المقالات
الانتخابات الرئاسية والتشريعية في غينيا بيساو: صراع السلطة والفرص المعقدة
- نوفمبر 17, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية

إعداد/ منة صلاح
باحثة في وحدة الشؤون الأفريقية
تدخل غينيا بيساو مرحلة حاسمة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في 23 نوفمبر 2025، وسط مشهد سياسي معقد ومشحون بالتوترات، وتتزامن هذه الانتخابات مع استبعاد الحزب الرئيسي للمعارضة، مما يفتح المجال أمام الرئيس المنتهية ولايته عمر سيسوكو إمبالو لتعزيز موقعه، مع تحديات تشمل استعادة الثقة في المؤسسات وضمان الشفافية واحترام سيادة القانون وتحقيق انتقال سلمي للسلطة، في بلد يعاني من تاريخ من الانقلابات والتوترات السياسية، وتشكل هذه الانتخابات اختبارًا حقيقيًا لقدرة غينيا بيساو على تجاوز أزماتها السياسية ومعالجة قضايا المصالحة والتنمية والأمن.
السياق الراهن للانتخابات:
استبعاد المعارضة الرئيسية من القائمة الانتخابية: تم استبعاد أحد أهم أحزاب المعارضة، الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر (PAIGC) وتحالفه الائتلافي “باي تيرا رانكا” الذي يضم نحو عشرة أحزاب، وجاء هذا الاستبعاد بناء على قرار المحكمة العليا التي قضت بعدم أهلية الحزب وقائده الرئيسي، رئيس الوزراء السابق دومينغوس سيمويس بيريرا، للمشاركة بسبب تقديم طلباتهم بشكل متأخر، ما أثار جدلًا واسعًا حول نزاهة العملية الانتخابية وسيرها.
ويعتبر استبعاد (PAIGC) خطوة تاريخية، حيث إن هذا الحزب كان القوة الرئيسة التي قادت النضال من أجل استقلال البلاد عام 1974، كما أنه الحائز على الأغلبية في البرلمان السابق، وبهذا الإجراء تجرى الانتخابات دون مشاركة الحزب الذي يمثل المعارضة التقليدية، مما يزيد من التوترات السياسية ويثير مخاوف جدية بشأن استقرار المشهد السياسي وموضوعية الانتخابات، وسط تسارع الحملات الانتخابية لرئيس البلاد المنتهية ولايته عمر سيسوكو إمبالو والأحزاب المنافسة الأخرى، ويعكس هذا التطور حالة الانقسام الحاد في الساحة السياسية لغينيا بيساو ويشكل تحديًا كبيرًا للديمقراطية في البلد[1].
مغادرة فريق الإيكواس بعد تهديد بالطرد: غادرت بعثة الوساطة التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) غينيا بيساو بشكل مفاجئ بعد أن تلقت تهديدات من الرئيس عمر سيسوكو إمبالو بطردها، وكانت البعثة قد وصلت في محاولة لإجراء حوار سياسي والتوصل إلى اتفاق حول خارطة طريق للانتخابات، لكنها لم تتمكن من استكمال مساعيها بسبب هذا التصعيد، مما دفعها إلى تقديم تقريرها إلى رئيس إيكواس مع اقتراح لإجراء انتخابات شاملة وسلمية[2].
طرد وسائل إعلام أجنبية وسط تصاعد التوترات الانتخابية: أثار قرار غينيا بيساو بطرد وسائل الإعلام البرتغالية الكبرى مثل RTP Africa و RDP Africa ووكالة أنباء لوسا في 15 أغسطس 2025، ردود فعل دولية واسعة وانتقادات حادة، حيث تم وصف القرار بأنه يعكس تآكلًا خطيرًا في حرية الصحافة والديمقراطية، وجرى إصدار هذا القرار قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الوطنية دون أي تفسير رسمي من السلطات في بيساو، مما دفع الحكومة البرتغالية إلى استدعاء السفير للتشاور.
ووصفت إنديرا كوريا بالدي، رئيسة نقابة الصحفيين في غينيا بيساو، الإغلاق بأنه تصعيد خطير واستهداف ممنهج للصحفيين الذين يعانون من عرقلة عملهم، وأدانت منظمات دولية مثل “مراسلون بلا حدود” هذا الإجراء واعتبرته ضربة قاسية لحرية الصحافة، محذرة من زيادة ممارسات الترهيب والقمع الإعلامي، بينما اتهمت شخصيات معارضة هذا القرار بأنه محاولة للهيمنة على الإعلام تمهيدًا للتلاعب بالانتخابات، ما يضع غينيا بيساو في موقف متناقض مع تعهداتها الدولية كرئيسة دورية لمجتمع الدول الناطقة بالبرتغالية التي تلتزم بحرية الصحافة والمعايير الديمقراطية[3].
الجهات الفاعلة الرئيسية في الانتخابات:
عمر سيسوكو إمبالو: الرئيس الحالي الذي يسعى لولاية ثانية وسط نزاع على شرعية التفويض، بعد حل البرلمان الذي تهيمن عليه المعارضة في 2023 وتصاعد التوتر مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وأعلن عن إجراء الانتخابات في نوفمبر بعد جولات إلى موسكو وباكو وبودابست.
برايما كامارا: رئيس الوزراء المعين في أغسطس 2025 ويلعب دور الوسيط في تنظيم الانتخابات، مما يعكس سيطرة الرئاسة على العملية الانتخابية وآلياتها.
الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وتحالف “باي تيرا رانكا”: بقيادة دومينغوس سيمويس بيريرا، الذي استبعد من المشاركة بسبب تأخر تقديم ملفات الترشيح، واستبعد بيريرا نفسه من القائمة المؤقتة للمرشحين.
أحزاب أخرى: تشمل حزب التجمع الاشتراكي وحزب الاتحاد البرلماني الشعبي وقوائم صغيرة متعددة، لكنها تفتقر إلى النفوذ الوطني وحضور الحزب الأفريقي، ما يعزز موقع الحكومة وسط تشتت المعارضة.
النخب الأمنية: الأجهزة العسكرية والأمنية المنقسمة إلى فصائل تحتفظ بقدرة تأثير كبيرة على نتائج الانتخابات نظرًا لسجل الانقلابات المتكرر، مما يجعلها لاعبًا محوريًا في حسم الصراع السياسي.
المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا: حاولت الوساطة لتحديد موعد الانتخابات وضمان شفافيتها، لكن نفوذها تراجع بعد انسحاب البعثة إثر تهديدات الطرد[4].
المرشحون المعتمدون: 12 مرشحًا تأكدت أهليتهم، من بينهم عمر سيسوكو إمبالو، والرئيس السابق جوزيه ماريو فاز، ورئيس الوزراء السابق باسيرو دجا، بينما يغيب زعيم المعارضة بيريرا بسبب الاستبعاد القضائي.
عوائق الاستقرار السياسي في غينيا بيساو:
تكمن عوائق الاستقرار السياسي في هشاشة المؤسسات التي لا تزال تعاني منها البلاد بعد قرابة خمسين عامًا من الاستقلال، حيث تحاول الدولة تلبية احتياجات شعبها في ظل ضعف حكم القانون ونقص الخدمات الأساسية، وهو ما تفاقم بفعل النخبة السياسية والاقتصادية والجيش الذي قاد عدة انقلابات، بالإضافة إلى تدخلات داخلية وخارجية تؤثر على المشهد السياسي.
منذ تولي عمر سيسوكو إمبالو السلطة شهدت البلاد تراجعًا في ديمقراطيتها مع تعزيز استبداد الحكم، خاصة مع حله البرلمان عام 2023 دون تحديد موعد للانتخابات، ما عطل العمل التشريعي وجعل السلطات التنفيذية والقضائية تحت سيطرته المباشرة، وأدى هذا التصرف إلى فقدان الدعم الخارجي خاصة من الجهات الإقليمية مثل تجمع إيكواس، وفتح الباب أمام انقسامات داخلية مستمرة وتزايد التوترات السياسية.
ويمتد تاريخ غينيا بيساو السياسي إلى عقود من الانقلابات والحروب الأهلية، مما جعل النظام الانتخابي هشًا وغير مستقر، ويعاني من انقسامات وفوضى سياسية خاصة خلال فترات الانتخابات، وهذا يعكس الصراع المستمر بين القوى السياسية المختلفة، ويعرض البلاد لبقاء حالة اللااستقرار التي تعيق التنمية، ويتطلب هذا الوضع جهودًا دولية وإقليمية حازمة لضمان انتقال ديمقراطي سلمي وحقيقي يعيد بناء مؤسسات الدولة ويخدم مصلحة شعب غينيا بيساو[5].
السيناريوهات المحتملة للانتخابات:
تثبيت السلطة تدريجيًا وسط تشرذم المعارضة:
يشير هذا السيناريو إلى إعادة انتخاب الرئيس عمر سيسوكو إمبالو وهيئة تشريعية موالية، مع إدارة حذرة من قبل الشركاء الدوليين، ومحاولة لتطبيع المسار القانوني رغم الاحتجاجات المحدودة، مع مخاطر تتعلق بنقص الشرعية وعدم الاستقرار الاقتصادي، وهو السيناريو الأقرب للحدوث.
نزاع محتدم حول النتائج مع استمرار الضغط الأمني:
ينطوي على نتائج متقاربة تثير حشد المعارضة، واستخدام الحكومة لذرائع أمنية لقمع الاحتجاجات واحتجاز بعض المعارضين، مع استمرار عملية التصديق تحت ضغوط دولية وخطر العنف وتجميد المساعدات.
تحالفات معارضة متفرقة تقود إلى سلطة برلمانية شديدة الهشاشة:
في ظل استبعاد حزب المعارضة الرئيس، تنجح التيارات المعادية للمرشحين الحاليين في تشكيل تحالفات صغيرة تؤدي إلى رقابة تشريعية، مع توقع نزاعات قانونية ومشاكل أمنية محتملة ومخاطر شلل سياسي وتهديدات لإصلاحات غير دستورية.
ختامًا، لا يمكن النظر إلى الأحداث التي تجري في غينيا بيساو بمعزل عن السياق الإقليمي الأوسع الذي تشهد فيه بعض دول المنطقة تراجعًا في المبادئ الديمقراطية ومؤسسات الحكم الرشيد، فالإحباط الشعبي من عمليات انتخابية معيبة تفتقر إلى الشفافية والعدالة يعتبر جزءًا من الأزمة الأكبر التي تهدد استقرار الحكم في بلدان عدة.
ورغم عدم تمكن الرئيس عمر سيسوكو إمبالو من بناء هيمنة طويلة الأمد، فإن الأساليب التي تبناها لتقوية موقعه، من خلال استبعاد المعارضين المحتملين والتلاعب بالجداول الدستورية واللجوء إلى القوة الأمنية وتآكل استقلال القضاء، ترسم ملامح عودة إلى أنماط الحكم بدون مساءلة حقيقية، فقد كانت غينيا بيساو قريبة من إثبات إمكانية تعزيز ديمقراطيتها، إلا أن انتخابات 2025 تبدو كأنها ستؤدي إلى تراجع تلك المكاسب الهشة، مما يهدد مستقبل الاستقرار السياسي والتنمية في البلاد.
المصادر:
[1] Guinea-Bissau’s main opposition left out of final electoral list, TRT Afrika, October 18, 2025.
https://www.trtafrika.com/english/article/72cabc660d84
[2] ECOWAS team leaves Guinea-Bissau after threat of expulsion, Africa news, 03/03/2025.
https://www.africanews.com/2025/03/03/ecowas-team-leaves-guinea-bissau-after-threat-of-expulsion/
[3] Geraldine Boechat, Guinea-Bissau expels foreign media amid rising election tensions, med Africa times, August 31, 2025. https://medafricatimes.com/41906-guinea-bissau-expels-foreign-media-amid-rising-election-tensions.html
[4] Guinea-Bissau’s November Elections: Actors, Trends, Risks, Scenarios, Foreign Influence, Consequences, lansing institute, November 10, 2025. https://lansinginstitute.org/2025/11/10/guinea-bissaus-november-elections-actors-trends-risks-scenarios-foreign-influence-consequences/
[5] Carlos Proenca, Guinea-Bissau’s political crisis: a nation on the brink of authoritarianism, democracy in Africa, 2025. https://democracyinafrica.org/guinea-bissaus-political-crisis-a-nation-on-the-brink-of-authoritarianism/