المقالات
بين اتهامات هجوم سيدني واعترافات “عماد أمهز”: هل تمهد إسرائيل لمرحلة جديدة من التصعيد؟
- ديسمبر 24, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
تمر منطقة الشرق الأوسط بتوقيت شديد الحساسية؛ نظرًا لبقاء كثير من الملفات التي كان ينبغي حسمها قبل نهاية العام 2025، معلقة دون حل، وعلى رأسها حسم مصير سلاح حركة حماس تمهيدًا للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتسليم سلاح حزب الله اللبناني إلى الجيش النظامي للدولة، تنفيذًا لما نص عليه اتفاق وقف الحرب بين الحزب وإسرائيل، وفي ضوء ذلك؛ تُرجح التحركات الإسرائيلية خلال الآونة الأخيرة، أن تل أبيب تمهد لتصعيد جديد ضد لبنان وإيران وحماس في بداية العام 2026، بهدف الضغط على تلك الجبهات، وإجبارهم على الرضوخ للمطالب والشروط الإسرائيلية:
أولًا؛ تحركات إسرائيلية متوازية على جبهات عدة:
تسعى إسرائيل في الوقت الراهن، إلى رسم صورة إقليمية معينة، تخدم مجموعة من أهدافها السياسية والأمنية، وذلك من خلال التحرك بشكل متوازي على جبهات ثلاث؛ وهي لبنان وغزة وإيران، وهو ما يمكن الاستدلال عليه في التحركات الإسرائيلية التالية:
1. إتهام إسرائيلي لإيران بالوقوف وراء هجوم سيدني:
سارعت إسرائيل في أعقاب الهجوم الذي وقع في شاطيء بوندي بأستراليا، خلال احتفالات عيد الأنوار اليهودي “حانوكا”، يوم 14 ديسمبر الجاري، وأسفر عن مقتل 16 يهوديًا وإصابة حوالي 40 أخرين، بإلقاء مسؤولية الهجوم على إيران، مع الحديث عن احتمالية تورط حزب الله وحركة حماس فيه[1]، وقد زعمت تل أبيب أن هناك دلائل عدة تشير بضلوع طهران في الحادث، منها:
وجود تقارير استخباراتية عدة، تفيد بأن طهران ووكلاءها كثفوا جهودهم لاستهداف مواقع إسرائيلية ويهودية حول العالم خلال الأشهر الأخيرة، بما يشمل أستراليا، حيث كشفت صحيفة “معاريف” أن إسرائيل حذرت، قبل هجوم سيدني، السلطات الأسترالية من احتمال استهداف خلايا تابعة للحرس الثوري الإيراني، للجالية اليهودية والمصالح الإسرائيلية في أستراليا، مشيرة إلى أن الموساد دعا الأجهزة الأمنية الأسترالية إلى توخي الحذر والحيطة إزاء الاستهدافات الإيرانية المحتملة.[2]
الإستناد إلى إتهام سابق من رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، لإيران بالوقوف وراء هجومين معاديين لليهود في البلاد، إذ صرح ألبانيز في 26 أغسطس 2025، أن جهاز الاستخبارات الأمنية الأسترالي”ASIO”توصل إلى أن الحكومة الإيرانية هي من أمرت بإحراق مطعم “لويس كونتيننتال كيتشن” في سيدني بأكتوبر 2024، وبإحراق كنيس إسرائيلي في ملبورن بديسمبر من العام ذاته.[3]
إعلان أستراليا قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وذلك للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، على خلفية تلك الاتهامات، حيث أعلنت أن السفير الإيراني بات شخص غير مرغوب فيه بالبلاد، مع منحه مهلة أسبوع للمغادرة، إلى جانب قرار سحب السفير وتعليق عمل السفارة الإسترالية في طهران، فضلًا عن التحرك نحو الإجراءات اللازمة لتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية.
الربط بين هجوم سيدني واغتيال رئيس أركان حزب الله علي الطبطبائي، إذ أشارت تقارير إسرائيلية إلى احتمالية أن يكون الهجوم هو رد من جانب إيران وحزب الله، على تصفية الطبطبائي.
وفي المقابل؛ نددت وزارة الخارجية الإيرانية، بما وصفته بـ”الهجوم العنيف” الذي استهدف الاحتفال اليهودي على شاطئ بوندي، مؤكدة أن “الإرهاب وقتل البشر أينما كان، هو أمر مرفوض ومُدان”.[4]
2. الكشف الإسرائيلي عن قضية “عماد أمهز” بعد عام من أسره:
في وقت شديد الحساسية بالنسبة للحدود اللبنانية الإسرائيلية، ومع تكثيف تل أبيب لهجماتها على جنوب لبنان خلال الآونة الأخيرة، نشر الجيش الإسرائيلي في صباح يوم 19 ديسمبر 2025، فيديو مصور، يوثق اعترافات القائد البحري اللبناني عماد أمهز، حول ما وصفه بأنه مشروع بحري سري لحزب الله وإيران، مقرونًا ببيانًا للجيش الإسرائيلي يوضح تفاصيل عملية اختطافه وأسره من قلب لبنان، وفيما يلي أبرز حيثيات هذه القضية كما جاء في البيان والفيديو الإسرائيليين:
أ. تفاصيل عملية الأسر[5]:
أعلن الجيش الإسرائيلي، أن عماد أمهز، الذي يُعد من أهم عناصر وحدة الصواريخ الساحلية في حزب الله اللبناني، قد نُقل للتحقيق معه إلى إسرائيل قبل نحو عام، وذلك من خلال عملية “وراء الظهر”، والتي نفذها مقاتلو وحدة13 للكوماندوز البحري الإسرائيلي في بلدة البترون شمال لبنان، على بُعد حوالي140 كيلومتر عن الحدود الشمالية، وذلك بتوجيه من شعبة الاستخبارات البحرية.
طُرحت فكرة الاختطاف لأول مرة في سبتمبر 2024، وحظيت بموافقة العديد من القادة العسكريين لما قد تكشفه من معلومات استراتيجية حول حزب الله.
نُفذت العملية مساء يوم 2 نوفمبر 2024، عندما داهم 50 جندي من وحدة “شاييطيت 13″، المنزل الذي كان يقيم فيه أمهز بمدينة البترون الساحلية اللبنانية، وقبضوا عليه خلال أربع دقائق فقط.
تأتي عملية “وراء الظهر” بعد عملية استخباراتية استغرقت ثلاث سنوات، حيث تمكن الجيش الإسرائيلي من تحديد مكان أمهز، بفضل جهود محللة شابة تعمل في الاستخبارات البحرية الإسرائيلية برتبة رقيب أول، إذ تمثلت مهمتها في تتبع الأشخاص الذين قد يشكلون تهديدًا للسفن البحرية الإسرائيلية.
بدأت المحللة مراقبة أمهز البالغ من العمر 39 عامًا، والمولود في وادي البقاع، منذ عام 2021، وحينها اكتشفت أن أمهز كان قد انضم إلى حزب الله اللبناني عام 2004، وشارك في عدة عمليات للحزب، تحت مسمى حركي وهو “جاريش”، وأنه كان يجري اجتماعات غامضة مع مسؤولين كبار في الحزب، على رأسهم علي عبد الحسن نور الدين، والذي كان يدير عدة مشاريع سرية لحزب الله، بتوجيه من فؤاد شكر والأمين العام السابق حسن نصر الله.
ب. تفاصيل المشروع[6]:
كشف أمهز أثناء التحقيق معه، إنه لعب دورًا محوريًا فيما وصفه بـ”الملف البحري السري” لحزب الله اللبناني، والذي بدأ عام 2016، بهدف إنشاء سفينة تجارية كبيرة، وتجهيزها بعتاد عسكري، من أجل دخول الموانئ دون شبهات.
يُعتبر المشروع، مثل وحدات حزب الله البحرية الأخرى، قائم بفضل الدعم الفكري والمالي المقدم من إيران.
تمثلت أهداف المشروع في: إنشاء بنية بحرية تحتية منظمة تعمل تحت غطاء أنشطة مدنية، بما يتيح استهداف مصالح وأهداف إسرائيلية ودولية في المجال البحري، استخدام النقل البحري المدني للجنود، تنفيذ عمليات ضد إسرائيل من شأنها تغيير ميزان الردع ضد تل أبيب وحلفاءها، ومراقبة عمليات البحرية الأمريكية والغربية في البحر المتوسط.
ولأهمية المشروع، كان يُدار شخصيًا من قبل حسن نصر الله وفؤاد شكر، وفي عام 2021، اكتسب المشروع زخمًا بأمر من نصر الله، بعد عدة سنوات من التأخير، بسبب مشاكل مالية وداخلية في الحزب.
كانت الخطوة الأولى هي اختيار قائد السفينة، على أن يكون شخص يمكنه إدارة المشروع من خلال المنظور البحري، وكان أمهز هو المختار لهذا الدور، فبدأ الإبحار في الدول الأوروبية والإفريقية، واكتسب خبرة كعامل على السفن التجارية، وكان الهدف من هذا التكوين، تسجيل ساعات بحرية كافية، والترقي في الرتب، وأن يصبح في النهاية قبطانًا مدنيًا يمكنه قيادة السفينة التجارية بنفسه.
كما تلقى أمهز تدريبات عسكرية في إيران ولبنان، واكتسب خبرات وتجربة بحرية واسعة في إطار وظيفته في وحدة الصواريخ الساحلية، هذا وتم تدريبه أيضًا في المعهد البحري المدني اللبناني “مارستي”، مما يعتبر مثالًا آخر لاستغلال حزب الله للمؤسسات المدنية اللبنانية في سبيل تطوير نشاطاته.
وجدير بالذكر أن؛ الكشف الإسرائيلي عن قضية عماد أمهز، جاء في إطار أمرين مهمين بالنسبة لملف لبنان-إسرائيل؛ وهما:
أ. عقد الاجتماع الـ15 للجنة الميكانيزم المكلفة بمراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته تل أبيب وحزب الله في نوفمبر 2024، والذي ضم ممثلين عن الولايات المتحدة ولبنان وإسرائيل وفرنسا وقوات اليونيفيل.[7]
وقد عُقد الاجتماع يوم 19 ديسمبر، أي نفس يوم الكشف عن تفاصيل القضية، في مقر قوة اليونيفيل ببلدة الناقورة الحدودية، وذلك بمشاركة السفير اللبناني السابق سيمون كرم، والمدير الأعلى للسياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يوري رسنيك، والمستشارة الأمريكية مورغان أورتاغوس، ومنسقة الأمم المتحدة في لبنان جينين بلاسخارت.
ركز الاجتماع على مجموعة من الملفات؛ منها: تعزيز التعاون العسكري بين الجانبين من خلال إيجاد سبل لزيادة التنسيق، تعزيز قدرات الجيش اللبناني باعتباره الضامن للأمن في قطاع جنوب الليطاني، تهيئة الظروف للعودة الآمنة للسكان إلى منازلهم، ودفع جهود إعادة الإعمار، ومعالجة الأولويات الاقتصادية.
وأكد المشاركون في ختام الاجتماع على أن التقدم في المسارين الأمني والسياسي للاتفاق، يُعد أمرًا ضروريًا لضمان الاستقرار والازدهار على المدى الطويل للطرفين.
ب. اغتيال القيادي البارز في حزب الله هيثم علي الطبطبائي، والمعروف باسم أبو علي، بعد استهدافه بغارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، وفيما يلي أبرز المعلومات حول القيادي اللبناني[8]:
يُعد الطبطبائي أحد أبرز الشخصيات العسكرية التي لعبت أدوارًا حاسمة في البنية القتالية للحزب خلال السنوات الماضية، حيث كان قائد هيئة الأركان في الحزب، والرجل الثاني في التنظيم.
تولى قيادة قوة الرضوان، والتي تُعتبر وحدة النخبة التي تعتمد عليها قيادة حزب الله في العمليات الخاصة، إضافة إلى ارتباطه بوحدات أخرى لعبت أدوارًا إقليمية في جبهات خارجية عدة، مثل سوريا واليمن.
سبق لوزارة الخارجية الأمريكية أن صنفته ضمن قوائم الإرهاب العالمي، وأدرجته على برنامج “مكافآت من أجل العدالة”، مع مكافأة تصل إلى خمسة ملايين دولار لمن يقدم معلومات عنه، كما تفيد تقارير عدة بأن إسرائيل حاولت اغتياله مرتين سابقًا قبل تنفيذ الضربة الأخيرة.
3. التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة:
تواصل إسرائيل خروقاتها لاتفاق وقف إطلاق النار الذي راعته وساطة إقليمية ودولية متعددة الأطراف، تصدرتها مصر وقطر والولايات المتحدة، وذلك في وقت يشهد مزيد من التأزم والتعقيد فيما يخص الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، على خلفية استمرار الخلاف حول مصير سلاح حركة حماس، وهو الوضع الذي يزيد الشكوك بشأن قدرة اتفاق غزة على الصمود في وجه تلك التعقيدات، ويمكن إيضاح الانتهاكات الإسرائيلية لبنود الاتفاق على النحو التالي:
تشن إسرائيل ضربات شبه يومية على القطاع، كما تواصل تنفيذ سياسة الاغتيالات بحق كبار القادة في حركة حماس، مثل مقتل القيادي العسكري البارز في الحركة رائد سعد، خلال غارة جوية إسرائيلية على مدينة غزة يوم 13 ديسمبر 2025.[9]
كما نفذت تل أبيب قصفًا جويًا على مناطق متفرقة في قطاع غزة، يوم 15 ديسمبر الجاري، حيث استهدف القصف المناطق الشرقية لحي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة، إضافة إلى مناطق شرق مدينة دير البلح وسط القطاع، وإلى جانب هذا، شنت طائرات حربية إسرائيلية غارات جوية على عدة أهداف بمدينة خان يونس بجنوب القطاع، وذلك بالتزامن مع إطلاق نار كثيف من الدبابات والآليات العسكرية الإسرائيلية التي تقوم بعمليات تمشيط وحراسة لما يُعرف بـ”الخط الأصفر”، حيث يتم استهداف أي فلسطيني يحاول الاقتراب من هذا الشريط الذي يفصل المناطق التي يعتبرها الجيش الإسرائيلي واقعة تحت سيطرته.[10]
وفي 19 ديسمبر، أعلن الدفاع المدني في غزة، مقتل ستة أشخاص جراء قصف إسرائيلي استهدف أحد الملاجئ، من بينهم مسؤول الإمداد في مقر الإنتاج التابع لحركة حماس علاء الحديدي، ليرتفع بذلك عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا جراء الضربات الإسرائيلية منذ دخول الاتفاق حيز النفاذ، إلى 400 شهيدًا.[11]
وقد تبادل طرفا الاتفاق، حماس وإسرائيل، الاتهامات حول مسؤولية خرق اتفاق الهدنة وعرقلته، حيث زعمت تل أبيب أن حماس هي من انتهكت الاتفاق من خلال مهاجمة ثلاث جنود إسرائيليين في القطاع، فضلًا عن رفض الحركة لتسليم سلاحها، بل واستئناف تسليح نفسها مرة أخرى، مستغلة فترة الهدنة، مما قد يقوض باقي مراحل الخطة الأمريكية، ويدفع تل أبيب إلى العودة لخيار الحرب من جديد.
في المقابل؛ رفضت الحركة تلك المزاعم، مؤكدة أن إسرائيل هي المسؤولة عن عرقلة تنفيذ بنود الاتفاق، من خلال استمرار الضربات والهجمات على القطاع، والاغتيالات التي تنال من كبار قادتها، إلى جانب منع دخول المساعدات بالكم الذي نصت عليه بنود اتفاق الهدنة.
وفي هذا الإطار؛ اجتمع مسؤولون من مصر وقطر وتركيا، مع المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف، بميامي في 20 ديسمبر الجاري، لمراجعة المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، والذي دخل حيز النفاذ يوم 10 أكتوبر الماضي، وفي ختام المباحثات، أكدت الدول الأربعة على الأتي[12]:
تحض الدول الأربعة، الطرفين المعنيين بوقف إطلاق النار في غزة، على الوفاء بالتزاماتهما، وممارسة ضبط النفس، والتعاون مع ترتيبات المراقبة.
تؤكد تلك الدول مجددًا، على التزامها الكامل بخطة السلام المكونة من20 بندًا، والتي سبق وأن تم إقرارها من جميع الأطراف.
تدعو الدول الأربعة إلى إنشاء وتفعيل إدارة انتقالية على المدى القريب، وهي خطوة تنص عليها المرحلة الثانية من الاتفاق، مع استمرار المشاورات خلال الأسابيع المقبلة بشأن تنفيذها.
ثانيًا؛ قراءة في الأهداف الإسرائيلية ودلالات التوقيت:
قد تبدو التحركات الإسرائيلية سالفة الذكر، متباعدة عن بعضها البعض، وقد يُعتقد بشكل خاطيء أن تل أبيب تتحرك بشكل عشوائي وغير محدد الأهداف، ولكن بإمعان النظر في التحركات الإسرائيلية التي ترتبط بأكثر من جهة في المنطقة، وبربط تلك التحركات بالتوقيت والسياق الإقليمي الراهن، يتضح مما لا شك فيه أن إسرائيل لديها أهداف ومساعي محددة ومعلومة، تحاول أن تدركها بطرق متعددة، وأنها لا تفكر اعتباطيًا، بل جاءت لخدمة أغراض بعينها، من أهمها:
1. إيجاد ذريعة التصعيد الإسرائيلي قبل لقاء الرئيس الأمريكي؛ من المقرر أن يلتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولاية فلوريدا الأمريكية يوم 29 ديسمبر الجاري، حيث من المتوقع أن يستمع الرئيس الأمريكي إلى إفادة نتنياهو بشأن ملفات غزة ولبنان وإيران.[13]
ولذلك؛ تحاول تل أبيب أن تخلق سياقًا إقليميًا متوترًا قبل اللقاء، بحيث تتوفر لها الفرصة لأن تطلب موافقة ومساعدة واشنطن في اتخاذ أي إجراء تصعيدي خلال الأونة المقبلة، ومن ثم؛ تعمل إسرائيل على عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وتواصل خروقاتها للاتفاق من خلال تكثيف ضرباتها على القطاع، ومواصلة سياسة الاغتيالات بحق كبار قادة حركة حماس، وهو الأمر ذاته الذي تتبعه ضد الجبهة اللبنانية وحزب الله، هذا إلى جانب تهديداتها المستمرة فيما يخص استئناف الحرب على إيران، زاعمة أن طهران أعادت تشغيل برنامجها الصاروخي الباليستي، وكذلك برنامجها النووي الإيراني، مما يستدعي تكرار عملية “الأسد الصاعد” التي سبق وأن شنتها على طهران في يونيو الماضي.
وتهدف إسرائيل من وراء تلك التحركات، استثارة رد فعل من جانب حزب الله أو حركة حماس أو إيران، يوفر لها المبرر الذي تحتاجه تل أبيب لشرعنة التصعيد الذي تريده في المنطقة، إذ تجد إسرائيل في الفوضى الأمنية والتصعيد وعدم الاستقرار الإقليمي، فرصة ذهبية للنيل من مقدرات محور المقاومة الإيراني، وعرقلة أي ترتيبات إقليمية أو دولية بشأن إعادة إعمار قطاع غزة، وخدمة مشروع إسرائيل الكبرى التوسعي، حيث أن استمرار الحرب والتصعيد، يعني استمرار بقاء إسرائيل في جنوب لبنان وجنوب سوريا وقطاع غزة، وهو الأمر الذي تريد تل أبيب تحويله إلى أمر واقع مع مرور الوقت.
2. وضع حزب الله اللبناني بين خياري الحرب أو الخضوع وتسليم السلاح؛ لم يأتي كشف إسرائيل عن معطيات قضية الأسير اللبناني عماد أمهز، والحديث عن المشروع البحري السري لحزب الله، في هذا التوقيت اعتباطيًا، بل جاء في وقت شديد الحساسية بالنسبة لحزب الله، تم اختياره بعناية ودراسة فائقة للغاية؛ حيث:
كشفت تل أبيب عن قضية أمهز بعد عام كامل من خطفه وأسره والتحقيق معه، قبل نهاية العام 2025 بأيام قليلة، وهو الموعد المحدد لإنهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، إذ ينص الاتفاق على أنه بنهاية العام الحالي يكون الحزب سلم سلاحه وانسحب من جنوب الليطاني، تاركًا مواقعه إلى الجيش اللبناني، وذلك تمهيدًا للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق التي تبدأ مع بداية العام 2026، حيث ينص الاتفاق على أن تشهد تلك المرحلة تسليم الحزب لسلاحه والانسحاب من شمال الليطاني وحتى نهر الأولي، فيما تلتزم أن تنسحب تل أبيب من المواقع الخمس التي لا تزال تحتلها في جنوب لبنان، وهنا يكمن أساس الخلاف بين الطرفين؛ فبينما يتمسك الحزب بانسحاب إسرائيل من كامل لبنان ثم البدء في تسليم سلاحه، ترفض تل أبيب أي انسحاب دون حسم مصير سلاح حزب الله أولًا، ومع رفض حزب الله الشديد لهذا الأمر، تكثف إسرائيل تصعيداتها على الجبهة اللبنانية كما وُضح سابقًا.
تزامن الإعلان عن قضية أمهز مع اجتماع لجنة الميكانيزم في رأس الناقورة الحدودية، من جهة، وعقب الاجتماعات التي عُقدت في العاصمة الفرنسية باريس يوم 18 ديسمبر الجاري، بمشاركة مسؤولين لبنانيين وأمريكيين وسعوديين وفرنسيين، والتي تم الاتفاق فيها على دعم جهود الجيش اللبناني فيما يخص نزع سلاح حزب الله، وهو ما يضع الحزب أمام ضغط إقليمي ودولي، كي يخضع لمطلب تسليم سلاحه، استنادًا إلى قرار 1701، وتنفيذًا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في نوفمبر 2024.
يتزامن الإعلان عن قضية أمهز، وما كشفته من استثمار عسكري فادح من جانب إيران لمقدرات الداخل اللبناني، مع حالة الغضب التي بدأت تطال بعض الشيعة الموالين للحزب، نظرًا للضائقة المالية التي أصابت مقدراته بعد خروج سوريا من محور المقاومة الإيراني، وتراجع الدعم المادي واللوجيستي الإيراني على خلفية عودة العقوبات على طهران مرة أخرى في عهد الولاية الرئاسية الثانية لدونالد ترامب، وكذلك مع تكثيف الضربات الإسرائيلية على لبنان بزعم أن السبب في ذلك هو عدم التزام حزب الله ببنود الاتفاق وخاصةً فيما يخص موقفه من تسليم سلاحه للجيش اللبناني، وهذا المشهد يضع حزب الله في مواجهة مع الضغط الداخلي، سواء ضغط عناصره الذي بات غير قادر على تمويلهم كالسابق، أو ضغط عموم الشعب اللبناني الذي يحمل الحزب الآن مسؤولية تزايد خطر اندلاع حرب جديدة بين بيروت وتل أبيب.
الحديث عن المشروع السري البحري الذي ادعاه عماد أمهز في فيديو الاعترافات الذي نشرته إسرائيل، يفيد بأن تأثير حزب الله وتهديده لا يقتصر فقط على تل أبيب، بل أنه دليل واضح على أن الحزب جزء من مشروع إقليمي إيراني، يوسع المواجهة والتصعيد من الحدود البرية إلى الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وهذا من شأنه أن يضع الحزب في مواجهة ضغط إقليمي ودولي أكبر، كي يوافق على تسليم سلاحه، وكذلك يوفر شرعية قانونية وسياسية لأي تصعيد محتمل من تل أبيب على الجنوب اللبناني، أي جعل هذا التصعيد الوشيك مقبولًا من الأطراف الإقليمية والدولية التي لا شك في أنها تهتم لاستقرار ممرات الملاحة في المنطقة، في مواجهة هذا المشروع المزعم في قضية أمهز.
ومن ثم؛ يتضح من دلالات توقيت الكشف عن قضية عماد أمهز، وما كشفته من افتراضات بشأن المشروع البحري السري لحزب الله والمدعوم إيرانيًا، أن إسرائيل أرادت تهيئة الظروف الإقليمية والدولية التي تمهد لفترة جديدة من التصعيد بين تل أبيب والحزب، واختلاق الذريعة لذلك، نظرًا لرغبة إسرائيل في إضعاف الحزب بشكل يمنعه من مساندة طهران في حال تجددت الحرب مرة جديدة بين تل أبيب وإيران خلال الفترة القادمة.
كما أرادت إسرائيل أيضًا، أن تحصل على تأييد دولي لموقفها في حال قررت شن حرب جديدة على جنوب لبنان وحزب الله، جراء إنهيار اتفاق وقف إطلاق النار، على خلفية تمسك الحزب بعدم تسليم سلاحه.
3. استدعاء الخطر الإيراني من خلال تسييس هجوم سيدني؛ سارعت إسرائيل في أعقاب وقوع هجوم سيدني، بإلقاء مسؤولية الحادث على إيران وبعض الجماعات المرتبطة بها مثل حزب الله وحركة حماس، بل والربط أيضًا بين هذا الهجوم وعملية اغتيال القيادي البارز في حزب الله علي الطبطبائي، من خلال فرضية تقول أن طهران وحزب الله متورطان في هجوم سيدني، انتقامًا لعملية الاغتيال الإسرائيلية التي طالت الطبطبائي.
وبإمعان النظر في دوافع إسرائيل من الربط بين الحدثين، واتهام إيران بالوقوف وراء الهجوم، يتضح أن تل أبيب تحاول استغلال وتسييس هذا الهجوم الإرهابي في خدمة حربها الاستراتيجية ضد طهران ومحور المقاومة؛ فهذا الاتهام قد يكون ذريعة قوية حتى تشن إسرائيل حرب جديدة على إيران، وذلك في إطار مبدأ حق الدفاع عن النفس، وسياسة رد الفعل، فضلًا عن استدعاء الخطر الإيراني لتبرير التصعيد الذي أقدمت عليه تل أبيب مؤخرًا، والذي يهدد بدخول المنطقة في مرحلة تصعيد جديدة.
4. استغلال هجوم سيدني في استثارة المظلومية عبر فكرة “معاداة السامية” لتحسين صورة إسرائيل؛ تواصل تل أبيب خروقاتها لاتفاقات وقف إطلاق النار، سواء مع حزب الله اللبناني أو مع حركة حماس، مما يزيد من احتمالات فشل الهدنة التي أوقفت الحرب في المنطقة بعد استمرارها لما يقرب من عامين، وهذا يجعل إسرائيل في نظر كثير من القوى الإقليمية والدولية، هي العنصر المسبب لعدم الاستقرار الإقليمي.
ولكن؛ مع وقوع هجوم سيدني، سعت إسرائيل لتغيير هذه الصورة، من خلال استغلال سياسي أمثل للحادث، تمثل في الربط بين الهجوم وبين أمرين في غاية الحساسية والخطورة؛ وهما:
الهجوم والدعم الأسترالي للقضية الفلسطينية؛ ربطت تل أبيب بين الهجوم وبين موقف أستراليا الداعم للقضية الفلسطينية، فمثلًا صرح وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي ميكي زوهار، أن “اعتراف أستراليا بالدولة الفلسطينية كان بمثابة تفويض رسمي للإرهابيين لإيذاء اليهود”[14]، وهذا الربط أمر شديد الخطورة، إذ تسعى إسرائيل إلى تحويل الاعتراف بالدولة الفلسطينية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني، إلى عبء أمني على أكتاف أي دولة سوف تفكر في الاعتراف بالقضية، بما يوحي بوجود علاقة بين دعم القضية الفلسطينية والإرهاب، وهذا الأمر شديد الخطورة والحساسية بالنسبة لمسار القضية وحل الدولتين، ومستقبل قطاع غزة، وكيفية التعامل مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.
الهجوم ومعاداة السامية؛ سارعت إسرائيل للربط بين هجوم سيدني الإرهابي وبين معاداة السامية، إذ صرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، بأن “هجوم سيدني هو نتاج طبيعي لانتشار اللاسامية التي اجتاحت شوارع أستراليا خلال العامين الماضيين، والتي تخللتها هتافات معادية للسامية”، وتهدف تل أبيب من خلال ذلك، إلى استثارة المظلومية، وتحسين صورتها عبر ذريعة معاداة السامية والاضطهاد الذي يتعرض له اليهود، وهو بالغ الحساسية بالنسبة لموقف إسرائيل من قطاع غزة ومستقبل القضية الفلسطينية، وهو ما يُستدل عليه بشكل واضح في الدعوة التي وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الجاليات اليهودية في الدول الغربية، والتي طالبتهم بالعودة إلى إسرائيل، لأن الدول الأخرى باتت مكان غير آمن لهم، مما يعكس رغبة إسرائيل في القضاء على أي اعتبارات تتعلق بحل الدولتين، وهو الملف الذي اكتسب زخمًا غير مسبوق خلال فترة الحرب.
وإجمالًا؛ هناك العديد من المؤشرات الدالة على أن المنطقة قد تشهد مرحلة جديدة من التصعيد خلال الفترة المقبلة، نظرًا لوجود الكثير من القضايا العالقة بين إسرائيل وحركة حماس وحزب الله اللبناني، مما يجعل اتفاقات وقف إطلاق النار التي عقدتها تل أبيب مع الحزب والحركة، مهددة بالإنهيار في أي وقت، خاصةً مع استمرار الخروقات الإسرائيلية لتلك الاتفاقات، واقتراب الموعد المحدد لإنتهاء المرحلة الأولى منها، وهو نهاية العام الحالي 2025، دون تحقيق كامل لجميع الالتزمات، ودون الاتفاق على محددات المرحلة الثانية، والتي على وشك البدء مع مطلع العام 2026.
ومن ثم؛ تقف المنطقة بين خيار التصعيد والتهدئة، وتشير المعطيات أن الإقليم مفتوح على جميع السيناريوهات والخيارات، وسط حالة من الإنسيابية غير مسبوقة في تاريخ المنطقة، ويبدو أنه سيتم تحديد أي الخيارين سوف تختار إسرائيل خلال الفترة القادمة، خلال الاجتماع المرتقب الذي يجمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الـ29 من ديسمبر الجاري بولاية فلوريدا الأمريكية.
المصادر:
[1] يديعوت: إسرائيل تفحص احتمال وقوف إيران وراء الهجوم في سيدني، صحيفة الغد الأردنية، 14/12/2025، متاح على الرابط: https://www.alghad.tv/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%
[2] قبل حادث سيدني.. الموساد حذّر أستراليا من استهداف إيران لليهود، موقع إرم نيوز، 14/12/2025، متاح على الرابط: https://www.eremnews.com/news/world/wznr1de
[3] لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.. أستراليا تطرد السفير الإيراني بتهمة ضلوع بلاده بهجمات معادية، جريدة رأي اليوم، 26/8/2025، متاح على الرابط: https://www.raialyoum.com/%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%85%D8%B1%
[4] إسرائيل تتهم إيران بتنفيذ حادث سيدني.. مراسلتنا تكشف التفاصيل، القاهرة الإخبارية، 14/12/2025، متاح على الرابط: https://alqaheranews.net/news/150986/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%
[5] الجيش الإسرائيلي: عماد أمهز كشف أسرار الملف البحري السري لـ«حزب الله»، صحيفة الشرق الأوسط، 19/12/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D
[6] “الملف البحري السري”.. كشف تفاصيل مخطط حزب الله ضد إسرائيل، سكاي نيوز عربية، 19/12/2025، متاح على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1841034-%D8%A7%D9%84%D9
[7] خلاصة اجتماع “الميكانيزم” الخامس عشر: التقدّم في المسارين الأمني والسياسي يعد أمراً ضرورياً، جريدة النهار العربي، 19/12/2025، متاح على الرابط: https://www.annahar.com/articles/263562/%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8
[8] إسرائيل تغتال الرجل الثاني في حزب الله في غارة على بيروت، موقع ميدل إيست أونلاين، 23/11/2025، متاح على الرابط: https://www.middle-east-online.com/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8
[9] “القناة 13” العبرية: نتنياهو سيعقد الخميس لقاء حاسما بشأن الانتقال نحو المرحلة الثانية في غزة، موقع روسيا اليوم، 16/12/2025، متاح على الرابط: https://arabic.rt.com/world/1740296-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87
[10] خرق متواصل لاتفاق وقف إطلاق النار… إسرائيل تقصف غزة، جريدة النهار العربي، 15/12/2025، متاح على الرابط: https://www.annahar.com/international/262589/%D8%AE%D8%B1
[11] الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا تدعو إلى ضبط النفس في غزة، صحيفة الشرق الأوسط، 20/12/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9
[12] المرجع السابق، https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9
[13] لبنان: تدابير سياسية ــ عسكرية لتجنب جولة جديدة من الحرب، صحيفة الشرق الأوسط، 20/12/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%A
[14] يديعوت: إسرائيل تفحص احتمال وقوف إيران وراء الهجوم في سيدني، صحيفة الغد الأردنية، 14/12/2025، مرجع سابق.