المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > رؤى تحليلية > أثر السياسات المصرية على الإقليم العربي والبيئة الدولية بعد 2011
أثر السياسات المصرية على الإقليم العربي والبيئة الدولية بعد 2011
- ديسمبر 16, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: رؤى تحليلية
لا توجد تعليقات

بقلم د/ حسام عيسى
باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
مقدمة
سادتْ الأنظمة الشمولية في الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة، معتمدةً على تحالفاتِ النُخب (“نخب القوة”)، والأجهزة الأمنية للحفاظِ على النظام، مما أدي إلى ضعْف الخبرة السياسية للمؤسسات وقد أدّى غياب الشرعية الشعبية إلى إعاقة قدرة هذه الأنظمة على تحقيق المصالح الوطنية على المدى الطويل، وجعلها أكثرَ عُرضةً للأزمات الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى ذلك اتّبعت الولايات المتحدة استراتيجيةً تقوم على دعم الأنظمة الشمولية ومنحِها شرعيةً دولية؛ من أجل أن تَدينَ بالولاء لسياستها، مع خلْقِ صراعاتٍ داخليةٍ على السلطة وصراعاتٍ إقليميةٍ تستنزف الموارد؛ من أجل حماية المصالح القومية الأمريكية، وتحت تأثير الضغوط الأمريكية وضمن إطار الشراكة مع واشنطن، تحولت مصر إلى دولة “محافِظة” تسعى للاستقرار، وأصبحت مصرُ حليفًا استراتيجيًا للغرب وركيزةً جيوسياسيةً في الاستراتيجية الأمريكية، ولكن منذ الثورات العربية 2011، أحدثت السياساتُ المصريةُ تغيراتٍ إقليميةً ودوليةً، فيما يلي عرض وتحليل لتلك السياسات قبل أحداث الثورات العربية 2011، وما حدث من تحولاتٍ في السياسات المصرية بعد2011، من أجل دراسة أثر هذه السياسات على مصر والإقليم العربي والبيئة الدولية.
أولًا: الطبيعة السياسية والاقتصادية للشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب الباردة
شَهِدَ الإقليم العربي بعد انتهاء الحرب الباردة تحولاتٍ جذريةً في طبيعتها السياسية والاقتصادية، تميزت بالعديد من السمات الرئيسية التي أطرت واقعها الإقليمي:
سيادة النُظم الشمولية:
سادت أنظمةُ حُكمٍ شموليةٍ عززت سلطتها من خلال تحالفات النُخب (نخب القوة) وأجهزة الإكراه، مما أضعف المشروعية الشعبية وقدرة الدولة على تحقيق مصالحها الوطنية على المدى الطويل.
توظيف الهويات والانقسامات:
تمَّ توظيف الهويات الدينية والطائفية من قِبلِ قوى دولية وإقليميةٍ لتفكيك الدول وإطالة أمد الصراعات،
وتحول إلى تمزيق الهويات وصراعٍ على الحدود، حيث ظهرت جماعاتٌ مثل الإخوان المسلمين والقاعدة وحزب الله، كأدواتٍ لاختراق النسيج الاجتماعي، وتمزيق الهُوية الوطنية.
التحول المحافظ لمصر:
اتجهت مصر بعد الحرب الباردة إلى نموذج دولةٍ “محافِظة”، تسعى للاستقرار تحت تأثير الضغوط الأمريكية، مما أدى إلى تراجع دورها القيادي، وتحوّلِها إلى حليفٍ استراتيجيٍ للغرب، مع اعتماد النظام على النُخب الاقتصادية دون تحقيق تنميةٍ حقيقية.ٍ
إعادة التشكيل الجيوسياسي على أسس طائفية:
أدت الأوضاع المتردّية في دولٍ مثل تونس وليبيا واليمن وسوريا ولبنان إلى “انفجارٍ مجتمعيٍ”، تمّ استغلاله لتأجيج الانقسامات الطائفية والإثنية، بهدف إضعاف الدول وتحويلها إلى كياناتٍ هشةٍ تابعةٍ.
التبَعيةُ الاقتصادية وحجْبُ التكنولوجيا:
يعتمد اقتصاد العديد من دول المنطقة على الريع النفطي، مع ضعف القطاعات الإنتاجية والقطاع الخاص، مما يجعلها غير قادرةٍ على منافسة الاقتصادات المتقدمة في ظل العولمة، مع حرمان دول الإقليم من التكنولوجيا المتقدمة؛ من أجل عدم قدرتها على منافسة الدول الكبرى، وتبقى دول المنطقةُ خاضعةً للنفوذ الأمريكي.
تداعيات الاستراتيجية الأمريكية:
عملت الولايات المتحدة على تعزيز نفوذها في المنطقة، من خلال حلفاء مثل تركيا وإسرائيل وبعض الدول الخليجية، واستغلال الصراعات الطائفية لتقسيم دول الشام، مع محاولة احتواء النفوذ الإيراني، ومع ذلك، حافظتْ مصر على تماسكها كـ”قلب الإقليم العربي” وفقاً للنظريات الجيوبوليتيكية، مما جعلها عنصراً حاسماً في المعادلة الإقليمية.
يُظهر التحليل السابق أن الإقليم العربي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة شهد ظواهر متعددة، من أبرزها: تعميقُ الأنظمةِ الشمولية، وتفكيكُ الكيانات الوطنية لصالح الهويات الفرعية، وإرساءُ تبعيةٍ اقتصاديةٍ، وإعادةُ تشكيلٍ جيوسياسيٍ تقوده قوى خارجيةٌ، وقد أسفرت هذه العوامل مجتمعةً عن تحولاتٍ عميقةٍ في الإقليم العربي، تتواءم في مُجملها مع الاستراتيجية الأمريكية الرامية إلى تعزيز الهيمنة والنفوذ الأمريكي في المنطقة.
ومع ذلك، تمكّنت مصر من الحفاظ على استقرارها النسبي ومقاومة الضغوط الخارجية، ويعود ذلك إلى عاملين رئيسيين: الأول هو الأيديولوجيا المؤسسية للجيش المصري القائمةُ على فكرة “الجيش من الشعب وإلى الشعب”، والثاني هو التمسكُ بالهوية الذاتية والوعي العقائدي التاريخي للمواطن المصري، فضلاً عن إيمانه الراسخ بوحدة الجيش والدولة، وأن الجيش من جسد الشعب لا ينفصل.
رغم ذلك تركت الاستراتيجية الأمريكية آثاراً سلبيةً واضحةً على مصر، تمثّلت في تراجعٍ شاملٍ في الأداء التنموي للدولة على المستويين العسكري والاقتصادي، وتآكل شرعية النظام السياسي، مما أدى بدوره إلى فجوةٍ بين النظام الاجتماعي والنظام الحاكم.
ثانيًا: استراتيجية القوى القطبية في سياستها الخارجية تجاه الإقليم العربي بعد انتهاء الحرب الباردة
حتى ندرك أثر السياسات المصرية تجاه الإقليم العربي، لابد أن نتناولَ استراتيجيات القوى القطبية تجاه الإقليم العربي، خاصةً بعد الانفراد الأمريكي العسكري والاقتصادي دولياً، حيث تُعد تلك الاستراتيجيات هي مُحدّداتُ السياسات المصرية؛ فمن أجل دراسة السياسات المصرية قبل وبعد أحداثِ 2011، علينا أن ندرس طبيعة هذه الاستراتيجيات في تعاملها تجاه الإقليم العربي.
بعد انتهاء الحرب الباردة، تطورت استراتيجيات القوى الدولية الرئيسية تجاه الإقليم العربي، بشكلٍ يعكس سعي كلٍ منها لتعزيز مصالحها ومكانتها في البيئة الدولية الجديدة، يمكن تلخيص هذه الاستراتيجيات على النحو التالي:
1- الاستراتيجية الأمريكية: الهيمنة والاحتواء
دعم الأنظمة الشمولية:
اعتمدت الولايات المتحدة على دعم أنظمة حكمٍ شموليةٍ في المنطقة، ومنحِهَا شرعيةً دوليةً؛ من أجل أن تكون تلك الدولة تابعةً سياسياً للاستراتيجية الأمريكي، مما أوقع النظم الشمولية في صراعٍ بين تحديات البقاء والتنمية، وأدى إلى استنزاف مواردها وتفاقم الأزمات الداخلية.
الأهداف الاقتصادية والجيوسياسية:
تهدفُ الاستراتيجية الأمريكية بشكلٍٍ أساسيٍ إلى ضمان تدفّق النفط وهيمنة الدولار، والتحكم في الممرات المائية الحيوية مثل قناة السويس ومضيق هرمز وباب المندب، وفقًا لرؤية جيوبوليتيكية استشرافية، بالإضافة إلى تَبعيةِ دول المنطقة سياسيا لها.
أدوات التنفيذ:
استخدمت الولايات المتحدة مزيجًا من الأدوات العسكرية (مثل غزو العراق والحرب على الإرهاب) والاقتصادية (العقوبات مثل ليبيا وسوريا) والفكرية في (دعم هويات مصطنعة والثورات العربية”) لإعادة تشكيل المنطقة، واحتواء القوى المنافسة مثل روسيا والصين، والحفاظ على الإقليم العربي كمنطقة نفوذ حيويةٍ أمريكيةٍ.
2- الاستراتيجية الروسية: استعادة النفوذ وبناء التحالفات
استعادة المكانة الدولية:
سعت روسيا، إلى إعادة تثبيت نفسها كقوةٍ عظمى من خلال تحدي النفوذ الغربي وبناء تحالفاتٍ مع دول “الجنوب” والعالم غير الغربي.
2- الأدوات الرئيسية: اعتمدت موسكو على أداتين رئيستين:
القوة الناعمة (الطاقة): استخدام صادرات النفط والغاز كأداةٍ لجذْبِ التحالفات، خاصةً مع الصين ودول آسيا.
القوة الصُلبة (العسكرية): تصدير التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، لا سيَّما لدول حوض المتوسط مثل مصر والجزائر.
3-الهدف الإقليمي:
اختراق المناطق التقليدية للنفوذ الأمريكي (مثل إيران وسوريا ومصر) وبناءُ شبكة تحالفاتٍ أوراسية لموازنة الهيمنة الغربية.
4- الاستراتيجية الصينية: النموذج التكاملي السلمي
الفلسفة والنموذج البديل:
تقدّم الصين نفسها كنموذجٍ تعاونيٍ سِلميٍ بديل، مُستندٍ إلى فلسفة كونفوشيوسية تؤكد على الانسجام والمنفعة المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
الدبلوماسية الاقتصادية:
تجسّد “مبادرة الحزام والطريق” الإطار الاستراتيجي لنهج الصين، الذي يركّز على الاستثمار في البنية التحتية والتكامل الاقتصادي واللوجستي، بهدف بناء شراكاتٍ استراتيجيةٍ شاملةٍ تتجاوز قطاع الطاقة.
الهدف الجيوسياسي:
سدُّ الفراغ الناتج عن التراجع النسبي للنفوذ الاقتصادي الأمريكي، وضمان تدفق الطاقة لدعم النمو الصيني، والمساهمة في تحول البيئة الدولية نحو تعدد الأقطاب، مع احتواء الإقليم العربي، أو تحييده لمنع سيطرة المنافسين عليه.
تتضحُ من النقاط السابقة تناقضاتٌ منهجيةٌ في استراتيجيات القوى الكبرى الثلاث:
فالاستراتيجية الأمريكية تُبني على منطق الهيمنة والاحتواء بشقيه العسكري والسياسي، بينما تركّز الروسية على استعادة النفوذ عبر تحالفات الطاقة والعسكر؛ في المقابل، تقدم الصين نموذجاً تكاملياً قائماً على التعاون الاقتصادي السلمي في المقام الأول.
يشيرُ هذا التنافس الاستراتيجي إلى تحول الإقليم العربي إلى ساحةٍ جيوسياسيةٍ رئيسيةٍ تتقاطع فيها مصالح القوى العظمى. ويترتب على هذا التقاطع جملةٌ من التداعيات على استقرار دول المنطقة وتطورها، كما يحدد مدى اهتمام تلك القوى بالإقليم.
يُشكّل هذا السياق عائقاً رئيسياً أمام تأثير السياسات المصرية الإقليمية، ويُعد محدداً هاماً لقدرتها على تحقيق حضورٍ فاعلٍ ونفوذٍ مؤثّرٍ؛ وذلك لأن الاستراتيجية الأمريكية على وجه الخصوص، تسعى إلى ضمان عدم بروز قوةٍ إقليميةٍ تُعارض سياساتها أو تُنافس وتُؤثر في حضور إسرائيل، الحليف الاستراتيجي الأمريكي الرئيسي في المنطقة.
أثّر هذا الواقع بشكلٍ سلبيٍ ومباشرٍ على القدرة التنموية المصرية، سواء على المستوى العسكري والاقتصادي، أو على قدرتها على ممارسة تأثير دبلوماسيٍ وسياسيٍ فاعلٍ مع دول الإقليم.
ثالثًا: أدوات السياسات المصرية تجاه الإقليم العربي والبيئة الدولية بعد 2011
بعد تحولات عام 2011، أدرك النظام السياسي المصري حجم التحديات الجيوسياسية التي تواجهها البلاد، وإدراك الدول الكبرى لأهمية الموقع الاستراتيجي لمصر جيوسياسيًا وجيواقتصاديًا، وقد اتضح من خلال تلك الأحداث كيف أصبحت مصرُ محطّ اهتمامٍ في استراتيجيات القوى الدولية، ولقد اتضح ذلك؛ من خلال الدعم الأمريكي لجماعة الإخوان المسلمين آنذاك، والتي هدفت إلى إضعافِ الدولة وخلْقِ بيئةٍ من عدم الاستقرار وجعْلِ مصر مركزاً للصراع الإقليمي بالمنطقة وساحةً للنفوذ الأمريكي.
لذلك، سعى النظام السياسي المصري في مرحلةٍ ما بعد 2011، إلى تعزيز القوة الذاتية للدولة وتنمية قدراتها في مختلف المجالات، مع العمل على تحقيق توازنٍ استراتيجيٍ في علاقاته مع القوى الكبرى، واعتمد في ذلك منهجيةً استباقيةً شاملةً على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، بهدف تعزيز المكانة الجغرافية لمصر وربطها اقتصاديًا بدول الإقليم وبالقوى الدولية الفاعلة.
فبعد عام 2011، اتبعت مصر مجموعةً من السياسات والأدوات المعقّدة لحماية أمنها القومي، وإعادة تأكيد دورها الإقليمي، والتفاعل مع البيئة الدولية المتغيرة. يمكن تلخيص هذه الأدوات في المحاور التالية:
1- المواجهة المجتمعية والهوية الوطنية
رفض التغيير الأيديولوجي:
واجهَ المجتمعُ المصري، بدافعٍ ذاتيٍ جماعي، محاولاتِ جماعة الإخوان المسلمين فرْضَ هويةٍ أيديولوجيةٍ أُحادية على الهوية الوطنية التعددية، مما أدى هذا الصدام إلى أزمة هوية وتصادم مع مؤسسات الدولة العميقة (كالقضاء والأزهر).
ثورة 30 يونيو 2013:
تجسّد الرفض الشعبي العارض في حركةٍ شعبيةٍ واسعةٍ تطالب بإنهاء حكم الإخوان، والتي مثّلت لحظةً فاصلةً في الدفاع عن الهوية الذاتية للمواطن المصري، وحماية الدولة المصرية.
2- دور الجيش: الحارس الوطني والتحالف مع الشعب
الانحياز للإرادة الشعبية:
إنحاز الجيش المصري بوضوحٍ إلى الإرادة الشعبية الرافضة لجماعة الإخوان المسلمين، مدفوعًا بتطابق هويته الأيديولوجية مع هوية الشعب وإدراكه لمسؤوليته كحارسٍ للدولة الوطنية.
تحدي المخططات الخارجية:
مثّل هذا الموقف تحدياً للاستراتيجية الأمريكية، التي كانت تتوقع انحيازَ الجيش لصالحها عبر دعمه للإخوان، ولكن انحاز الجيش للشعب المصري، مما حال دون تحقيق الهيمنة الأمريكية المزعومة على مصر.
3- البناء الاستراتيجي: جيش قوي وتحالفات متوازنة
تحديث العقيدة والتسليح:
تحولت العقيدة العسكرية المصرية من المواجهة التقليدية مع إسرائيل إلى مواجهة التهديدات غير التقليدية (كالإرهاب)، قامت مصر بتنويع مصادر تسليحها (روسيا، فرنسا، الصين، ألمانيا) بشكلٍ كبيرٍ لبناء جيشٍ متعدد القدرات وقادرٍ على الردع.
4- دبلوماسية التحالف المتوازن:
اتبعت مصر استراتيجيةً دبلوماسيةً ذكيةً تقوم على تعزيز التحالفات الإقليمية: مع دول مثل السعودية والإمارات لتعزيز أمن الإقليم العربي.
5-الشراكات الدولية المتوازنة:
بناء علاقات تعاون مع جميع القوى الدولية (روسيا، الصين، الاتحاد الأوروبي، الهند) دون تبعيةٍ كاملةٍ لأيٍ منها، مع الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة.
6-تحويل الموقع الجغرافي إلى ورقة ضغط:
قدّمت مصر نفسها كممرٍ حيويٍ (قناة السويس) لا غنىً عنه للمصالح العالمية، مُستخدمةً ذلك لجذْبِ الدعم لاستقرارها وقدراتها.
7- صعود الجيش كمؤسسةٍ ذات قدراتٍ عالمية ٍبتصنيفٍ متقدمٍ:
يحتل الجيش المصري مركزاً متقدماً عالمياً المرتبة 15 حسب إحصائية عام Global Firepower 2024، مدعوماً بحجمه البشري وتنوع منظومة تسليحه المتطورة.
8-تحديات الاستدامة:
قدرة البناء العسكري الضخم على تحمّل الاقتصاد المصري على تكاليف الصيانة والتشغيل طويلة المدى، وقدرة الكوادر على إتقان أنظمة أسلحةٍ متنوعة المصادر، وذلك من خلال زيادة القدرة التنموية والاقتصادية للدول المصرية.
لقد أدخل النظام السياسي المصري دوراً هاماً للأجهزة السيادية لتنفيذ تلك السياسات؛ من أجل التمكّن الجغرافي لمصر، وإعلاء الأهمية الجيوسياسية والجيواقتصادية، كان ذلك؛ لضمان تحقيق المصلحةِ القوميةِ للدولة المصرية، فقد تطور دور الأجهزة السيادية المصرية من جمْعِ المعلومات إلى أداةٍ فاعلةٍ في صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية، مستندةً إلى تحليل استراتيجيٍ عميقٍ، وبمفهوم السياسة الاستباقية.
التطبيق في الجوار الاستراتيجي:
-في ليبيا: تعاملت الأجهزة السيادية بمرونةٍ مع النسيج الاجتماعي القبلي المعقّد، بهدف كسْبِ الثقة وحماية الأمن القومي المصري بعمقٍ استراتيجيٍ داخل الأراضي الليبية.
-في السودان: تُعد العلاقة وجوديةً للأمن القومي لكلا البلدين، حيث تقوم الأجهزة السيادية بدورٍ محوريٍ في صياغة وإدارة هذه العلاقة المتشابكة، لضمان التكامل وحماية المصالح المشتركة.
-في فلسطين (غزة): يُظهر التواجدُ العميق والمباشر للمخابرات المصرية في قطاع غزة ، دورها المزدوج في حماية الأمن القومي المصري، مع دعم الشعب الفلسطيني والتصدي لمحاولات التهجير أو تغيير الوضع القائم.
-التمكّن الجغرافي: بتواجد القوة العسكرية بقاعدة “برنيس” في البحر الأحمر وقاعدةِ “محمد نجيب” في المنطقة الغربية، مما أدى إلى السيطرة على الممر التجاري العالمي (البحر الأحمر- قناة السويس – البحر المتوسط).
تبين الأدوات المصرية بعد 2011 نهجاً مركباً يجمع بين:
الشرعية الداخلية: المتمثّلة في التحالف بين الجيش والشعب للدفاع عن الهوية الوطنية.
الشفافيةُ والمشاركة: إتخذ النظام السياسي شفافيةَ القرار مع مشاركة المجتمع للتحديات.
القدرة العسكرية المطورة: كأساسٍ للردْع واستعادة المكانة الإقليمية.