تُمثِّلُ زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى إثيوبيا، في 16-17 ديسمبر 2025، حدثًا تاريخيًّا بارزًا؛ إذ تُعَدُّ الأُولى له إلى البلاد منذ تولِّيه رئاسة الحكومة الهندية، وتعكس عمق الشراكة الثنائية التي تعود جذورها إلى عهْد مملكة أكسوم، وتأتي هذه الزيارة في سياق سعْي نيودلهي الواسع لتعزيز نفوذها الاستراتيجي في القارة الأفريقية، خاصَّة مع ارتفاع حجم التبادل التجاري “الهندي – الأفريقي”، وسط تصاعُد المنافسة الجيوسياسية مع الصين وغيرها من القوى العالمية، كما تُعَدُّ الزيارة جزءًا من جوْلةٍ إقليميةٍ مُوَسَّعة شملت الأردن وعُمان؛ مما يبرز استراتيجية الهند في ربْط الشرق الأوسط بالقرن الأفريقي لتعزيز أمْن المحيط الهندي ودعم “التعاون الجنوبي – الجنوبي”.
الجذور التاريخية للعلاقات “الهندية – الإثيوبية”
ترجع علاقات الهند وإثيوبيا إلى عهْد مملكة أكسوم في القرن الأول الميلادي؛ حيث ازدهر التبادُل التجاري عبْر شبكات قديمة بتبادل الحرير والتوابل مقابل الذهب والعاج، وتطوَّرَتْ هذه الروابط بعد استقلال الهند بإنشاء إثيوبيا أول بعثة دبلوماسية أفريقية فيها عام 1948، لتشمل مجالات التنمية والتجارة والتعليم والدفاع؛ كما حصلت إثيوبيا على أكثر من مليار دولار كخطوط ائتمان هندية لمشاريع البنية التحتِيَّة، مِثْل “نقْل الكهرباء الريفي ومصانع السكر”، ضمن إطار “التعاون بين بلدان الجنوب” و”المبادئ العشرة” لمودي التي تُركِّزُ على أولويات أديس أبابا؛ مما يجعل زيارة مودي خطوةً حاسمةً لتعزيز هذه الشراكة الشاملة.[1]
زيارة ناريندرا مودي لأديس أبابا
توجَّهَ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى إثيوبيا في زيارة تُعَدُّ الأُولى له إلى البلاد، وذلك خلال الفترة من ١٦-١٧ ديسمبر من العام الجاري ٢٠٢٥، في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلديْن، مع استعداد الهند لتولِّي رئاسة مجموعة البريكس ٢٠٢٦، وشهدت هذه الزيارة مباحثاتٍ مُوسَّعَةً مع نظيره الإثيوبي آبي أحمد، ناقشت مختلف أوْجُه التعاون الثنائي، مع تركيزٍ خاصٍّ على الاستثمار، الزراعة، التعدين، البِنْية التحتِيَّة الرَّقَمِيَّة، والأمن السيبراني، وبالتالي دعم أُطُر التعاون الاقتصادي بل والسياسي أيضًا بين البلديْن.[2]
أبرز ما تناولته الزيارة
أسفر اللقاء الذي جمع الزعيميْن الهندي ونظيره الإثيوبي عن رفْع مستوى علاقاتهما الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، في خطوةٍ وصفها بأنها “تحريك للعلاقات نحو آفاق أوسع”، فضلًا عن التوقيع على ثلاث مذكرات تفاهم رئيسية، تشمل التعاون في المساعدة الإدارية المتبادلة في الجمارك، إنشاء مركز بيانات في وزارة الخارجية الإثيوبية، والتعاون في تدريبات عمليات حِفْظ السلام التابعة للأمم واشتملت المُخْرجات أيضًا توقيع مذكرة تفاهُم حول إعادة هيكلة الديون الإثيوبية في إطار مجموعة العشرين، بالإضافة إلى دعْم سعة مستشفى غاندي ماھاتما في مجالات الرعاية الأمومية، وزيادة المنح الدراسية.[3]
أهداف رئيسية
تستهدف زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى إثيوبيا تعزيز الشراكة الثنائية الشاملة، من خلال مباحثات مع رئيس الوزراء آبي أحمد، مع التركيز على توسيع التعاون الاقتصادي والاستراتيجي، وفيما يأتي عرْضٌ موجزٌ لأبرز الأهداف التي اشتملت عليها الزيارة:
الأهداف الاقتصادية:
تعزيز التبادل التجاري الذي يبلغ 550 مليون دولار، خاصَّةً في الأدوية والزراعة والتعدين، ودعم الاستثمارات الهندية عبْر 650 شركةً، واستكشاف مجالات جديدة، مثل “البنية التحتية الرقمية والأمن السيبراني”، مع خطوط ائتمان إضافية لمشاريع الطاقة والسكر.
الأهداف السياسية والدبلوماسية:
إلقاء خطاب أمام البرلمان الإثيوبي حول إصلاح الأمم المتحدة وقضايا إقليمية، مع الاستعداد لبريكس 2026 و”المبادئ العشرة” الهندية لأفريقيا، وتنسيق المواقف في المنصَّات الدولية، مستفيدةً من مقرِّ الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا.
الأهداف الأمنية والتعليمية:
تعزيز التعاون الدفاعي بعد اتفاقية فبراير 2025، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وأمن المحيط الهندي، ودعم التعليم عبْر 2000 مدرس هندي ومنح دراسية، مع التركيز على بناء القدرات في الجامعات.[4]
الدلالات
تُشكِّلُ زيارة مودي لإثيوبيا لحظةً حاسمةً في مسار العلاقات “الهندية – الإثيوبية”؛ إذ توسع نطاق الدبلوماسية الهندية في القارة الأفريقية على الصعيد السياسي، من خلال تعزيز صورة الهند كشريكٍ استراتيجيٍّ موثوقٍ وغير استغلالي؛ مما يُقوِّي موقعها أمام النفوذ الصيني المتفاقم، واقتصاديًّا، تفتح الزيارة آفاقًا جديدةً أمام الشركات الهندية في السوق الأفريقية المُوحَّدة، بما يُعزِّزُ الاستثمارات في قطاعات، مِثْل “البنية التحتية والتعدين”، في حين تُعمِّقُ التعاون الاستراتيجي في مجالات أمن المحيط الهندي ومكافحة الإرهاب، ورغم الإمكانيات الهائلة.
وتواجه هذه العلاقات تحدياتٍ جوهريةً، تشمل المنافسة الصينية الشديدة، والاضطرابات الداخلية الإثيوبية، وضعْف آليات المتابعة للاتفاقيات السابقة، إلى جانب القيود المالية الهندية النسبية مقارنةً بالقدرات الصينية، مع غياب استراتيجية شاملة طويلة الأَمَد لأفريقيا في الخطاب السياسي الهندي الداخلي الذي قد يعوق استدامة الزَّخَم، وفي المقابل، تطمح الحكومة الإثيوبية إلى جذْب مزيدٍ من الاستثمارات الهندية، لا سيما في قطاعات الأدوية، والتصنيع الزراعي، والصناعات الخفيفة، بما يساعد على دعْم خطط التنمية الاقتصادية وخلْق فرص عمل.[5]
ختامًا:
تعتبر زيارة مودي إلى إثيوبيا نقطة تحوُّلٍ استراتيجية تعكس طموح الهند في رسْم خريطة نفوذ جديدة في أفريقيا؛ حيث تتحول الشراكة التاريخية مع أديس أبابا إلى جِسْر للوصول إلى السوق الأفريقية المُوحَّدة وسط تصاعُد التنافُس مع الصين، وتكْمُنُ قوة هذه الزيارة في دمْج الأبعاد الاقتصادية مع السياسية؛ مما يُعزِّزُ صورة الهند كبديلٍ جنوبيٍّ موثوقٍ يُركِّزُ على التنمية المستدامة دون شروط استعمارية.
غير أن الاستدامة تعتمد على تجاوُز التحديات الجوهرية، مِثْل “ضعْف التنفيذ السابق للاتفاقيات والاضطرابات الإثيوبية الداخلي”؛ إذ قد يؤدي الفشل في بناء آليات متابعة قوية إلى تراجُع الزَّخَم أمام الدّفْعة الصينية الاستثمارية الهائلة، وبناءً عليه؛ إذا نجحت نيودلهي في صياغة استراتيجية أفريقية طويلة الأمد مدعومة بخطاب داخلي قوي، ستتمكن من كسب حلفاء استراتيجيين في القرن الأفريقي؛ مما يُعيد تشكيل توازُن القوى في المحيط الهندي والقرن الأفريقي.
[5] مصطفى شلش، مودي في إثيوبيا.. اختبار الحياد الإيجابي بين أديس أبابا والقاهرة، مركز الدراسات العربية الأوراسية، ١١ ديسمبر ٢٠٢٥، متاح على الرابط الآتي: https://share.google/xNbFvSQaWfxblkS4W
