المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > آلية سناب باك “Snapback”: ورقة الردع الأخيرة أم بوابة التصعيد مع إيران؟
آلية سناب باك “Snapback”: ورقة الردع الأخيرة أم بوابة التصعيد مع إيران؟
- يوليو 17, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: دينا إيهاب
باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في سياقِ تصاعدِ التوتراتِ الإقليمية والدولية المُحيطة بالملف النووي الإيراني، عادتْ آليةُ “سناب باك” – المعروفةُ بآلية العودة التلقائية للعقوبات الأممية – إلى صدارةِ المشهدِ السياسيِ والدبلوماسي، على خلفيةِ تهديداتٍ أوروبيةٍ مّتصاعدةٍ ضد طهران، فقد صرّح وزير الخارجية الفرنسي، “جان نويل بارو” يوم الثلاثاء الموافق 15 يوليو 2025، بأن فرنسا لن تترددَ في تفعيلِ هذه الآلية في حال فشل الجهود الرامية إلى التوصّلِ إلى اتفاقٍ بشأن البرنامج النووي الإيراني، مُؤكدًا بأن للدول الثلاث فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا الحقَّ في إعادةِ فرْضِ العقوباتِ المتعلقةِ بالأسلحةِ والنظامِ المصرفي والمعداتِ النوويةِ التي رُفعت قبل عشر سنوات[1]، ولقد تزامنَ هذا التصريحُ مع إعلانِ المستشار الألماني نيةَ بلاده التقدَّم رسميًا بطلبٍ إلى مجلس الأمن لتفعيل الآلية ذاتها، في مُؤشرٍ واضحٍ على تشدّد الموقفِ الأوروبي إزاء تعثّرِ المحادثاتِ النووية مع إيران، في المُقابل، عبّرتْ طهران عن رفضها القاطع لهذه التهديدات، ووصفتْ أيَّ تفعيلٍ محتملٍ لآلية “سناب باك” بأنه تصعيدٌ غيرُ مُبرر، يفتقر إلى الأسسِ القانونيةِ والأخلاقيةِ، ويعكسُ – من وجهة نظرها – نهجًا سياسيًا عدائيًا من جانب الدول الأوروبية، وأكدت إيران أنها ستتعاملُ مع أيِ خطوةٍ في هذا الاتجاه[2]، ما يُنذرُ بمرحلةٍ جديدةٍ من التصعيد المتبادل، ويطرحُ تساؤلاتٍ جوهريةً حول الجدوى القانونية وحدود فعالية هذه الآلية في مواجهة إيران ومدى إمكانية احتواء الأزمة ضمن الأطر الدبلوماسية الراهنة.
أولًا: ماهية آلية سناب باك ” Snapback “
تُعدُّ آليةَ “سناب باك” إحدى أبرز الأدوات القانونية في ملف البرنامج النووي الإيراني، إذ تجمع بين القوة الإجرائية والتأثير السياسي عالي المخاطر، وذلك على النحو الآتي:
النشأة في عهد أوباما: تعودُ جذورُ آلية “سناب باك” إلى إدارةِ الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، التي صاغت الاتفاقَ النووي مع إيران عام 2015 JCPOA بالتنسيق مع الدول الخمس دائمةِ العضويةِ في مجلس الأمن إلى جانب ألمانيا، ضمن إطارٍ تفاوضيٍ متعدد الأطرافِ عُرف بمجموعة 5+1، وقد أصرّت الإدارة الأمريكية حينها على إدراج هذه الآلية ضمن القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن[3]، كوسيلةٍ لحمايةِ الاتفاق من أي تعنّتٍ مستقبليٍ داخل المجلس، لا سيَّما من قِبَلِ روسيا أو الصين، وكانت الغايةُ من تصميم “سناب باك” هي ضمانُ تنفيذِ بنود الاتفاق من خلالِ تهديدٍ ضمنيٍ بإمكانية العودة السريعة للعقوبات الأممية في حال أخلّت طهران بالتزاماتها. إلا أن هذه الأداةَ القانونية – التي لم تُستخدمْ خلال فترة أوباما نتيجةَ التزام إيران النسبي – كانت بمثابةِ شبكة أمان دبلوماسية أكثر منها أداة للمواجهة المباشرة.
الوظيفة الإجرائية لآلية سناب باك: تتمتعُ آلية سناب باك بخصوصيةٍ إجرائيةٍ تجعلها من بين الأدوات القانونية الأكثر حساسية ضمن نظام الأمم المتحدة، فإذا قدّم أحدُ أطراف الاتفاق النووي شكوىَ رسميةً إلى مجلس الأمن تفيد بحدوث “خرقٍ جوهريٍ”، فإن المجلسَ يَمنحُ مهلةً زمنيةً لا تتجاوز 30 يومًا للتصويت على مشروع قرارٍ يُبقي على رفْعِ العقوبات[4]، إلا أن المُفارقةَ في الآلية تكمنُ في أن الدولةَ مقدّمة الشكوى يمكنها إجهاض هذا القرار باستخدام حق النقض (الفيتو)، وهو ما يؤدي تلقائيًا إلى إعادة تفعيل العقوبات الأممية السابقة دونَ الحاجةِ إلى أي تصويتٍ إضافيٍ، وبهذا، تنطوي الآلية على آليةٍ تلقائيةٍ شبه حتميةٍ لاستعادة النظام العقابي السابق، في حالِ وجودِ نيةٍ سياسيةٍ لدى أحد الأطراف، وفيما يلي الخطوات اللازمة لتفعيل الآلية:
يقدم الطرف الذي يرى أن إيرانَ لم تلتزمْ بالاتفاق شكوى مكتوبةً إلى “اللجنة المشتركة” المكونة من ممثلين عن جميع الدول المشاركة في الاتفاق.
تمنحُ الآليةُ اللجنةَ مهلةً زمنيةً محددةً في 15 يوما لمحاولة حل المشكلة بالتفاوض.
إذا لم يُحلّْ الخلاف داخل اللجنة، يرفع النزاع إلى وزراء خارجية الدول المشاركة مدة 15 يوما إضافية للنقاش.
يمكن أثناء هذه الفترة أن يطلبَ الطرفُ المشتكي رأياً من لجنةٍ استشاريةٍ مكونةٍ من 3 خبراء للنظر في الموضوع بمدةٍ أقصاها 15 يوما، وهو إجراء اختياري غير ملزم.
إذا لم تُسفرْ كل هذه الخطوات عن اتفاقٍ، يمكن للطرف المشتكي أن يُحيلَ القضيةَ إلى مجلس الأمن الدولي.
يتمُّ تقديمُ مشروعِ قرارٍ في مجلس الأمن لتأكيد استمرار رفع العقوبات عن إيران.
إذا لم يعتمدْ مجلسُ الأمن هذا القرار في 30 يوما، تُعادُ تلقائيا كل العقوباتِ الدوليةِ التي كانت مفروضةً على إيران قبل الاتفاق.
حدود سلطة الفيتو في آلية سناب باك: من أبرزِ ما يميزُ آليةَ سناب باك أنها تُقيد – نظريًا وعمليًا – استخدام الفيتو من قِبلِ الحلفاء التقليديين لإيران مثل روسيا أو الصين، فبما أن القرارَ 2231 قد تبنّى مسبقًا شرطَ العودة التلقائية للعقوبات، فإن التصويتَ داخل مجلس الأمن لا يتمُّ على فرْضِ العقوبات، بل على استمرار رفعها، وبالتالي، فإن الطرفَ المُتضررَ من الإخلال (كفرنسا أو بريطانيا) يستطيعُ إسقاط مشروع قرار التمديد باستخدام الفيتو، مما يؤدي إلى إعادةِ فرْضِ العقوبات تلقائيًا دون أن يكونَ لبقيةِ الأعضاء، بمن فيهم حلفاء إيران، القدرةُ على منعه،وهكذا، فإن الفيتو في هذه الحالة يتحول من أداة تعطيلٍ إلى أداة تنفيذٍ بيدِ الطرف المشتكي، وهو ما يُعد سابقةً في الهندسة القانونية للقرارات الدولية، ومع ذلك، لا تزالُ هذه الآلية محلَّ جدلٍ قانونيٍ وسياسيٍ واسعٍ، نظرًا لتجاوزها مبدأ الإجماع الجماعي الذي يُفترضُ أن يحكمَ عملَ مجلس الأمن.
العودة إلى الحديث عن تفعيل الآلية: في 14 يوليو 2025 وتزامنا مع الذكرى العاشرة لتوقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، بدت في الواجهة تلويحاتٌ أوروبيةٌ بتفعيل الآلية مُجددًا، وذلك ردًا على تغييرِ إيران لموقفها من التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتهديداتِ طهران بالانسحاب من معاهدةِ حظْرِ الانتشار النووي[5]، عقِبَ الهجوم الذي تعرّضتْ له منشآتُها النوويةُ في أعقابِ حرب الاثني عشرَ يومًا في يونيو 2025.
ثانيًا: رسائل التوقيت
عاد الحديث بقوةٍ مجددًا عن تفعيل آلية “سناب باك” ضد إيران إذا لم تُسفرْ المُحادثاتُ النوويةُ عن نتائجَ ملموسةٍ، ومع انضمام باريس وبرلين ولندن إلى الموقف نفسه، بدا واضحًا أن أوروبا قررت تجاوز ترددها القديم، والدخول على الخط مع واشنطن في التصعيد المنسّق ضد طهران، لكن اللافت في هذا التوقيت تحديدًا، أن هذا التصعيدَ لم يكنْ استجابةً تقنيةً فقط لتعثّرِ المفاوضات، بل تحركًا مدروسًا ومُتعدد الدلالات، وذلك على النحو الآتي:
عودة التماهي بين واشنطن الدول الأوروبية بعد قمة الناتو: بالنظر إلى مُحاولة التفعيل السابقة لآلية سناب باك في عام 2020 فإن الولايات المتحدة قد أخفقت في حشدِ دعمِ حلفائها الأوروبيين داخل مجلس الأمن حين حاولت مُنفردةً تجميدَ رفْعِ حظرِ الأسلحة المفروض على إيران، خصوصًا بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 دون تنسيق مع الشركاء الأوروبيين[6]، لكن اليوم، وبعد قمة الناتو في 24 يونيه 2025، برزتْ إشاراتٌ قويةٌ على تصحيحٍ لمسار العلاقات الأميركية-الأوروبية، أعادت تموضع أوروبا ضمن استراتيجية الضغط القصوى على إيران، فالولايات المتحدة، التي تُدركُ محدوديةَ تحركها المنفرد، دفعت نحو إشراك الأوروبيين بفاعليةٍ لتتحولَ إلى مُوقفٍ جماعيٍ منسّقٍ في سبيل الدفع بمزيدٍ من الضغوطِ على البرنامج النووي الإيراني.
موقف مُوحد مقابل تسهيلات تجارية: التحول في الموقف الأوروبي لا يُفسَّر فقط بتغيرِ المزاج السياسي، بل يعكسُ أيضًا عن احتماليةِ وجود مُقايضةٍ اقتصاديةٍ غيرِ مُعلنةٍ بين أوروبا والولايات المتحدة، فدخولُ العواصمُ الأوروبية على خط الضغط ضد إيران، إلى جانب واشنطن، جاء في وقتٍ تشهد فيه المفاوضاتُ الأميركيةُ الأوروبية تطورًا بشأن تخفيف السياسات الحمائية والرسوم الجمركية التي أُقرت بعد عودة ترامب للبيت الأبيض، في هذا السياق، يُمكن القول بأن واشنطن دفعت أوروبا للانخراطِ بشكلٍ أكثر جرأةً في الملف الإيراني، مقابل تسهيلاتٍ تجاريةٍ جمركيةٍ تشملُ تخفيفَ الرسومِ على المنتجات الأوروبية وفتْحَ الأسواق الأميركية لبعض هذه القطاعات.
خصوصية التوقيت: يُضاف إلى ما سبق بُعدٌ زمنيٌ حاسمٌ يتمثّل في اقتراب تسلُّم روسيا رئاسةَ مجلس الأمن الدولي في نهاية 2025، وبما أن موسكو تُعدُّ من أبرز حلفاء طهران، فإن أيَ محاولةٍ لاحقةٍ لتفعيل آلية سناب باك بعد دخولها إلى سدة الرئاسة الدورية للمجلس ستكون محفوفةً بالتعقيد السياسي والإجرائي، لذلك، بدا أن الدولَ الأوروبيةَ تسارع الخطى لتفعيل الآلية قبل أن تصبحَ روسيا قادرةٌ على تعطيل، أو على الأقل تقييد، أي تحرك غربي ضد إيران تحت مظلة مجلس الأمن.