المقالات
تهديد قديم الأزل: الرهان الإسرائيلي على ورقة الأقليات في خدمة مشروع “إسرائيل الكبرى”
- نوفمبر 22, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
أثار مؤتمر “مستقبل الأقليات في الشرق الأوسط”، والذي استضافته تل أبيب مؤخرًا، الكثير من التساؤلات حول دوافع وأهداف إسرائيل الكامنة وراء تنظيم مثل هذا المؤتمر، وانعكاسات ذلك على أمن واستقرار الشرق الأوسط، ووحدة وسلامة أراضي دول الإقليم، خاصةً وأن استضافة هذا الحدث، تأتي بالتزامن مع الحديث الإسرائيلي عن مشروع “إسرائيل الكبرى”، وضرورة “التحالف” مع الأقليات المتواجدة في المنطقة:
أولًا؛ فعاليات المؤتمر ومخرجاته:
عُقد مؤتمر “مستقبل الأقليات في الشرق الأوسط” في تل أبيب يوم 28 أكتوبر 2025، بدعوة من الباحث الإسرائيلي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، ذات الأصل اللبناني، إيدي كوهين.
شارك في المؤتمر ممثلين عن مجموعة من الطوائف العرقية والإثنية، وعلى رأسهم العلويين والدروز والأكراد والآشوريين والإيزيديين، كما شارك ممثلون عن الأقليات داخل إسرائيل، من بينهم رئيس مجلس عين قنية المحلي وائل مغربي، ومعلق الشؤون العربية في قناة “I24” زفي يحزقيلي، والمؤرخ الإسرائيلي مردخادي كادر، وعضو الكنيست الإسرائيلي أكرم حسون، فضلًا عن مشاركة ناشطون من أوروبا والولايات المتحدة، بينهم لاجئون سابقون من دول عربية.[1]
ناقش المشاركون أوضاع الأقليات في المنطقة، فيما أوضح كوهين أن تنظيم هذا المؤتمر جاء بغرض “تعزيز الحوار والتعاون بين تل أبيب والأقليات في المنطقة، وذلك في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها هذه المجموعات في دولها الأصلية، ضمن مشهد إقليمي متقلب، وكيفية تعزيز التعاون والحفاظ على الهوية التاريخية والثقافية لكل طائفة في إطار العيش المشترك”.
وشهد المؤتمر مداخلات عدة؛ من أبرزها حديث رئيس حزب “حرية كردستان” عارف باوجاني، والذي دعا إلى تحالفًا من أجل السلام والاستقرار، مشيرًا إلى أن الأقليات تسعى إلى مستقبل بعيد عن التدخلات الإقليمية، فيما تحدث عبر تقنية الفيديو مروان كيوان؛ أحد أهم زعماء الدروز في السويداء، مشيدًا بـ”دور إسرائيل في الحفاظ على وحدة المجتمعات”، بينما أكد عضو الكنيست الإسرائيلي أكرم حسون، أن “إسرائيل حاربت المنظمات التكفيرية”، داعيًا إلى “توحيد الجهود وإقامة مؤسسة عالمية لجميع الأقليات في الشرق الأوسط“، مشيرًا إلى “ضرورة التأثير على الأمم المتحدة والمحاكم الجنائية الدولية لمحاسبة الإرهابيين”.
وقد تمخض عن المؤتمر، مجموعة من التوصيات الختامية، والتي شملت الأتي[2]:
بناء شبكة تواصل إقليمية متكاملة للأقليات في الشرق الأوسط، من خلال تأسيس مكتب ارتباط إقليمي افتراضي، يضم شخصيات سياسية وناشطين من سوريا والعراق ولبنان وإسرائيل، وبتمويل ذاتي، لتنسيق الجهود ومتابعة التطورات المتعلقة بحقوق الأقليات.
اعتماد شركة قانونية إسرائيلية تعد تقارير شهرية، ترفع إلى مكتب رئيس الوزراء ولجنة الأمن في الكنيست ووزارة الخارجية، مع إمكانية إصدار تقارير عاجلة في حال حدوث تطورات ميدانية أو سياسية تستدعي المتابعة الفورية.
إنشاء منصة إعلامية رسمية، تصدر نشرة نصف شهرية حول أوضاع الأقليات، وتعمل على بناء شراكات مهنية مع المؤسسات الصحافية الكبرى لتعزيز الشفافية والمساءلة.
إطلاق صندوق شكاوى خاص؛ لتلقي المظالم الفردية والجماعية من أبناء الأقليات، مع ضمان السرية التامة وحماية البيانات.
محاربة جميع أشكال التطرف الأيديولوجي والديني والسياسي، بما في ذلك تنظيمات مثل داعش وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام، لما تمثله من خطر على الحريات الدينية وحقوق الأقليات.
دعم حق مكونات المنطقة في تقرير مصيرها بحرية، ضمن الأطر القانونية والدولية، وبناء أنظمة حكم محلية، تراعي الخصوصيات الدينية والثقافية والفكرية، وتشكل رافعة للتنمية والعدالة والمواطنة المتساوية.
ضرورة احترام التنوع والاعتراف بالآخر، وذلك لحماية حقوق الأقليات، وبالتالي الحفاظ على استقرار المنطقة بأكملها.
ثانيًا؛ التأصيل التاريخي لهدف التحالف مع الأقليات في الأطروحات السياسية الإسرائيلية:
ناقش المؤتمر فكرة تأسيس تحالف بين إسرائيل والأقليات المتواجدة في الشرق الأوسط، وهذا الطرح ليس بأمرًا جديدًا، بل أن الرغبة الإسرائيلية في التحالف مع الأقليات لطالما كانت ركيزة أساسية في الأطروحات الرسمية الإسرائيلية، والتي سعت إلى توظيف الأقليات في تعزيز النفوذ الإسرائيلي بالمنطقة، حيث:
– طرح كتاب “استراتيجية عظمى لإسرائيل” الصادر عام 1990، مجموعة من العناصر والأفكار التي من الممكن أن تؤدي إلى إضعاف الدول العربية وتفتيتها، بما يخدم إسرائيل وأمنها، والتي منها: إثارة الحروب والنزاعات بين الدول العربية، إيجاد مختلف الوسائل لتدخل الدول الكبرى في النزاعات العربية، تفتيت المجتمعات العربية من الداخل عن طريق دعم الأقليات غير العربية وغير الإسلامية، وتعزيز علاقات إسرائيل مع دول الجوار غير العربي والتحالف معها.[3]
– في أعقاب إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، تبنى أول رئيس وزراء إسرائيلي دافيد بن غوريون، عقيدة أمنية مزدوجة؛ تتمثل في بناء تفوق عسكري ساحق بدعم من القوى الغربية، وتشكيل شبكة تحالفات مع دول غير عربية؛ لكسر العزلة واحتواء الخطر العربي، ومن هنا نشأت ما عُرف بـ”عقيدة المحيط”.
وقد شكلت هذه العقيدة حجر الزاوية في الرؤية الإسرائيلية للأمن الإقليمي لعقود، وظلت المحدد الرئيسي لخيارات تل أبيب في التعامل مع مكونات المنطقة، خصوصًا الأقليات والجماعات غير العربية، وكان الباحث الإسرائيلي باروخ أوزيل، هو أول من ناقش هذه العقيدة بشكل علني في كتابه “تحالف المحيط: سياسة مقترحة لإسرائيل” الصادر عام 1956، حيث أشار أوزيل إلى “ضرورة أن تحاكي إسرائيل، سياسة الاحتواء الأمريكية للاتحاد السوفيتي، وذلك من خلال بناء تحالفات سرية مع دول هامشية في الشرق الأوسط”.[4]
– مع تغير التوازنات الإقليمية والدولية، شهدت “عقيدة المحيط” تطورات عديدة، أسفرت عن ظهور ما يمكن تسميته بـ”عقيدة المحيط المحدثة”، والتي تقوم على مبدأين بالأساس كما أوضح ضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق دافيد بن عوزيل؛ وهما: إشعال الصراعات بين الدول العربية وجيرانها غير العرب مثل تركيا وإيران، بهدف إضعاف هذه الدول واستنزاف طاقاتها في معارك إقليمية جانبية، مما يخدم مصلحة إسرائيل من حيث إزاحة الضغط عنها وتفكيك خصومها، واستغلال الأقليات الإثنية والدينية في المنطقة، خصوصًا تلك المحيطة بإسرائيل أو القريبة منها، عبر عزلها عن محيطها الطبيعي وربط أمنها ومصالحها بإسرائيل، لتصبح هذه الأقليات حليفًا موضوعيًا لتل أبيب، مدفوعة بالخوف من محيطها أو الشعور بالاضطهاد.
– قدمت خطة “ينون”، والتي أعدها الدبلوماسي ومستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، عوديد ينون عام1982 ، ونُشرت في مجلة “كيفونيم” التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية، رؤية استراتيجية جديدة لتحقيق ما عُرف بمشروع “إسرائيل الكبرى في الشرق الأوسط”، والذي يقوم على إعادة تشكيل خريطة المنطقة السياسية، مما يخلق واقعًا جديدًا ترى فيه إسرائيل، بيئة أكثر ملاءمة لأمنها الاستراتيجي، وذلك من خلال الآليات التالية:[5]
تفكيك الدول الكبرى في المنطقة إلى كيانات أصغر، قائمة على أسس طائفية وإثنية متصارعة.
تغذية الانقسامات الداخلية الدينية والمذهبية في مجتمعات المنطقة، من أجل إحداث حالة من الفوضى.
إعادة صياغة التوازن الجيوسياسي بما يخدم مصالح إسرائيل، عبر إضعاف الدول المحيطة وتحويلها إلى بيئة هشة غير قادرة على مواجهتها.
التحالف مع الأقليات الدينية والإثنية في دول الشرق الأوسط، ودعمها بما يخدم الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية.
دعم أذرع سياسية أو مسلحة تابعة لطوائف معينة أو أحزاب هامشية وتمويلها، من أجل خلق حالة من عدم الاستقرار بين أبناء البلد الواحد، وبالتالي تعزيز التحريض الطائفي، يتمخض عنها اندلاع حروب أهلية تستهلك الدولة من الداخل، وبالتالي؛ إضعاف إمكانات تلك الدول لصالح تل أبيب.
ولم تبقى تلك الأطروحات مجرد أفكار على ورق، بل راحت إسرائيل تنفذها على أرض الواقع، من خلال تبني مواقف داعمة لمختلف الأقليات في الشرق الأوسط، والترويج لفكرة التحالف الإسرائيلي مع الأقليات العرقية والإثنية المختلفة، فضلًا عن اتخاذ خطوات عملية تخدم هذا التحالف المنشود، ومنها:
– دعم إسرائيل للنزعات الانفصالية؛ إذ دعمت موقف جنوب السودان عند الانفصال، وتؤيد مطالبات الأكراد في سوريا بالحكم الذاتي، وكذلك الأمر بالنسبة للدروز في الجنوب السوري.
– قدمت تل أبيب دعمًا سياسيًا للأكراد، إذ صرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، خلال خطاب تنصيبه في أكتوبر 2024، بأن “الشعب الكردي أمة عظيمة، فهم ضحايا للقمع الإيراني والتركي”، موضحًا أن “إسرائيل تمد يدها إلى الكرد والأقليات الإقليمية الأخرى، والذين يُعدون حلفاء طبيعيين لها، لما في ذلك من فوائد سياسية وأمنية”، داعيًا إلى تعزيز العلاقات مع المجتمعات الكردية والدرزية في الشرق الأوسط، مبررًا ذلك بأن “يجب أن نفهم أننا في منطقة حيث سنكون دائمًا أقلية، لذا من الطبيعي أن يكون حلفاءنا هم الأقليات الأخرى”.[6]
– بدأ التواصل الكردي الإسرائيلي في ستينيات القرن العشرين، حين حاول كرد العراق الانفصال عن الدولة العراقية، فتلاقت مصالح كلا الجانبين، ومن ثم، أفادت مصادر بأن تل أبيب أرسلت فرقًا صغيرة إلى شمالي العراق لتدريب المقاتلين الكرد على عمليات القتال وحروب العصابات، كما زودت المقاتلين بالأسلحة والعتاد والأموال والمعدات الطبية، وبحلول عام 1965، بات لإسرائيل تواجد دائم في الجبال الكردية في شمالي العراق، للتدريب والمساهمة في دعم المتمردين ضد الدولة العراقية.[7]
– بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، وبعد إعطاء حكم ذاتي واسع للكرد ضمن الدولة العراقية، تعمقت العلاقة الكردية الإسرائيلية بصورة كبيرة، وعلى الرغم من النفي الكردي المتكرر، تشير تقارير عدة إلى نشاط كبير ومهم للموساد في إقليم كردستان العراق.
– أما بالنسبة للدروز؛ فقد تحركت إسرائيل سريعًا للعب على هذه الورقة من أجل التوسع في الجنوب السوري، بشكل يضمن إقامة منطقة آمنة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان، وبالتالي؛ القضاء على خطر الهجمات التي كانت تنطلق من تلك المنطقة باتجاه تل أبيب.
– ومن هنا، وتحت ذريعة تقديم الحماية الإنسانية، استغلت تل أبيب الاشتباكات الدامية التي وقعت في يوليو الماضي بمحافظة السويداء الجنوبية ذات الأغلبية الدرزية، من أجل التوغل البري في إقليم الدولة السورية، وشن ضربات عسكرية موسعة غير مسبوقة، وصلت إلى حد استهداف مقر وزارة الدفاع السورية وكذلك قصر الرئاسة.
– وقد بررت إسرائيل هذا الانتهاك الصارخ للسيادة السورية بالدفاع عن الأقلية الدرزية ضد الاضطهاد الذي تمارسه إدارة الشرع بحق هذه الأقلية التي تمثل عنصرًا شديد الأهمية بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي، وهذا ما انعكس في تصريحات الإدارة الإسرائيلية؛ حيث[8]:
صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن “لن تسمح إسرائيل بإلحاق الأذى بالدروز في سوريا، انطلاقًا من التزامها العميق تجاه إخوانها الدروز”، مشددًا على أن “إذا أساء النظام السوري إليهم، فسوف ترد تل أبيب بقوة”.
توعد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بمواصلة مهاجمة قوات الحكومة السورية حتى تنسحب من السويداء، منوهًا بأن “أي تدخل من قبل حكومة دمشق ضد الدروز، سيُقابل بهجوم إسرائيلي على دمشق”.
ثالثًا؛ المصالح والأهداف الإسرائيلية جراء التحالف مع الأقليات:
في ضوء ما تقدم من خلفية تاريخية حول أصولية الرغبة الإسرائيلية المُلحة في التحالف مع الأقليات العرقية والإثنية والطائفية المتواجدة في إقليم الشرق الأوسط، يجعل مؤتمر “مستقبل الأقليات في الشرق الأوسط” الذي استضافته تل أبيب في الآونة الأخيرة، بمثابة تحولًا استراتيجيًا يجب الوقوف أمامه ومحاولة استقراء الأهداف والمصالح التي قد تحصل عليها إسرائيل جراء استغلال ورقة الأقليات، وفي هذا الإطار؛ يمكن إيجاز أبرز وأهم تلك المصالح على النحو التالي:
تغيير خريطة الشرق الأوسط على نحو يخدم رؤية “إسرائيل الكبرى”؛ تسعى تل أبيب إلى إعادة رسم حدودها الجغرافية القائمة، من خلال ضمها لأجزاء من دول جوارها الجغرافي، مما يحقق لها مصالح أمنية حيوية تتمثل في حماية أمنها القومي ومنع تكرار سيناريو السابع من أكتوبر 2023 مجددًا، ومصالح سياسية تتمثل في خدمة مشروع “إسرائيل الكبرى” التوسعي.
وانطلاقًا من ذلك؛ تسعى إسرائيل إلى استغلال ورقة الأقليات من أجل تفتيت الدول العربية المحيطة بها، سواء سوريا أو لبنان أو فلسطين أو الأردن، على أساس طائفي وعرقي وإثني، أي استبدال الهوية الاجتماعية الموحدة للمجتمعات العربية، بهويات فرعية متباينة في الأهواء والمصالح والأهداف، مما يخدم فكرة تقسيم تلك الدول وتحويلها إلى كيانات أصغر يسهل السيطرة عليها والتحكم فيها.
وفي إطار هذه الرؤية، يمكن فهم وتفسير إصرار الحكومة الإسرائيلية على تهجير الفلسطينيين من أجل ضم مزيد من الأراضي المحتلة، والرفض الإسرائيلي للانسحاب من خمس مناطق في لبنان حتى الآن، وانتهاكاتها السافرة للسيادة السورية من خلال توغلاتها البرية وهجماتها الجوية في مناطق الجنوب السوري.
ويمكن الاستدلال على هذا الأمر من خلال تمعن النظر في بعض التصريحات التي يطلقها الجانب الإسرائيلي وكذلك الأمريكي في هذا الشأن؛ ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه “في مهمة تاريخية وروحية لتحقيق رؤية إسرائيل الكبرى”، وعلى الرغم من أنه لم يحدد أراضي بعينها يسعى إلى ضمها، فإن هذه الرؤية معروفة بتضمنها مناطق يُفترض أن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية المرتقب قيامها في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب أراض تقع شرقًا وغربًا من نهر الأردن، ومناطق من مصر تشمل شبه جزيرة سيناء، وصولًا إلى الضفة الشرقية لنهر النيل.[9]
صرح المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توم باراك، بأن “إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر، لم تعد تعترف بخرائط سايكس بيكو، وسوف تذهب إلى أي مكان وكيفما تشاء من أجل حماية أمنها”.[10]
صرح السياسي الإسرائيلي آفي ليبكين، في يناير 2024، قائلًا “في نهاية المطاف، سوف تمتد حدودنا من لبنان إلى الصحراء الكبرى، والتي هي السعودية، ثم من البحر المتوسط إلى الفرات، وسيكون الكرد على الجانب الآخر من الفرات، وهم أصدقاءنا، وبذلك يكون البحر المتوسط من ورائنا، والكرد من أمامنا، ولبنان، الذي يحتاج في الواقع إلى مظلة الحماية من إسرائيل، ثم سنأخذه، أعتقد أننا سوف نأخذ مكة والمدينة وجبل سيناء، ثم نقوم بتطهير هذه الأماكن”.[11]
خدمة التوغل الإسرائيلي في قلب الدول العربية وتعزيز نفوذها في الإقليم؛ تسعى إسرائيل، من خلال تحالفها مع الأقليات، إلى ترسيخ دورها كفاعل حيوي ومؤثر في المنطقة، مما يعزز نفوذها في الشرق الأوسط، وذلك على حساب القوى الإقليمية الأخرى المنافسة لها مثل إيران وتركيا، حيث:
من خلال التقارب مع الأقليات، تحاول أن تظهر تل أبيب بمظهر الحامي لهذه الأقليات، وتبرير تدخلها وتواجدها في دول مثل سوريا ولبنان تحت شعار “الحماية الإنسانية للأقليات العرقية المعرضة للاضطهاد”، ولا شك أن هذا الستار يشرعن ويقنن تدخلات إسرائيل في الشؤون الداخلية لبعض دول محيطها العربي، ومن ثم؛ تعزيز هذا التواجد والإيحاء بأنه بات مقبولًا من تلك الأقليات أيضًا.
تسعى إسرائيل من خلال الدعم الذي تقدمه لهذه الأقليات، إلى تحويلهم إلى أدوات نفوذ إسرائيلي داخل الدول التي يتواجدون بها، وبالتالي، قدرتها على تحريكهم وفقًا لمصالحها وأهدافها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وتوظيفهم سياسيًا لخدمة أغراضها التوسعية في الإقليم.
تحاول تل أبيب من خلال استضافتها لمؤتمر الأقليات، وعبر ما خرج عنه من توصيات، إعادة تعريف نفسها في محيطها العربي، وتغيير صورتها من “دولة احتلال” إلى دولة حامية للأقليات “المضطهدة” من محيطها العربي، وبالتالي؛ تحاول تل أبيب أن تغير الرأي العام العربي بشأنها، ورفع درجة تقبلها من محيطها الإقليمي.
تحاول إسرائيل أن تلعب دور المتحدث باسم أقليات الإقليم المهمشة، مما قد يمنحها الحق في الحديث باسمهم في المحافل الإقليمية والدولية، ومن هنا؛ قد يتحول الأقليات إلى ورقة ضغط في يد إسرائيل ضد الدول العربية التي تتواجد فيها تلك الأقليات.
فعلى سبيل المثال؛ لا شك أن تل أبيب تستخدم الدروز في الجنوب السوري، كورقة ضغط على إدارة أحمد الشرع، خلال المفاوضات التي تجمع الدولتين بوساطة الولايات المتحدة، والهادفة للتوصل إلى اتفاق أمني يضبط الحدود بين دمشق وتل أبيب، إذ تلعب إسرائيل بهذه الورقة لإرغام النظام السوري على تقديم تنازلات سياسية وأمنية عدة ترفضها دمشق، وتطالب بها حكومة نتنياهو.
3. إضعاف الدول العربية وتهديد وحدتها؛ تعلم إسرائيل جيدًا أنها غير مقبولة في محيطها الإقليمي وخصوصًا على المستوى الشعبي، نظرًا لأنها دولة احتلال متهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، وهذه حقيقة أثبتتها حرب غزة بما لا يدع مجالًا للتشكيك أو المراوغة من جانب تل أبيب.
كما تدرك إسرائيل أيضًا أنها لن تستطيع مواجهة الدول العربية في صورتها الموحدة، وأن استقرارها وأمنها لا يمكن أن يتحقق في محيط عربي موحد، بل في بيئة عربية مفككة، تقوم على كيانات طائفية وعرقية، تقاتل بعضها البعض.
ولذلك؛ تحاول إسرائيل، إضعاف الدول العربية المحيطة بها، وذلك من خلال سيناريو التقسيم وجر تلك الدول للتورط في خلافات عرقية ودينية لا تجدي نفعًا لأي أحد غير لإسرائيل، وذلك عبر تغذية النزعات الانفصالية، والترويج لفكرة الإنتماء إلى هويات إثنية وعرقية ضيقة، بدلًا من الإنتماء لهوية مجتمعية واحدة.
ويمكن الاستدلال على صحة هذه الرؤية من خلال التوصيات التي خرج بها المؤتمر، والتي دعت إلى فكرة انفصال الأقليات عن دولها الوطنية، تحت شعار “الحق في تقرير المصير”، وهذا بالضبط ما حدث في أزمة السويداء السورية، والتي استغلتها إسرائيل لتبرير وجودها في جنوب البلاد، كما دعت إلى أحقية الدروز في تقرير مصيرهم، وما إذا كانوا يرغبون في الاستقلال عن الدولة السورية، والاندماج مع تل أبيب.
الترويج لرؤية شيمون بيريز بشأن “السلام الاقتصادي”؛ باتت إسرائيل تدرك أن نفوذها العسكري والأمني القائم على الاحتلال والتوغل الحدودي في جغرافيا دول جوارها العربي، لا يكفي لتحقيق رؤيتها التوسعية، وأنه بات غير مقبول لا من الداخل الإسرائيلي أو الخارج الإقليمي، وإنه يكلفها كثيرًا.
ومن هنا؛ تحاول إسرائيل من خلال تحالفها مع الأقليات، التوغل اقتصاديًا واجتماعيًا في البناء المجتمعي للدول التي تتواجد بها تلك الأقليات، أي ربط احتياجات تلك الجماعات بإسرائيل، ومن ثم؛ اكتساب نفوذ اقتصادي يمهد لربط اقتصاد الدول العربية التي تضمنها هؤلاء بالاقتصاد الإسرائيلي، وهذا بالتأكيد يمنح تل أبيب نفوذ وسيطرة على هذه الدول دون تحمل عبء وضغط احتلالها عسكريًا أو أمنيًا.
ويمكن الاستدلال على حقيقة الرؤية الإسرائيلية في هذا الشأن، من خلال الدعم اللوجيستي والمساعدات الإنسانية والطبية الذي قدمته تل أبيب للدروز خلال اشتباكات السويداء، وكذلك في مشروع “ممر السويداء-إسرائيل”، والذي يعُد من العقبات التي تقف أمام الاتفاق الأمني المرتقب بين سوريا وتل أبيب، إذ ترغب إسرائيل في عمل هذا الممر حتى تقدم المساعدات والسلع الاقتصادية إلى الدروز بعيدًا عن قبضة وسيطرة الإدارة السورية، مما يربط الجنوب السوري واقتصاد تلك الطائفة بتل أبيب وليس بدمشق، مما يكسب إسرائيل نفوذ وسيطرة وتبعية اقتصادية في هذه المنطقة، ولذلك ترفض إدارة الشرع هذا المشروع رفضًا تامًا، وتتمسك بأن تكون الإدارة المركزية السورية هي المسؤول الوحيد عن دخول أي واردات للدولة السورية بجميع مناطقها.
وهذا التوجه لا يُعتبر توجهًا جديدًا، بل أنه متأصل في المشروع الإسرائيلي منذ البداية، والدليل في كتاب “الشرق الأوسط الجديد” الصادر عن شيمون بيريز في عام 1993، والذي تضمن رؤية تقوم على “حلم تحويل المنطقة إلى فضاء اقتصادي متكامل تقوده التنمية والتكنولوجيا والتعاون الإقليمي”، بحيث تصبح إسرائيل هي مركز العلم والمعرفة الذي سيتحكم في اقتصادات المنطقة الأخرى، وهو ما يُعاد الحديث عنه الآن، وصرح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، محولًا الصراع العربي الإسرائيلي من مسار “السلام مقابل الأرض”، إلى مسار “السلام مقابل التنمية”، وهو نفسه مبدأ السلام الاقتصادي الذي طرحه بيريز في كتابه.[12]
الترويج لنموذج الدولة العرقية بما يخدم إسرائيل كدولة دينية قومية؛ لطالما صورت إسرائيل نفسها على أنها دولة يهودية تتعرض للاضطهاد، واستغلت كثيرًا ذريعة “معاداة السامية والمظلومية” لتبرير تصرفاتها غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك في دول جوارها العربي، وبالأخص في سوريا ولبنان.
وبما أن إسرائيل دولة تقوم على أساس ديني وهو ما تجلى منذ اللحظة الأولى لنشأة دولة إسرائيل بإعلان “إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين”، وبما أن اليهود يُعتبرون من الأقليات المتواجدة في المنطقة، فما كان لإسرائيل أن ترسم خريطة الشرق الأوسط الجديد الذي تروج له، هي وحليفتها الولايات المتحدة، إلا من خلال إعادة رسم الخريطة السياسية للدول العربية على أساس طائفي وعرقي، بحيث تتحول كل طائفة أو عرقية إلى كيان سياسي مستقل، لتصبح الدول العربية عبارة عن دويلات عرقية صغيرة، فيما تبقى إسرائيل هي الدولة الدينية القومية الوحيدة في المنطقة.
وهذا ليس بفكر جديد، بل أنه جزء أساسي من العقيدة الإسرائيلية، ويمكن الاستشهاد في هذا الشأن بما تضمنه مقال نُشر في صحيفة “DAVAR ” الاسرائيلية في 14 أبريل 1981، والذي أشار إلى أن “لإسرائيل، ولكونها دولة يهودية في الشرق الاوسط، الحق المشروع في الدفاع عن أية أقلية قومية أو إثنية أو دينية في المنطقة، فمن مصلحة إسرائيل أن تشارك في الحفاظ على النسيج التعددي للشرق الأوسط لكونه أساس وجودها وأمنها، فمن حق إسرائيل منع السيطرة العربية والاسلامية على مختلف الاقليات التي تعيش في المنطقة”.[13]
تهديد الأمن القومي للقوى الإقليمية المنافسة لإسرائيل في الإقليم؛ تسعى تل أبيب من خلال دعم الأقليات، إلى كسب ورقة ضغط ضد منافسيها الإقليميين في الشرق الأوسط؛ فمثلًا، من خلال الدعم الإسرائيلي للأكراد، وتأييد رغباتهم الانفصالية، أصبح هناك ورقة ضغط في يد إسرائيل، يمكن أن تستغلها في تهديد تركيا أو الحصول منها على تنازلات، وخصوصًا في الملف السوري.
كما أن نجاح مشروع الدولة الكردية، لا يهدد فقط تركيا، بل يهدد وحدة وسلامة أراضي كلًا من العراق وتركيا وإيران وسوريا، ومن ثم؛ ورقة الأكراد تحقق الكثير من المكاسب بالنسبة لإسرائيل؛ حيث أنها تزيد من تعقيد الحسابات الاستراتيجية الإقليمية لكلًا من طهران وأنقرة، وفي نفس الوقت، تخدم مشروع “إسرائيل الكبرى” عبر تفتيت وحدة أراضي أربعة دول محيطة بتل أبيب، وبالتالي؛ نجاح رؤية “كردستان الكبرى” التي تدعمها إسرائيل، من شأنه أن يعيد تشكيل خريطة الإقليم بأكمله على النحو الذي ترغب فيه تل أبيب.[14]
نفس الأمر بالنسبة للدروز؛ حيث أنهم يمثلون عنصرًا هامًا للغاية في معادلة الأمن القومي الإسرائيلي، وذلك نظرًا للتقارب والتجوار الجغرافي بينهم وبين تل أبيب، ومن ثم؛ ترغب إسرائيل في التقارب معهم حتى تكسب تعاونهم أو على الأقل حيادهم، وبالتالي؛ حماية حدودها وأمنها الإقليمي، وكذلك ضمان ألا يكونوا أداة لتهديد الاستقرار الأمني في يد أي قوة أخرى، تعادي أو لا تُعتبر صديقة لإسرائيل.
وبخلاف المكاسب الأمنية، هناك مكاسب سياسية واستراتيجية تحصل عليها تل أبيب من تقاربها مع الدروز ودعمها لهم، وعلى رأسها منح إسرائيل المبرر القانوني الذي يمكن أن تعول عليه لتبرير توسعها البري في الجنوب السوري، وهو ورقة تقديم الحماية الإنسانية للطائفة الدرزية، والدفاع عنها وسط ترحيب درزي بهذا الأمر، مما يعطي تل أبيب أحقية أن تتحدث بلسانهم، والحديث عن منح دروز سوريا حق تقرير المصير، وفتح الباب أمامهم للانفصال عن الإدارة السورية المركزية، بل وإمكانية الانضمام إلى تل أبيب والخضوع لإدارتها السياسية، ومن هنا؛ تمهد إسرائيل إلى ضم جنوب سوريا إليها، وذلك في ضوء رؤيتها التوسعية التي تسعى جاهدة لتنفيذها على أرض الواقع.
رابعًا؛ عقبات أمام التحالف الإسرائيلي مع الأقليات:
رغم أن التطورات التي شهدتها المنطقة مؤخرًا، توحي بأن إسرائيل نجحت في الحصول على ثقة الأقليات العرقية والإثنية المتواجدة في محيطها العربي، ورغم أنها استطاعت خلق الذريعة التي دخلت بها إلى سوريا، وأبقت على تواجدها في خمس مناطق حتى الآن في لبنان، إلا أن هناك تحديات وعقبات عديدة لا تزال تقف عائقًا أمام توسعات إسرائيل في الإقليم، وأمام رؤيتها الاستراتيجية القائمة على التحالف مع الأقليات، حتى بعد استضافتها لذلك المؤتمر التي روجت له إعلاميًا على أنه بداية هذا التحالف المزعوم، ومن أبرز تلك التحديات ما يلي:
إنعدام ثقة الأقليات في الوعود الإسرائيلية؛ وينعكس ذلك في الحضور الهش والضعيف الذي شهده المؤتمر وذلك على عكس ما روجت له تل أبيب، حيث أن الشخصيات السورية والعراقية التي شاركت في المؤتمر، لا تملك وزنًا سياسيًا حقيقيًا في طوائفها وأعراقها التي جاءت لتمثلها وتتحدث باسمها، مما يجعل تلك الشخصيات غير معبرة عن الرأي الحقيقي لتلك الأقليات فيما يخص التحالف والتعاون مع إسرائيل، وهذا ما يجعل القيمة السياسية لحضور تلك الشخصيات، مجرد قيمة رمزية ودعائية فقط، وليس تمثيلًا حقيقيًا.[15]
الرفض الإقليمي والدولي للتحركات الإسرائيلية في المنطقة؛ هناك العديد من الفواعل الإقليمية والدولية التي تلعب دورًا فاعلًا في الشرق الأوسط، نظرًا لوجود مصالح استراتيجية في الإقليم تريد تأمينها، ومن ثم؛ لن تسمح هذه الفواعل لتل أبيب أن تغير من خريطة المنطقة السياسية، بشكل يضر بالتوزانات الإقليمية القائمة.
فعلى سبيل المثال؛ تمثل سوريا موقعًا استراتيجيًا في الشرق الأوسط، تتعدد القوى المؤثرة في داخله، وبالتالي؛ لن تسمح تلك القوى لإسرائيل بتنفيذ مخططها بكل أريحية، فمثلًا أعلنت تركيا رفضها القاطع لأي تحرك إسرائيلي يهدف إلى تقسيم سوريا، وكذلك الصين التي تحتاج إلى دمشق موحدة حتى لا يتأثر مشروع الحزام والطريق الذي تُعد سوريا أحد ركائزه الأساسية، وحتى الولايات المتحدة، التي هي حليفة لإسرائيل، لا تريد أن تغامر بتفاهماتها مع الإدارة السورية، أو مع أنقرة لإرضاء المساعي التوسعية التي ترغب بها تل أبيب، خصوصًا وأن تركيا ترهن أي تفاهمات خاصة بالشمال السوري والأكراد بتحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري.
الرفض الذي تبديه الشعوب العربية بمختلف أعراقها تجاه إسرائيل في الوقت الراهن؛ أظهرت حرب غزة وعلى مدار عامين، وحشية إسرائيل وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، وهو ما يتنافى مع أي شعارات إسرائيلية حول ضرورة حماية الأقليات والأعراق المختلفة، وتقديم الحماية الإنسانية لهم، فما بدر عنها بحق القطاع وشعبه الأعزل أبعد ما يكون أن يؤهلها أو يسمح لها بالحديث عن المعايير الإنسانية أساسًا، فهي دولة ارتكبت جرائم إبادة جماعية بحق العرقية الفلسطينية، وعبثت بالمقدسات الإسلامية، واحتلت أراض عربية، وبالتالي؛ لا يمكن أن تكون دولة راعية للسلام أو حامية للأقليات، بأي شكل من الأشكال.
تباين آراء الأقليات حول فكرة التحالف مع إسرائيل؛ رغم أن بعض هناك بعض الأصوات التي تمثل عدد من الأقليات العرقية والطائفية المتواجدة في الشرق الأوسط، منفتحة على التعاون والتحالف مع تل أبيب، وترى في الدعم الإسرائيلي فرصة لتعزيز موقفها في مواجهة السلطات المركزية التي تدير الدول التي تتواجد بها هذه الأقليات، إلا أن هناك تباين واختلاف في الآراء حول مدى صحة الوثوق في العهود الإسرائيلية.
فعلى سبيل المثال؛ انقسمت آراء الطائفة الدرزية حول التدخل الإسرائيلي في أزمة السويداء التي وقعت في يوليو الماضي، فبينما رحبت بعض الأصوات الدرزية بهذا التدخل، رفضته الغالبية العظمى من الطائفة الدرزية سواء في سوريا أو لبنان، إدراكًا بأن هذا التدخل قد يؤدي إلى اندلاع صراع طائفي في البلاد، مما يهدد وحدة وسلامة أراضي الدولة السورية.
ويُستدل على ذلك من خلال زيارة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، والتي تزامنت مع أحداث السويداء، حيث التقى خلالها الرئيس أحمد الشرع، مؤكدًا له رفض أي تدخل خارجي باسم في الشأن السوري تحت ذريعة “حماية الدروز”.[16]
وإجمالًا؛ لا يمكن اعتبار مؤتمر “مستقبل الأقليات في الشرق الأوسط” الذي استضافته إسرائيل، وما خرج عنه من توصيات تدعو إلى التحالف بين تل أبيب وتلك الجماعات إنطلاقًا من مبدأ الحق في تقرير المصير، حدثًا عابرًا، بل هو نقطة تحول استراتيجية في السياسة الخارجية الإسرائيلية.
فهذا المؤتمر يُعد بمثابة رؤية جديدة تدشنها تل أبيب، وتقوم هذه الرؤية على الإيمان بأن الاحتلال والسيطرة الأمنية والتفوق العسكري لم يعد كافيًا لتحقيق مخطط تل أبيب التوسعي، والذي يأتي في إطار مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، وأن النفوذ الحقيقي بات يُبنى عبر السيطرة على شبكات المعرفة والاقتصاد والإعلام، وكذلك من خلال الترويج للهويات الإثنية والعرقية الضيقة، بدلًا من الهوية المجتمعية الموحدة.
ومن ثم؛ يجب على الدول العربية، شعوبًا وحكومات، إدراك هذا الخطر الكائن أمامها والمتمثل في احتمالية قيام هذا التحالف المفترض بين إسرائيل والأقليات، مما يهدد باندلاع صراع طائفي وعرقي في المنطقة، ينال من أمن واستقرار دولها، بما يخدم الأهواء والمصالح الإسرائيلية.
وعليه؛ ينبغي عن حكومات دول المنطقة أن تعمل على إجهاض هذا التحالف قبل نشأته، وذلك من خلال تغيير السياق الإقليمي المحفز لقيامه، والعمل على استيعاب تلك الأقليات في مجتمعاتها ودولها، وهذا عن طريق عمل الإدارات المركزية على تعزيز وحماية حقوقهم، وضمان مساواتهم في الحريات والحقوق والواجبات، وكذلك ضمان تمثيلهم السياسي العادل في دولهم، انطلاقًا من مبدأ العدالة في توزيع السلطات والاختصاصات.
وفي حال نجحت حكومات الدول العربية المستهدفة بالمخطط الإسرائيلي، وعلى رأسها سوريا ولبنان والعراق، بدمج الأقليات الإثنية والعرقية في مجتمعاتها، فإنها ستضمن ولاء تلك الجماعات للدولة القومية الوطنية، ولن تميل إلى الوعود الإسرائيلية غير الموثوقة. أما في حال استمر التعامل الراهن مع الأقليات، فإن رؤية “إسرائيل الكبرى” قد تتحول من مجرد طرح نظري إلى حقيقة جغرافية وسياسية مفروضة بالقوة على محيطها.
المصادر:
[1] تل أبيب تستضيف مؤتمراً إقليمياً للأقليات… وحديث عن تحالف جديد، ليبانون ديبايت، 28/10/2025، متاح على الرابط: https://www.lebanondebate.com/article/756800-%D8%AA%D9%84-
[2] مؤتمر “مستقبل الأقليات في الشرق الأوسط” يجمع ممثلين عن جماعات إقليمية في تل أبيب، يورونيوز، 29/10/2025، متاح على الرابط: https://arabic.euronews.com/2025/10/29/future-of-minorities-in-the-middle-
[3] كميل حبيب، مستقبل الاقليات في العالم العربي في ظل الصراعات الدولية والاقليمية ـ الحلقة الأولى، 16/5/2025، متاح على الرابط: https://sabahelkheyr.com/?p=27238
[4] باسل المحمد، “عقيدة المحيط”.. كيف توسع “إسرائيل” نفوذها عبر الأقليات؟، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، 30/7/2025، متاح على الرابط: https://www.asharqalarabi.org.uk/%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%A9
[5] خطة ينون رؤية إسرائيلية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، الجزيرة القطرية، 27/8/2025، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/encyclopedia/2025/8/27/%D8%AE%D8%B7%D8%A9
[6] وزير خارجية إسرائيل يدعو لتشكيل تحالف مع الأكراد والدروز، سكاي نيوز عربية، 10/11/2024، متاح على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1754029-%D9%88%D8
[7] ليلى نقولا، عودة “إسرائيل” إلى تحالف “الأقليات”؟، جريدة الميادين اللبنانية، 3/1/2025، متاح على الرابط: https://www.almayadeen.net/articles/%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%
[8] إسرائيل ومصالحها الإقليمية وتقربها من الأقليات الدينية .. الدروز مثالا، جريدة مونت كارلو الدولية، 3/3/2025، متاح على الرابط: https://www.mc-doualiya.com/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1
[9] رؤية نتنياهو لـ”إسرائيل الكبرى”… مشروع توسعي يُهدد المنطقة، مجلة المجلة، 9/8/2025، متاح على الرابط: https://www.majalla.com/node/326981/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8
[10] بهاء العوام، الأقليات والخريطة الإسرائيلية: تفكيك المنطقة باسم الحماية، اندبندنت عربية، 14/9/2025، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/631185/%D8%B3%D9%8A
[11] “إسرائيل الكبرى”: خطة توسع مستمرة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، موقع عربي21، 16/8/2025، متاح على الرابط: https://arabi21.com/story/1701063/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D
[12] أحمد مولود، مؤتمر الأقليات في تل أبيب: الوجه الجديد للمشروع الإسرائيلي، جريدة المدن الإلكترونية، 30/10/2025، متاح على الرابط: https://www.almodon.com/opinion/2025/10/30/%D9%85%D8%A4%D8%AA
[13] كميل حبيب، مستقبل الاقليات في العالم العربي في ظل الصراعات الدولية والاقليمية ـ الحلقة الأولى، 16/5/2025، مرجع سابق.
[14] ماجدة القاضي، قراءة في “لعبة” إسرائيل مع الأقليات.. الأكراد والدروز، موقع مصر360، 15/9/2025، متاح على الرابط: https://masr360.net/2025/09/15/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D
[15] مصطفى المقداد، من تل أبيب إلى الرياض: صراع الرؤى بين خطاب الأقليات ومشروع التنمية، مركز التقدم العربي للسياسات، 29/10/2025، متاح على الرابط: https://www.arabprogress.org/%D9%85%D9%86-%D8%AA%D9%
[16] كمال أوزتورك، ما أهداف إسرائيل من لعب ورقة الأقليات في سوريا؟، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، 4/3/2025، متاح على الرابط: https://www.asharqalarabi.org.uk/%D9%85%D8%A7-%D8%A3%D9%87%D8%AF%D8%A7-