َتتَميزُ تركيا بعلَاقاتٍ وثيقةٍ مع حركةِ حماس وقيادتِها وكان يَجْمَعُ أردوغان ورئيسُ المكتبِ السياسي لحركةِ المقاومةِ الإسلاميةِ حماس علاقةً وثيقةً وزياراتٍ متكررةً في الفترةِ الأخيرةِ، وجاءَ اغتيالُ إسماعيل هنية في الحادي والثلاثين من يوليو 2024 من مقرِّ إقامتهِِ في العاصمةِ الإيرانيةِ طهران من قِبَلِ القواتِ الإسرائيلةِ والتي لم تُعلنْ صراحةً مسؤوليتَها عن اغتيالهِ ولكن تتصرفُ على هذا الأساسِ وتتهمُها حركةُ حماس والسلطاتُ الإيرانيةُ بتنفيذِ هذه العملية.
هذه العمليةُ مَثّلتْ صدمةً للرئيسِ أردوغان باعتبارِ العلاقةِ الوثيقةِ مع إسماعيل هنية وباعتبارِ دَعٔمِهِ للحركةِ حيث تُعْتبرُ تركيا كما هو معلومٌ من الدولِ التي تَرفضُ الاعترافَ بحماس كجماعةٍ إرهابيةٍ وُتقِرُّ بأنها حركةُ مقاومةٍ فلسطنيةٍ نشأت نتيجةً لسياساتِ الاحتلالِ الغاشمِ، ولا يُعْتَبرُ اغتيالُ هنية صدمةً للسلطاتِ التركيةِ فحسب بل يُمَثّلُ تحركًا خطيرًا في مسارِ الحربِ التي تَشُنُّها إسرائيلُ على قطاعِ غزة نتيجةً للشعبيةِ الواسعةِ التي كان يحْظَىَ بها ومع الأخذ في الاعتبار الخطوات التي تم اتخاذها ومازالت تحدث بعد اغتياله.
وفي هذا الإطار تأتي هذه المقالة تتناولُ أثرَ اغتيال إسماعيل هنية على مسارِ العلاقاتِ الإسرائيلية – التركيةِ مع استشرافِ الخطواتِ التي ستتَخِذُها تركيا في هذ الصددِ وكيف يمكنُ لإسرائيلَ التعاملُ مع تصاعدِ الأحداثِ.
كاتب المقالة
سونر جاغابتاين أوزغيشميش زميلٌ أول في مؤسسةِ باير فاميلي ومديرُ بَرْنامجِ الأبحاثٓ التركيةِ في معهدِ واشنطن مهتمٌ بالعلاقاتِ الأمريكيةِ التركيةِ وله بَاعٌ طويلٌ من العملِ عليها، وكذلك له اهتمامٌ واسعٌ بالسياسةِ التركيةِ الداخليةِ والقوميةِ التركيةِ.
له مقالاتٌ في مَجَلاّتٍ علميةٍ ووسائلِ الإعلامِ الدوليةِ الكبرى مثل واشنطن بوست، ويل ستريت جورنال، نيوريورك تايمز، وعَمِلَ في اقدمِ صحيفةٍ تركيةٍ ناطقةٍ باللغةِ الإنجليزيةِ صحيفةِ حريت ديلي نيوز، وله كتابٌ حديثٌ بعنوان “سلطان في الخريف: أردوغان يواجهُ قوىَ تركيا التي لايُمكنُ احتواؤها وله العديدُ من الكُتُبِ الأخرى وترُجِمَتٍ للغاتٍ عديدةٍ.
جاءتْ مقالتهُ بعنوان “ Israel- Turkey Relations Nearing a Rupture” المنشورة في معهد واشنطن في التاسع من أغسطس 2024 تدرسُ أثرَ اغتيالِ إسماعيل هنية رئيسِ المكتبِ السياسيِ لحركةِ حماس على العَلاقاتِ الإسرائيليةِ – التركيةِ وتَدْرُسُ المخَاطرَ التي يُمْكِنُ حُدوثُها من خلالِ احتمالاتٍ عدةٍ كان أبرزُهم قَطَعَ العلاقاتِ الدبلوماسيةِ وفَشَلَ الوَسَاطةِ الأمريكيةِ في نجاحِ استمرارِها مرةً أخرى، وكذلك تتناولُ بعضَ الخياراتِ المُتَاحةِ أمامَ إسرائيلَ للتّعاملِ مع الخُطْوَةِ التركيةِ المقبلةِ وكيف سيُؤثرُ مثلُ هذا المشهدِ على العلاقاتِ التركيةِ – الأمريكيةِ[1].
1- تاريخُ العلاقاتِ التركيةِ مع حركةِ حماس
كما تُشِيرُ المَقاَلةُ هناك علاقاتٌ وثيقةٌ بين الدولةِ التركيةِ وحركةِ حماس وبالأخصِّ الرئيسُ رجب طيب أردوغان الذى حَرَصَ منذ البدايةِ أن يَرتبَطَ بعلاقاتٍ قويةٌ مع الحركةٍ منذُ بداياتِ حُكْمهِ، وفي الوقت الذي التقى فيه أردوغان بزعيم الحركة في أنقرة كانت تركيبا تتَمتّعُ بعلَاقاتٍ ممتازةٍ مع إسرائيل وكانت هذه الحالةُ نابعةً من أن تركيا كانت الدولةَ الصديقةَ الوحيدةَ ذاتَ الأغلبيةِ المسلمةِ ونتيجةً للتعاونِ منذ التسعيناتِ في مجالاتِ السياحةِ والتجارةِ والتعاونِ الاستخبارتيِ والعسكريِ ولكن في الوقتِ ذاتهِ لم تتخلْ تركيا عن القضيةِ الفلسطينةِ ولم تَتَخِذْ موقفاً معادٍ من الفلسطنينين بل كانت تتمتعُ بعلاقاتٍ رسميةٍ مع منظمةِ التحريرِ الفلسطينيةِ وكانت من الدولِ التي تُقَدّمُ الدعمَ للسلطةِ الفلسطينةِ.
ويشير سونر إلى أن الاشتباكاتِ العسكريةَ التي خاضَتْهَا إسرائيلُ مع حماس كانت هي السببَ الرئيسيَ في إحداثِ تحولٍ في شكلِ العلاقاتِ مع كلٍ من إسرائيلَ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ اللتان اعتبرتا حركةَ حماس حركةً إرهابيةً في الحينِ الذي أقرت به تركيا باعتبارِها حركةَ مقاومةٍ وكانت هي الأولويةَ عن غيرِها من الفصائلِ الفلسطينةِ بما فيهم منظمةُ التحريرُ الفلسطينةُ وحركةُ فتح وبدأت في استضافةِ قادةِ الحركةِ بشكلٍ سِرّيٍ باعتبارِهم ممثلاً شرعياً للشعبِ الفلسطينيِ.
نتيجةً للعلاقاتِ الوثيقةِ بين تركيا وحركة حماس إلى جانبِ مجموعةٍ من العواملِ الأخرى بدأت تتآكلُ العلاقاتُ الإسرائيليةُ -التركيةُ وبدأت إسرائيلُ تَتَوجّسُ من نيةِ تركيا تجاههَا، ونتيجةً للمساعداتِ المتتاليةِ التي قدمتهَا تركيا لمساعدةِ حماس وبعد الاشتباكِ الذي دارَ في محاولةِ تركيا لفكِّ حصارِ 2010 عن قطاعِ غزة ومَقْتِلِ 8 مواطنين أتراك انقطعتْ العلاقاتُ الإسرائيلةُ التركية ولم تَعُدْ العلاقاتُ بينهم حتى ديسمبر 2022 بعد جهودٍ طويلةٍ من الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ وُيشِيرُ سونر إنه في حالِ قطعِ العلاقاتِ مرةً أخرى سَتَجِدُ واشنطن صعوبةً أخرى في إرجاعِها.
2- الردُّ المُتَوَقّعُ لتركيا بعد اغتيالِ هنية
أشارَ سونر في تحليلهِ للخُطُواتِ المُقبْلةِ التي يُمكنُ أن تأخذَها تركيا إلى مجموعةٍ من الاحتمالاتِ منها دبلوماسيٌ والآخرُ عسكريٌ حيث يُتَوقّعُ بعد اغتيالِ هنية أن تركيا ستصاعدُ إجراءاتِها التي كانت قد بدأتهَا منذ بدأِ الحملةِ العسكريةِ في غزة إلى جانبِ التصعيدِ على المستوى الخطابيِ والقيودِ التجاريةِ في أبريل 2024 وحظرِ أنشطةِ الاستيرادِ والتصديرِ مع إسرائيل ربما سَتلجْأُ تركيا إلى فَرْضِ حَظْرٍ كاملٍ على تعاونِ حلِْفِ شمالِ الأطلسي وتُقِرُّ استخدامَ حقِّ النقضِ ضد كل المبادراتِ المتعلقةِ بإسرائيلَ في المستقبلِ، إلى جانبِ مجموعةٍ أخرى من العقوباتِ التِجاريةِ لتمنَعَ الشركاتِ التركيةَ من استخدامِ دولٍ وسيطةٍ مثلَ اليونان لمواصلةِ التجارةِ مع إسرائيل، وربما تَعمَلُ على التضيقِ على إسرائيل في مجالِ النفطِ من خلالِ قَطْعِ تدفقاتِ الطاقةِ في جيهان من أذربيجان عبر خطِّ الأنابيبِ إلى إسرائيل.
كما أوضحَ خيارٌ آخرُ ربما أكثرُ الخَياَراتِ تصعيدًا مشيرًا إلى السفينةِ التي رسَتْ في إسطنبول منتظرةً الإذنَ بالإبحارِ إلى غزة مما يؤدي إلى اشتباكٍ عسكريٍ مع إسرائيل وتَكْرَارِ المواجهةِ التي حدثتٰ في 2010 وربما ستقومُ باستضافةِ القياداتِ العليا لحماس والتعاونِ معها بشكلٍ أوثقِ.
ولكن في اعتقاديِ أنه في السياسةِ الخارجيةِ التي تَتْبِعُهَا تركيا في الفترةِ الحاليةِ والتي تَتَصِفُ بقدرٍ كبيرٍ من البراجماتيةِ والعقلنةِ لن تقومَ تركيا بأي خُطْوةٍ غيرِ محسوبةٍ وستظلُ على وتيرتِها من حيثُ التصعيدُ على مستوى الخطابِ والعقوبات والمقاطعة التجارية والاقتصادية، وربما سيلجأُ أردوغان لتوطيدِ التعاونِ مع الدولِ الأخرى ذاتِ الاهتمامِ بالقضيةِ من أجلِ اتخاذِ خطواتٍ مشتركةٍ لدعمِ حَلِّ الدولتين ودعمِ الجانبِ الفلسطيني وحركةِ حماس، ربما بالفعلِ ستَزدَادُ العلاقاتُ ووزياراتُ مسؤولي حركةِ حماس و تركيا في مُختَلفِ أنواعِ الدعمِ للحركةِ، لكن استَبْعِدُ أن تقومَ تركيا بخُطْوةٍ عسكريةٍ في الوقتِ الحالي حتى لا يزداد الوضع سوءًا في المنطقة في حين أنها تسعى لتحقيقِ السلامِ والاستقرارِ في المنطقةِ، وأستبعدُ خَيارَ قطعِ الطاقةِ أيضًا لأنه سيُهَدْدُ مصالحَ تركيا في منطقةِ شرق المتوسط، وكما أشارَ سونر أن تركيا ترغبُ بشدةٍ في المشاركةِ في إعادةِ إعمارِ القطاعِ والتوسطِ في حلِ النزاعِ وأي من هذه الخطواتِ التي وصفَها بالخَيَاراتِ النوويةِ ستجعلهَا تُواجِهُ صعوبةً بالغةً في هذا الصددِ.
3- كيف يُمكنُ أن تحتاطَ إسرائيلُ
أشار سونر أنه لكي تتمكنَ إسرائيلُ من تَجَنّبِ أيةِ خُطُواتٍ تَصْعيديةٍ من تركيا ربما عليها أن تتَصَرفَ بذكاءٍ واستغلالِ رغبةِ تركيا في المشاركةِ في الوساطةِ لحلِّ النِزاعِ ومساعدةِ الشعبِ الفلسطيني وأن تَستَخْدِمَ الدولُ الوسيطةُ مثل الإمارات العربية المتحدة لإرسالِ إشاراتٍ إلى تركيا أن مثلَ هذه الرغبة من المُمكنِ تَحقيِقُها حنى تَتجنّبَ تركيا التَصعيدَ وأن في هذه الحالةِ لن تتوقفَ تركيا عن انتقادِ إسرائيلَ دوليًا وفي هذا الصددِ اتَفِقُ معه.
ويرى أن إسرائيلَ قد تتخذُ خطواتٍ أكثر تصعيدًا مثل تدعيمِ تحالفِها مع اليونان وفي هذه الحالةِ سيكونُ من الصعبِ إصلاحُ العلاقاتِ بين إسرائيل وتركيا، وفي هذا الصددِ يرى أن خياراتِ الولايات المتحدة في مَنْعِ القطيعةِ بين إسرائيل وتركيا قليلةٌ وَيجِبُ عليها بَذْلُ جهودٍ كبيرةٍ لمنعِ هذه القطيعةِ وتوجيهِ النصيحةِ لإسرائيل لمنعِ التصريحاتِ الاستفزازيةِ التي قد تَخْلِقُ ردوداً عكسيةً لدى الشعبِ التركي.
الاستنتاج
كما أوضحت المقالةُ أن العلاقاتِ الإسرائيلةِ-التركيةِ ستتأثرُ بشكلٍ أو بآخرَ بعد عمليةِ اغتيالِ إسماعيل هنية وأن هناك خطواتٍ هامةٍ على كلا الطرفين اتخاذُها ولكن عليهما حسابُ هذه الخطواتِ بشكلٍ جيدٍ وحسابُ آثرِها على المدى الطويلِ، ومن الواضحِ أيضًا أن تركيا لن تتوقفَ عن تقديمِ الدعمِ للجانبِ الفلسطيني وانتقادِ إسرائيل على الجانبِ الدوليِ .ولذا على دُولِ المنطقةِ والدولِ الوسيطةِ العملُ على حلِّ النزاعِ وإقرارِ السلامِ والاستقرارِ في المنطقةِ.
