودية تأثيره بسبب عدم اكتمال التجارب الألمانية، إلا أنه شكَّل أساسًا لتطوير الأسلحة البيولوجية لاحقًا. وفي اليابان، أجرت الوحدة 731 في الثلاثينيات من القرن الماضي تجارب على مسبّبات الأمراض التي تصيب المحاصيل والماشية، وابتكرت طرقًا لنشْر أمراضٍ مثل الجمرة الخبيثة والطاعون البقري لتعطيل الإمدادات الغذائية في الدول التي خاضت ضدها اليابان حربًا، خاصةً في الصين. كما توضّحُ حادثةٌ معروفةٌ في عام 1989 مدى خطورة هذا النوع من الإرهاب، حيثُ اكتُشفَ وجودُ آثار مادة السيانيد في عنب مستورد من تشيلي في ميناء فيلادلفيا بالولايات المتحدة، أدى ذلك إلى تعليق مؤقتٍ لاستيرادِ الفواكه من تشيلي، مما أثّر بشكلٍ كبيرٍ على الاقتصاد التشيلي. على الرغم من أن كمية السيانيد المكتشفة كانت ضئيلةً،[3] إلا أن الحادثة أثارت قلقًا واسعًا حول سلامة الأغذية المستوردة.
استجابةً لذلك، ظهرت معاهداتٌ دوليةٌ تحظر الإرهاب الزراعي، فقد دخل اتفاقُ حظْرِ الأسلحة البيولوجية عام 1975 حيز التنفيذ، ليمنعَ تطوير وإنتاج وتخزين واستخدام العوامل البيولوجية، بما يشمل الممرضات النباتية والحيوانية، ويُعدّ أولُ نصٍ دوليٍ صريحٍ يجرّمُ الإرهاب الزراعي البيولوجي. وفي عام 1993، وُقِّع اتفاق الأسلحة الكيميائية الذي يحظر استخدام المواد الكيميائية السامة ضد البيئة أو الزراعة، ويجعل من تسميم الأراضي أو المياه الزراعية انتهاكًا مباشرًا للاتفاق. كما تلعب المنظماتُ الدوليةُ دورًا فاعلًا في الحدّ من تهديدات الإرهاب الزراعي، حيث تنظم منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) برامج تدريبيةً للأعضاء حول الأمن البيولوجي الزراعي واكتشاف مسبّباتِ الأمراض التي يمكن استغلالها كأسلحة. بالإضافة إلى أن المنظمة تتعاون مع منظمة الصحة العالمية للحيوانات لمراقبة الأمراض الحيوانية، مثل الحمى القلاعية، التي يمكن استخدامها لأغراضٍ إرهابية.ٍ على المستوى الأمني، تقع جرائم الإرهاب الزراعي ضمن اختصاصات الشرطة الدولية (الإنتربول) الذي يدير برنامجًا خاصًا يركّز على منع تهريب العوامل البيولوجية وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول، تعزيزًا للأمن الغذائي العالمي وحماية النظم الزراعية من الهجمات المتعمدة.
أهم ما يميز الإرهاب الزراعي:–
تتّسم خطورة الإرهاب الزراعي بعدة خصائص، تتمثل في:-
1- صعوبةِ الاكتشافِ المبكّر: الإرهاب الزراعي غالبًا يظهر عبر عوامل بيولوجية كالآفات النباتية أو الحيوانية التي تميلُ إلى الانتشار التدريجي وتظهر أعراضًا بعد فترة حضانة أو تراكم تأثيرها عبر المحاصيل أو قطعان الماشية، ما يجعلُ الكشفَ المبكِّر والمُسبَق عن نوايا عدائية صعبًا ولا يُميِّز بشكل سريع بين حادث طبيعي أو هجومٍ متعمّدٍ. هذا الطابع البطيء يزيد من خطر تدمير موسمٍ كاملٍ قبل استجابة فعَّالة،[4] وبالتالي تكتسب طابعاً خفياً وممتداً زمنياً؛ إذ قد لا يتضح مصدرُ الضرر أو زمنه الحقيقي بسرعة، مما يعقِّد الاستجابة والتعافي.
2- انخفاض التكلفة مقارنة بالتأثير: القدرات المطلوبة لإحداثِ ضررٍ كبيرٍ في النُظم الزراعية ليست بالضرورة معقَّدة أو باهظة الثمن، فدخول مرضٍ أو آفةٍ إلى نقطة توزيع أو مزرعة يمكن أن يؤدي إلى خسائرَ اقتصاديةٍ هائلةٍ. في سياق ذلك، صنّفت تقارير حكوميةٌ وأكاديميةٌ أن هجومًا على نطاق واسع، خاصة على أمراضٍ شديدة العدوى للماشية، قد يكلّف عشرات المليارات من الدولارات، هذا يجعل الإرهاب الزراعي وسيلةً عالية العائد ومنخفضة التكلفة مقارنةً بالأسلحة تقليدية.[5]
3- اتساع نطاق التأثير: خسائرُ المحاصيل أو تفشّي أمراض الحيوانية لا تقتصر على الخسارة الزراعية المباشرة، بل تؤثّر على الأمن الغذائي الوطني، وسلاسل الإمداد والتصدير، وأسعار الغذاء المحلية والعالمية، بجانب الثقة العامة بالمؤسسات الرقابية، مما قد يسبّب اضطراباتٍ اجتماعيةً وسياسيةً، وبالتالي أخطار التبعات متعددة القطاعات تؤكد أن ضربةً زراعيةً يمكن أن تُحدث تأثيرًا أعمق بكثير من الحجم الجغرافي للحادث نفسه قد يضر بالأمن القومي للدول.
4- البُعد الاستراتيجي: فالإرهاب الزراعي يمكن أن يُستخدمَ كسلاح ضغط أو أداة استنزافٍ اقتصاديٍ وسياسيٍ؛ بتعطيل الإمدادات الغذائية، وضرْبِ القدرةِ التصديرية، وزيادة الأعباء على الميزانيات، بالإضافة إلى استغلال ثغرات سلاسل الإمداد والاعتماد على وسائل تقنية ما يجعل مواجهته تتطلب عملاً متعدد الاختصاصات بين الأمن، والزراعة، والصحة العامة، وتقنية المعلومات. في إطارٍ متصل، يمكنُ لجهةٍ فاعلةٍ أن تُعيد تشكيل موازين القوة دون خوض مواجهةٍ عسكريةٍ مباشرة، حيثُ أنذرت مؤسساتٌ دوليةٌ بأن استخدام العوامل البيولوجية ضد الزراعة يملك دلالاتٍ أمنيةً وطنيةً واستراتيجية، يُقاس بالتأثير الاقتصادي والسياسي وليس بالضرورة بالإصابة البشرية المباشرة.
في ضوء ذلك، يمكن القول إن تفاقمَ خطر الإرهاب الزراعي نتيجة التطورات السريعة في تقنيات الهندسة الحيوية، وتوسّع التجارة العالمية، و حركة البضائع عبر حدودٍ متعددة، يزيدُ من سهولة انتشار العوامل الممرضة وصعوبةِ رصدها في مراحلها الأولى، ما يستلزم تبنِّي سياساتٍ وقائيةً واستجابةً متكاملة، كما إن هناك مسبّباتٍ لأمراضٍ نباتيةٍ وحيوانيةٍ قادرةٍ على إحداث آثارٍ صحيةٍ واقتصاديةٍ مدمرة، بعضها قد يستغرق تطهيرها عقودًا من الزمن.
ثانيًا:- نماذج تنذر بوجود تهديد للنظام الغذائي
بريطانيا: بينما ينشغل الرأي العام بالهجمات الإلكترونية أو التهديدات العسكرية التقليدية، يكشف تحقيقٌ موسَّعٌ لصحيفة “آي بيبر” البريطانية عن جبهة صامتة لا تقلُّ خطورةً أطلقت عليها “الإرهاب الزراعي”، وذكرت الصحيفة أن تقريرًا للجنة البيئة والغذاء والشؤون الريفية في مجلس العموم البريطاني أكد أن البلاد تجنّبت حتى الآن كارثةً وبائيةً “بالحظ وليس بالتخطيط”.[6] ورغم امتلاك بريطانيا نظام مراقبةٍ واسعاً عبر وكالة صحة الحيوان والنبات، فإن خبراء بارزين أكدوا لصحيفة “آي بيبر” أن سلسلةً من الحوادث الأخيرة في دولٍ غربيةٍ أبرزت تلك الهشاشة أمام تشكيلة مثيرة للقلق من نواقل الأمراض المحتملة التي تهددُ النظامَ الغذائي البريطاني. ومن أبرز مصادر القلق استغلالُ التهديدات القائمة للقطاع الزراعي البريطاني البالغ حجمه 14.5 مليار جنيه إسترليني (19.6 مليار دولار). كما كشفت الصحيفة أن هناك سيناريو متخيلًا عن أسرابٍ من المسيَّرات تحلّق فوق الريف الإنجليزي في مهمةٍ لا تستغرق أكثر من 10 دقائق، مجتازةً الحقول الزراعية بسرعة وهي ترش سائلًا يحتوي على نسخةٍ معدَّلة معمليًا من فطرٍ ينتمي إلى مجموعة فيوزاريوم، وهو عفنٌ يصيب الحبوب بالسموم التي قد تقتل الماشية وتسبب أمراضًا خطيرة للبشر.
والجدير بالذكر، تعدُّ الصين واحدةً من أكبر الشركاء التجاريين للمملكة المتحدة، حيث تمثل 93,0 مليار جنيه إسترليني، أي 7,3% من إجمالي تجارة المملكة المتحدة في عام 2021.[7]
الولايات المتحدة: أعقبَ حادثة اعتقال العالميين الصينيين مجموعةَ إجراءاتٍ اتخذتها إدارة ترامب عملت على تضيق الخناق على العلاقات الأكاديمية مع الصين، كاتهام جامعة هارفارد بالتنسيق مع الحزب الشيوعي الصيني وتعاونها البحثي مع علماء صينيين بتدريب أعضاءٍ في “فيلق شينجيانغ للإنتاج والبناء” وهو جماعةٌ صينيةٌ شبْه عسكريةٍ. ترتب على ذلك، منع ترامب تسجيل أي طلاب دوليين في جامعة هارفارد، ولكن القرار أوقفه قاضٍ فيدراليٌ وفي انتظار دعوى قضائية. والجدير بالذكر تمثّل الصين ثاني أكبر حصيلةٍ للطلاب الدوليين في الولايات المتحدة بعد الهند، حيثُ بلغ أعدادهم 277,398 ألف خلال العام الدراسي 2023 – 2024.[8] بالإضافة إلى ذلك، أنهت جامعة شرق ميشيغان شراكاتها الهندسية مع جامعتين صينيتين؛ استجابةً لضغوطِ الجمهوريين، وذلك بعد إعلان وزير الخارجية الأميركي “ماركو روبيو” عزم بلاده إلغاء تأشيرات بعض الطلاب الصينين خاصًة أولئك الذين يدرسون في مجالاتٍ حيويةٍ وتربطهم صلاتٌ مع الحزب الشيوعي الصيني. علاوًةً على ذلك، فقد وصف الجمهوريون العلاقات الأكاديمية مع الصين بأنها “تهديدٌ للأمن القومي الأميركي”.
ومن الجدير بالإشارة، يُعد قطاع الزراعة والغذاء في الولايات المتحدة الأمريكية أحد الأعمدة الحيوية للاقتصادِ والأمنِ القومي، إذ تغطي المزارع الأمريكية نحو 2,1 مليون مزرعة على ما يقرب من 915 مليون فدان من الأرض، وتولِّد إنتاجًا سنويًا يقدَّر بنحو 212 مليار دولار لمحاصيل، وما يُقارب 182 مليار دولار للماشية والدواجن ومشتقاتها، وعليه فتتمتع الولايات المتحدة بقطاعٍ زراعيٍ متطورٍ للغاية، إذ يُشكِّل الغذاء والزراعة سدس الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، بإجمالي يتجاوز تريليون دولار سنويًا، وتُسهم صادرات المنتجات الزراعية بشكلٍ إيجابيٍ في الميزان التجاري للبلاد، حيثُ يعمل حوالي 3% فقط من سكان الولايات المتحدة في الزراعة بشكل مباشر، ويعملُ واحدٌ من كل ثمانية أمريكيين في معالجة وتصنيع المواد الغذائية. على الجانب الآخر، تشكّل المصادر الخارجية حوالي 15% من إجمالي قيمة الإمدادات الغذائية الأمريكية.[9] وبالتالي، أي هجوم بيولوجيٍ على المحاصيل أو الماشية قد يؤدي إلى خسائرَ فادحةٍ، وتعطُّلٍ للصادرات الزراعية التي تمثِّل نسبةً ملحوظةً من الناتج التجاري الأمريكي.[10] مما يجعلُ الأمنَ القومي الأميركي مهدّداً. ومن اللافت أن، الصين تمثِّل نحو 5% من قيمة واردات الولايات المتحدة الزراعية.[11]
في الختام:
يتضحُ أن خطورة الإرهاب الزراعي تتجاوز البعد الغذائي لتَطالَ ركائزَ الأمن الشامل للدول، حيثُ يشكّل تهديدًا مزدوجًا؛ فهو من ناحيةٍ يضرب الأساس الاقتصادي والمعيشي لملايين البشر، ومن ناحيةٍ أخرى يُستخدم كورقةِ ضغطٍ استراتيجيةٍ ضمن حروب الجيل الرابع والخامس، حيثُ يتحول الغذاء إلى سلاحٍ صامتٍ قادرٍ على إخضاع الشعوب وإضعاف الدول دون طلقةٍ واحدةٍ. ويوضح هذا التقرير أن الوصول إلى أسلحة الإرهاب الزراعي يُضعفُ البنية التحتية الزراعية للدول، حيثُ إن غياب متطلبات الإبلاغ عن تفشّي أمراض النبات، والتحول العام في دوافع الإرهابيين وأهداف أعمالهم الإرهابية، كلها عوامل تجتمع لتجعلَ الإرهابَ الزراعي تهديدًا متزايدًا.
فعلى الرغم من أن عواقب أي هجومٍ إرهابيٍ زراعيٍ جسيمةٍ، إلا أن الاهتمام بهذا التهديد لم تركّز عليه التقارير والمواقع العربية، وعليه فإن الصناعات الزراعية والغذائية معرضةٌ للاضطراب. في هذا السياق، وفي ضوء التنامي العالمي لظاهرة الإرهاب الزراعي بوصفها أحد التهديدات غير التقليدية للأمن القومي، وما يترتب عليها من مخاطر اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وصحيةٍ، يوصي بأن تتبنّى الدولةُ المصريةُ حزمةً من السياسات والإجراءات الوقائية الاستباقية على المستويين الوطني والدولي، خاصًة وأن قطاع الزراعة يمثّل ركيزةً أساسيةً في الاقتصاد القومي المصري، إذ تبلغ نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 12%[12] (مع توقّع زيادة النسبة وفقًا للمشروعات القومية للاستصلاح الزراعي، وخطة التنمية الاقتصادية)، كما تعدُ الزراعة المصدر الرئيسي للدخل والتشغيل؛ إذ يستوعب أكثر من 25% من القوى العاملة.[13] ويمكن اقتراح ذلك على النحو الآتي:-
إدماجُ مفهوم “الأمن الزراعي” ضمن منظومة الأمن القومي، واعتبارُ حمايةِ القطاعِ الزراعي جزءًا من الأمن القومي الشامل، خاصًة في ظل الارتباط المباشر بين الزراعة والأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي.
تطوير استراتيجيةٍ وطنيةٍ لمواجهة الإرهاب الزراعي تضمُّ وزارات الزراعة، والبيئة، والداخلية، والصحة، والبحث العلمي، وتتضمن خطط استجابةٍ للطوارئ البيولوجية، بالعمل زيادة الاستثمار في بحوث الأمن البيولوجي الزراعي، ودعم المراكز البحثية في دراسة مسبّبات الأمراض المعدلة والآفات التي يمكن استغلالُها لأغراضٍ إرهابيةٍ، وإنشاء مختبراتٍ معتمدةٍ قادرةٍ على التشخيص السريع والاستجابة للأزمات.
تعزيز التعاون الإقليمي والدولي من خلال التعاون والشراكة مع منظمة “الفاو” والإنتربول؛ لتبادلِ المعلومات حول التهديدات البيولوجية والوبائية ذات الطابع الإرهابي، بجانب العمل على تطوير نُظم تتبّع سلاسل الإمداد الزراعية؛ لضمان تحديد مصدر أي منتجٍ أو بذرةٍ بسرعة، وكشف الثغرات المحتملة في حال حدوث تخريبٍ أو تلوثٍ متعمّدٍ من قِبلِ جهاتٍ معاديةٍ لتقويض الإنتاج المحلي.
تحديث منظومةِ الإنذار المبكر الزراعي، بإنشاء نظامٍ رقميٍ لمراقبة حركة الآفات والأمراض النباتية والحيوانية، بالإضافة لتقنيات الاستشعار عن بُعدٍ والمرتبطة بالذكاء الاصطناعي، لرصْد التغيرات في الإنتاج الزراعي، بالإضافة لتعزيز الأمن السيبراني للقطاع الزراعي الذكي، فمع تزايد التحول الرقمي في الزراعة يجب حمايةُ أنظمةِ الري والتحكم الآلي من الهجمات التخريبية.
رفع وعي المزارعين والعاملين بالقطاع، من خلال حملاتِ توعيةٍ حول كيفية اكتشاف المؤشرات المبكرة للعدوى أو التخريب، وآليات الإبلاغ الفوري عنها.